شهر رمضان عند العديد من اليمنيين هو شهر العبادة والدعاء والتوبة، لكنه في الوقت نفسه شهر يغري التجار برفع أسعار بضائعهم.
استقبل اليمنيون الشهر الفضيل هذا العام بأوجاع ضاعفت معاناتهم وآلامهم، جراء ما تشهده الأسواق اليمنية والمراكز التجارية في عدن وصنعاء من ارتفاع غير مسبوق في قيمة السلع الغذائية والخضروات المنتجة محليا، مما شكل ضغطا كبيرا على كاهل المواطن المغلوب على أمره في اليمن، الذي يعاني الأمرين جراء استمرار الحرب الأهلية الدائرة في البلاد لأكثر من ثلاثة أعوام.
يشكو المواطنون ارتفاع أسعار معظم السلع الأساسية القمح والدقيق والسكر والأرز والمنتجات الغذائية والزراعية في البلاد إلى مستويات قاسية غير مسبوقة، بما فيها الخضروات والزيوت والبيض والألبان والمشروبات الغازية والمعلبات والعديد من السلع الأخرى، التي وصلت نسبة ارتفاعها مابين 250 إلى 300 في المئة.
ويواجه اليمنيون بالفعل تحديات اقتصادية متراكمة زادت في تفاقمها بصورة غير مسبوقة الأوضاع المتردية وحالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد منذ أكثر من ثلاثة أعوام وانهيار العملة المحلية (الريال) وهبوطها إلى أدنى مستوياتها ليصل سعر الريال اليمني حاليا إلى 491 ريالا للدولار الواحد للشراء و493 ريالا للبيع بدلاً من 270 ريالا حينما كان ذلك السعر سائدا حتى نهاية العام 2016.
ارتفاع أسعار الغذاء
وانعكست بدورها التطورات المتسارعة في السوق واستمرار تدهور العملة المحلية على ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية للمواد الغذائية الضرورية التي تعتمد البلاد على استيرادها من الخارج مثل الأرز والسكر والقمح والدقيق والزيوت مما يزيد من الأعباء على كواهل الأسر اليمنية التي أغلبها يعيش تحت ظروف اقتصادية صعبة.
ويستورد اليمن أكثر من 90 في المائة من احتياجاته الغذائية بما في ذلك معظم احتياجاته من القمح وكل احتياجاته من الأرز، ويحتاج نحو 21 مليونا من سكان اليمن، وعددهم نحو 28 مليون نسمة، إلى شكل من أشكال المساعدات الإنسانية، ويعاني ما يربو على نصف السكان من سوء التغذية طبقا لتقارير الأمم المتحدة ومنظمات دولية إنسانية.
وتسبب الصراع الدائر في اليمن منذ مارس آذار عام 2015 في تراجع قيمة الريال اليمني لأدنى مستوياته أمام الدولار وهو ما تسبب في ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية، وزاد الأمر سوءا مع دخول شهر رمضان.
وتدخل تحالف عربي بقيادة السعودية في الحرب منذ مارس آذار عام 2015 في محاولة لإعادة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى السلطة بعد سيطرة الحوثيون على العاصمة صنعاء في أواخر عام 2014 وتقدمهم في عدن التي اتخذها هادي مقرا مؤقتا وإجباره على الانتقال للسعودية.
وقال سكان ومواطنون في عدن لوكالة الأنباء "ديبريفر"، إن اضطرابات ومضاربة السوق في أسعار الصرف وارتفاع أسعار الدولار والريال السعودي وغياب الدور الحكومي الرقابي ساهم في جشع التجار واستغلال هذه الظروف وعملوا على رفع الأسعار إلى مستويات قياسية للمواد الغذائية الضرورية وغير الضرورية أيضا رغم أن مخزونهم الغذائي من المواد الأساسية في مخازنهم يكفي لستة أشهر أو أكثر وجرى شراءها بالسعر السابق.
ويقول متعاملون وتجار ووكلاء الوكالات التجارية العالمية في عدن وصنعاء إن أسعار المواد الغذائية في السوق ترتفع تلقائيا بصورة يومية متأثرة بارتفاع سعر الدولار أمام العملة المحلية.
