”أعطني خبزا ومسرحا ؛ أعطيك شعبا عظيما ”من جملة< وليم شكسبير> تلك يتبدا أن المسارح لا تقل قيمة عن الخبز ، فإذا كان بقاء الشعوب حية مرهون بحيازتها رغيف خبز على الأقل ؛ فالمسرح كفيل بأن يصنع منها أمة عظيمة<كما يرى شكسبير>.حيث أن المسرح يساهم بدرجة وثيقة في تنوير المجتمع وتحضره ، قبل أن يكون وجوده نوعا من الترف.
ونحن إذا تصادف وسمعنا أو قرأنا لفظة مسرح ؛ تبادرت إلى الذهن صورة منصة يتدلى فوقها ستار أحمر ومن أمامهما مدرج محتشد بالجمهور ، وهي صورة نمطية تقليدية قديمة ، عدا أن في الوقت الحاضر صار بالإمكان اعتبار قنوات التلفزة منصات عرض مسرحي، وأنها بما تقدمه من مواد تمثيلة فهي تعمل على إيصال خدمات المسرح إلى المنازل ليس إلا ، الأمر الذي يلقي على عاتقها مهمة صنع ذاك الشعب العظيم ،لا سيما في بلدان يكاد حضور المسارح فيها شبه منعدم كاليمن على أفضل تمثيل.
لكن يبدو أن الفضائيات اليمنية أخفقت في تعويض غياب المسرح بمسلسلاتها المُعتاد عرضها ، والتي برغم شحتها وتحولها إلى ظاهرة موسمية لاتحدث سوى مرة بالسنة ؛ فإنها بحسب الكثيرين تأتي سطحية وبلا أهداف واضحة بحيث لا تترك أثرا وعيا في ذاكرة المشاهد.فيما يرى مراقبون أن الوعي الذي تكونه مسلسلات رمضان بمختلف أشكالها في عقل المتابع هو الوعي برداءتها وخلوها من أي مضمون هادف ؛ الشيء الذي يفقدها شغف الجمهور واهتمامهم ليشعروا حيالها بالسأم.حتى أنها مؤخرا لم تعد تلقى تلك الحظوة القديمة.
اليمني غير أبله
صفاء المجاهد واحدة من بين كثيرين عزفوا عن متابعة الإنتاج الدرامي اليمني الرمضاني لأسباب عدة ، تقول صفاء لوكالة< ديبريفر >بوصولها إلى اقتناع كامل بانفصال محتوى المسلسلات المحلية عن واقع المجتمع المحلي وهو برأيها سبب كاف لنفورها عن المتابعة ،إذ معها إيمان عميق بإن الدراما هي بالأول حوار جريئ ومسؤول يخوضه الممثل مع المشاهد لمنقاشته بموضوعية في مشكلاته الأكثر حساسية ، وإلا فإنها تتحول إلى محض عروض للتلهي وإهدار الوقت لا أكثر.
وضمن حديثها لوكالة<ديبريفر >تعبر المجاهد عن استيائها من استحواذ الكوميديا على الشاشة وسط تغييب ملاحظ للدراما ، فالدراما ، بمنظورها ، هي أنسب قالب لعرض قضايا الواقع الداخلي والذي يكتض بالمعضلات الإجتماعية تحديدا.وتنوه صفاء إلى أنها بذلك لا تنتقص من شأن الفن الكوميدي ، هي فقط مستاءة من الكوميديا المحلية التي تتعمد تقديم المواطن اليمني كأبله ؛ بينما هو في الواقع إنسان شديد البساطة ، يحتاج لمن يوسع مداركه لا لمزيد من السخرية والتهكم.
تحييد الفن والدين
كلما تُخضع المسلسلات الرمضانية المحلية للتقييم والنقد؛ تستحضر الإمكانيات كسبب رئيس لتردي مستواها ،عدا أن الكاتب نجم المريري يرجع ذلك المستوى الفني الخفيض إلى سبب آخر ،ففي حديثه لوكالة<ديبريفر >يقول: ” إن رداءة الإنتاج المحلي هو رداءة محتوى قبل كل شيء ،ولا علاقة مباشرة في ذلك للجوانب التقنية ” .إذ يعتقد المريري أن بإمكانيات فنية وتقنية بسيطة يمكن إنتاج أعمال جبارة طالما توفر السيناريو الجيد،وهو ما تفتقر إليه الدراما اليمنية ، حسب قوله ، حيث أسدي تأليف نصوص المسلسلات إلى هواة لديهم الحد الأدنى من حرفية الكتابة الدرامية.
لكن نجم المريري يعود ويؤكد للوكالة: ” بإن مشكلة الدراما المحلية لم تعد متوقفة عند شحة الإمكانيات أو رداءة النص المكتوب بل كثر مؤخرا توظيفها في المماحكات السياسية والحزبية حتى صار لكل جهة مسرحها وممثلوها ،تتناول من خلالهم قضايا الواقع وفق توجهاتها الذاتية وعلى النحو الذي يعود عليها بالمصلحة ،بصرف النظر عن تلاقي ذلك وتطلعات المواطن.ويؤكد المريري أن شيئين يجدر تحييدهما بالمطلق ، الفن والدين ،إذ أنهما رسالتان لهداية الناس أجمعين.!
البحث عن بديل
هذا العام يرافق عرض المسلسلات الرمضانية اليمنية سخط واستهجان المتابعين ، يقولون بإنهم لا يجدون أنفسهم فيها ولا تمنحهم أقل إشباع لذا يلجأون إلى فضائيات أخرى بحثا عما يلبي رغباتهم.
المعتصم الجلال اعتاد في رمضان وضع قائمة بالبرامج والمسلسلات المفضلة لديه، وقد غلب عليها هذا الموسم مسلسلات وبرامج مصرية وعربية على حساب الإنتاج التلفزيوني المحلي ،يقول المعتصم لوكالة<ديبريفر>: ” ِالمتابع للقنوات اليمنية وانتاجاتها البرامجية في رمضان، يصاب - بالقرف - من المضمون الساذج والمكرر ” .
ويضيف : ” الشاشة اليمنية بتعدد قنواتها لا تقدم أي مضمون جماعي يرتقي لعمل يشار إليه بالبنان بل تذهب لترجمة عراك عام كامل من التجاذبات السياسية والحزبية وتقدّمه بصورة مألوفة وسطحية لا تتوائم ومتطلبات المشاهد اليمني الذي يبحث عن المتعة كمكافأة له نظير الأوضاع المأساوية التي يعيشها منذُ سنوات ”.
وكأن اليمني عاثر الحظ بالفطرة حيث لا أحد يعبر عنه بالشكل الأمثل،لا السياسيين ولا الفنانين حتى ، لهذا تجده منجذب لكل ماهو خارج تربته ساسة وفنا ومسرحا ،فهو على الأقل يشعر حينئذ بقليل من التقدير الذاتي.