حصلت وكالة "ديبريفر" الدولية للأنباء، اليوم الاثنين، على نسخة من وثيقة رسمية تؤكد تواطؤ الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً (الشرعية)، في عملية فساد مع رجل الأعمال أحمد العيسي المقرب من الرئيس عبدربه منصور هادي والذي يعمل أيضاً نائباً لمدير مكتب رئاسة الجمهورية للشؤون الاقتصادية.
وتثبت الوثيقة مدى تغلغل ما يعتبره مراقبون "لوبي" رجل الأعمال اليمني احمد العيسي في مفاصل الدولة والعمل على إضعاف بعض مؤسساتها الاقتصادية الكبرى بهدف تحقيق مكاسب للعيسي و"اللوبي" التابع له.
فبعد كشف فضيحة الفساد المهول الذي مارسه العيسي وما يزال في مجال النفط بتواطؤ من عدد من قيادات رفيعة في "الشرعية" اليمنية، تتوالى الوثائق التي تكشف فساد آخر، لكنه هذه المرة في مجال النقل الجوي في اليمن حيث يملك العيسي شركة طيران "الملكة بلقيس".
حياة اليمنيين في خطر
وتثبت الوثيقة الرسمية التي حصلت "ديبريفر" على نسخة منها تواطؤ الحكومة اليمنية "الشرعية" المعترف بها دولياً ممثلة بوزارة النقل ووزيرها صالح أحمد الجبواني، مع شركة طيران "بلقيس"، عبر تقديم تسهيلات استثنائية لهذه الشركة التي إنشائها حديثاً رجل الأعمال أحمد العيسي المقرب من رئيس البلاد "هادي".
لكن المثير في هذا الفساد الجديد، هو أنه يمثل تهديداً حقيقياً لحياة اليمنيين المسافرين جواً بواسطة طائرات شركة "بلقيس"، وكأن الحرب الدائرة في اليمن للعام الخامس على التوالي والتي حصدت أرواح نحو 11 ألف يمني وعشرات آلاف الجرحى لا تفي بمضاعفة مآسي اليمنيين.
والوثيقة عبارة عن رسالة رسمية موجهة من وزير النقل صالح الجبواني إلى رئيس الهيئة اليمنية العامة للطيران المدني والأرصاد، وجهه فيها باستثناء طائرة استأجرتها شركة طيران "الملكة بلقيس" من العمر الفني المحدد في القانون.
وقال الوزير الجبواني في رسالته الممهورة بتوقيعه وختم الوزارة بتاريخ أمس 28 يوليو 2019: "مرفق بطيه نسخة من مذكرة طيران الملكة بلقيس بتاريخ 25 / 7 / 2019م بشأن طلب الموافقة على تسجيل الطائرة التي استأجرتها الشركة واستثنائها من العمر الفني المحدد. نوافق على استثناء هذه الطائرة بعد الفحص وعمل كل إجراءات السلامة اللازمة".
وأفاد مصدر مطلع في الهيئة اليمنية العامة للطيران المدني والأرصاد لوكالة "ديبريفر" الدولية للأنباء، أن ما ورد في رسالة الوزير بشأن "الفحص" هو عمل روتيني بسيط هدفه إضفاء "الشرعية" على عملية الاستثناء المخالفة للقانون.
وأرفق وزير النقل بتوجيهاته نسخة من رسالة وجهتها شركة طيران "الملكة بلقيس" إلى الوزير ذاته، تطلب منه "التوجيه إلى الهيئة العامة للطيران المدني بتسجيل الطائرة بأسرع وقت ممكن حتى تتمكن من تشغيل الخطوط المبرمجة سلفاً".
