Click here to read the story in English
تضاعفت ساعات انقطاع التيار الكهربائي بمدينة عدن الساحلية جنوبي اليمن خلال الثلاثة الأيام الماضية، وزادت حدتها يوم الثلاثاء، نتيجة نفاد مادتي الديزل والمازوت، ما فاقم حالة الغضب الشعبي في المدينة التي تتخذها الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً عاصمة مؤقتة للبلاد.
وقالت مصادر حكومية في عدن لوكالة ديبريفر للأنباء إن "خدمة الكهرباء تشهد انهياراً تسبب بانخفاض ساعات التشغيل إلى أقل من ساعة ونصف الساعة مقابل 5 ساعات من الانقطاع، بعد أن كانت عملية الانقطاعات المبرمجة، توقفت تماماً عقب سيطرة قوات الانتقالي الجنوبي يوم 10 أغسطس الجاري على عدن، والتي كانت تصل إلى ساعتي انقطاع مقابلها أربع ساعات تشغيل" حد تعبيرها.
وأشارت إلى أن أسباب تزايد الانقطاعات يعود إلى تخفيض مخصص الوقود لمحطات الكهرباء إلى أقل من النصف.
وأكدت المصادر أن الرجل النافذ المستورد الوحيد للمشتقات أحمد العيسي، رفض السماح بإفراغ سفينة الوقود الراسية في ميناء الزيت بالبريقة في خزانات شركة مصافي عدن لتزويد كهرباء عدن بالمشتقات، بحجة مطالبته الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً بسداد المديونية لديها لصالحه، والتي بلغت 200 مليون دولار.
و مساء الاثنين ناشدت مؤسسة الكهرباء الحكومية في عدن، الجهات الحكومية إنقاذ عدن قبل أن تغرق في الظلام بعد أن شارف مخزون وقود محطات الكهرباء بمصافي عدن على الانتهاء.
وقال المكتب الإعلامي لكهرباء عدن في بيان إن جهوداً بذلت للتدخل العاجل والفوري لإيجاد حل عاجل مع المورد يفضي لتفريغ باخرة الوقود من أجل إنقاذ عدن وباقي المدن "المحررة" بعد أن شارف مخزون الوقود على النفاذ من خزانات مصافي عدن.
انفراج للأزمة قريب
وكشف مسؤول في شركة مصافي عدن، مساء الثلاثاء، عن بوادر انفراج لأزمة وقود محطات الكهرباء.
وقال مسؤول الإعلام في المصفاة، ناصر شائف في منشور بصفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، إنه "من المتوقع أن تدخل خلال الساعات القادمة سفينة محملة بكميات كبيرة من مادة الديزل إلى رصيف ميناء الزيت التابع لشركة مصافي عدن".
وأوضح أنه عقب دخول الباخرة ستقوم المصفاة بتفريغ الكمية إلى خزاناتها وضخها بشكل مباشر عبر شركة النفط إلى محطات الكهرباء لتعود للعمل مرة أخرى وفي أسرع وقت .
ولم يفصح شائف عن كميات الديزل التي سيتم ضخها، إلا أن السفينة التي ستدخل الميناء تحمل على متنها نحو 67 ألف طن متري من مادة الديزل .
وكانت شركة مصافي عدن، أعلنت في 6 أغسطس الجاري، عن طرح مناقصة عامة لشراء 102 ألف طن من الوقود، لمواجهة نقص في توليد الكهرباء.
وطلبت المصفاة شراء 67 ألف طن من مادة الديزل و35 ألف طن من زيت الوقود الثقيل مازوت لتزويد محطات توليد الكهرباء في عدن، نظرا لانخفاض إمدادات الوقود بسبب الحرب الأهلية المستمرة منذ أكثر من أربع سنوات ونصف.
وتتكرر أزمة خروج محطات توليد الطاقة الكهربائية في عدن والمحافظات المجاورة لها كلما رفض التاجر العيسي تسليم شحنات الوقود إلى الحكومة "الشرعية"، بذريعة سداد مستحقات متأخرة.