وقال لـ"ديبريفر" المواطن عبد المجيد عمر صالح هو موظف حكومي في عدن: ''الناس تقابل هذا الشهر بابتهاج ونحن عندنا الله يسامحهم التجار قابلوه بارتفاع أسعار معظم السلع الغذائية والاستهلاكية التي يحتاجها المواطن في حياته ومعيشته اليومية، فكيس السكر الواحد زنة 50 كيلو جراما يرتفع إلى 12 ألف ريال من 10 آلاف ريال قبل ثلاثة أشهر ويرتفع كيس الأرز زنة 50 كيلو جراما إلى 28 ألف، كما أرتفع كيس القمح والدقيق زنة 50 كيلو جراما إلى مابين 8 إلى 9 ألاف ريال.
وفيما ناشد محمد النعماني موظف حكومي في عدن لـ"ديبريفر" قائلاً: نناشد الرئيس عبدربه منصور هادي وبن دغر وحكومته ودول التحالف ان يعملوا جادين لإنقاذ تدهور الريال اليمني رحمة بالشعب فالأسعار نار نار والحكومة تطبع المليارات دون غطاء ما يؤدى إلى تدهور العملة وارتفاع الأسعار ".
وأوضح "الأسعار ترتفع فيما الرواتب مثلما هي عليه وخاصة المتقاعدين الذين أصبحت رواتبهم تعادل ما بين 50 دولار و100 دولار لآخرين لا يكفي لمصروف أسرة واحدة لأكثر من أسبوع فما بالكم للأسر التي ليس لديها رواتب شهرية أو يعملون في القطاع الخاص".
وتابع بنبرة حادة قائلا: "ارحموا العباد يا حكومة البلاد وتحسسوا أحوال الشعب من هذا الغلاء بسبب هبوط الريال وارتفاع الدولار فقد تخطى الدولار الأربعمائة والتسعين وقد يصل إلى أبعد من ذلك إذا لم تعملوا حلا لوقف تدهور الريال وربنا يستر على العباد ومن احتمال انتشار المجاعة في البلاد إذا لم تكن هناك أي حلول او معالجات عاجلة".
حكومتا هادي والحوثي يتحملان المسئولية
وأرجع سكان ومواطنون في عدن وصنعاء أسباب ارتفاع أسعار السلع إلى مستويات خالية، إلى غياب الدولة ودور الرقابة من الجهات الحكومية على الأسعار وضبط المخالفات السعرية من حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي المعترف بها دولياً وإدارتها السلبية في تسيير الأمور والتي كان يتوقع سكان مدينة عدن عقب تحريرها من قوات الحوثيين في يوليو عام 2015، مكافأتهم بتحسين الخدمات الأساسية وإصلاح التيار الكهربائي وتوصيل المياه كأحد أهم الاحتياجات التي ينشدون تلبيتها، لكن آمالهم ذهبت أدراج الرياح في ظل عجز هادي وحكومته عن إدارة الأمور بالشكل المطلوب.
بينما يعاني سكان العاصمة صنعاء قلة الدخل جراء انقطاع مرتبات الموظفين لأكثر من عام ونصف العام وتوقف الأعمال والخدمات في الكثير من المجالات الحياتية نتيجة تصرفات جماعة الحوثي وإهدارها للأموال والعوائد المالية لمؤسسات الدولة المختلفة بالتزامن مع ارتفاع الأسعار لجميع المواد الغذائية والاستهلاكية وغيرها من المواد الأخرى المرتبطة بحياة المواطن اليومية.
وقال محمد سعيد عبدالله، موظف حكومي في صنعاء لـ"ديبريفر"، إن "غلاء الأسعار في رمضان جعلنا نستغني عن كثير من السلع مثل اللحم والحلويات التي اعتدنا عليها كل رمضان واكتفينا بالحاصل من الاحتياجات التي تسد جوع البطن".
جشع التجار
من جهتهم حمل محللون ومتابعون اقتصاديون وزارة الصناعة والتجارة مسؤولية ما تشهده السوق حالياً من ارتفاع غير مبرر للأسعار وعدم العمل على التصدي لجشع التجار الذين استغلوا عملية الاضطراب في قيمة العملة المحلية أمام العملات الصعبة في السوق وعملوا على رفع الأسعار إلى مستويات قياسية للمواد الغذائية الضرورية مثل الأرز والسكر رغم ان مخزونهم الغذائي من المواد الأساسية في مخازنهم يكفي لستة أشهر أو أكثر وجرى شراءها بالسعر السابق.
