المجلس الانتقالي في جنوب اليمن: تائه وعنيد ولاغي للآخرين (تقرير ديبريفر)

عدن (ديبريفر) خاص
2018-12-10 | منذ 4 سنة

المجلس الانتقالي الجنوبي يعود لواجهة المشهد السياسي بجنوب اليمن مع انطلاق مشاورات السويد لكنه يبدو تائهاً

عاد المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم إماراتياً، إلى واجهة المشهد السياسي في جنوب اليمن ليثير جدلاً مع انطلاقة مفاوضات اليمنيين في السويد الخميس الفائت 6 ديسمبر الجاري برعاية الأمم المتحدة والحكومة السويدية التي تجرى بين الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، وجماعة الحوثيين (أنصار الله) الذين استولوا على السلطة في 21 سبتمبر 2014.

أصدر المجلس الانتقالي الجنوبي بياناً الجمعة الماضية، أكد فيه ـ مجدداً ـ أنه الممثل الشرعي للجنوب، في اشارة الى جنوب اليمن، مضيفاً أن "أي تغييب له في أي مفاوضات فإن النتائج غير ملزمة لشعبه"، حد وصف البيان.

ولا يعترف المجلس الانتقالي الجنوبي بيمنيته ويدعو إلى انفصال جنوب اليمن عن شماله وتأسيس جمهورية الجنوب العربي الفيدرالية.

وقبل نحو شهرين من الآن أصدر المجلس الانتقالي الجنوبي، من مقر اقامته في العاصمة الإماراتية أبوظبي، بياناً يؤكد فيه أنه الممثل الوحيد للجنوب وأنه "لن يتراجع عن السير في طريق تحقيق الاستقلال وإقامة دولة الجنوب العربي المستقلة".

وقام المجلس الانتقالي الجنوبي في نهاية يناير الفائت بمحاولة انقلاب عسكري مسلح في عدن للإطاحة بالحكومة اليمنية الشرعية، ما أدى إلى سقوط نحو 70 قتيلاً وعدد من الجرحى.

وعادة ما يقول قادة المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم إماراتياً، أنهم يفرضون سيطرتهم على عدن وعدد من مناطق جنوب اليمن. لكن عدن لا تقع كاملة تحت سيطرة قوات الحكومة الشرعية في اليمن.

على الأرض بدلاً من وجود قوة أمنية واحدة تفرض سلطتها على مدينة عدن التي تتخذها الحكومة اليمنية الشرعية عاصمة مؤقتة للبلاد، برزت عدة قوى تنازع الحكومة في فرض سلطاتها على المدينة، وتفرض ألوية الحزام الأمني، التي أنشأتها الإمارات وتموّلها، سيطرتها على أجزاء واسعة من عدن ومدن مجاورة لها. وأشارت تقارير لوسائل إعلام محلية وخارجية إلى أن عدن تعاني من انفلات أمني حقيقي على نحو واضح.

وفي الأشهر الفائتة غادر المدينة عدد كبير من القيادات التي تنتمي إلى الجماعات الدينية ومنهم من ينتمي إلى حزب الإصلاح. كما غادر المدينة أكاديميون وصحفيون لأن حياتهم في خطر حقيقي.

وفي ذكرى استقلال جنوب اليمن عن الاستعمار البريطاني في العام 1967، أقام المجلس الانتقالي عرضاً عسكرياً في عدن 30 نوفمبر الفائت، مستعرضاَ قوته في المدينة التي اقتصرت على وحدات عسكرية ترتدي شعارات "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" وبحوزتها سلاح خفيف بحضور ضباط إماراتيين.

أقام المجلس الانتقالي عرضاً عسكرياً في عدن 30 نوفمبر الفائت بحضور ضباط إمارتيين

وقال المجلس الانتقالي الجنوبي في بيانه الجديد إن "عدم توجيه الدعوة للمجلس الانتقالي الجنوبي للمشاركة كطرف رئيس وفاعل في مشاورات السويد، يعتبر إغلاقاَ لنوافذ المشاورات أمام عدالة قضية لن يستطيع أحد تجاوزها أو الالتفاف عليها طالما وهي قضية عادلة محمية بإرادة الله، ثم إرادة شعب حر لا يستكين".

