Story in English:https://debriefer.net/news-2450.html
ترجمة خاصة لـ"ديبريفر"
بقلم: جاك دريسر*
يبدو أن عدداً قليلاً جداً من الأمريكيين يتساءلون بوضوح، لماذا تدعم الولايات المتحدة الحرب السعودية على الإبادة الجماعية في اليمن؟ وبالنظر إلى أن الأزمة الإنسانية في اليمن تتجاوز الآن كل كارثة أخرى في العالم، فإن هذا السؤال الحيوي يستحق جواباً مستنيراً وخطيراً يشتمل على الجغرافيا والتاريخ الذي لا يتعلمه الأمريكيون من مدارسهم ولا يعلمونه من وسائل الإعلام الخاصة بهم. فبحصار موانئها وقصف سكانها المحاصرين بلا هوادة، أفاد الصليب الأحمر أن أكثر من ثمانية ملايين شخص يواجهون المجاعة الوشيكة وأن أكثر من مليون شخص قد أصيبوا بالكوليرا.
وهذا لم يكن نتاج انقسام حزبي في أميركا. فكلاً من أوباما و ترامب مسؤولان بشكل رئيسي عن ذلك، وبفعل هوس الرأي العام الأمريكي الذي لا يهدأ عن الحديث عن سياسة الهوية التي يمتلكها لنفسه، لم يلاحظ أحد ذلك؟ فعلى سبيل المثال لم تقم قناة إم إس إن بي سي MSNBC الليبرالية ببث قصة واحدة عن اليمن منذ يوليو 2017، أي منذ أكثر من عام، في حين أخذت تبث 455 قصة عن الممثلة Stormy Daniels. لقد انخفضت قناتنا الرسمية MSM إلى مستوى الصحافة المحصورة على الأمور الترفيهية التابلويدية.
فلماذا يحدث هذا حقاً؟، دعونا نسأل أخيراً بعد ثلاث سنوات من الدمار القتل والجماعي، ألسنا نحن من يقوم بتوفير الوقود يوميا للمقاتلات التي تسقط قنابل أميركية الصنع على الناس الجائعين باستخدام احداثيات الاستهداف المقدمة من الأمريكيين عن طريق طائرات نقل الوقود الأميركية في الجو؟
لماذا وافقت إدارتنا على بيع المعتدين من السعودية والإمارات العربية المتحدة 120 ألف ذخيرة موجهة بدقة من شركتي رايثيون وبوينغ ضمن صفقة أسلحة بقيمة 110 مليارات دولار؟ عن طريق هذه الأمور المروعة يحصد صانعوا الأسلحة وبلا حدود، على أموال كبيرة وأرباح كبيرة. ولكن بما أن قانون مراقبة صادراتنا من الأسلحة يحدد استخدام الأسلحة الأمريكية في "الدفاع الشرعي عن النفس"، فما الذي تفعله هذه الدول الغازية؟.
وبتقريب أكثر، هل يعلم دافعو الضرائب الأميركيين أن السفينة الهجومية البرمائية التابعة للبحرية الأميركية USS Boxer المتواجدة قبالة السواحل اليمنية تقدم الدعم الطبي لمن يشنون الهجمات على اليمن، وأن القوات الأميركية تنتشر على الأرض لتقديم الدعم الاستخباراتي واللوجيستي، بما في ذلك المساعدة في "التخطيط للعمليات العسكرية والحصار البحري والعمليات الأمنية "في حرب بالوكالة ضد الشعوب الأصلية كما فعلنا في فيتنام؟.
وعلى الرغم من تأكيد إدارة أوباما وترامب والكونغرس الأميركي والتعهدات غير الملزمة للسعوديين للحد من الإصابات، استمرت المذبحة بلا هوادة. تستخدم الولايات المتحدة تفويض الكونغرس لعام 2001 لاستخدام القوة العسكرية ضد الجماعات المسؤولة عن هجمات 11 سبتمبر كأوراق تين قانونية لتبرير الإجراءات العسكرية ضد القاعدة في شبه الجزيرة العربية وتنظيم الدولة الإسلامية كأهداف ظاهرية لنا في اليمن.
كما أن الانقلاب الأخير على الأمير السعودي محمد بن سلمان تسبب في جمع ثروة العائلة الحاكمة لتسديد الفواتير، وتشمل تلك الفواتير تكاليف التغطية الصحفية الشاملة على جانبي المحيط الأطلسي والتي كانت ناجحة للغاية.
