طالب محافظ البنك المركزي اليمني الجديد، أحمد عبيد الفضلي، اليوم السبت، الدول المانحة بتحويل أموالها والمساعدات المقدمة لليمن عبر القنوات الرسمية وأهمها البنك المركزي في مقره الرئيس في مدينة عدن جنوبي البلاد ومصارفتها بالريال اليمني، في إطار مساعي البنك للحفاظ على استقرار سعر صرف العملة المحلية.
وقال الفضلي لصحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، في أول تصريح صحفي له بعد تعيينه محافظاً للبنك المركزي: "في ما يتعلق بالدعم الأوروبي للبنك المركزي، نؤكد على الدول المانحة بشكل عام أن المساعدات كافة التي تأتي إلى اليمن لتمويل مشروعات، سواء بشكل مباشر أم عبر منظمات تابعة لها، لا بد أن تمر عبر الجهاز المصرفي".
وأشار إلى أن "غالبية هذه الأموال في هذه المرحلة لا تمر عبر القنوات الرسمية (البنك المركزي)، وكل ما يحدث أنها تمر عبر منافذ الصرافة، للأغراض التي تحال إليها هذه الأموال، ولا تكون فيها الاستفادة العامة، ولا تستفيد منها الدولة بشكل مباشر".
واعتبر محافظ البنك المركزي اليمني وهو وزير المالية الأسبق، أن تلك العملية "لها انعكاسات سلبية على الاقتصاد اليمني، فبدل أن توجه هذه الأموال التي تأتي بالعملة الأجنبية للأغراض التي لها الأولوية، توجه لأغراض أخرى، وهذا يتسبب في فقدان قيمة هذه الأموال ومردودها الإيجابي على البلاد".
وكان الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، أصدر مساء الخميس، قرارات جمهورية، قضت بتعيين وزيرين للخارجية والمالية، ومحافظ جديد للبنك المركزي.
وفي 19 أبريل الفائت، اتفق البنك المركزي اليمني مع صندوق النقد والبنك الدوليين على توحيد قنوات تحويل المساعدات المقدمة لليمن عبر مقر البنك في مدينة عدن ومصارفتها بالريال اليمني.
حسابات خارجية مجمدة
وكان محافظ البنك المركزي اليمني السابق محمد زمام، أعلن في أواخر يناير الماضي، أن منسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في اليمن، ليز غراندي، أبلغت قيادة البنك بأن الأمم المتحدة اتخذت قراراً إيجابياً خاصاً بتحويل مبالغ المنظمات الدولية العاملة في اليمن عبر البنك المركزي اليمني ومقره في مدينة عدن جنوبي البلاد.
ويوجد في البنك المركزي اليمني احتياط نقد أجنبي بأكثر من ثلاثة مليارات دولار، عبارة عن ملياري دولار أودعتها المملكة العربية السعودية مطلع العام الفائت، إلى جانب مليار دولار وديعة سعودية سابقة منذ سنوات، إضافة إلى 200 مليون دولار أعلنت عنها المملكة في مطلع أكتوبر الماضي كمنحة لذات البنك دعماً لمركزه المالي.
وفي 25 يناير الفائت، أكدت تقارير إخبارية اقتصادية عربية، أن صندوق النقد الدولي اشترط على الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، التوصل لاتفاق مالي واقتصادي مع جماعة الحوثيين (أنصار الله)، بما يسهم في فتح حسابات البنك المركزي اليمني والإفراج عن الأموال المجمدة لدى صندوق النقد وبعض البنوك الدولية.
ونقلت التقارير الإخبارية عن مصدر مسؤول في المقر الرئيسي للبنك المركزي اليمني بمدينة عدن جنوبي اليمن تأكيده، أن حسابات البنك المركزي من بينها مبالغ احتياطية للبنك في صندوق النقد الدولي وأموال أخرى في بنك انجلترا لا تزال مجمدة منذ يوليو 2016، دون أي تفسير حتى اللحظة رغم الإيضاحات التي طالبت بها الحكومة اليمنية "الشرعية" ممثلة بإدارة البنك.
استراتيجية نقدية ومالية
محافظ البنك المركزي اليمني الجديد أحمد عبيد الفضلي أوضح في تصريحه، اليوم السبت، بشأن الإستراتيجية النقدية والمصرفية التي سينتهجها، قائلاً إن إستراتيجيته في المرحلة المقبلة "ستعتمد على عدة محاور رئيسية، وذلك بعد تقييم ما هو معمول به حالياً، والأسس التي يعمل عليها البنك المركزي، وعلى ضوء ذلك سنتخذ سياساتنا النقدية والمالية بالتنسيق مع وزارة المالية".
وأضاف أنه "في ما يتعلق بعجز الموازنة العامة للدولة، وكذلك بتدفق الموارد الأجنبية عبر البنك المركزي اليمني، سنعمل على وضع آلية يستفيد منها الجميع، ويستفيد منها الاقتصاد والمواطن اليمني، ونحن في هذه المرحلة نتحدث عن مؤشرات عامة لما سيجري التعامل معه في المرحلة المقبلة، أما في ما يتعلق بتدفق الموارد الأجنبية فهناك حرص كبير لأن تكون عبر قنوات البنك المركزي، أو البنوك التجارية".
