سامي الكاف
درج عدد كبير من السلفيين خلال السنوات الثلاث الفائتة على تصوير الحوثيين بـ"المجوس الروافض" الذين يتعين قتالهم ولا شيء غير ذلك بحجة الدفاع عن الدين والأرض والعرض.
إنها الحجة الأثيرة التي رفع السلفيون راياتها للقتال في الحرب التي نشبت في عدن جنوب اليمن أواخر مارس 2015م بعد أن كانوا خلال العقود الفائتة جماعات دينية دعوية تنشط في المساجد، تتحاشى القتال ولا تحبذ ممارسة السياسة.
طوال نشاطها في العقود الفائتة ترفع الجماعات السلفية التقليدية شعار: "لا نكران ولا هجران ولا خروج"، و المعنى أن "التمرد والخروج على ولي الأمر فيه مفاسد كثيرة ولا خير فيه للأمة الإسلامية مهما بلغ ظلمهم وجورهم".
يضيف بعضهم: "ولكن إلى حين دنو اللحظة المناسبة للتمكين من تحقيق الهدف الكبير المتمثل في اقامة دولة الخلافة الإسلامية على منهج السلف".
يقول الناشط السياسي شهاب الحامد لوكالة "ديبريفر" للأنباء: "ينظر البعض إلى حضور السلفيين في المشهد السياسي الجنوبي بانه عامل توازن وطمأنة لمسار العملية السياسية في المستقبل، بينما يرى بعض السلفيين أن الخوض في الشأن السياسي هو بداية التمكين لإقامة دولة إسلامية تشبههم، أو تشبه أنظمة حكم قائمة في الخليج على أقل تقدير".
السلفيون يقفزون للواجهة
قفز السلفيون إلى واجهة المشهد السياسي في جنوب اليمن الذي كان حكراً على مكونات الحراك الجنوبي قبل نحو ثلاث سنوات. بدت الحرب التي شنتها قوات الحوثيين وصالح على عدن مناسبة بما يكفي ليتصدروا هذه الواجهة.
لم يرفع أحد راية الدفاع عن شرعية الدولة اليمنية التي انقلب عليها الحوثيون بقوة السلاح في 21 سبتمبر 2014م.
يقول الدبلوماسي عبدالله الحنكي - سفير يمني سابق - لوكالة "ديبريفر" للأنباء إن "الصورة الأساسية للمشهد السياسي العام هي سلفية الى حد كبير. إنها الطاغية على ما عداها، وعليّ أن أشير في هذا الاطار إلى أن السلفية التي أعنيها هنا ليست مقطوعة عن شجرة الإسلام السياسي كما قد يبدو للبعض، بل هي الامتداد الشعبي والتنظيمي له ككل وتتبادل معه ليس التنسيق فحسب بل وتتبادل معه الاختلاف حين تقتضي ذلك السياسة".
يوضح الحنكي، من وجهة نظره، كيف نشأت السلفية في جنوب اليمن إلى أن بلغت القوة الرئيسة في معركة التصدي للغزو الحوثي لجنوب اليمن قائلاً: "في جنوب اليمن لم يكن ثمة تعصب ديني وبالتالي ﻻ حاضنة له، لكن تطرف السياسة بغطاء الاشتراكية ومن ثم انكساراتها التي توجت بكارثة يناير أدى إلى رجوع الناس نحو التدين وتالياً نحو الفكر الديني الذي وجد مناخاً خصباً له لينتشر بين الأيتام من أبناء الضحايا، زد على ذلك هروب النظام وتعري زيف اشتراكيته وارتمائه في الوحدة كيفما اتفق مُسلّماً كل شيء إلى نظام كان الإسلام السياسي يشكل عصبه السياسي فتلقى مدى جغرافياً وبشرياً بكراً صال وجال فيه حتى أوصل أجياله إلى التعصب إذ أرسلهم أفواجاً الى معهد الداعية السلفي مقبل الوادعي ومن ثم الدخول في شبكات القاعدة أفواجاً، كل ذلك جرى تحت مظلة النظام الحاكم في الوحدة وبرعايته والتغاضي عن التمويل الخارجي الضخم له".
عملية الاستقطاب
يشير الدكتور عبد الحكيم أبو اللوز في دراسة بحثية نشرها في 2012م إلى كيفية حدوث عملية الاستقطاب إلى صفوف الجماعات السلفية، يقول أبو اللوز: "إن المعطيات التي توفرت بوساطة البحث الميداني توضح أن أغلب الحساسيات السلفية ليس لها سوى حظ يسير من التربية المؤسساتية، فأتباعها إما عاطلون عن العمل أو شباب يافعون فقراء أو أرباب أسر حائرون يواجهون أبناء فقدوا سلطتهم التقليدية عليهم، ويعبرون عن احتجاجهم بتعاطي الكحول والمخدرات والانحراف قبل أن يتحولوا بفعل الدعاية السلفية إلى مبشرين ووعاظ هدفهم إرجاع البقية إلى جادة الدين".
