اوتاوا (ديبريفر) - منذ نحو ثلاث سنوات، استطاع واحد من أذكى ضباط الاستخبارات السعودية مغادرة أراضي المملكة دون أن تشعر به السلطات، ليستقر في كندا، في ذلك الوقت كان أمراء من الأسرة الحاكمة يتعرضون لحملة اعتقالات مفاجئة وبالتزامن مع تسمية الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد.
استطاع ولي العهد السعودي، تكميم أفواه معارضيه، وجعل أبرز منافسيه الأمير محمد بن نائف قيد الإقامة الجبرية، إلا أنه فشل في اعتقال ضابط الاستخبارات سعد الجبري المعروف بعلاقته الدولية القوية، والمطلع على كثير من أسرار الأسرة الحاكمة، كما إن بن سلمان فشل في إعادة الجبري إلى المملكة، رغم اعتقاله لأبناء الجبري في مايو الفائت، ليلجأ إلى محاولة ضغط عبثية مع السلطات الكندية علها تسلمه رجل الاستخبارات الخطير لكنها رفضت.
وقالت صحيفة "غلوب اند ميل" الكندية، الاثنين، أن الرياض تحاول الضغط على كندا لإعادة ضابط الاستخبارات السعودي سعد الجبري، اللاجئ على أراضيها.
ووفقاً للصحيفة، تلاحق السلطات السعودية ضابط الاستخبارات السابق (61 عاماً) لامتلاكه معلومات حساسة وعميقة حول الأصول المالية لأفراد الأسرة الحاكمة في المملكة.
الصحيفة نقلت مصادر أن السلطات السعودية حاولت اعتقال الجبري عبر إصدار مذكرة توقيف بحقه لدى الانتربول الدولي.
وأشارت إلى أن الرياض أرسلت وفداً إلى كندا في 2018، لمطالبة السلطات الكندية بإعادة الجبري إليها، إلا أن ذلك لم تلقى أي تجاوب، ما دفعها لتقديم طلب رسمي خريف عام 2019 لإعادة الضابط الاستخباراتي.
وفي 25 مايو الفائت، قالت مصادر استخبارية غربية لقناة الـ"بي بي سي" إن مسؤولا أمنيا سعوديا رفيع المستوى، عمل لسنوات ضابط اتصال مهما مع جهاز الاستخبارات البريطانية الخارجية، إم آي 6، وبعض وكالات التجسس الغربية الأخرى، يتعرض الآن للاضطهاد هو وأسرته.
وكان الدكتور سعد الجبري، الذي ساعد في إحباط مؤامرة تفجير قنبلة لتنظم القاعدة ضد الغرب، قد فر من السعودية ليعيش في الخارج منذ ثلاث سنوات، قبل حملة تطهير نفذها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. واحتجزت السلطات ابنه وابنته "رهائن".
وقال خالد وهو الابن الأكبر للجبري أن السلطات السعودية اختطفت اخوته عمر وسارة عند الفجر في 16 مارس الفائت، من منزل العائلة بواسطة حوالي 50 ضابط أمني جاؤوا إلى منزلهم في 20 سيارة".
وتابع خالد "ثم فتشوا منزل العائلة في الرياض، واستولوا على بطاقات الذاكرة الخاصة بكاميرات المراقبة، وخطفوا عمر (21 عاما) وسارة (20 عاما)، واقتادوهما إلى مركز اعتقال بمعزل عن العالم الخارجي".
وأكد خالد الذي يعيش في كندا مع والده للـ"بي بي سي" إنه لم توجه أي تهم لعمر وسارة.
وكان واضحاً أن السلطات السعودية اعتقلت أبناء الجبري لاستخدامهم في مساومته وإجباره على العودة إلى المملكة، لكنه لم يستسلم لأنه يعرف جيداً ما الذي ينتظره من مصير في حال استسلم للضغوط وقرر العودة.
وكان ضابط الاستخبارات السعودية وثيق الصلة بالأمير محمد بن نايف وبمثابة "صندوقه الأسود"، وكان له دور بارز في هزيمة تنظيم القاعدة قبل نحو 20 عاماً، كما أنه كان ضابط الاتصال الرئيسي للسعودية مع وكالات الاستخبارات المعروفة بـ"الأعين الخمس"، وهي الولايات المتحدة، وبريطانيا، وكندا، وأستراليا، ونيوزيلندا.
ووفق شهادة ضابط استخبارات سعودي آخر، ساقتها الـ "بي بي سي"، "غيّر الدكتور الجبري جهود مكافحة الإرهاب السعودية".
وأضاف: "لقد حولها من نظام بسيط يتسم بالعنف، ويعتمد على طريقة الاعتراف، إلى نظام حديث يستخدم الطب الشرعي والكمبيوتر في استخراج البيانات"، مستطرداً "كان أذكى رجل تعاملنا معه، بين عدد كبير ممن كانوا مقصرين في وظائفهم".
ترقى الدكتور الجبري، الحاصل على درجة الدكتوراه في الذكاء الصناعي من جامعة إدنبره البريطانية، وعرف بهدوء حديثه، حتى بلغ درجة وزير في مجلس الوزراء، ورتبة لواء في وزارة الداخلية.
لكن كل شيء تغير في 2015، تقول فرانك غاردنر محرر الشؤون الأمنية في الـ "بي بي سي"، ويضيف" فقد توفي الملك عبد الله، واعتلى أخوه غير الشقيق سلمان العرش، وعين ابنه الأصغر، الذي لم يختبر في منصب من قبل، محمد بن سلمان وزيرا للدفاع".
وكشف غاردنر إنه حين أمر محمد بن سلمان قوات بلاده بالتدخل في حرب اليمن، عارض الدكتور الجبري التدخل السعودي في اليمن بشدة، مشيراً إلى وجود استراتيجية خروج من تلك الحرب، وقد كانت وجهة نظر صائبة، وها هي السعودية لا تزال بعد أكثر من خمس سنوات من ذلك الوقت تبحث عن مخرج "مشرف " من اليمن.