وذكرت شركة طيران بلقيس المملوكة لرجل الأعمال العيسي، في رسالتها إلى الوزير الجبواني والمؤرخة بيوم 25 يوليو الجاري، قائلةً: "عندما حاولنا استئجار طائرات بغرض الشراء ورغبة منا في التوسع في أنشطتنا وفي تلبية الحاجة المتزايدة للسفر من وإلى اليمن لخدمة أكبر شريحة ممكنة من أفراد المجتمع اليمني، إلا أن معظم شركات تأجير الطائرات ترفض التأجير لنا إلا بأسعار باهضة التي تقابل كل ساعتين من الطيران كنوع من التأمين من مخاطر الحروب. ولو كنا استأجرنا بتلك المبالغ لانعكس الإيجار على أسعار التذاكر بما لا يتحمله المواطن اليمني".
وأضافت: "وعليه فإننا قمنا باستئجار طائرة مناسبة تفي بالغرض حالياً وبشكل مؤقت لحين وقوف الشركة على قدميها ولتأطير التشغيل الداخلي مع الخارجي في بوتقة واحدة".
وكشف مصدر "ديبريفر" في الهيئة اليمنية العامة للطيران المدني، أن الوزير كان متردداً في الموافقة على طلب شركة الطيران الخاصة بالعيسي، قبل أن تأتيه توجيهات عليا قد تكون من مكتب رئاسة الجمهورية الذي يشغل فيه العيسي منصب نائب مدير المكتب، بالموافقة.
تدمير "اليمنية"
وأكد المصدر أن الموافقة على طلب شركة الطيران الخاصة بالعيسي، له أضرار خطيرة ذو جانبين رئيسيين، أولهما وضع حياة المسافرين اليمنيين على طائرات "بلقيس" المتهالكة في خطر، وثانيهما إسهام في تدمير شركة الخطوط الجوية "اليمنية" وهي شركة تملك اليمن فيها نحو 51 بالمئة، فيما تملك السعودية نسبة 49 بالمئة.
ولفت المصدر إلى أن العيسي وعبر وسائل عديدة، يسعى إلى إضعاف وتدمير ما تبقى من "الناقل الجوي الوطني" شركة الخطوط الجوية اليمنية، لكي تستحوذ شركته "بلقيس" على عملية النقل الجوي في اليمن، مستخدماً في ذلك سلطاته الواسعة الممنوحة له من الرئيس عبدربه منصور هادي، وبمشاركة جلال نجل الرئيس.
السيطرة على الخدمات الأرضية
وفي 19 يوليو الجاري كشفت مصادر خاصة لوكالة "ديبريفر" عن أن رجل الأعمال أحمد العيسي الذي يشغل منصب نائب مدير مكتب رئاسة الجمهورية للشؤون الاقتصادي، يسعى للاستحواذ على تقديم الخدمات الأرضية في مطار عدن الدولي جنوبي اليمن في مخالفة صريحة للقوانين النافذة.
وأشارت المصادر في تصريح حصري لـ"ديبريفر" إلى وصول معدات الخدمات الأرضية التابعة للعيسي إلى عدن، بما في ذلك معدات خدمات الركاب في الصالات وخدمات الساحة بالمطار ومنها خدمة النقل والأسطول، والأمتعة والخدمات الفنية وغيرها.
ولفتت إلى أن وصول المعدات يؤكد تواطؤ جهات وشخصيات في الحكومة لإتمام سيطرة العيسي على خدمات المناولة الأرضية لشركات الطيران في مطار عدن. وقالت المصادر إن "شراء المعدات ووصولها إلى عدن من الخارج لم يكن ليتم إلا بعد حصول التاجر العيسي على تصريح من الهيئة العامة للطيران المدني، وهذا مخالف للقوانين".
وشدد أحد المصادر على أن تقديم الخدمات الأرضية حق حصري للناقل الوطني ضمن البرتوكول المتفق عليه بين اليمن والسعودية اللتان تملكان شركة الخطوط الجوية اليمنية بنسبة 51% لليمن، والجانب السعودي 49%.
وأضاف أن هذه الخطوة تمهد لانقضاض التاجر العيسي على الخطوط الجوية اليمنية التي تتعرض لحملة شرسة بهدف محاولة إيقاف تشغيلها لحساب شركات طيران منافسة، وأبرزها طيران بلقيس الشركة المملوكة لرجل الأعمال أحمد العيسي.