ويلجأ تجار المواد الاستهلاكية إلى إخفاء المواد الغذائية كعادة موسمية قبيل شهر رمضان حيث ترتفع أسعار بعض السلع الرئيسية وخصوصا القمح والغاز المنزلي لكن هذا العام ارتفعت معظم أسعار السلع الرئيسية والثانوية المرتفعة أصلا، ما يفاقم الأوضاع السيئة للمواطنين ويعمق الأزمة الإنسانية الصعبة غير المسبوقة التي تعاني منها البلاد.
ويرى التجار أن الشهر الفضيل يؤدي إلى زيادة الطلب على المواد الغذائية وغيرها بشكل كبير الأمر الذي يسهم في انتعاش الحركة التجارية في الأسواق اليمنية كافة حيث يخيم الركود والكساد على الأسواق بقية شهور السنة لأسباب معيشية واقتصادية محلية ودولية.
وقال الصحفي الاقتصادي اليمني مهدي البحري لـ"ديبريفر"، إن رفع أسعار السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية من قبل التجار في شهر رمضان أصبح عادة في موسم يشهد حمى استهلاكية كبيرة ، لكن الذي يحدث فعلاً استغلالا واضحا للمستهلك من قبل التجار وهو استغلال غير مقبول ومرفوض.
فيما قال صادق البيضاني وهو موظف حكومي في صنعاء وأب لأربعة أولاد: "التجار أعماهم الجشع والطمع وفقدوا الرحمة والرأفة بالمواطنين هذا العام على وجه الخصوص بهذا الشهر الكريم لكثرة المصائب التي تعرض لها المواطنون بفعل استمرار الحرب العبثية التي تشهدها اليمن منذ ما يزيد من ثلاثة أعوام.
وأضاف البيضاني لـ"ديبريفر": منذ العام الماضي بالذات بعد توقف صرف المرتبات للموظفين في شمال البلاد نحن نتجرع ويلات كثيرة، المواطن البسيط لم يعد يحتمل استمرار هذه الأوضاع الصعبة في ظل انسداد أي أفق لحل سياسي بين المتصارعين على السلطة، فالمواطن هو من يدفع ثمن هذه الحرب الأهلية العبثية، بينما كان ينتظر نهاية كل شهر لاستلام راتبه الذي أيضا تأخر وانقطع لعام ونصف لاستلامه في سابقة هي الأولى من نوعها لم تحصل لأي موظف في العالم يحرم من قوت أسرته وعائلته.
وتابع: "هل كانت أحوالنا ناقصة حتى تداهمنا موجة ارتفاع الأسعار لتضاعف من الأعباء المثقلة على كاهلنا وحياتنا المعيشية فالمواطن منذ بداية هذه الحرب وهو في صراع مع الحياة لتوفير لقمة العيش الكريمة لأسرته".
جهود غير ملموسة
وأعلنت وزارتي الصناعة والتجارة في حكومتي عدن وصنعاء أنها باشرتا تشكيل فرق ميدانية تراقب ارتفاع بعض أسعار المواد والسلع كما أن هناك لجانا ميدانية تقوم حالياً بعملية المتابعة المستمرة خلال شهر رمضان من أجل السيطرة على الأسعار، وتعهدتا بمحاكمة التجار الانتهازيين.
ويلوم المستهلكون رجال الأعمال النافذين في ما يقولون إنها أسعار مرتفعة على نحو غير مبرر بينما يعتقد آخرون أن ارتفاع الأسعار نتيجة طبيعية لهبوط العملة المحلية أمام الدولار.
وطبقا لتقارير اقتصادية رسمية سابقة، تقدر وزارة التجارة والصناعة اليمنية حجم الإنفاق الاستهلاكي لدى اليمنيين البالغ تعدادهم 25 مليون نسمة خلال شهر رمضان وعيد الفطر بنحو مليار و 500 مليون دولار على اعتبار أن مستوى الإنفاق الكلي للأسر على مختلف مستويات دخولها يتضاعف مرتين إلى ثلاث مرات عما عليه في بقية أشهر السنة وذلك نتيجة استهلاك أنماط عديدة من السلع والمنتجات المرتبطة عادة برمضان والعيد.