وأشار المجلس الانتقالي الجنوبي في بيانه إلى أن "السلام هو المسار الصحيح لحل الخلافات، وهذا ما مارسناه فعلاً وقولاً ومضينا نحوه متفاعلين مع الجهود التي ترعاها الأمم المتحدة باليمن، وتعاملنا بإيجابية مطلقة مع مبعوثها، وتجنبنا الدخول في صراعات ومواجهات رغم كل الاستفزازات التي مورست ضد الشعب الجنوبي منذ تحرير الجنوب من ميليشيات الحوثي، وسعينا للمساعدة في إحلال السلام ومعالجة القضية الجنوبية ووضع حلول حقيقية لها تتفق وتطلعات الشعب الجنوبي".

لكن المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة الى اليمن مارتن غريفيث لطالما حدد مسار القضية الجنوبية في المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة للوصول إلى حل سياسي ينهي النزاع المسلح في اليمن المستمر منذ أواخر مارس 2015.

يقول غريفيث بوضوح: "من الضروري أن يدرك الجنوبيون ما سيحدث في المشاورات، ولاحقاً في المفاوضات لأنها ستؤثر فيهم. إن مسألة مستقبل الجنوب لن يتمّ التفاوض بشأنها في هذه المشاورات. بل ستكون جزءاً من نقاش يمني في المرحلة الانتقالية. لقد شرحنا ذلك للجنوبيين، وقد أوضحنا ذلك لجميع المعنيين وهم يوافقون على ذلك". علاوة على ذلك، يضيف: "بصفتي مبعوث الأمم المتحدة أؤمن بسيادة ووحدة وأمن أي دولة، التي هي قيم الأمم المتحدة، فإننا لا ندعم الانفصال، نحن لا ندعم أي انفصال ما لم يكن نتيجة عملية توافقية داخل تلك الدولة العضو، لذلك نحن بالفعل نأخذ الرأي القائل إن وحدة اليمن مهمة، وهي فعلاً كذلك. إذا انفصل اليمن اليوم فسيكون ذلك كارثياً".

غريفيث يؤكد أن مهمته في اليمن "تحتم عليه أن تجعل جميع أطراف النزاع في اليمن يتخلون عن الشروط المسبقة لإجراء المحادثات ومنح فريق عمله إمكانية الوصول دون قيود ودون شروط إلى جميع أصحاب الشأن المعنيين". كما يؤكد أن "التوصل إلى تسوية سياسية عن طريق الحوار الشامل بين اليمنيين هو السبيل الوحيد لإنهاء الصراع اليمني والتصدي للأزمة الإنسانية الحالية في البلد".

ويضيف غريفيث: "مهمتي هي إيجاد مَواطِن للاتفاق بين الأطراف، وهذا ما يفعله الوسيط. أنا لست مفاوضاً. الحل يأتي من اليمنيين وليس مني وليس من أي شخص آخر. الأمم المتحدة هنا، كما أنا، لخدمة الأطراف للتوصل إلى اتفاق. وكما قلت في المجلس (مجلس الأمن الدولي)، علينا أن نعيش مع أشخاص لا نحبهم. هذا يعني أننا بحاجة إلى التوقف عن إدانتهم. إن بناء السلام في اليمن، يتطلّب احترام بعضنا لبعض واحترام وجهات النظر المختلفة بدلاً من إدانة ومعارضة بعضنا لبعض".

لكن الأمر بالنسبة إلى رئيس المجلس السياسي للحراك الثوري الجنوبي فادي باعوم، مختلف، إذ وجّه رسالة مطلع هذا ديسمبر الجاري إلى مارتن غريفيث، واطلعت عليها وكالة "ديبريفر" للأنباء، يحذّره فيها "من استثناء مكونات الحراك واقصاء القضية الجنوبية أو الالتفاف عليها"، مهدداً المبعوث الأممي بـ"إسقاط اي اتفاق يفرض وقائع سياسية على الجنوبين أو يؤثر على قضيتهم".

ويضيف فادي باعوم في رسالته: "إن أي حضور جنوبي ضمن ما يسمى بوفد الانقلابيين أو وفد الشرعية هو نوع من الالتفاف غير المقبول وأي تمثيل جنوبي يجب أن يكون مستقلاً بذاته سواء في وفد واحد أو وفود متعددة". مُطالباً المبعوث الأممي بـ"تصحيح مسار عمله إن أراد لمهمته النجاح وتحقيق نتائج نحو السلام العادل والشامل".

