قالت وكالة "رويترز"، مساء اليوم الجمعة نقلاً عن مسؤولين، إن المحادثات الجارية في مدينة جدة السعودية الهادفة لإنهاء صراع عنيف على السلطة في جنوبي اليمن بين الشرعية اليمنية المعترف بها دولياً، والمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي المسلح المدعوم إماراتياً، تعثرت بما ينذر بتجدد القتال بينهما ويهدد بتفاقم الانقسامات في التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن.
وتستضيف مدينة جدة السعودية التي تقود تحالفاً عربيا عسكريا لقتال جماعة الحوثيين المدعومة مع إيران في اليمن منذ أواخر مارس 2015، محادثات غير مباشرة لحل الأزمة بين انفصاليين تدعمهم الإمارات والحكومة المدعومة من الرياض في ظل تصاعد خلافات بين المملكة وحليفتها الرئيسية الإمارات.
ويهدد القتال في الجنوب بين من يفترض أنهما حليفان، بتعقيد إنهاء صراع دامي مستمر في هذا البلد الفقير للعام الخامس على التوالي، راح ضحيته عشرات الآلاف وتسبب في "أسوأ أزمة إنسانية في العالم" وفق الأمم المتحدة.
ودعت المملكة العربية السعودية، في بيان الليلة الماضية "الأطراف التي نشب بينها النزاع في عدن والحكومة الشرعية للانخراط في حوار جدة بالمملكة بشكل فوري ودون تأخير".
وأكدت المملكة في بيانها الذي وُصف بـ"غير مسبوق" ضرورة استعادة الحكومة اليمنية الشرعية لمعسكرات ومقرات مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية في مدينة عدن التي سيطر عليها المجلس الانتقالي الجنوبي بدعم إماراتي في 10 أغسطس المنصرم.
كما أكد البيان رفض المملكة لوجود أي بديل عن الحكومة الشرعية في اليمن وعدم قبولها بأي محاولات لإيجاد واقع جديد في اليمن باستخدام القوة أو التهديد بها".
وقال البيان إن السعودية "لن تقبل بأي تصعيد عسكري أو فتح معارك جانبية لا يستفيد منها سوى الميليشيا الحوثية الإرهابية المدعومة إيرانياً، والتنظيمات الأخرى المتمثلة في تنظيمي (داعش والقاعدة)".
وتوعدت السعودية بأنها "لن تتوانى بالتعامل بكل حزم مع أي محاولة لزعزعة استقرار اليمن، لأن ذلك يُعد تهديداً لأمن واستقرار المملكة والمنطقة".
وقال مسؤولان يمنيان لرويترز، إن بيان السعودية جاء بعد أن بلغت المحادثات التي أجريت في مدينة جدة طريقاً مسدوداً وبدأ الجانبان في حشد القوات استعدادا لمزيد من القتال. وأشارا إلى أن وفد المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تدعمه أبوظبي، رفض دمج قواته تحت سلطة الحكومة التي تدعمها السعودية.
ويملك المجلس الانتقالي الانفصالي عشرات الآلاف من المقاتلين سلحتهم ودربتهم وتدعمهم الإمارات.
إلى ذلك أعلنت قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي النفير إلى ما أسمته "النفير العام"، وقالت في تغريدة على "تويتر" اليوم الجمعة: "الوضع يتجه نحو الحرب لذلك استعدوا يا شعب الجنوب إعلان النفير العام والتعبئة العامة... فشل الحوار وإعلان الحرب".
وتعثرت المحادثات أيضا بسبب خلاف على دور الانفصاليين في الحكومة بعد أن طلبوا منصب نائب الرئيس إلى جانب حقيبتين وزاريتين مهمتين. ونائب الرئيس الحالي لليمن هو الفريق علي محسن الأحمر القائد العسكري المخضرم سياسياً وحليف حزب الإصلاح (فرع الإخوان المسلمين في اليمن) والمسيطر على القرار في الشرعية والحكومة اليمنية.
وذكرت وكالة "رويترز" أن وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني، أحجم عن تقديم تفاصيل بشأن المحادثات، لكنه قال إن مطالب المجلس الانتقالي تعني "شرعنة حمل السلاح ضد الدولة"، مضيفاً: "لا نستطيع قبول وجود جماعات مسلحة خارج سلطة الحكومة. هذا مخالف للدستور والقانون".
شروط هادي ورفض الإمارات
إلى ذلك قالت وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية للأنباء، إن الساعات الماضية شهدت اجتماعا بين مسؤولين من المملكة العربية السعودية والإمارات، أعلنت فيه أبو ظبي رفضها القاطع لعدد من الشروط وضعتها الرئاسة اليمنية.
وكشفت الوكالة في تقرير لها مساء الخميس، عن انعقاد اجتماع سعودي إماراتي بشأن الأحداث في عدن، تحدثوا فيه عن سر الشرط الذي وضعه الرئيس عبد ربه منصور هادي وأثار حفيظة ورفض المسؤولين الإماراتيين.
ونقلت "أسوشيتد برس" عن مسؤولين يمنيين وصفتهم بأنهم مطلعين على كواليس المفاوضات التي تجري في جدة قولهم، إن السعودية تضغط حالياً بشدة من أجل توقيع الحكومة اليمنية وما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي "اتفاق تسوية".