تظاهرة احتجاجية
ويوم الخميس الماضي نظم عمال وموظفو شركة الخطوط الجوية اليمنية في منطقة ومحطة مدينة عدن جنوبي البلاد والتي تتخذها الحكومة اليمنية الشرعية عاصمة مؤقتة للبلاد، وقفة احتجاجية للمطالبة بإيقاف التجاوزات لقوانين الطيران المدني ودعم الناقل الوطني "الخطوط الجوية اليمنية".
ودعا المحتجون الرئيس هادي، للوقوف إلى جانب الناقل الوطني ودعمه وحل الصعوبات التي تعيق استمرار الشركة في التشغيل وأداء الأعمال الموكلة إليها خدمة للمسافرين وكذلك إيقاف ما وصفوها بالتجاوزات المخالفة لقوانين الطيران المدني في اليمن.
وطالبت نقابة عمال وموظفي الخطوط الجوية اليمنية في بيان الوقفة، الرئيس اليمني بالحفاظ على الناقل الوطني "الخطوط الجوية اليمنية" وإيقاف التصاريح غير القانونية والتجاوزات المخالفة لقوانين الطيران المدني في البلاد، مؤكدة أن الخطوط الجوية اليمنية رافد اقتصادي للدولة وليست لأشخاص، وذلك في إشارة إلى رجل الأعمال أحمد العيسي وشركة طيرانه "الملكة بلقيس".
وشدد البيان على أن الخدمات الأرضية في كل مطارات الجمهورية حق للناقل الوطني بناء على بروتوكول وقوانين الدولتين "اليمن والمملكة العربية السعودية" المالكتان للخطوط الجوية اليمنية.
كما طالب بيان الوقفة الاحتجاجية كافة الجهات المعنية بإيقاف التجاوزات التي تضر بالاقتصاد الوطني، معبراً عن الرفض القاطع لتدمير مؤسسات الدولة لحساب شركات خاصة.
واجهة الفساد
ويعتبر كثيرون العيسي الواجهة الأساسية للوبي الفساد المتحكم في رأس السلطة ممثلة بـ"جلال" نجل الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، ونائب الرئيس علي محسن الأحمر.
وفي يناير الفائت أشار تقرير خبراء من الأمم المتحدة يراقبون العقوبات ضد اليمن، إلى بعض جوانب الفساد في حكومة هادي ومنها القيام بسرقات ضخمة وتهريب النفط الخام في محافظة مأرب الغنية بالنفط في شمال شرق البلاد، وتحويل الأموال العامة إلى مجموعة العيسي، وهي شركة نقل للوقود، ومالكها أحمد العيسي، إضافة إلى استحداث آلية استيراد أعطت الأفضلية "لدائرة أعمال صغيرة قريبة من كبار المسؤولين الحكوميين" تسهم في حدوث انتهاكات للقانون الإنساني.
وكانت صحيفة "لوموند" الفرنسية سلطت الضوء في منتصف ديسمبر الفائت على دور رجل الأعمال اليمني أحمد صالح العيسي (51 عاماً) في الحياة السياسية والاقتصادية في اليمن هذا البلد الفقير الذي يشهد صراعاً دموياً على السلطة منذ أكثر أربع سنوات بين الحكومة المعترف بها دولياً مدعومة بتحالف عسكري تقوده السعودية، وقوات جماعة الحوثيين (أنصار الله) المدعومة من إيران، ما أدى إلى "أسوأ أزمة إنسانية في العالم" وفق تأكيدات الأمم المتحدة.
وذكرت الصحيفة الفرنسية بأن هذا الوضع، يثير ردوداً غاضبة في عدن، فرجل الأعمال متهم بإبقاء المصفاة السوفيتية القديمة في المدينة التي يسيطر عليها معطلة، من أجل مواصلة بيع الوقود للمولدات الخاصة في عدن، ما أدى إلى نقص كبير.