كاتب ومحلل عربي: غريفيث يرفض استيعاب تفاصيل الوضع اليمني وضرورة إعادة تشكيل "الشرعية"

لندن (ديبريفر)
2019-01-09 | منذ 5 سنة

المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، مارتن غريفيث

قال كاتب ومحلل سياسي عربي بارز، إن هناك مشكلة ضخمة لدى المبعوث الخاص لأمين عام الأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث، تكمن في رفضه، أقله ظاهراً، استيعاب تفاصيل الوضع اليمني في البلد الذي يشهد حرباً دامية منذ قرابة أربع سنوات ،خلقت "أسوأ أزمة إنسانية في العالم" بحسب تأكيدات الأمم المتحدة.

وأضاف الكاتب والمحلل السياسي اللبناني خير الله خيرالله في مقال تحليلي نشرته جريدة "العرب" اللندنية اليوم الأربعاء بعنوان "بحث عن سراب في اليمن" قائلاً: "لا يشبه من يعتقد أن في الإمكان التوصل إلى اتفاق ما مع الحوثيين (أنصار الله)، في ظل موازين القوى الراهنة في اليمن، سوى الباحث عن سراب. إذا كان المطلوب إظهار الأمم المتحدة، ومن خلفها المجتمع الدولي، في مظهر من يسعى إلى التغطية على الكارثة التي حلّت باليمن، سيكون في استطاعة مبعوث الأمين العام للمنظمة الدولية، مارتن غريفيث، القيام برحلات مكوكية، إلى ما لا نهاية، بين صنعاء والرياض".

وتابع: "ستسمح هذه الرحلات بالقول إن اتفاق ستوكهولم الذي وقع أواخر العام الماضي بين “الشرعية” و“أنصار الله” في إحدى ضواحي العاصمة السويدية ما يزال حيّا يرزق، وأنّه قابل للتطبيق وأن المهمّ في الوقت الراهن وقف القتال والسعي في الوقت ذاته إلى تمرير بعض المساعدات الإنسانية عبر ميناء الحديدة ذي الأهمية الاستراتيجية، يسمح تمرير المساعدات للأمم المتحدة بادعاء أنها تعمل من أجل وضع حدّ لمأساة مستمرّة منذ سنوات عدّة. مأساة اختلط فيها الجوع مع المرض والبؤس بكلّ أنواعه، خصوصا في ما يخصّ أطفال اليمن".

وأشار الكاتب العربي اللبناني، إلى أنه حتى الآن، ليست هناك معطيات يمكن أن تشير إلى وجود رغبة لدى الحوثيين في تطبيق الاتفاق الذي رعته الأمم المتحدة، رغم حرص الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو غوتيريش على التوجه إلى ستوكهولم ليكون شاهداً على توقيع الاتفاق في حضور وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت الذي تمتلك بلاده اهتماما خاصا بمستقبل الحديدة ومينائها.

وأوضح أن في أساس الاتفاق انسحاب جماعة الحوثيين (أنصار الله) من الميناء أو من الموانئ الثلاثة، التي تشكل ميناء الحديدة، وذلك في إطار السعي إلى وقف القتال الدائر، لكن عملياً لم يحصل الانسحاب وما حصل هو أن القتال توقف.. معتبرا أن غريفيث "يبدو لا يريد سماع تفسير الحوثيين للاتفاق ومفهومهم له، أحد قادة “أنصار الله” كان واضحا كل الوضوح عندما قال إن الاتفاق يعني بالنسبة إلى الحوثيين سيطرة صنعاء على الحديدة".

ولفت خير الله خير الله، إلى أنه "لذلك، جرى إلباس المقاتلين التابعين لـ“أنصار الله” لباس الشرطة المحلّية من زاوية أن كلّ شيء يجب أن يبقى على حاله في الحديدة التي يتحكّم بها الموجودون في صنعاء، أي جماعة عبد الملك الحوثي".

وأردف: "قضى الحوثيون على أهمّ ما في الاتفاق الذي يطالب بوضع الحديدة تحت سيطرة الأمم المتحدة، قضوا عمليا على روحه، لذلك لم يستتبع الاتفاق البحث في إعادة فتح مطار صنعاء وإجراء عملية تبادل للأسرى، تمهيداً للبحث في مرحلة لاحقة عن حلّ سياسي يشمل اليمن كلّه، لعلّه يعود سعيدا في يوم من الأيّام".

 

مشكلة غريفيث ومشروع الحوثي

وقال الكاتب والمحلل العربي: "هناك مشكلة ضخمة لدى مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، تكمن هذه المشكلة في رفضه، أقله ظاهرا، استيعاب تفاصيل الوضع اليمني. صحيح أن التفاصيل تبقى تفاصيل، لكنّها تمتلك في أحيان كثيرة أهمية كبيرة، خصوصا عندما تصبح عقَبة في وجه التقدم على طريق الحلّ الشامل في بلد أقلّ ما يمكن أن يقال عنه إنّه تشظى".

ومضى قائلاً: "من بين التفاصيل ذات الأهمّية الكبيرة دور الحوثيين على الصعيدين الداخلي والإقليمي، من الواضح أن للحوثي مشروعه الداخلي الذي عبّر عنه عبد الملك بدر الدين الحوثي مباشرة بعد وضع اليد على صنعاء في الواحد والعشرين من أيلول – سبتمبر 2014، أي منذ ما يزيد على أربع سنوات، كان واضحاً لدى زعيم الحوثيين أن الهدف قيام نظام جديد في اليمن يحل مكان النظام الجمهوري الذي تأسس في السادس والعشرين من أيلول – سبتمبر 1962. محا يوم 21 سبتمبر 2014 يوم 26 سبتمبر 1962. قالها عبد الملك بكلّ صراحة".