لكن بالعودة إلى السؤال الأساسي، لماذا؟ يقول المحلل السياسي فيل بتلر في مجلة New Eastern Outlook على الإنترنت: "في الوقت الذي تحاول المؤسسات الفكرية الإنجيلية في واشنطن اللعب بورقة التوترات الدينية السنية – الشيعية، تكون احتياطيات النفط الجديدة هي محور الأمر".
نحن بحاجة إلى متابعة الأخبار التجارية لرصد ما يدور في مجال الطاقة الذي يحدد الكثير من أمور السياسة العالمية، إذ تشير الدلائل من هذه المصادر إلى أن اليمن يجلس فوق احتياطيات ضخمة من النفط والغاز لم يتم استكشافها أو تطويرها بالكامل بالإضافة إلى أربعة مليارات برميل من الاحتياطيات المؤكدة. منذ عام 2002، حدد تقرير المسح الجيولوجي الأمريكي كميات كبيرة من النفط والغاز في اليمن موجودة تحت مياهه الإقليمية في البحر الأحمر وخليج عدن، وعرفنا من برقية وزارة الخارجية الأمريكية في ديسمبر 2008، أن إدارة أوباما ووزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون كانتا على علم تام بالموارد الكبيرة لليمن، وبالتالي لم يكن الاستيلاء على جزيرة سمحة Samhah في خليج عدن من قبل البحرية الأميركية وبناء أكبر قاعدة بحرية إقليمية لها في الجوار اختياراً عشوائياً.
حسنا، لكن المملكة العربية السعودية لديها الكثير من النفط، فلماذا هذا الهجوم الوحشي على اليمن؟.
تذكروا الضربات الوحشية في ولاية تكساس وأوكلاهوما؟ لقد مر عليها زمن طويل. عندما تم تحديد "ذروة النفط" لأول مرة وتنبأت المنحنيات البيانية باستنفاذها، أخذت المملكة العربية السعودية تسارع إلى جلب منصات جديدة على الخط، وزادت إجمالي انتاجها للنفط إلى 170 هذا العام من 88 قبل خمس سنوات، كما أنشأت منصات بحرية أكثر تكلفة بسبع مرات، وهذا هو أكبر دليل على أن أكبر الحقول النفطية في العالم قد أوشكت على النضوب، مثلما فعلت منطقتنا في السبعينيات. ومن أجل البقاء على قيد الحياة والإبقاء على البيئة الاقتصادية كما هي في ظل ثروة النفط ولمنافسة ناجحة مع روسيا وإيران وفنزويلا، يحتاج السعوديون إلى ثروة نفط جديدة من مكان آخر.
يقول الخبير الاقتصادي اليمني حسن الصنيري، إن الرياض تريد أيضاً بناء قناة عبر اليمن إلى بحر العرب لتخطي مضيق هرمز المؤدي إلى الخليج الفارسي، لتمر صادراتها النفطية من باب المندب في البحر الأحمر الذي يمر عبره حوالي 3 ملايين برميل من النفط يومياً لتصل إلى أوروبا وأمريكا الشمالية من خلال قناة السويس. كلا المضيقين يشكلان نقطة خنق محتملة في أوقات النزاع. من الواضح أن السعوديين يريدون تجنب حكومة حليفة لإيران في اليمن يمكن أن تمنح إيران سيطرة محتملة على كلا الطرفين، كما أنه لم يكن خيارا عشوائياً أن أسست الولايات المتحدة أكبر قاعدة طائرات بدون طيار في جيبوتي، قبالة باب المندب واليمن مباشرة، وأعلنت إسرائيل مؤخراً عن استعدادها للمساعدة في الدفاع دون تردد ضد "التعدي" الإيراني إذا لزم الأمر.
إذن ما هي مصلحة أميركا الحيوية؟ ألا نستطيع شراء النفط بنفس السهولة من اليمن؟ بالطبع نستطيع، لكن ليس النفط فقط هو القضية، إنها حماية البترودولار، الذي يميع تدريجيا أمام العملات البديلة. تهدد الهيمنة الاقتصادية للبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية من قبل بنك الاستثمار في البنية التحتية الآسيوي الصيني المكون من 86 عضواً، ومنظمة شنغهاي للتعاون، ومشروع طريق الحزام الواحد في الصين - في تعاون وثيق ومتشابك مع روسيا - عبر الكتلة الأرضية الأوراسية التي عرفت باسم الملكة على رقعة الشطرنج الكبرى في بريجنسكي.
