يتجه المشهد السياسي في جنوب اليمن إلى صدام محتمل بين السعودية التي تدعم الحكومة اليمنية "الشرعية" المعترف بها دولياً، وبين الإمارات التي تدعم المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو صدام وفق مراقبين تحدثوا لوكالة "ديبريفر" للأنباء، "من المرجح أن يضع التحالف العربي في قلب هذا المشهد ويؤدي تالياً إلى تفككه أو انتهائه".
وتدعم السعودية الحكومة اليمنية الشرعية التي تسعى لعقد جلسة لمجلس النواب اليمني في مدينة سيئون بحضرموت شرقي اليمن بعد أن تعذر عقد جلسته في عدن التي تتخذها الحكومة اليمنية عاصمة مؤقتة للبلاد بسبب رفض وتهديدات المجلس الانتقالي الجنوبي المسلح والمدعوم من الإمارات العربية المتحدة، لعقد الجلسة في هذه المدينة جنوبي البلاد.
وكانت قوات عسكرية سعودية بقوام لواء ترافقها منظومة دفاع جوي نوع "باتريوت"، وقوات أخرى من الحماية الرئاسية اليمنية وصلت السبت الماضي إلى مدينة سيئون لتأمين انعقاد جلسة مجلس النواب اليمني في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية، وذلك لأول مرة في تاريخ المجلس، بعد إحكام جماعة الحوثيين (أنصار الله) منذ فرض سيطرتها العسكرية على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014.
وأمس الأربعاء أجلت الحكومة اليمنية جلسة البرلمان التي كان مقرراً انطلاقها اليوم الخميس إلى بعد غد السبت. ووفقاً لمصدر حكومي فإن التأجيل "هدفه استكمال الترتيبات لنقل كافة البرلمانيين من الرياض وعدد من المحافظات اليمنية المحررة؛ كون 24 ساعة لن تكون كافية لوصول كافة الوفود المشاركة".
وكانت الكتل البرلمانية قد توافقت الثلاثاء الفائت على ترشيح سلطان البركاني رئيساً للبرلمان، ومحمد الشدادي، ومحسن باصرة، وعبدالعزيز جباري نواباً في الهيئة الرئاسية، إذ سيجرى السبت، في حال انعقاد جلسة البرلمان، انتخابهم رسمياً وفقاً للوائح وقوانين الدستور اليمني.
ويوجد في الرياض حالياً 90 برلمانياً ولا يزال يتوافد العشرات من عدد من الدول الموجودين فيها استعداداً لنقلهم يوم الجمعة إلى سيئون، حيث تأكد مشاركة نحو 140 برلمانيا من إجمالي 301 عضو، في حين توفي 34 عضوا ولاتزال مقاعدهم شاغرة، فيما 127 عضواً يعيشون تحت الاقامة الجبرية في صنعاء، علماً ان النصاب لاجتماع البرلمان 137 عضواً.
وفي شرق اليمن تسيطر على مدينة سيئون كبرى مدن وادي حضرموت عسكرياً وأمنياً المنطقة العسكرية الأولى التابعة للحكومة اليمنية الشرعية، لكنها موالية لنائب الرئيس علي محسن الأحمر المقرب من حزب الإصلاح (فرع الاخوان المسلمين في اليمن) والذي يشغل منصب نائب القائد الأعلى للجيش اليمني.
وكانت قيادة المنطقة العسكرية الأولى والأمن العام في اليمن أعلنت منع التجوال بالسلاح في مناطق وادي حضرموت بما في ذلك المصرح لها من جميع الجهات، حتى إشعار آخر.
أما في جنوب اليمن فيسعى المجلس الانتقالي الجنوبي المسلح عبر قوات عسكرية مسلحة مشكلة تحت مسميات النخبة الشبوانية والنخبة الحضرمية، والتي أنشأتهما الإمارات العربية المتحدة إلى جانب ألوية الحزام الأمني في عدن ولحج وأبين، جنوب اليمن، إلى السيطرة على المناطق التي تسيطر عليها المنطقة العسكرية الأولى في وادي حضرموت والعقلة بشبوة ومنفذ الوديعة الحدودي، شرقي اليمن.