بالنسبة إلى الصحفي اليمني عبدالفتاح الحكيمي فإن "الجماعات السلفية تحولت سريعاً من ظاهرة دعوية إلى كتلة صدامية كبيرة أفرزتها تداعيات الصراع المسلح مع الحوثيين.. لا شك أنها تؤثر بقوة في صياغة تحولات المشهد الجنوبي, وبقدر ما تظهر هذه الجماعات منسجمة مؤقتاً في مواجهة خصم مشترك حالياً (الحوثيين)، فهي تؤجل عوامل انفجارها الداخلي فيما بينها, إذ تحمل أمزجة مشاريع فكرية وسياسية وتوجهات متناقضة".
من الميكروفونات إلى الجبهات
يضيف الحكيمي في حديثه لوكالة "ديبريفر" للأنباء: "كانوا يتعاركون فيما بينهم بالأيدي للتسابق على ميكروفونات المساجد بزعم الدعوة إلى الله, أما التوجهات الغالبة في أوساط السلفيين حالياً فهي التنافس على السلطة او الانغماس في منظومة تيارات العنف المتطرفة".
أفرزت الحرب التي اندلعت في عدن أواخر مارس 2015م عن مقاومة جنوبية مختلفة المكونات والتوجهات، كان في طليعتها السلفيون الذين تحولوا من الصراع على ميكروفونات المساجد إلى القتال في الجبهات.
بدا الوضع فور دحر قوات الحوثيين وصالح عن عدن بمشاركة ميدانية فاعلة لقوات التحالف العربي التي أعلنت أنها تهدف لاستعادة شرعية الرئيس اليمني ووحدة اليمن وسلامة أراضيه، صعباً بل وشديد التعقيد في ظل ما يجري على أرض الواقع الذي يشير إلى وجود كيانات كثيرة - تحت اسم المقاومة الجنوبية - وهي كيانات مختلفة، وتخوض صراعاً (في عدد من جوانبه يقوم على أساس مناطقي عميق) من أجل السيطرة على موقع القرار استعداداً منها لقيادة دولة مفترضة في المستقبل لا يستند إلى إرث ماضوي موحد؛ إذ ينادي عدد منهم إلى العودة إلى وضع ما قبل ولادة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي تأسست في العام 1967م تحت اسم جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية.
ظهور السلفيين كمقاومة بداية الحرب في عدن أواخر مارس 2015م كان الأبرز، موحداً ومنسجماً، و شديد الانضباط.
كان هاشم السيد الجنيدي وهاني بن بريك ومهران القباطي وبسام المحضار وأبو زرعة المحرمي اليافعي وعبدالحكيم الحسني وراوي وعبدالرحمن اللحجي وهاني اليزيدي وغيرهم كثيرون، يتصدرون مشهد السلفيين الذين روجوا لقتال "الحوثعفاشيين" أثناء الحرب بـ(داعي الدفاع عن الدين والأرض والعرض). و"الحوثعفاشيون" مصطلح اختصار لقوات الحوثيين والرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح.
دعا هاني بن بريك والقيادي في الحراك الجنوبي أديب العيسي إلى تكوين مجلس يقود المقاومة وتم عقد اجتماع في منزل القائد الميداني للمقاومة هاشم السيد الجنيدي بحضور أبو زرعة المحرمي وآخرين وتم الاتفاق على اختيار نائف البكري ـ عضو حزب الإصلاح اليمني ـ رئيساً لمجلس المقاومة لأنه وفق الحاضرين، من بقي من السلطة في عدن وهو وجه معروف للرئيس اليمني هادي.
بداية الانقسامات
لكن هذا لم يكن كافياً ليعمل الجميع ضمن فريق واحد يحول دون ظهور الانقسامات. بمرور الوقت بدأ انقسام السلفيين يطفو إلى سطح الأحداث ولو ببطء، ويكشف - إثر ذلك - عن توجهات مختلفة تحوي في طياتها مشاريع تصادمية حتى أنهم اختلفوا في تسمية مقاومتهم: تارة مقاومة جنوبية، وأخرى مقاومة شعبية.
كانت إرهاصات الانقسام واضحة حتى قبل بدء معركة تحرير عدن. وجد السلفيون أنفسهم في صراع وجودي متعدد الاتجاهات والتوجهات يقاتلون معاً جنباً إلى جانب مقاتلين يرفعون علم الدولة التي يصفونها بـ"الماركسية" وينادون باستعادتها ولا يعترفون بشرعية الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، وأيضاً إلى جانب مقاتلين آخرين يصنّفونهم في خانة غير الأصدقاء، وهم المنتمون إلى حزب الاصلاح، فضلاً عن انقسام داخلي في صفوفهم؛ إذ راح بعضهم يعلن الولاء المطلق لقوات الإمارات التي قادت عملية "تحرير عدن" وعملت على انشاء ودعم وتمويل ألوية الحزام الأمني، وكثيرون راحوا يعلنون الولاء لشرعية الرئيس هادي باعتباره ولي الأمر وتصدروا مشهد الجيش الوطني ببطء ولكن بثبات من خلال التمكين لاحقاً من قيادة عدد من الألوية والكتائب، على الرغم من أن أمر الصراع الوجودي بالنسبة لهم زاد تعقيداً عندما وجدوا أنفسهم مستهدفين في حوادث اغتيالات عديدة غامضة ما برحت تحدث على نحو متكرر وتحصد عدداً من رموزهم.