يواصل المبعوث الخاص لأمين عام الأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث، جولاته إلى مختلف أطراف الصراع في البلاد، بغية الوصول إلى اتفاق على تدابير بناء الثقة بين الفرقاء اليمنيين والتهيئة لعقد جولة جديدة من المشاورات خلال نوفمبر القادم.
والتقى غريفيث، في العاصمة السعودية الرياض اليوم الأربعاء، بنائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر، لمناقشة المستجدات والجهود الأممية المبذولة للتوصل إلى حل سلمي.
وفي اللقاء استعرض المبعوث الأممي، وفقاً لوكالة الأنباء اليمنية "سبأ" بنسختها في الرياض وعدن، والتابعة للحكومة المعترف بها دولياً، "جملة من الرؤى والمقترحات والجهود المبذولة لتحقيق السلام وتحقيق إنجاز ملموس على صعيد خطوات بناء الثقة، منوهاُ بحرص الشرعية على تحقيق السلام وإرساء الأمن والاستقرار".
وذكرت الوكالة أن نائب الرئيس اليمني، جدد خلال اللقاء الذي حضره رئيس الوزراء اليمني أحمد عبيد بن دغر، "موقف الشرعية اليمنية الثابت صوب السلام الدائم المرتكز على مرجعيات المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني والقرار الأممي 2216 بما يفضي إلى إنهاء الانقلاب واستعادة الدولة اليمنية".
ونقلت الوكالة عن الأحمر قوله "إن حرص الشرعية على مصلحة اليمنيين وإرساء السلام، قوبل على الدوام بتعنت وتعامل لا مسؤول من قبل ميليشيا الحوثي الانقلابية وكان آخر تلك المواقف اختلاقهم أعذاراً واهية وتغيبهم عن حضور مشاورات جنيف التي أفشلت نتيجة تغيبهم مطلع سبتمبر الماضي. والحكومة الشرعية تعاملت بإيجابية مع كل دعوات السلام وجولات المشاورات، مقابل تعنت الإنقلابيين وصلفهم، الأمر الذي يعكس استهتارهم واستخفافهم بالسلام وبجهود الأمم المتحدة".
وأضاف الأحمر "إن استمرار ميليشيا الحوثي في سياساتها القمعية ضد المواطنين في المناطق التي تسيطر عليها واعتداءاتها على المدنيين من بينهم النساء والطالبات واستمرار تعبئتها الطائفية وحشدها للحرب ونهبها للمقدرات وزعزعتها للأمن الإقليمي والدولي، توحي بتمسك تلك الميليشيات بخيار الحرب والعنف دون أدنى مسؤولية أو حرص على الدماء والأرواح اليمنية"، حد تعبيره.
ووفقاً للوكالة، "استعرض رئيس مجلس الوزراء أحمد عبيد بن دغر جهود الحكومة في تطبيع الأوضاع والتخفيف من معاناة اليمنيين .. مشيرا إلى عمل البنك المركزي والخطوات والرؤى المقدمة للحد من استمرار تضاعف الأزمة الاقتصادية التي يتطلب تجاوزها تضافر كل الجهود وتعاون ودعم الأشقاء والأصدقاء ووقف عبث الحوثيين بالمال العام ونهبهم للممتلكات العام والخاصة".
ترقب وقلق
يأتي هذا اللقاء في وقت يسود التوتر السياسي في اليمن، مع إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن والمدعوم من الإمارات العربية المتحدة، الخميس الماضي، في بيان له، فك ارتباطه مع "الشرعية" اليمنية وحكومتها المعترف بها دولياً، ووقوفه إلى جانب ما أسماه "خيارات الشعب الجنوبي بسبب سياسات الشرعية التجويعية".. معتبراً كل محافظات الجنوب محافظات منكوبة.
ودعا المجلس الانتقالي، ما أسماها "القوات الجنوبية" للاستنفار من أجل حماية الشعب الذي دعاه أيضاً للسيطرة على المؤسسات الإيرادية بشكل سلمي، حد تعبيره.
ويرى مراقبون سياسيون أن المجلس الانتقالي الجنوبي ألقى ببيانه التصعيدي، بظلال ثقيلة على المشهد السياسي في اليمن.
والمجلس الانتقالي الجنوبي، كيان مدعوم من الإمارات العربية المتحدة ثاني أهم دولة في تحالف تقوده السعودية لدعم الحكومة اليمنية "الشرعية" المعترف بها دولياً. وتم إنشاءه في مايو العام الماضي، وتنضوي تحته قوى من جنوبي اليمن تطالب بالانفصال عن شماله واستعادة الدولة في جنوبي البلاد التي كانت قائمة قبل عام 1990 عندما توحد شطري اليمن، لكن المجلس لا يحظى بتأييد شعبي كامل في جنوب البلاد في ظل وجود كيانات "جنوبية" أخرى منافسة.