وصباح أمس الأربعاء أضاف نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي السلفي هاني بن بريك إلى نفسه صفة نائب القائد الأعلى للقوات الجنوبية أثناء حضور حفل تخرج الدفعة الثانية عشر للواء الأول صاعقة برعاية ضباط إماراتيين وحضور مدير أمن عدن شلال شائع، اقيم في أحد المعسكرات في عدن.
وكان هاني بن بريك حذر من الاعتداء على أبناء سيئون في تظاهرتهم السلمية احتجاجاً على عقد جلسة لمجلس النواب اليمني في مدينتهم.
وقال بن بريك في تغريدة له على تويتر: "أي اعتداء على المتظاهرين السلميين من ابناء شعبنا في سيئون ستكون عواقبه وخيمة. وستتحرك المقاومة الجنوبية بكل ثقلها من كل حدب وصوب وليس لأحد على المقاومة سبيل".
وشهدت مدينة سيئون، شرق اليمن، أمس الاربعاء، تظاهرة بمشاركة المئات رفضاً لانعقاد مجلس النواب اليمني في المدينة، وأقدم المتظاهرون على كتابة شعارات على جدران بعض شوارع سيئون تعبيراً عن رفضهم عقد جلسة البرلمان والمقررة خلال الأيام القليلة القادمة.
ومساء نفس اليوم الأربعاء وصل إلى عدن، جنوب اليمن، على متن طائرة إماراتية خاصة رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي قادماً من مقر إقامته في العاصمة الإماراتية أبوظبي.
ويدّعي المجلس الانتقالي الجنوبي أنه الممثل الشرعي الوحيد لجنوب اليمن. لكنه عادة ما يمارس ومؤيدوه سياسة الإقصاء ضد من يختلف معهم، ولا يعترف بيمنيته إذ يدعي أنه من الجنوب العربي. وهو كيان مسلح مدعوم من الإمارات العربية المتحدة ثاني أهم دولة في تحالف تقوده السعودية لدعم الحكومة اليمنية الشرعية المعترف بها دولياً. وتم إنشاءه في مايو 2017، ويطالب بانفصال جنوب اليمن عن شماله وتأسيس جمهورية الجنوب العربي الفيدرالية.
وأفادت معلومات وكالة "ديبريفر" للأنباء بوجود تحركات لمجاميع مسلحة في عدد من مديريات عدن، استعداداً لمواجهات محتملة قد تحدث بين ألوية الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي وبين ألوية الحماية الرئاسية التابعة لحكومة الرئيس هادي.
وعدن وفق تقرير لمجموعة الأزمات الدولية صدر في أبريل 2018 "مدينة مأخوذة رهينة في لعبة شد حبال متداخلة: هناك أنصار حكومة هادي من جهة، وخصومهم في المجلس الجنوبي المؤقت من جهة أخرى". ويضيف التقرير: "ثمة نزاع بين مصالح وطنية ومحلية متعارضة يسعى فيه الجميع للسيطرة على الموارد لكن ليس هناك قوة تحكم بشكل فعال".
وشن المجلس الانتقالي الجنوبي شن منتصف العام 2017، حملة ضد رئيس الحكومة السابق الدكتور أحمد بن دغر للإطاحة به، وفي نهاية يناير من العام الفائت 2018 قام بمحاولة انقلاب عسكري للإطاحة ببن دغر وسقط إثر ذلك نحو 70 قتيلاً وعدد آخر من الجرحى، لكن محاولته تلك باءت بالفشل.
وكان دبلوماسي سابق من جنوب اليمن فضّل عدم الكشف عن هويته لاحتياطات أمنية، أكد في وقت سابق لوكالة "ديبريفر" للأنباء أن "الاستراتيجية التي يتم اتباعها في اليمن تكمن في ايجاد كيانات بديلة توازي مؤسسات الدولة لتعزيز وضع اللا دولة".
