تبادل طرفا الصراع في اليمن، مجدداً اليوم الثلاثاء، الاتهامات بالتدهور المتسارع والمستمر منذ ما يزيد عن أسبوعين، للعلمة المحلية والوضع الاقتصادي في البلاد.
وفيما قال رئيس الوزراء في الحكومة اليمنية "الشرعية" المعترف بها دولياً، الدكتور أحمد عبيد بن دغر، إن "الأسباب التي أدت إلى انهيار الريال، هي انقلاب الحوثي، وأسباب سياسية مستجدة على المشهد اليمني، تناغم فيها الحوثيون والانفصاليون والارهابيون، ومن يقف خلفهم"، حمّل المجلس السياسي الأعلى، الذي أنشأته جماعة الحوثيون (أنصار الله) كسلطة عليا للمناطق التي يسيطر عليها، في اجتماعه اليوم، "الفار هادي، (في إشارة إلى الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي)، وحكومته وتحالف العدوان (التحالف العربي بقيادة السعودية) المسئولية الكاملة عن كل ما ترتب عن نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن وضرب العملة الوطنية وتكرار طباعتها بدون غطاء يحافظ على قيمتها".
وقال بن دغر خلال ترأسه لاجتماع مجلس وزرائه اليوم في العاصمة السعودية الرياض حيث تقيم هذه الحكومة: "هناك مركزين ماليين وسياستين وإدارتين، هناك عبث حوثي، يهدف فيما يهدف لتدمير بلادنا، ومؤسساتها الوطنية. لقد أدى انهيار الدولة ورحيل الرئيس والحكومة من صنعاء، إلى انهيار مؤسساتها بما في ذلك مؤسساتها المالية. لقد فقدت الدولة 85% من مواردها المالية، ونهب الحوثيين احتياطاتها من النقد الاجنبي والمحلي، ثم أخذوا يدفعون بما نهبوه من الريالات اليمنية إلى السوق".
وأضاف: "في الأسبوعين الأخيرين كلّف الحوثيون بعض البنوك وبعض الصرافين لشراء الدولار من كل أنحاء اليمن، وبأي سعر كان، ويكفي أن نشير إلى موقف الصرافين الذين أغلقوا شركاتهم ومحلاتهم متهمين جهات مجهولة وراء هذا الانهيار، ولم تكن هذه الجهات المجهولة وفقاً لمعلوماتنا ومعلومات غيرنا سوى الحوثيين".
وتابع: "قيادات ميليشيا الحوثي دفعت بالعملة المحلية من خزائنهم التي كانوا قد استولوا عليها، ليشتروا بصورة بشعة الدولار أياً كان سعره، وفعلوا ذلك علناً في صنعاء، وطلبوا من عملائهم الذين وقع البعض منهم في قبضة الأمن في عدن أن يشتروا الدولار بأي ثمن".
وأكد رئيس الحكومة "الشرعية" أن الريال شهد خلال الساعات الـ24 الماضية انهياراً جديداً تجاوز سعره حاجز الـ800 ريال للدولار الواحد، ما يعني انهياراً كاملاً لاقتصاد منهار في الأصل بسبب انهيار الدولة، فكان لابد من تدخل الرئيس عبد ربه منصور هادي لدى الأشقاء، وقد استجاب خادم الحرمين الشريفين، لنداء الرئيس سريعا، حد قوله.
من جهته اعتبر المجلس السياسي الأعلى الذي أنشأه الحوثيون في صنعاء خلال اجتماعه اليوم برئاسة رئيس المجلس مهدي المشاط، ما يحدث من انهيار للعملة المحلية، "حرب اقتصادية يشنها العدوان من خلال ضرب العملة الوطنية وافتعال الأزمات في المشتقات النفطية وغيرها".
وحمّل المجلس "الفار هادي وحكومته وتحالف العدوان المسئولية الكاملة عن كل ما ترتب عن نقل البنك المركزي وضرب العملة الوطنية وتكرار طباعتها بدون غطاء يحافظ على قيمتها".
ونقلت وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" بنسختها التي يديرها الحوثيون في صنعاء، تأكيده المجلس السياسي بأن "هذه الخطوات الممنهجة لتدمير الاقتصاد الوطني هدفها زعزعة الجبهة الداخلية وتجويع الشعب اليمني ومضاعفة معاناته، وذلك يتزامن مع تصعيد عسكري واسع وحملة سياسية وإعلامية للتضليل على الرأي العام وتحميل المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ المسئولية عن تدهور قيمة العملة الوطنية"، حد تعبيره.
الريال يتحسن
وتحسنت قيمة الريال اليمني بشكل طفيف اليوم الثلاثاء، بعد ساعات قليلة من إعلان السعودية، الليلة الماضية، عن تقديم منحة للبنك المركزي اليمني بقيمة 200 مليون دولار دعماً لمركزه المالي بعد انهيار سريع اقترب خلاله الدولار الأمريكي من حاجز الـ800 ريال يمني، بينما تجاوزت قيمة الريال السعودي 200 ريالاً يمنياً.
وهذه أدنى قيمة للريال اليمني عبر تاريخه، بعد سلسلة انهيارات بدأت منذ منتصف يوليو الماضي، رغم استقراره نحو 6 أشهر عند سعر 480 ريالاً للدولار الواحد.
وسجل سعر الصرف الريال في تداولات مساء الثلاثاء، 700 ريالاً للدولار الواحد للشراء، و735 ريالا للبيع، فيما بلغ الريال السعودي 183 ريالا للشراء و193 ريالا للبيع.
ورغم هذا التحسن لكن المخاوف لا تزال مستمرة من عودة انهيار الريال اليمني وسط عدم ثقة في الإجراءات التي تتخذها الحكومة اليمنية الشرعية للحد من هذا الانهيار.
