كشف تحقيق استقصائي ألماني حديث، أن التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن، يستخدم أسلحة وتكنولوجيا ألمانية الصنع رغم سياسات برلين التي تحظر بيع الأسلحة إلى البلدان المشاركة في صراعات مسلحة.
وحلل فريق استقصائي ألماني يعرف بـ"فريق جيرمان آرمز" ويضم مؤسسات إعلامية ألمانية عريقة، فيديوهات وصور التقطتها الأقمار الصناعية حددت جغرافيا أماكن وجود عدد من أنظمة التسليح الألمانية الصنع في اليمن.
ويدور في اليمن منذ قرابة أربع سنوات، صراع دموي على السلطة بين الحكومة "الشرعية" المعترف بها دولياً مدعومة بتحالف عربي عسكري تقوده السعودية والإمارات، وجماعة الحوثيين (أنصار الله) المدعومة من إيران والتي تسيطر على العاصمة صنعاء وأغلب المناطق شمالي البلاد ذات الكثافة السكانية.
وينفذ التحالف الذي تقوده السعودية، منذ 26 مارس 2015، عمليات برية وجوية وبحرية ضد جماعة الحوثيين، دعماً لقوات الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي وحكومته لإعادته إلى الحكم في صنعاء.
فريق التحقيق الذي شاركت فيه كل من وسائل الإعلام الألمانية: دويتشه فيلله، إذاعة بايريشر روندفونك، مجلة شتيرن، ومكتب التحقيقات الاستقصائية الهولندي لايتهاوس ريبورت وشبكة بيلينغكات للتحقيقات الاستقصائية، حدد المواقع بدقة للكثير من المركبات العسكرية الإماراتية في عدن جنوبي اليمن، وبالقرب من مدينة الخوخة التابعة لمحافظة الحديدة الساحلية (غرب).
وزودت المركبات بمنصات أسلحة من نوع "فيواز" التي تنتجها شركة الأسلحة الألمانية "ديناميت نوبل الدفاعية" (دي أن دي).
وفي مقطع فيديو يعود إلى أكتوبر الماضي، تعرف فريق التحقيق على دبابة "ليكليرك" فرنسية الصنع مزودة بدرع إضافي من نوع "كلارا" أنتج أيضا من قبل الشركة الألمانية نفسها، كما حدد الفريق مكان وجود كاسحة ألغام ألمانية من فئة "فرانكنتال" تحمل العلم الإماراتي في ميناء المخا اليمني وبميناء عصب الإريتيري الذي تستخدمه الإمارات في عملياتها العسكرية باليمن.
وعثر الفريق بالصدفة على مدافع هاوتزر بهياكل ومحركات ألمانية الصنع وهي تطلق النار على منطقة سيطرة الحوثيين عبر الحدود السعودية، وذلك على الرغم من المبادئ التوجيهية للأسلحة الألمانية التي تحظر صراحةً تصديرها إلى الدول المشاركة في نزاعات مسلحة، إلا إذا كانت في حالة دفاع عن النفس.
وكشف الفريق عن أدلة جديدة يبدو أنها تدعم الافتراض القائل إن القوات الجوية السعودية تنشر طائرات مقاتلة من طرازي "يوروفايتر" و"تورنادو"، بالإضافة إلى طائرات إيرباص "A330 MRTT" التي تزود الطائرات بالوقود في حرب اليمن، وكل هذه الطائرات تحتوي على مكونات أساسية مصدرها ألمانيا.
وقال فريق التحقيق إن ألمانيا تفتخر بامتلاكها واحدة من أكثر ضوابط تصدير الأسلحة تقييداً، إذ يجب على المشترين التوقيع على اتفاقية المستخدم النهائي التي يتعهدون فيها بعدم بيع الأسلحة أو نقلها إلى أي مجموعة أخرى أو بلد آخر.
وأشار التحقيق إلى أن الائتلاف الحاكم في المانيا برئاسة المستشارة أنجيلا ميركل وقع اتفاق ائتلافي في أوائل 2018 يحظر صراحةً الموافقة على تصدير الأسلحة إلى أي دولة ضالعة "بشكل مباشر" في الحرب باليمن.
وأضاف: "ومع ذلك، استمر اعتماد صادرات الأسلحة إلى كل من المملكة العربية السعودية والإمارات"، مبيناً أن مجلس الأمن الاتحادي -المكون من المستشارة وقيادات وزارية يلتقون سراً للموافقة على مبيعات الأسلحة– وقع في الأشهر التسعة الأولى من 2018، على صادرات تبلغ قيمتها حوالي 416 مليون يورو إلى السعودية.
وذكر التحقيق أن ألمانيا وافقت أيضاً في الفترة ما بين أكتوبر إلى ديسمبر 2018 على صادرات تتجاوز قيمتها 40 مليون يورو إلى الإمارات.
وتساءل معدو التحقيق الاستقصائي: "لماذا إذن تجاهلت الحكومة الألمانية على ما يبدو مبادئها التوجيهية، حتى في الوقت الذي قُتل فيه آلاف المدنيين في اليمن؟". وأجاب قائلاً: "تعتبر كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة شريكاً استراتيجياً لألمانيا، وتلعب دولة الإمارات العربية المتحدة دوراً هاماً في شبه الجزيرة العربية في الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي لاستعادة الاستقرار في المنطقة"، بحسب ما أبلغت وزارة الخارجية الألمانية شبكة DW وشركائها.
وجاء في التحقيق "إنّ المدنيين هم من يتحملون وطأة الحرب التي امتدت لما يقرب من أربع سنوات، ووفقاً لمشروع، مكان النزاع المسلح وبيانات الحدث (ACLED)، وهي قاعدة بيانات تتعقب الصراعات المسلحة، فقد قُتل أكثر من 60 ألف شخص. يتم ارتكاب الفظائع الوحشية، وربما جرائم حرب، على كلا جانبيّ النزاع".
ودائماً ما تؤكد الأمم المتحدة أن الأزمة الإنسانية في اليمن هي "الأسوأ في العالم"، وأن أكثر من 22 مليون يمني، أي أكثر من ثلثي السكان، بحاجة إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية والحماية العاجلة، بمن فيهم 8.4 مليون شخص لا يعرفون كيف سيحصلون على وجبتهم المقبلة، فيما يعاني نحو مليوني طفل من النقص الحاد في التغذية.
وأسفر الصراع في اليمن عن مقتل نحو 11 ألف مدني، وجرح مئات الآلاف، وتشريد ثلاثة ملايين شخص داخل البلاد وفرار الآلاف خارجها.