وفي 21 ديسمبر 2018، نشرت صحيفة "غارديان" تقريراً مطولاً أكد أن الإماراتيين "هم أعضاء التحالف الوحيدون الذين لديهم استراتيجية واضحة. إنهم يستخدمون جيوشاً خاصة قاموا بتجهزيها ودربوا ومولوا جنودها في محاولة للقضاء على كل من المتشددين الجهاديين والأحزاب السياسية الإسلامية مثل الإصلاح".
وأضاف التقرير: "عبر الساحل الجنوبي – حيث تتحالف الإمارات مع الحركة الجنوبية الانفصالية، التي تعارض كلا من الحوثيين وحكومة هادي – بنى الإماراتيون سلسلة من المعسكرات والقواعد العسكرية، وأسسوا ما هو في الأساس دولة موازية، خدماتها الأمنية الخاصة التي لا تخضع للمساءلة أمام الحكومة اليمنية.
وأشار تقرير الـ"غارديان" إلى ما كشفته منظمتي "العفو الدولية" و"هيومن رايتس ووتش" عن وجود شبكة سجون سرية في جنوب اليمن تديرها الإمارات وقواتها بالوكالة، المتهمون باختفاء وتعذيب أعضاء حزب الإصلاح ومقاتلي الحوثيين من فصائل متناحرة، وحتى نشطاء وناقدين للتحالف السعودي الإماراتي. وقد ذهب الوزراء اليمنيون للإشارة إلى الإماراتيين على أنهم قوة احتلال، وفق التقرير.
وتتمسك الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً بمرجعيات الحل السياسي الثلاث، وتؤكد أن "مخرجات مؤتمر الحوار الوطني ومسودة الدستور اليمني الجديد، حددت بصورة واضحة شكل الدولة الجديدة التي توافق عليها اليمنيون، وهي الدولة الاتحادية البعيدة عن المركزية، وفق مبادئ العدالة والمواطنة المتساوية والحكم الرشيد"، في حين طالب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، أثناء زيارة قام بها إلى لندن منطلقاً من مقر اقامته في أبوظبي، بـ"وقف الحرب الدائرة في الشمال وتنفيذ الاتفاقات الموقعة بما فيها اتفاق ستوكهولم، والعودة إلى المسار السياسي لحلحلة جميع ملفات ومظاهر الأزمة بما فيها القضية الجنوبية"، وكذا بـ"إعادة النظر في بناء المنظومة الحاكمة من خلال العودة إلى نظام الدولتين في الجنوب والشمال وبناء منظومة جديد من العلاقات والشراكات بين البلدين والشعبين والدولتين الجارتين الجنوبية والشمالية"، معتبراً أن "مشروع الوحدة اليمنية كان محاولة فاشلة".
كما طالب رئيس الانتقالي الجنوبي أن "تكون الدولتين الشقيقتين مستقلتين فيدراليتين تبعا لظروف سكانهما على أن يراعى في ذلك ظاهرة التمايز المذهبي والمدني في الشمال والتفاوتات الجغرافية والاقتصادية والجهوية في الجنوب، ومحاربة الإرهاب ومنع الجماعات المسلحة وحصر احتكار السلاح على الدولتين الشرعيتين وجيشيهما وأجهزتهما الأمنية فقط".
وكان مجلس الأمن الدولي شدد في اجتماعه بتاريخ 4 فبراير 2019 على ما أسماها "الحاجة لإحراز تقدم للتوصل إلى اتفاق سياسي شامل للصراع في اليمن، وفق ما دعت إليه قرارات وبيانات مجلس الأمن الدولي ومبادرة مجلس التعاون الخليجي ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني"؛ مُجدداً دعوته للتطبيق "الكامل لقرارات وبيانات المجلس".
وأعلن أعضاء مجلس الأمن نيتهم النظر في اتخاذ مزيد من الإجراءات وفق الضرورة لدعم تطبيق كل القرارات ذات الصلة، مُشددين "على التزامهم القوي بوحدة وسيادة واستقلال اليمن وسلامة أراضيه".