يترقب القطاع الخاص في اليمن بشغف إعادة فتح ميناء الحديدة الاستراتيجي غربي البلاد لنقل نشاطهم التجاري إلى الميناء الواقع على البحر الأحمر بدلا من إدخالها إلى ميناء عدن بسبب الابتزاز والفوضى الإدارية والفساد الكبير الذي يعانيه.
ونقلت صحيفة الأيام العدنية الصادرة اليوم السبت عن عدد من التجار والمتعاملين مع ميناء عدن قولهم إنهم سيتركون ميناء عدن لحظة فتح ميناء الحديدة، وأن ما بين 2000 إلى 3000 حاوية مكدسة في ساحة ميناء عدن جنوبي البلاد بسبب التسيب الإداري فيه، حد وصفهم.
ولفت التجار الذين طلبوا عدم ذكر أسمائهم خشية تعضهم لإجراءات انتقامية في ميناء عدن إلى أن "أعمال نهب منظمة تجري في الميناء بحق التجار أوصلتهم إلى قناعة باستحالة استمرار أعمالهم فيه".
وأوضح التجار فوارق كبيرة في التعامل داخل ميناء عدن مقارنة بميناء الحديدة، فعلى سبيل المثال يتم فرض رسوم أرضية (ديميريج) على كل حاوية بواقع 200 دولار (100 ألف ريال يمني) في اليوم داخل ميناء عدن، بينما التأخير في خروج الحاوية ناتج عن أعمال المناولة أو الجمارك داخل الميناء.. وبالمقارنة بميناء الحديدة فإن رسوم الأرضية 100 ريال يمني فقط (أقل من ربع دولار).
وأشاروا إلى أن أعمال المناولة داخل الميناء للحاويات الواصلة تشهد تأخيرا قد يستمر لمدة ثلاث أيام، حيث وصل التسيب الإداري في أن يقوم عمال الورديات بأخذ أوقات الصلاة حجة ليتغيبوا عن العمل لأربع ساعات ويأتوا بعد انتهاء الدوام ليعلنوا أن الدوام قد اكتمل.. وبالمقارنة فإن الإفراج عن الحاويات في ميناء الحديدة يستغرق عادة يومين من أعمال مناولة ويوما لتخليص الجمارك.
وقال التجار إن "هنالك مشرف وردية واحدا في ميناء عدن ويكون محظوظا من تقع حاويته في نفس هذه الوردية، حيث تقوم وردية هذ المشرف بإنجاز عمل عشر ورديات في نفس الوقت".
وأضافوا: "المساحة المخصصة للجمارك صغيرة في ميناء الحديدة، وعدد موظفي التخليص قليل، مما يتسبب في عرقلة التخليص أيضاً".
الإشراف الإداري السيء
وقال مالك أحد مكاتب التخليص إن: "الإشراف الإداري السيئ في ميناء عدن يتسبب في ضياع بعض الحاويات من وقت إلى آخر".
وبحسب أعمال الميناء فإن كل حاوية تدخل ميناء عدن يتم تسجيل موقع نزولها بدقة في الكمبيوتر، ليتمكن التجار من الحصول على حاوياتهم بسرعة، وهو الإجراء الذي تركته شركة PSA المشغل السابق لميناء الحاويات.
لكن مالك مكتب التخليص قال: "إن حالات ضياع الحاويات في تزايد، ما يتسبب في البحث عن الحاويات الضائعة لأيام بينما الإدارة تقوم باحتساب رسوم الأرضية على التاجر سواء عثر عليها أم لا، وآخر حادثة هي لحاوية وصلت إلى عدن وبسبب وضعها بالمكان الخطأ تم شحنها على إحدى السفن المغادرة وتم إبلاغ التاجر لاحقاً بأن حاويته ربما تكون في ميناء جيبوتي أو جدة، بينما أجور الأرضية مستمرة في التصاعد على الحاوية التي غادرت الميناء والمسجلة في الكمبيوتر خطأ بأنها لاتزال في الميناء".
ويؤكد التجار وملاك مكاتب النقل أن "الحل يكمن في تشغيل ثلاث نوبات في ميناء عدن فيها المعاين والمقص والإخراجات، أي أعمال المناولة والجمارك، بحيث يكون العمل على مدار الساعة في الميناء".