وتسود حالة من الغليان والغضب العارم لدى سكان مدينة عدن بسبب استمرار تفاقم المعاناة نتيجة تدهور الأوضاع وتردي الخدمات الأساسية للحياة في المدينة من وقود وكهرباء ومياه واتصالات، رغم مرور أكثر من أربع سنوات على تحرير المدينة من جماعة الحوثيين (أنصار الله) في أواخر يوليو 2015 .
ويرى مراقبون وسكان في عدن، أن أزمة نفاذ وقود الكهرباء هذه المرة، تأتي ضمن الأوراق السياسية التي تلعب بها أطراف في الحكومة "الشرعية" التي تحوم حولها صفقات فساد كبرى، للضغط على الشارع في عدن لإثارته ضد المجلس الانتقالي الجنوبي، خاصة بعد أن سيطرت قوات المجلس ، في 10 أغسطس الجاري على مدينة عدن عقب اشتباكات عنيفة مع قوات الحكومة، استمرت أربعة أيام أسفرت عن مقتل 40 شخصاً وإصابة 260 آخرين، وفق بيان للأمم المتحدة.
وهو ما اعتبرته الحكومة اليمنية "الشرعية" "انقلاباً آخر" عليها من قبل المجلس المدعوم إماراتياً بعد "انقلاب الحوثيين" عليها في صنعاء أواخر عام 2014.
احتكار العيسي ومكتب الرئيس
يأتي تفاقم مشكلة انقطاع كهرباء في عدن ، لتؤكد استمرار سيطرة تاجر واحد على جميع خزانات شركة مصافي عدن، في إشارة إلى رجل الأعمال أحمد العيسي، المحتكر والمورد الوحيد للمشتقات النفطية إلى عدن والمحافظات المجاورة لها، رغم أن الحكومة "الشرعية" أقرت أواخر يونيو الماضي، حصر استيراد المشتقات النفطية في كافة المحافظات الخاضعة لسيطرتها، على شركة مصافي عدن جنوبي اليمن.
الأمر الذي لم ينفذ على أرض الواقع، وسط تصاعد الاتهامات، الموجهة لمدير مكتب رئاسة الجمهورية عبدالله العليمي، بتمكين نائبه للشئون الاقتصادية رجل الأعمال أحمد العيسي، من الاستيلاء على مؤسسات الدولة وفي مقدمتها شركة مصافي عدن.
وهاجم الكاتب والمحلل السياسي أحمد حرمل الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي واتهمه بالفساد واحتكار مكتبه صفقات استيراد المشتقات النفطية.
وقال حرمل في منشور على فيسبوك مساء الاثنين "مناقصات استيراد المشتقات النفطية دائماً ترسي على مكتب الرئيس عبد ربه منصور هادي ممثلاً بأحمد صالح العيسي نائب مدير مكتب الرئيس هادي للشؤون الاقتصادي هذا المنصب تم تفصيله على مقاس العيسي لتمرير مثل هذه الصفقات بغطاء استثماري ولم يكن أمام ثلاثي النهب والفساد هادي، جلال، العليمي إلا هذه الحيلة" .
وأضاف "أحمد العيسي شريك إلى جانب هادي ونجله جلال هادي وعبدالله العليمي، لذا لا تظلم العيسي فهو واحد من أربعة فاسدين فمن يمتلك القدرة على إنهاء زواج المال بالسلطة" .
إلغاء الاحتكار فوراً
وتصاعدت في الآونة الأخيرة على منصات التواصل الاجتماعي، حملات ناشطين وشباب في المحافظات الجنوبية منددة وساخطة إزاء استمرار قيام العيسي بدور الدولة وتحكمه في أهم سلعة يحتاجها الناس، بما يشير إلى سيطرة مراكز وقوى نفوذ كبيرة على قرار الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي .
ويُعد احتكار شركة العيسي لاستيراد الوقود في عدن، وبقية المناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية "الشرعية"، سابقة هي الأولى من نوعها على مستوى العالم، إذ سلمت الحكومة أهم مورد اقتصادي ومالي للبلد إلى القطاع الخاص، بموجب قرار أصدره الرئيس هادي مطلع مارس العام الماضي، والقاضي بتحرير سوق المشتقات النفطية، وفتح مجال الاستيراد أمام شركات القطاع الخاص، وإخضاع عملية بيع وتوزيع المشتقات للمنافسة بين الشركات.