اتهامات بالتنصل والفساد
إلى ذلك أكد مراقبون ومختصون، ان حديث رئيس الوزراء بن دغر، اليوم الثلاثاء، ليس سوى تكرار لما قاله في خطابات سابقة، وتكرار لما قاله الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي أمس الاثنين، معتبرين هذا الخطاب "استهلاك إعلامي وتخدير للشعب وهروب وتنصل من تحمل المسئولية الاخلاقية والقانونية لهذه الحكومة من خلال رمي الاتهام على الخصوم".
وأشاروا إلى أن الحلول والإجراءات التي تتخذها الحكومة "الشرعية" وإدارة البنك المركزي اليمني، أثبتت فشلها وليست سوى حلولاً ترقيعية وسط تفاقم الوضع الاقتصادي في أنحاء البلاد وعدم انتظام صرف مرتبات الموظفين والعسكريين في المناطق التي تسيطر عيها الحكومة "الشرعية"، وتوقف صرف مرتبات الموظفين في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين في شمال البلاد منذ زهاء عامين.
ولفتوا إلى أن الحكومة قادرة على وضع حلول ناجعة لمعالجة جوهر المشكلة، ووضع حد لهذا الانهيار المخيف للعملة الوطنية والاقتصاد اليمني، لكنها عاجزة عن ذلك في ظل ما وصفوه بـ"فساد مهول" تمارسه قوى نافذة داخل الحكومة وخارجها.
وجدد مراقبون ومتابعون اقتصاديون في تصريحاتهم لوكالة "ديبريفر" للأنباء، أن على الحكومة اليمنية "الشرعية"، إذا كانت جادة في وقف انهيار العملة المحلية وتحسين الأوضاع في المناطق الخاضعة لسيطرتها، العمل فوراً على إلغاء قرار تعويم العملة المحلية التي انتهجها البنك المركزي اليمني في أغسطس العام الماضي، وإيقاف ضخ مبالغ من العملة المطبوعة حديثاً في روسيا إلى السوق دون غطاء من النقد الأجنبي.
وحررت الحكومة سعر صرف الريال العام الماضي وأصدرت توجيهات للبنوك باستخدام سعر الريال الذي يحدده السوق بدلاً من تثبيت سعر محدد.
وأشاروا إلى أن قرار جماعة الحوثيين (أنصار الله) بتحرير سعر المشتقات النفطية، ضاعف جزئياً من الانهيار الحاصل في اقتصاد البلد.
غياب الدولة
من جهته دعا الخبير الاقتصادي رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، في اليمن، مصطفى نصر، إلى معالجة جوهر تدهور الريال اليمني وليس معالجة الأضرار.
وأوضح أن جوهر مشكلة التدهور المتسارع للريال اليمني هو غياب دور الدولة الفاعل وضعف أدواتها في معالجة أسباب التدهور.. مشيراً إلى أن بعض هذه الأسباب داخلي مرتبط بممارسات الحوثيين منذ بدء الحرب وأداء الحكومة الرخو، والآخر خارجي بأبعاد سياسية وأمنية.
وقال في منشور له على الفيسبوك، "في ظل الانهيار المتسارع للريال في اليمن يزداد شبح المجاعة وهذا بالتأكيد يتطلب مساعدات إنسانية للحالات الحرجة لكن علينا أن نتذكر أن ذلك يعالج أعراض المشكلة وليس جوهرها".
وأضاف: "أحببت أن أنبه لهذه النقطة لأن الأزمة الراهنة ستجعل الكثير - دول ومنظمات - يتداعون لتقديم المساعدات المباشرة، توزيع غذاء او دواء بصورة مؤقتة، ويترك بعدها الناس لمواجهة مصيرهم، ومن يريد أن يساعد في التخفيف من المشكلة عليه أن يركز على جوهرها وليس الأعراض الناتجة عنها".
وأدى انهيار قيمة العملة في اليمن، إلى ارتفاع حاد في الأسعار في بلد تعتبره الأمم المتحدة يمر بـ"أسوأ أزمة إنسانية في العالم".
وبات الوضع المالي أكثر فوضوية منذ قررت حكومة هادي في سبتمبر 2016 نقل مقر البنك المركزي من صنعاء إلى عدن وتعيين محافظ جديد له، فيما رفض الحوثيون هذه الخطوة ما أدى إلى وجود بنكين مركزيين متنافسين يعملان في البلاد.
وزجت حالة الارتباك بالكثير من اليمنيين في براثن العوز بعد قرابة عامين لم يتسلم المرتبات فيها أكثر من مليون موظف غالبيتهم يعيش في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين بما فيها العاصمة صنعاء.
وتقود السعودية تحالفاً عربياً عسكرياً ينفذ، منذ 26 مارس 2015، عمليات برية وجوية وبحرية ضد جماعة الحوثيين في اليمن، دعماً لقوات الرئيس هادي لإعادته إلى الحكم في صنعاء، التي يسيطر الحوثيون عليها وأغلب المناطق شمالي البلاد منذ أواخر عام 2014.
وأسفر الصراع في اليمن عن مقتل أكثر من 11 ألف مدني، وجرح مئات الآلاف، وتشريد ثلاثة ملايين شخص في داخل البلاد وفرار الآلاف خارجها.
تؤكد الأمم المتحدة أن أكثر من 22 مليون يمني، أي أكثر من ثلثي السكان، بحاجة إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية والحماية العاجلة، بمن فيهم 8.4 مليون شخص لا يعرفون كيف سيحصلون على وجبتهم المقبلة، ويعاني نحو مليوني طفل من النقص الحاد في التغذية.
لمتابعة أخبارنا على قناة "ديبريفر" في التليجرام عبر الرابط أدناه: