يعاني اليمن منذ قرابة خمس سنوات حرباً مستعرة دخلت عامها السادس قبل نحو شهرين دون أفق قريب لتسوية سياسية، أو حسم عسكري يطفئ جذوة الصراع الذي تسبب في مقتل مئات الآلاف من المدنيين، وتشريد ملايين آخرين.
ومع اندلاع شرارة الحرب الأولى، فوضت دولا كبرى نفسها أو فُوضت، للوصاية على البلد الذي عاش معاناة إنسانية هي الأكبر في العالم، تحت مسمى الدول الراعية لعملية التسوية السياسية باليمن، هذه التسوية لم يرى منها اليمنيون جعجعة ولا طحين.
وعلى مدار السنوات الخمس الفائتة، خاضت حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي قتالاً ضد الحوثيين بدعمٍ "سعودي"، ثم لاحقا، خاضت، ولا تزال، معاركاً عنيفة ضد المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من "الإمارات" لفرض سيطرتها على العاصمة المؤقتة عدن.
كل هذه الحروب، تدور رحاها على مرأى الدول الراعية للسلام، وسفرائها في اليمن، دون جديد يذكر .. بل أن غالبية اليمنيون باتوا على قناعة بأن التوصل إلى حل سياسي أصبح أبعد من أي وقت مضى.
وتحولت اليمن إلى ساحة معركة بيئية أخرى لا تقل خطورة عن المعارك الحربية التي لم يعرف السلام لها طريق في عموم البلاد، ويراقبها سفراء الدول الراعية دون ردة فعل، باستثناء بعض البيانات الاستهلاكية بين فترة وأخرى، أو الاكتفاء بتغريدات "صماء" على مواقع التواصل الاجتماعي.
في الساحل الغربي لليمن، تكررت التحذيرات من حدوث كارثة بيئية حال انفجار أو تسرب النفط من الخزان العائم "صافر" الذي يرسو قبالة ميناء رأس عيسى التابع لمحافظة الحديدة.
صراع القنبلة الموقوتة اقتصادي بحت، تحركه ملايين الدولارات العائمة فوق الناقلة من المخزون النفطي الخام الذي يسعى طرفا الصراع في اليمن للحصول على مردوده، وإن كان الثمن تلوث بيئي سيكون الأسواء في التاريخ حال حدوثه.
دول راعية للسلام ولكن بدون نتائج حقيقية، من الأمم المتحدة، إلى سفيري أمريكا وبريطانيا لدى اليمن، مروراً بالحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، وجماعة الحوثيين (أنصار الله)، انطلقت التحذيرات ولا تزال، لكن لا يبدو جلياً أن أحداً يبذل مساعٍ جادة لتحريك هذا الملف الكارثي.
ويتساءل غالبية اليمنيين، عن الدور الحقيقي والمفترض للدول الكبرى الراعية لعملية السلام باليمن، في هذا الملف الخطير الذي يتبادل فيه طرفا الصراع الاتهامات، ويحمل كل منهما الآخر المسؤولية عن ما سيحدث من كارثة بيئية بسبب تسرب قرابة 150 ألف طن من النفط الخام، ستكون عواقبها وخيمة، ليس على اليمن فحسب بل على المنطقة بأسرها.
ورغم أن بريطانيا برزت كلاعب فاعل في الملف اليمني منذ بداية الأزمة، إلا أن سفيرها لدى اليمن مايكل آرون، يكتفي بأنشطته اليومية - التي أدمن عليها - على "تويتر"، والتغريد المتواصل الذي يدعو من خلاله جماعة الحوثيين بالسماح لخبراء الأمم المتحدة، الوصول إلى خزان صافر لتقييم حالته، وإعداد تقرير حول أفضل السبل للتعامل مع المشكلة.
وبصورة مشابهة، اكتفى السفير الأمريكي لدى اليمن كريستوفر هنزل بتصدير التصريحات، والبيانات الصحفية دوريا، وربما "تغريدة" بين الحين والآخر، دون تحرك جدي على الأرض ينشده ملايين اليمنيين تجنبا لكارثة مؤقتة، لا طمعا في سلام دائم.
ويمكن القول، إن فشل المجتمع الدولي في إيجاد حل لملف الخزان النفطي العائم الذي يشكل "قنبلة موقوتة" تهدد بتدمير البحر الأحمر ومحيطه، يعكس فشله في التوصل إلى حل سياسي شامل للأزمة اليمنية .
ويؤكد مختصون، أن التسرب النفطي لـ" صافر" في البحر سيؤدي إلى كارثة بحرية تمتد لمساحات كبيرة في السواحل اليمنية من البحر الأحمر والمناطق المجاورة، وسيتسبب بدمار كبير في الأحياء والبيئة البحرية، وسيكون من الصعب جداً تلافي الآثار الناتجة عن التسرب على المخزون السمكي في المنطقة لسنوات طويلة.
الحوثيون يخشون أعمالا تجسسية..
سابقا، رفض الحوثيون دخول لجنة فنية أممية لإعداد تقارير الصيانة، من طرف ما أسموه (دول العدوان)، ولكون الحديدة خاضعة لسيطرتهم، فإن أي فرق ترسلها تلك الدول، تعد عيونا تجسسية تتبع جهات استخباراتية للتحالف، وفقا للحوثيين.
في مايو الماضي، وصف القيادي الحوثي، عضو المجلس السياسي الحاكم في صنعاء محمد علي الحوثي، دعوة الخارجية الأمريكية، لجماعته الحفاظ على ناقلة النفط المتهالكة "صافر" بأنها "أكبر عملية تضليلية".
الحوثي ذهب بعيداً في تهكمه على تلك الدعوة، قائلاً:" الطائرات الامريكية تقتل الإنسان اليمني في صعدة، وتريد منا الحفاظ على سلامة الأسماك في السواحل".
انفجار كارثي محتمل..
إلى ذلك، قالت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، إن "انفجار الناقلة صافر، سيؤدي لإغلاق ميناء الحديدة لعدة أشهر مما سيتسبب في نقص الوقود والاحتياجات الضرورية إضافة إلى ارتفاع أسعار الوقود بنسبة 800 في المائة، فضلاً عن تضاعف أسعار السلع والمواد الغذائية".
وأكدت إن انفجار الناقلة النفطية سيتسبب في خسائر لمخزونات الصيد الاقتصادي اليمني تصل إلى (60 ) مليون دولار في السنة، و(1.5 ) مليار دولار على مدى السنوات الـ25 المقبلة.
ووفقاً للحكومة اليمنية، فقد تعرضت الناقلة للمرة الثانية لثقب في أحد أنابيب نظام التبريد، وتسرب المياه إليها، مما قد يؤدي إلى تسرب النفط أو انفجارها في أي لحظة.
وناقلة النفط "صافر" عرضتها اليابان للمزاد العلني في العام 1986، وكانت تعد حينها ثاني أكبر ناقلة في العالم، فقامت شركة هنت النفطية بشرائها وتحويلها إلى خزان عائم في منطقة رأس عيسى بالحديدة وثبتتها في البحر، وتصل سعتها إلى 3.5 ملايين برميل.
ويتفق محللون سياسيون على ضرورة أن تكون هناك قوة رادعة من الأمم المتحدة، وبضغط من الدول الراعية للسلام في اليمن، تفرض هيمنتها لحسم موضوع الناقلة "صافر" التي لا يقتصر خطرها على المياه اليمنية فحسب، بل على دول البحر الأحمر بشكل كامل وتهدد الحياة البحرية ومئات الكيلومترات من الأراضي الزراعية حال انفجار تلك الناقلة.