وقالت مصادر سياسية، رفضت الكشف عن هويتها، إن مسؤولين سعوديين وإماراتيين اجتمعوا بشكل منفصل، للاتفاق على مشروع "اتفاق تسوية".
وذكرت المصادر إن ذلك المشروع كان يتم التنسيق السعودي الإماراتي حوله، قبل تقديمه إلى الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وإلى قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي.
لكن المصادر كشفت أن هادي وضع مجموعة من الشروط، أثارت حفيظة ورفض المجلس الانتقالي الجنوبي والإمارات.
وكان أبرز هذه الشروط، ضرورة انسحاب المجلس الانتقالي الجنوبي وقواته من كافة المباني والمعسكرات والمواقع العسكرية التي يسيطر عليها في عدن، قبل التوقيع على أي اتفاق.
كما اشترط هادي ضرورة تقديم المجلس الانتقالي الجنوبي وكافة القوات التابعة له في المناطق الجنوبية، الولاء للحكومة الشرعية، وهو ما رفضه المجلس الانتقالي الجنوبي والإمارات.
وكان الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، قد دعا قبل أيام المملكة العربية السعودية إلى التدخل لوقف ما وصفه بـ"الهجوم السافر" من قبل الطيران الإماراتي في عدن.
وقالت الرئاسة اليمنية في بيان نشرته وكالة "سبأ" اليمنية إن اليمن تجدد طلبها من المملكة العربية السعودية بضرورة التدخل لإيقاف "التدخل الإمارات السافر، من خلال دعم ميليشيات الانتقالي، واستخدام القصف الجوي ضد القوات المسلحة اليمنية". وقال هادي "لن ترهبنا طائرات العابثين المستهدفين لأرضنا وسنستعيد عدن ونبسط نفوذ الدولة فيها".
وقصفت طائرات إماراتية في 29 أغسطس الفائت، قوات الحكومة اليمنية في أطراف مدينة عدن ومحافظة أبين المجاورة لإيقاف تقدمها المتسارع الساعي لاستعادة السيطرة على عدن التي تتخذها هذه الحكومة عاصمة مؤقتة للبلاد، وذلك بعدما سيطرت على المدينة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعومة من الإمارات في ١٠ أغسطس الفائت، عقب اشتباكات عنيفة مع قوات الحكومة، استمرت أربعة أيام أسفرت عن مقتل 40 شخصاً وإصابة 260 آخرين، وفقاً للأمم المتحدة.
وأقرت الإمارات باستهدافها لقوات الحكومة اليمنية، مبررة ذلك بأنها استهدفت "مليشيات إرهابية دفاعاً عن قوات التحالف".
وكان التحالف العربي طالب في 10 أغسطس الماضي المجلس الانتقالي الجنوبي، بسحب قواته من المواقع التي سيطر عليها في عدن، وهدد بشن ضربات على تلك القوات إن لم تستجب لمطالبه، فيما دعت الرياض طرفي الاقتتال إلى حوار عاجل في المملكة.
ورفض المجلس الانتقالي الانفصالي سحب قواته، لكنه رحب بالدعوة إلى الحوار، بينما رفضت الحكومة اليمنية إجراء أي حوار إلا بعد تنفيذ الانفصاليين لطلب التحالف بسحب قواتهم من المواقع التي سيطروا عليها.
واستغل انفصاليون جنوبيون الحرب في اليمن، وعززوا حضورهم بدعم الإمارات ثاني أهم دولة في التحالف. ودعمت أبو ظبي إنشاء المجلس الانتقالي الجنوبي في مايو ٢٠١٧، ودربت وسلحت قوات محلية تابعة للمجلس نفذت محاولة انقلاب عسكري فاشلة في يناير 2018 ضد الحكومة اليمنية الشرعية في عدن راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى.
والانتقالي الجنوبي الذي يريد فصل جنوب اليمن عن شماله، يُنصِّبُ نفسه ممثلاً عن المواطنين في جنوبي البلاد، ويسعى لفرض سيطرته على جميع مناطق ما كان يُعرف باليمن الجنوبي، غير أنه لا يحظى بتأييد شعبي كامل هناك، سيما مع وجود كيانات أخرى تتحدث باسم "الجنوب"، لكن "الانتقالي" يُعد أبرز تلك الكيانات لما يملكه من ذراع عسكري أنشأته وتدعمه دولة الإمارات.
ورغم زعم الإمارات دعم الحكومة "الشرعية" في اليمن، إلا أنها دعمت وبقوة إنشاء المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن، في مايو 2017، وهو كيان قامت الإمارات بتسليحه وتنضوي تحت مظلته قوى من جنوبي اليمن تطالب بالانفصال عن شماله واستعادة الدولة في جنوبي البلاد التي كانت قائمة قبل عام 1990 عندما توحد شطري اليمن.
كما أنشأت الإمارات عدة قوات وتشكيلات عسكرية وأمنية يمنية خصوصاً في المحافظات الجنوبية، ودربتها وأشرفت على تجهيزاتها وتعمل تحت إمرتها تقدر بعشرات الآلاف من الجنود في إطار إستراتيجية زعمت أبو ظبي أنها "لمواجهة الحوثيين، وكذا محاربة تنظيم القاعدة" الذي استغل الحرب الأهلية وحاول التوسع في البلاد.