وبينما يقوم التجار بإخراج الحاويات من الميناء لنقل البضائع أصبحت عودة الحاويات الفارغة مشكلة بحد ذاتها حيث قال التجار إن: "عودة الحاويات إلى ميناء عدن مرتبط بورقة تقوم شركة الشحن بإصدارها لعودة الحاوية وتحتسب غرامة أرضية على كل يوم تأخير في عودة الحاوية بواقع 30 دولار للحاوية و200 دولار لحاويات الثلاجات في اليوم، بينما في ميناء الحديدة لديك 10 إلى 21 يوم فترة سماح لعودة الحاوية.. وفي ميناء الحديدة تعود الحاويات بدون ورقة عودة، بل يتم إدخالها في أي ساعة على مدار الساعة إلى ميناء الحديدة، بينما يتم تقييد العودة في ميناء عدن بفترة الدوام الرسمي".
وأوضح التجار أن "السبب الرئيسي الآخر للانتقال إلى الحديدة هو نقابة النقل في الميناء، حيث أن سعر نقل الحاوية الواحدة إلى كالتكس يكلف 75 ألف ريال، وإلى منطقة الدواجن 104 آلاف ريال، بينما في الحديدة تخرج الحاوية من الميناء إلى منطقة الكيلو 16 بـ35 ألف ريال فقط رغم أنها أضعاف المسافة المحتسبة في عدن".
وأضافوا "وجود النقابات مخالف للقانون فقد صدر قانون في العام 2003 ألغى النقابات الثلاث في موانئ عدن والحديدة والمكلا، وقام القانون بتحرير أعمال النقل، مما ساهم في خلق منافسة في الأسعار، لكن النقابات قامت بالعودة مجددا مستغلة أحداث عام 2011م، وقامت في عدن بإحراق 40 ناقلة تابعة لمكاتب النقل، وصعد الأمر إلى وزارة النقل التي قالت إنها لا تملك القوة اللازمة لفرض القانون".
فيما يقول ملاك مكاتب النقل: "لولا النقابات لكانت تكلفة إخراج ونقل الحاوية داخل عدن لا تتعدى 25 ألف ريال، وبسببها فإنها اليوم تزيد عن 120 ألف ريال وكلها تكاليف يدفعها في النهاية المستهلك".
كشف زيف الإدعاءات الحكومية
يأتي الإعلان عن تطلعات التجار والقطاع الخاص لإعادة فتح ميناء الحديدة أمام تجارتهم، ليؤكد ما أكدته تقارير إخبارية الأسبوع الماضي عن إحدى شركات الملاحة الدولية في لندن التي قالت إن أكبر ميناء في اليمن وهو ميناء عدن مهدد بالشطب من قوائم الموانئ المسموح دخولها، وليكشف ذلك زيف الادعاءات الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً وإعلان عزمها تنفيذ خطة تطويرية لميناء عدن وفقا لما ذكره الرئيس التنفيذي لمؤسسة موانئ خليج عدن الحكومية، محمد علوي امزربه، الذي ذكر أن الحكومة تعوّل على ميناء عدن لجعله بوابتها الرئيسية إلى العالم الخارجي، مبيناً أن ثمة مشاريع مستقبلية لتطويره.
وميناء عدن الواقع في خليج عدن على الساحل الجنوبي لليمن، من أكبر الموانئ الطبيعية في العالم، وتم تصنيفه في خمسينات القرن الماضي، ثاني ميناء في العالم بعد نيويورك لتزويد السفن بالوقود.
وقال "امزربه" لوكالة الأناضول الأربعاء الماضي: "يعتبر ميناء عدن الأكبر بين الموانئ اليمنية، ونراهن عليه بشدة لوضع اليمن على خارطة صناعة النقل البحري نظراً لموقعه الاستراتيجي المميز".
وتابع: "نسعى إلى أن يكون الميناء مركزا محوريا متقدماً في التجارة، ورائدا في الخدمات البحرية للموانئ والخدمات اللوجستية لليمن والإقليم بشكل عام".