وأشار إلى أن الحوثيين "يكتبون التاريخ الجديد لليمن. يريدون إعادته إلى عهد الإمامة، علما أنّهم لا يمتلكون حتّى بعض الإيجابيات التي كانت لدى آل حميد الدين، العائلة التي كان ينتسب إليها أئمة اليمن".

 

أداة إيرانية

وتطرق الكاتب العربي البارز إلى الصعيد الإقليمي وارتباطه بالمشهد في اليمن، قائلاً "لم يكن الحوثيون سوى أداة إيرانية لا أكثر ولا أقل، لذلك حاولوا في البداية التوسّع في كلّ أنحاء اليمن مستفيدين من تحالفات أقاموها مع بعض الجنوبيين، بلغوا عدن وأقاموا فيها ووصلوا إلى ميناء المخا غير البعيد عنها، وذلك كي تتمكن إيران من الإعلان عن تحكّمها بمضيقين حيويين للملاحة الدولية هما هرمز وباب المندب. أُخرج الحوثيون من عدن ومن المخا، يعود الفضل في ذلك إلى التحالف العربي، لكنهم بقوا في الحديدة".

وزعم خير الله أن هناك ضغوط كبيرة مُورست على التحالف العربي من أجل تفادي أي حسم عسكري في الحديدة. مضيفاً: "لماذا كانت كلّ هذه الضغوط التي بدأت في مايو الماضي، أي منذ ما يزيد على ستة أشهر؟ لماذا اتفاق ستوكهولم الذي يعني، بين ما يعنيه، بقاء الحوثيين في صنعاء وفي الحديدة؟"

 

إعادة تشكيل الشرعية

وأشار إلى أنه "ليس سرّاً أن من بين الأسباب التي تدعو إلى الأسف حصر مارتن غريفيث المفاوضات بين الحوثيين و“الشرعية”، في حين هناك حاجة أكثر من أيّ وقت إلى إعادة تشكيل هذه “الشرعية” التي على رأسها رئيس انتقالي كان مفترضاً أن تنتهي ولايته عام 2014، بعد سنتين من تسلمه السلطة رسمياً من علي عبدالله صالح في شباط – فبراير 2012".

واعتبر الكاتب خير الله خير الله أن الحوثيين لا يمثلون اليمن ولا حتّى اليمن الشمالي، ولا تمثل “الشرعية” الكثير في اليمن.. متسائلاً "هل يجهل ذلك مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، أم أن هدفه إبقاء “الشرعية” في حال ترهّل كي يثبّت أمرا واقعا، يتمثّل الأمر الواقع هذا في قيام كيان حوثي في جزء من اليمن على أن تكون الشواطئ اليمنية في مجملها تحت سيطرة قوى أخرى مع وجود حوثي مضبوط دوليا في الحديدة؟".

وأضاف: "من يتذكّر أن الدولة العثمانية تخلت سريعا عن سيطرتها على معظم الداخل اليمني بعدما وجدت صعوبة في ذلك، وفضلت البقاء في الموانئ ومناطق أخرى خارج صنعاء والمنطقة المحيطة بها؟".

وأردف: "هذه تبدو الخطوط العريضة للصفقة التي يمهّد لها اتفاق ستوكهولم الذي ينقص الذي يقفون خلفه أمر في غاية الأهمّية، يتمثّل هذا الأمر في أنّ ليس بالإمكان الوثوق بالحوثيين. لم يحترموا أي اتفاق وقّعوه. لا اتفاق “السلم والشراكة” مباشرة بعد دخول صنعاء والذي كانت الأمم المتحدة شاهدة عليه عبر مبعوث الأمين العام وقتذاك، جمال بنعمر".

ولفت الكاتب العربي إلى أنه "قد تكون لدى مارتن غريفيث أجندة خاصة به تأخذ في الاعتبار أن الحوثيين يناورون باستمرار بدليل تخلّصهم من علي عبدالله صالح في الرابع من كانون الأول – ديسمبر 2017 في اللحظة التي شعروا فيها أنه لم تعد لديهم حاجة إليه، وأنه آن أوان تنفيذ الحكم الصادر في حقه بسبب خوضه ست حروب معهم".

واختتم خير الله مقاله بالقول: "يمكن لامتلاك المبعوث الأممي لأجندة خاصة به أن يكون مؤشراً إلى نظرة جديدة إلى اليمن. تنطلق هذه النظرة من أنّ لا أمل في إعادة توحيد البلد، وأن لا مفرّ من كيانات صغيرة أحدها مخصص للحوثيين الذين سيسعون إلى البقاء في الحديدة، فضلا عن صنعاء طبعا، في غياب من يقول لهم إن كفى تعني كفى. هل يستطيع التحالف العربي القبول بهذا الواقع الذي هناك من يحاول فرضه عليه؟"

ويعيش اليمن منذ قرابة أربع سنوات، صراعاً دموياً على السلطة بين الحكومة "الشرعية" المعترف بها دولياً مدعومة بتحالف عربي عسكري تقوده السعودية، وجماعة الحوثيين (أنصار الله) المدعومة من إيران والتي تسيطر على العاصمة صنعاء وأغلب المناطق شمالي البلاد ذات الكثافة السكانية، ما أنتج أوضاعاً إنسانية صعبة، جعلت معظم سكان هذا البلد الفقير بحاجة إلى مساعدات عاجلة، في أزمة إنسانية تعتبرها الأمم المتحدة "الأسوأ في العالم".

 


لمتابعة أخبارنا على تويتر
@DebrieferNet

لمتابعة أخبارنا على قناة "ديبريفر" في التليجرام
https://telegram.me/DebrieferNet