وجاء قرار تحرير سوق المشتقات النفطية، بعد إحجام حكومة هادي عن تغطية فاتورة واردات الوقود بالعملة الصعبة، وتوقف شركتي النفط الحكومية ومصافي عدن، عن استيراد الوقود وتحويلهما إلى مجرد مخازن للتاجر العيسي.
تحقيق "ديبريفر"
وكانت وكالة "ديبريفر" الدولية للأنباء، نشرت في 13 أغسطس العام الماضي، تحقيقاً خاصاً مطولاً، بعنوان: "العيسي تاجر أكبر من الدولة بتواطؤ رئاسي ولوبي فساد يزداد فتكاً"، تناولت فيه دور رجل الأعمال أحمد العيسي كمحتكر لاستيراد الوقود بكافة أنواعه إلى عدن، والمحافظات المجاورة، في خلق الأزمات المتكررة لانعدام الوقود في تلك المحافظات.
مسئولون يشغلون مواقع متعددة في شركة النفط اليمنية الحكومية بعدن قالوا آنذاك، إن شركة "عرب جلف"، المملوكة للعيسى تمارس الابتزاز على شركة النفط الحكومية المختصة بتوزيع الوقود محلياً في المحافظات الجنوبية، كون الشركة تشتري من العيسي المشتقات بالسعر الذي يحدده هو، وبالعملة الصعبة وبزيادة عن الأسعار العالمية، ما يترتب على ذلك خسائر فادحة.
وأكدت مصادر حكومية مطلعة في شركة النفط بعدن، أن العيسي التاجر المتعهد الوحيد بتوريد النفط إلى عدن، ما يزال يصر على استلام مبالغ شراء الوقود بالعملة الصعبة، مما يجبر شركة النفط على شراء قرابة ثلاثة ملايين دولار شهرياً من شركات الصرافة المحلية بالسعر الآني، بمبلغ يفوق اثنين مليار ريال و100 مليون يمني لتسديد قيمة الوقود، وبالتالي يتسبب في انعدام العملة الصعبة من السوق المحلية وبشكل مستمر، ما يساهم بقوة في انخفاض قيمة "الريال اليمني" أمام الدولار، ويؤثر سلباً على الأوضاع الاقتصادية المتردية أصلاً.
مصدر آخر في الشركة كشف أساليب الابتزاز التي تقوم بها شركة التاجر العيسي المحتكرة لاستيراد النفط، ومنها قيام شركته بضخ كميات كبيرة من الوقود إلى شركة النفط، دون تحديد قيمة مالية، وتترك الشركة تحت الأمر الواقع ما يسبب خسائر كبيرة للدولة، وهو ما لا تعترض عليه شركة النفط حيث تطالب التاجر بتحديد سعر البيع أولاً، ووضع حد للبيع المجهول من قبل الشركة المتنفذة.
وفي منتصف ديسمبر الفائت، سلطت صحيفة "لوموند" الفرنسية الضوء على دور العيسي (51 عاماً) في الحياة السياسية والاقتصادية في اليمن هذا البلد الفقير الذي يشهد صراعاً دموياً على السلطة منذ أكثر من أربع سنوات بين الحكومة المعترف بها دولياً مدعومة بتحالف عسكري تقوده السعودية، وقوات جماعة الحوثيين (أنصار الله) المدعومة من إيران، ما أدى إلى "أسوأ أزمة إنسانية في العالم" وفق تأكيدات الأمم المتحدة.
وذكرت الصحيفة الفرنسية بأن هذا الوضع، يثير ردوداً غاضبة في عدن، فرجل الأعمال متهم بإبقاء المصفاة السوفيتية القديمة في المدينة التي يسيطر عليها معطلة، من أجل مواصلة بيع الوقود للمولدات الخاصة في عدن، ما أدى إلى نقص كبير.
وأشارت الصحيفة بذلك إلى سيطرة العيسي على شركة مصافي عدن الحكومية، وأصبح اليد الطولى في إصدار القرارات الجمهورية المتعلقة بمسئولي هذه الشركة العملاقة التي تأسست مطلع خمسينيات القرن الماضي، كأول شركة لتكرير النفط الخام في منطقة الجزيرة العربية والخليج.