وكانت تقارير إخبارية الأسبوع الماضي نقلت عن إحدى شركات الملاحة الدولية في لندن قولها أن عودة ميناء الحديدة الاستراتيجي إلى أيدي الحكومة اليمنية الشرعية، سيعمل على نقل كافة المساعدات الإغاثية والسلع والمواد الغذائية والتجارية إلى الميناء الواقع على البحر الأحمر بدلا من إدخالها إلى ميناء عدن.
ويقصد بـ"تحرير" ميناء الحديدة، انتزاع الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، السيطرة على الميناء من أيدي جماعة الحوثيين (أنصار الله) التي تسيطر عليه منذ أواخر 2014.
وبدأت قوات يمنية مشتركة والتحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن بقيادة السعودية في 13 يونيو الجاري، عملية عسكرية واسعة هي الأكبر في اليمن بهدف انتزاع السيطرة على ميناء ومدينة الحديدة الإستراتيجية الساحلية على البحر الأحمر غربي اليمن (260 كيلومتر غرب صنعاء) من أيدي جماعة الحوثيين.
وحول تفضيل المنظمات الدولية التعامل مع ميناء الحديدة لإدخال المساعدات الإنسانية الى اليمن بدلاً عن ميناء عدن، أفاد المصدر الملاحي في لندن أن "ميناء عدن أكبر من ميناء الحديدة بمقدار الضعف على الأقل، لكنه تراجع إداريا ويلفه الفوضى والفساد".
وأشار المصدر إلى أن ميناء عدن تم حصره في عمل الترانزيت وإذا توقف ميناء الحديدة فسيكون من المستحيل إنزال المساعدات وتصريفها من ميناء عدن إلى المحافظات بسبب البيروقراطية المتمثلة في النقابات والإدارات الفاسدة المختلفة وغير الكفؤة والأجهزة الأمنية المختلفة داخل الميناء والتي لا علاقة لها بالأمن البحري.
وأضاف المصدر: "إن نقابة النقل على سبيل المثال تجعل عملية الشحن البري مكلفة لدرجة أن الشحن من ميناء الحديدة إلى مخازن التجار في عدن أقل تكلفة على التجار من التحميل المباشر من ميناء عدن".
وقال: "أعمال المناولة والتفريغ في ميناء عدن تكلف ثلاثة أضعاف التكلفة مقارنة بالحديدة وأضعاف الوقت الذي يشكل بحد ذاته تكلفة على شركات النقل المالكة للسفن فالتفريغ في ميناء الحديدة أسرع بمعدل مرتين ونصف من ميناء عدن".
وكشف المصدر الملاحي في لندن أن الضربة القاصمة للشركات الناقلة هي "ترك السفن لأسابيع في الغاطس بدون إدخالها إلى الرصيف للتفريغ للضغط على الشركات لدفع عمولات غير قانونية وهو المسمار الأخير في نعش ميناء عدن، وبالمقارنة فالسفن تدخل ميناء الحديدة بمجرد إخلاء الرصيف مباشرة وبدون تأخير".
وكان الرئيس التنفيذي لمؤسسة موانئ عدن الحكومية محمد امزربة أصدر قرارا بتاريخ 1 يناير 2018م رفع بموجبه رسوم الخدمات البحرية بنسبة 20% ورسوم المربط في ميناء المعلا بنسبة 30% كما رفع أجور الخدمات جميعها المحددة بالريال اليمني إلى 100%.
ويعد ميناء الحديدة ثاني أهم ميناء يمني بعد ميناء عدن، وأحد أكبر الموانئ على البحر الأحمر، ويقع، تقريباً، في منتصف الساحل اليمني على البحر الأحمر.
ويتصل الميناء بمناطق انتظار السفن عبر قناة ملاحية طولها 11 ميلاً بحرياً، وعرضها 200 متر، ويمكنه استقبال السفن التي تصل حمولتها إلى 31 ألف طن، وغاطسها 9.75 أمتار، وطولها 200 متر، ويمر من ميناء الحديدة في الوقت الراهن أكثر من 70% من واردات الغذاء والمساعدات الإنسانية إلى اليمن.