لكن القيادي في الحراك الجنوبي علي هثيم الغريب الذي تم تعيينه أخيراً وزيراً للعدل في حكومة الدكتور معين عبدالملك فإن "الرئيس عبدربه منصور هادي كان أول من تحرك لأجل انصاف الجنوبيين حتى في عهد الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح".

وقال الغريب في حديث لقناة "ابوظبي" تم بثه في 30 نوفمبر الفائت، إن "هادي أنصف الجنوبيين ومنحهم المناصب والحقوق ورفع كاهل المظالم عنهم".

ويضم وفد الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، المشارك في المفاوضات التي تجرى حالياً في السويد، ممثلين عن الحراك الجنوبي يتقدمهم القيادي ياسين مكاوي إضافة إلى ممثلين عن أحزاب سياسية أخرى.

وفي حين دعا المجلس الانتقالي الجنوبي في بيانه الأخير إلى ما أسماه "رص الصفوف والوقوف صفاً واحداً والتحلي بالإرادة الواعية لمقاومة كافة الأساليب المراد اتخاذها لإعادة وضع الجنوب إلى ما كان عليه قبل مارس 2015م"، قال إنه "وبموجب التفويض الشعبي الممنوح له يحتفظ بحقه في اتخاذ الإجراءات المناسبة لمواجهة أي طارئ أو تهديدات أو ترهيب تستهدف الجنوب، وحماية إرادة شعب الجنوب وقضيته العادلة".

وأضاف المجلس الانتقالي الجنوبي في بيانه أن "مشاورات السويد أو أي مشاورات أخرى لا تكون القضية الجنوبية حاضرة فيها بممثلها الشرعي المجلس الانتقالي الجنوبي، فإن نتائجها غير ملزمه لشعب الجنوب ولا لقضيته، وأي حلول تنتقص من تطلعات شعب الجنوب المشروعة أو تزور إرادته سيقاومها شعبنا الباسل بكل السبل والوسائل والخيارات المفتوحة مهما كلف الثمن".

ويقول مراقبون تحدثوا لوكالة "ديبريفر" للأنباء إن "بيان المجلس الانتقالي الجنوبي، يؤكد أنه تائه، وعنيد، ولاغي لبقية المكونات السياسية في جنوب اليمن، وهذا مناقض تماماً لدعوته بإجراء حوار جنوبي جنوبي لا يقصي أحداً، والبيان بمثابة إعلان حرب يعيدنا الى أوقات فائتة عصيبة تذكّرنا بأحداث يناير الدموية التي حاول فيها المجلس الانتقالي عبر مجاميعه المسلحة القيام بانقلاب عسكري مسلح على الحكومة الشرعية".

يقول القيادي في الحراك الجنوبي عبدالكريم السعدي إن "إسهال البيانات التي شهدتها الساحة الجنوبية في الأيام الماضية وما حملته بعض تلك البيانات من مفردات تؤكد ان هناك أزمات تواجه البعض تعرقل مسيرة أحلام ذلك البعض الخاصة بتمثيل الجنوب"، في اشارة إلى بيان المجلس الانتقالي والحراك الثوري وغيرهما.

ويضيف السعدي لوكالة "ديبريفر" للأنباء: "هي الأحلام التي حلت مكان الأهداف والتي لأجلها تأجلت بعض تلك الأهداف بل والغيت تماماً ولم تعد متواجدة إلا كشعارات تصب في مضمار الدفع بالأحلام الخاصة قدماً كلما ضاقت الدروب".

ويؤكد السعدي: "لا قوة ولا عزة للجنوب إلا بتقارب أبنائه واتفاقهم وهذا لن يحصل وكل واحد منهم يشد في اتجاه ويصر أنه الممثل الشرعي والوحيد بل سيحصل من خلال الدعوة إلى مؤتمر جنوبي يجمع الكل دون استثناء بعيدا عن التسابق بالشعارات والمزايدات بخطاب الأهداف التي فضحتها لقاءات الغرف المغلقة".

بالنسبة إلى الكاتب والمحلل السياسي فهمي السقاف فإن المجلس الانتقالي الجنوبي "لا يعترف أساساً بما يُطلق عليها القوى الوطنية بل وجرّدها من وطنيتها ولاحق عناصرها هو وممولوه ومشغلوه و زج بهم في السجون السرية والعلنية".