وأوضح أن "كل الإجراءات التي سيجري اتخاذها في الأيام المقبلة سنطلع الجميع على ما سيتم إجراؤه لكل ما يتم التعامل معه من قرارات وخطوات عامة".
وأشار الفضلي إلى أنه بخصوص سعر العملة المحلية (الريال اليمني)، "فسيتم العمل ضمن الخطوات الأولى لتولي المهام في الإدارة ولعدم تدهور سعر العملة بدرجة أساسية، وهذا يتطلب إجراءات عدة، سنعكف على تطبيقها لضمان ثبات سعر الصرف".
وعن طلب اليمني من الحكومة الألمانية رفع الحظر عن الحسابات البنكية للبنك المركزي، قال: "حتى الآن لا تتوفر أي معلومة واضحة حول ما اتخذته الحكومة الألمانية في هذا السياق"، موضحاً أن "المبالغ الموجودة في البنوك الألمانية ليست كبيرة، ولكن تفعيلها أو تحريكها أمر مهم للحكومة اليمنية، كونه يعطي الضوء الأخضر للبنوك في ألمانيا للتعامل معنا في البنك المركزي اليمني".
الأموال المزورة
وحول عمليات دخول أموال مزورة إلى البلاد، أكد محافظ البنك المركزي اليمني الجديد، أن "من أولويات الحكومة وقف هذا النزيف، وستكون هناك آليات، وكذلك تفعيل إدارة مكافحة غسل الأموال، والتهريب بدرجة أساسية، وشكلت إدارة أساسية لهذا الغرض في البنك المركزي، ليس فقط الأموال المزورة، بل الأموال كافة".
واتهم محافظ البنك الجديد، جماعة الحوثيين (أنصار الله) بارتكاب "كثير من الجرائم المالية، ومنها غسل الأموال، وهي الأكثر خطراً على الاقتصاد اليمني، وذلك من خلال تحرير الأموال بواسطة عمليات بيع غير رسمية، سواء في الداخل أو الخارج، ولا بد من التصدي لهذه الأعمال المشبوهة التي تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الوطني" حد قوله.
وكان البنك المركزي اليمني، كشف في منتصف فبراير الماضي، أن جماعة الحوثيين "أدخلت أموالاً مزورة يصعب التكهن بعددها وقيمتها، وتجري متابعتها وضبطها"، مؤكدا أن "كميات من الأموال المزورة جرى ضبطها، ولكن عملية التزوير كانت واضحة وبدائية، كما أن جماعة الحوثيين تقوم بعمليات غسل أموال بطرق مختلفة، أبرزها بيع المشتقات النفطية القادمة إلى أحد الموانئ بالريال اليمني، رغم أنها قُدّمت بشكل مجاني، ثم تحول الحوثيين العوائد إلى دولارات وتهريبها خارج البلاد".
وعن استمرار ديمومة البنك المركزي اليمني أكد محافظه أن "استمرارية البنك تقف على عوامل عدة، وأبرزها الصدق والشفافية والصراحة، في نقل المعلومات للداخل والخارج، وهي تعكس قيمة البنك لجميع الأطراف، وهذا من أبرز استراتيجيات البنك في المرحلة المقبلة، وهي أن يكون واضح وشفاف في المعلومات كافة".
واليمن منقسم بسبب الحرب الأهلية المستمرة للعام الخامس على التوالي، بين جماعة الحوثيين (أنصار الله) المدعومة من إيران، وقوات الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً مدعومة بتحالف عربي تقوده السعودية، شن آلاف الضربات الجوية على قوات الحوثيين لإعادة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى الحكم في العاصمة صنعاء التي لا يزال الحوثيون يسيطر عليها وأغلب المناطق شمالي البلاد منذ أواخر عام 2014.
وبات الوضع المالي أكثر فوضوية منذ قررت حكومة هادي "الشرعية" في سبتمبر 2016 نقل مقر البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، فيما رفض الحوثيون هذه الخطوة ما أدى إلى وجود بنكين مركزيين متنافسين يعملان في البلاد.
وتسبب نقل البنك المركزي من صنعاء إلى مدينة عدن التي تتخذها هذه الحكومة عاصمة مؤقتة للبلاد، في انقطاع صرف مرتبات الموظفين الحكوميين في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين في المحافظات الشمالية ذات الكثافة السكانية والوظيفية، منذ ثلاثة أعوام.
ورغم تعهد الحكومة اليمنية "الشرعية" حينما قررت نقل البنك إلى عدن بصرف مرتبات جميع موظفي الدولة، لكنها عجزت وتملصت عن تنفيذ تعهداتها. وقبل ذلك كان البنك يصرف مرتبات موظفي الدولة في جميع المحافظات رغم سيطرة الحوثيين عليه.