ويترقب الشارع اليمني بشكل عام، والجنوبي بشكل خاص، بقلق، ما ستعلنه قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي، الأحد القادم في الاحتفال الجماهيري الذي دعا للمشاركة فيه في مدينة عدن التي تتخذه الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً عاصمة مؤقتة إلى للبلاد، وذلك بمناسبة الذكرى الـ 55، لثورة 14 أكتوبر، لاسيما وأن قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي، عادت مساء اليوم الأربعاء، إلى عدن قادمة من العاصمة الإماراتية أبوظبي، بعد زيارة دامت أسابيع أجروا خلالها مباحثات مع عدد من الأطراف الدولية والإقليمية.
وقال رئيس الجمعية الوطنية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، أحمد بن بريك، إن "عودة قيادة المجلس إلى عدن تأتي لمشاركة الشعب الجنوبي انتفاضته ضد حكومة الشرعية"، مؤكدا أن "الحكومة غير موجودة على الأرض وإذا تواجدت تتواجد في حدود 4 كيلو متر مربع فقط داخل عدن، ولا تقوم بواجبها".
وأضاف بن بريك في تصريح صحفي: "الرئيس عبد ربه منصور هادي، قراره مختطف من قبل حزب الإصلاح (فرع الأخوان المسلمين في اليمن) ولوبي الفساد، وأن الشرعية يقع على عاتقها ما وصلت إليه الأمور في الجنوب والمعاناة، التي يعيشها الشعب في كل لحظة"، مؤكدا أنه "لا يمكن التراجع عن مشروع الاستقلال حتى ولو وقف العالم كله ضد إرادة شعب الجنوب".
حكومة جديدة
وقالت تقارير إخبارية، إن التحالف العربي لدعم الشريعة في اليمن بقيادة السعودية، يستعد لإعلان تسوية سياسية مرتقبة، أبرزها تشكيل حكومة يمنية جديدة في المناطق الجنوبية، وسيصدر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي قرار بذلك.
وربط مراقبون قرب إعلان الحكومة الجديدة مع زيارة نائب الرئيس السابق خالد محفوظ بحاح، العاصمة السعودية الرياض الأحد.
ورغم إعلان بحاح عن وصوله إلى السعودية في تغريدة له على تويتر، إلا أنه لم يفصح عن أسباب زيارته إلى الرياض، فيما عبر مراقبون عن اعتقادهم أن الزيارة لها علاقة بتسوية سياسية قادمة تنهي الاحتقان الذي تشهده أروقة "الشرعية" بسبب الاتهامات الموجهة لحكومتها بالفساد، فضلاً عن سيطرة حزب الإصلاح على مفاصلها.
وأشارت التقارير الإخبارية، إلى أن موضوع تشكيل حكومة جديدة، أمر متفق عليه دولياً، خصوصاً بعد فشل حكومة بن دغر في إدارة البلاد والمناطق التي تسيطر عليها، ما تسبب في إحراج لدول التحالف العربي كون هذه الحكومة لم تستطع فعل شيء خلال السنوات الثلاث الماضية، رغم تسلمها مليارات الدولارات كمساعدات.
وكان موقع "مأرب برس" الإخباري، المقرب من حزب الإصلاح (فرع الأخوان المسلمين في اليمن)، كشف الأحد الماضي نقلاً عن مصادر سياسية مطلعة لم يسمها، عن ضغوط جديدة تمارس على الرئاسة والحكومة الشرعية، بهدف إعادة خالد بحاح رئيس الحكومة السابق، إلى الواجهة وتكليفه بمنصب رفيع، وذلك رغم رفض الرئيس هادي، وفقاً للمصادر.
وربط مراقبون الانهيار الاقتصادي القائم في البلد حالياً، مع تحركات سياسية يسعى التحالف (الإمارات تحديداً) لتنفيذها، وهو ما ألمح إليه بن دغر في تغريدة على حسابه في تويتر مطلع الأسبوع الجاري قال فيها إن حكومته تمكنت من تجاوز أزمة الريال اليمني رغم ما وصفه "بغدر الاخ والصديق ورغم التهديد والوعيد".