لقد أبقت اتفاقية عام 1973 واتفاقيات أوبك التي أبرمت في عام 1975 لتحديد مبيعات النفط بالدولار، السعودية على قمة النظام المالي العالمي، ووفر (الاتفاق الدولي) الكارتل السعودي قاعدة للقدرة كانت محدودة زمنياً حتماً. انخرطت اثنتان من أكبر منتجي النفط، إيران وفنزويلا، بعيداً عن قيود منظمة "أوبك"، وانضمت إلى روسيا كمنتجين رئيسيين خارج نطاق النفوذ الأمريكي، وأخذتا تتداولان بعملات بديلة. إن هذين الهاربين من زمرتنا هما الآن من الدول "المعادية" التي وصفت بوابل الدعاية المعتاد بأنها "غير ديمقراطية" و / أو "راع للإرهاب". مخالفتهم الوحيدة في الواقع هي الطموح بالاستقلال عن شمال الأطلسي. ومن أجل تحدي هيمنتنا أكثر، قامت اليمن بتأميم مواردها الهيدروكربونية في عام 2005 ومصادرة أصول النفط من فروع هنت أويل وإكسون موبيل.
اكتشفت شركة هنت أويل، التي وصفت ذات يوم بأنها "واحدة من أكبر المانحين في تكساس من وراء الإمبراطورية السياسية لعائلة بوش"، النفط في اليمن عام 1984 وفتحت مصفاة هناك افتتحها نائب الرئيس السابق والمدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية جورج بوش، في أبريل 1986.
يكشف الصنيري أن المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة وقعتا اتفاقية سرية في ذلك الوقت، بعد أن انخفضت أسعار النفط العالمية في أوائل الثمانينات، وذلك لمنع اليمن من تطوير احتياطيات النفط والغاز الخاصة بها بشكل مستقل. كان هذا ولا يزال يهدف إلى تثبيت الأسعار والحفاظ على موارد اليمن وتسويقها تحت سيطرة الولايات المتحدة من خلال شريكتها السعودية. وبما أن الاحتياطيات المتراجعة أخذت تستنفد ما تبقى من رواسب النفط والغاز من شبه الجزيرة العربية وكذلك الفحم الصخري لأمريكا الشمالية ورواسب القار، باتت ترسبات النفط والغاز باهظة الثمن بحيث لا يمكن السيطرة عليها من دون السيطرة الأمريكية على الإنتاج العالمي والتسعير العالمي، وتقدر اليوم آخر أكبر مكاسب نفطية غير مستغلة في العالم وفقا لأحد المصادر، بأنها تشكل ربما ثلث الاحتياطيات العالمية الحالية.
لذا فإن الإجابة على سؤالنا غير مريحة للمواجهة. نحن لسنا على هامش هذه الجرائم التي تحدث في اليمن. إن تكافلنا الهش الذي يدعم الدولار أصبح الآن مهددا بشكل خطير، وتحتاج إمبراطوريتنا الليبرالية الجديدة المستمدة من الموارد، والتي تعتمد على الدولار، إلى إبقاء السعوديين في الأعمال التجارية بأي ثمن بالنسبة للشعوب الضعيفة التي تبقى خارج أعيننا من خلال تواطؤ وسائل الإعلام. وهذه الإجابة تطرح أسئلة أخرى حول جرائمنا ضد الإنسانية. هذه أسئلة يطرحها الرأي العام الأمريكي الذي تشبع بالمعلومات القليلة وأصبح على استعداد ليكون قليل التساؤل، ولكن إلى أن نفعل سنظل مجرد مواطنين أكثر من سلبيين في ديمقراطية فاعلة يمكن التلاعب بهم بسهولة من قبل إمبراطورية ضارية.
__
* بروفيسور/ دكتور جاك دريسر وهو نائب رئيس مجموعة العمل الوطنية للمحاربين من أجل السلام في فلسطين والشرق الأوسط والمدير المشارك لمشروع الوعي بالنكبة في يوجين، أوريغون.