السقاف: المجلس الانتقالي لا يعترف أساساً بما يُطلق عليها القوى الوطنية بل وجردها من وطنيتها ولاحق عناصرها

ويضيف السقاف لوكالة "ديبريفر" للأنباء: "اليوم فجأة تذكر المجلس الانتقالي الجنوبي أن في الجنوب قوى وطنية هو من سعى بدأب وصلف ووقاحة عزّ نظيرها إلى إقصاء كل القوى الوطنية التي يطالبها اليوم برص الصفوف هو من قال إنه الممثل الشرعي والوحيد والمفوّض الأوحد من شعب القرية والقرى المجاورة هو من اختزل الجنوب كله ليس في المجلس فحسب بل في رئيس المجلس".

يقول المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث: "يجب أن يعرف الناس أن الضمانة الحقيقية الوحيدة لأي اتفاق هي إرادة الأطراف، ولا بد من التأكيد أنّ المجتمع الدولي ليس بالضرورة قوة عسكرية. يمكن لمجلس الأمن تقديم ضمانات، بل يمكن أن يضع عقوبات، ولكن إذا لم ترغب الأطراف في أن تنجح العملية، فلن تنجح. قد يقول كثير من الناس إن عليك فرض الحلول، لكن ما نحاول فعله هو التوصل إلى اتفاق. الاتفاق يعني اتفاقاً طوعياً، غير مفروض فرضاً".

وتعيش اليمن منذ 26 مارس 2015 في حرب ضارية بين جماعة الحوثيين (أنصار الله)، وقوات يمنية تابعة للحكومة المعترف بها دولياً مدعومة بقوات التحالف العربي الذي تقوده السعودية والإمارات ويشن ضربات جوية وبرية وبحرية في مختلف جبهات القتال وعلى معاقل الحوثيين، تمكنت من خلالها استعادة السيطرة على أجزاء كبيرة في البلاد، لكن الحوثيين لا يزالون يسيطرون على العاصمة صنعاء وأغلب المحافظات والمناطق شمالي البلاد.

أما عدن فهي وفق تقرير لمجموعة الأزمات الدولية صدر في أبريل الماضي "مدينة مأخوذة رهينة في لعبة شد حبال متداخلة: هناك أنصار حكومة هادي من جهة، وخصومهم في المجلس الجنوبي المؤقت من جهة أخرى". ويضيف التقرير: "ثمة نزاع بين مصالح وطنية ومحلية متعارضة يسعى فيه الجميع للسيطرة على الموارد لكن ليس هناك قوة تحكم بشكل فعال".

وتسعى الإمارات، وفق مراقبين، إلى انفصال جنوب اليمن لتحقيق أهداف خاصة بها، وهي تعد العدة لذلك من خلال المجلس الانتقالي المسلح الذي أسسته على الرغم من كون موقفها السياسي في التحالف العربي، وعلى مستوى الأمم المتحدة، مع وحدة دولة اليمن وسلامة أراضيها، لكنها في موقفها على الأرض الداعم لانفصال جنوب اليمن عن شماله، تراهن على الدفع بالأمور نحو فرض سلطة الأمر الواقع من خلال تمكين المجلس الانتقالي المسلح كأمر مماثل مع ما يفعله الحوثيون كسلطة أمر واقع في شمال اليمن، فإن فشل هذا المسعى، فهي مع موقفها السياسي عربياً ودولياً.

وكانت صحيفة "ميدل إيست آي" البريطانية، نشرت أواخر يوليو 2018 تقريراً أشارت فيه إلى أن "التحالف الذي تقوده السعودية منذ أن بدأ حربه في اليمن في مارس 2015، كانت الإمارات العربية المتحدة لاعباً رئيسياً، ومع ذلك، في حين كان هدف الرياض هو إعادة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى السلطة وسحق انتفاضة الحوثي، ركزت أبو ظبي أكثر على الجنوب وعلى تدريب قوات الأمن لتأمين طموحاتها الجيوسياسية. وباتت أهداف دولة الإمارات العربية المتحدة على المدى الطويل تتضح وعلى نحو متزايد ألا وهي: تقسيم اليمن وإقامة دولة جنوبية مسالمة، من شأنها تأمين طرق التجارة عبر ميناء عدن لبقية العالم؛ لاستغلال موارد اليمن الطبيعية؛ ومنح نفسها السلطة باعتبارها دولة مهيمنة إقليمية".


لمتابعة أخبارنا على تويتر
@DebrieferNet

لمتابعة أخبارنا على قناة "ديبريفر" في التليجرام
https://telegram.me/DebrieferNet