تأتي هذه التحركات في وقت تشهد صفوف "الشرعية" اليمنية خلافات عديدة، وتشهد فيه البلاد تدهور اقتصادي وانهيار للعملة المحلية، أدى تفاقم الأوضاع المعيشية للمواطنين الذين خرجوا في احتجاجات شعبية عارمة خلال سبتمبر الماضي منددة بما وصفته "فشل وفساد الحكومة"، ومطالبةً بتحسين الأوضاع.
وكان المبعوث الأممي "غريفيث" أعلن الخميس الماضي، عن خطة دولية عاجلة، ستنفذ خلال أسبوعين، لإنقاذ الاقتصاد في اليمن، ووقف انهيار العملة المحلية "الريال".
وقال غريفيث لرويترز، إن أفضل سبيل لحل الأزمة الإنسانية في اليمن هو إصلاح الاقتصاد، ومن ثم فإن الحد من هبوط العملة المحلية الريال يأتي على رأس الأولويات الدولية.
وكشف عن أن الأمم المتحدة تناقش خطة طارئة للحد من هبوط الريال واستعادة الثقة في الاقتصاد اليمني.. مؤكداً أن البنك وصندوق النقد الدوليين سيعملان خلال أسبوعين على توحيد البنك المركزي اليمني والمساعدة على مواجهة انهيار أسعار العملة.
وأوضح أن الأمم المتحدة تأمل استئناف المشاورات بين طرفي الصراع المتناحرة في اليمن وهما الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، والحوثيين، وذلك بحلول نوفمبر المقبل، مشيراً إلى أنه "اقترب من التوصل إلى حل يهدف إلى تفادي المزيد من مفاجآت اللحظة الأخيرة".
وأضاف: "ما أريد حدوثه هو أن نتمكن خلال الأسبوعين القادمين على أقصى تقدير من حل تلك المشكلات، حتى نستطيع عندئذ أن نقول: حسناً، نعرف الآن الأساس اللوجستي لدينا، فلنعد إلى الطاولة".
وتابع: "أريد أن يبدأ ذلك في نوفمبر، لكن لا أستطيع التنبؤ الآن، نظراً لأنه يجب علينا أن نزيح تلك المشكلات اللوجستية عن الطريق". مشيراً "إلى أن المحادثات ربما تُجرى في أوروبا"، لكنه امتنع عن تحديد المكان.
وفي الثامن من سبتمبر الماضي، انهارت مشاورات سلام بين الأطراف اليمنية المتناحرة قبل بدئها في جنيف برعاية الأمم المتحدة بعدما امتنع وفد جماعة الحوثيين عن الحضور ورفضه مغادرة صنعاء على متن طائرة الأمم المتحدة، وطلب طائرة عُمانية خاصة لتقله إلى المشاورات وتنقل معه إلى مسقط عدد من الجرحى والعالقين، وتعود بهم إلى صنعاء، وهو ما رفضته الحكومة اليمنية "الشرعية" المعترف بها دولياً والتحالف العربي الداعم لها بقيادة السعودية، مبررين ذلك بأن الحوثيين يريدون نقل جرحى وعالقين إيرانيين وآخرين من حزب الله اللبناني يقاتلون إلى جانبهم.
وفشلت قبل جولة جنيف الأخيرة، أربع جولات من المفاوضات منذ اندلاع الحرب الطاحنة، قبل ثلاث سنوات ونصف، في إحراز أي توافق يضع حداً للصراع الدامي الذي خلف واحدة من أسوء الأزمات الإنسانية في العالم، حسب توصيف الأمم المتحدة.
وتقود السعودية تحالفاً عربياً عسكرياً ينفذ، منذ 26 مارس 2015، عمليات برية وجوية وبحرية ضد جماعة الحوثيين في اليمن، دعماً لقوات الرئيس هادي لإعادته إلى الحكم في صنعاء التي تسيطر الجماعة عليها وأغلب المناطق شمالي البلاد منذ أواخر سبتمبر 2014.
وأسفر الصراع في اليمن عن مقتل أكثر من 11 ألف مدني، وجرح مئات الآلاف، وتشريد ثلاثة ملايين شخص داخل البلاد وفرار الآلاف خارجها.
وتصف الأمم المتحدة الأزمة الإنسانية في اليمن بـ"الأسوء في العالم"، وتؤكد أن أكثر من 22 مليون يمني، أي أكثر من ثلثي السكان، بحاجة إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية والحماية العاجلة، بمن فيهم 8.4 مليون شخص لا يعرفون كيف سيحصلون على وجبتهم المقبلة، ويعاني نحو مليوني طفل من النقص الحاد في التغذية.