استراتيجية السعودية والإمارات الكارثية في اليمن (ترجمة خاصة)

موقع lawfareblog - ترجمة خاصة لـ
2018-07-17 | منذ 6 سنة

الزعيمان الأبرز في السعودية محمد بن سلمان وفي الإمارات محمد بن زايد

بقلم: Daniel Byman

ترجمة خاصة لـ"ديبريفر"

Story in English:https://debriefer.net/news-1765.html

  إن تدخل المملكة العربية السعودية والإمارات المتزايد في اليمن هو بمثابة انتصار للأمل على التجربة.

 بدأت حملة الرياض الأخيرة في اليمن عام 2015 لإسقاط المتمردين الحوثيين والذين يعتبرهم القادة السعوديون مرتبطون بشكل وثيق بإيران.

 وبدلا من ثني رفاقهم السعوديين عن هذا المسار الخطير, سقط الإماراتيون في المستنقع نفسه على أمل أن يستطيعون ردع إيران. وعلى عكس ما قاموا به في مصر بعدما أوصلوا الرئيس عبدالفتاح السيسي للسلطة من خلال الانقلاب, كانت نتيجة تدخلهم في اليمن كارثية.

  لا يقتصر أثر التدخل على اليمن فقط, التي يتفاقم فيها الصراع والأزمة الإنسانية يوميا, بل حتى على الإمارات والسعودية, في الوقت الذي يزداد نفوذ إيران على حساب الدولتين.

 

تسلسل التدخل السعودي

   لقد تدخلت السعودية في الشأن اليمني بشكل منتظم منذ أن تأسست الدولة السعودية الحديثة. لعقود كثيرة سيطرت الإمامة الزيدية في اليمن على جزء مما يعرف الأن بإقليم عسير السعودي.

 عام 1934, اندلعت حرب على الحدود بين البلدين. يعتبر الزيديون شيعة وقد شكل أحفادهم جوهر المعارضة الحوثية اليوم، ولقد استمرت المناوشات على الحدود حتى نهاية التسعينيات إلى أن وقع البلدان اتفاقية ترسيم الحدود عام 2000.

  بعيدا عن النزاعات حول المناطق الجغرافية, خافت السعودية أن تصل الجماعة الخطأ للسلطة في صنعاء.

  في عام 1962, عندما غرقت اليمن في حرب أهلية بين الإماميين والقوميون العرب داخل الجيش اليمني, تدخلت السعودية بالإضافة إلى إيران والأردن ووقفت في صف الإماميين في حين دعمت مصر من خلال الاعتماد على الدعم السوفييتي القوى الوطنية القومية. وفي درس لم تتعلم منه القوى  لخارجية, غذت تدخلاتهم الحرب لكنها أنهكتهم.

  في عام 1970, تم التفاوض على اتفاق انتهى بتسليم السلطة للقوى الوطنية القومية, لكن الإماميون حصلوا على بعض المناصب وحصة من رعاية الدولة.

  عام 1990, توحد جنوب وشمال اليمن تحت قيادة رئيس جمهورية الشمال القوي, علي عبدالله صالح, الذي أثبت براعته في التخلص من أعدائه وتوطيد حكمه, "الرقص على رؤوس الثعابين", كما قال. لكن بقيت اليمن ضعيفة. لم يندمج الجنوب بشكل كامل, وظل البلد فقيرا ومعوزا, كما ازداد الاستياء والغضب من صالح.

  خلال هذه الأعوام, تدخلت السعودية في الشأن اليمني من حين لآخر, وسعت لشراء ولاءات القيادات المحلية وإيقاف إرهابيي القاعدة في شبة الجزيرة العربية ولتقويض الماركسيين في الجنوب وإضعاف حكومة صالح كلما كانت ضد رغبات السعودية بجانب سعيها الحثيث لتعزيز نفوذها في اليمن, حتى أصبح المشهد السياسي والقادة في اليمن تحت عباءة الأسرة الحاكمة في السعودية.

 ولتغيير البلد من الأسفل للأعلى, شجعت الرياض انتشار السلفية من خلال تمويل المساجد ورجال الدين, بالإضافة إلى محاولتها لإبراز تزمتها ودعم التيار الإسلامي المناوئين للشيعة.

 وبرغم أن السعودية انتصرت على قائد معين أو قتلت أو أوقفت إرهابيا, ظل اليمنيون وطنيون بشكل قوي ولم يثقوا في نوايا الرياض. كانوا سعداء في الحصول على المال من السعودية, لكنهم لم يكونوا متحمسين لخدمة طموحات السعودية.

  تصاعدت الإضطرابات في اليمن في بداية الألفية, وشكل المتمردون الحوثيون والذين يتخذون من محافظة صعدة مقرا لهم مشكلة في ظل استياؤهم من المعاملة السيئة من قبل الحكومة في صنعاء لهم وعدم دعمهم.

 ولعدة أعوام, قاتل الحوثيون من أجل الغنيمة وليس للانفصال أو لاستبدال صالح، لكنهم أصبحوا أكثر تطرفا بعدما أدركوا أن سنينا من المفاوضات وثورة 2011 ضمن الربيع العربي لن تعيد هيكلة السلطة في اليمن كما كانوا يأملون، بالإضافة إلى ذلك, أغضبت رسالة السلفيين السادية المعادية للشيعة، المتمردين الحوثيين.

 

دخول الحوثيين

   آخر جولة لتدخل السعودية بدأت عام 2015. وصل الربيع العربي لليمن في 2011 مجبراً صالح عن التنازل عن العرش لنائبه عبدربه منصور هادي، إلا أن تزايد عنف القاعدة في شبه الجزيرة العربية وتزايد الرغبة بانفصال الجنوب ومحاولات صالح لإضعاف هادي واستعادة حكم عائلته بالإضافة إلى انهيار الاقتصاد وعللا أخرى أبقت حكومة هادي ضعيفة رغم حسن نية المجتمع الدولي.

  استغل الحوثيون الفوضى ليسيطروا على صنعاء ثم بعد ذلك على أجزاء كبيرة من اليمن عامي 2014 و2015. فر هادي في بادئ الأمر إلى عدن في جنوب اليمن ثم إلى السعودية.

 صالح, الذي دائما ما كان انتهازيا, أمر القوات التي كانت ماتزال موالية له بالتحالف مع الحوثيين, رغم أنه حارب الحوثيين بكل شراسة عندما كان في السلطة.

 في ذلك الوقت, كان للحوثيين صلة محدودة لكنها حقيقية بإيران وهو ما أفزع الرياض وأبوظبي اللتان رأتا أن طهران لم تتمدد فقط في اليمن ولكن أيضا في العراق ولبنان وسوريا. تمتد مناطق سيطرة الحوثيين الأساسية إلى الحدود مع السعودية وهو ما تفسره السعودية المذعورة على أنه تواجد لإيران على حدودها.

  لقد تدخلت السعودية والإمارات لاستعادة سلطة هادي, وحينها قال القادة السعوديين أن التدخل لن يستمر أكثر من أسبوعين. انضمت البحرين ومصر والأردن والكويت والمغرب والسودان إلى الصراع ضمن تحالف بقيادة الدولتين بدرجة رئيسية ضمن التزاماتهم تجاه الإمارات والسعودية وليس من باب قلقهم وحرصهم على اليمن. لقد فتحت جيبوتي وإريتريا والصومال مجالاتها الجوية لطائرات التحالف. وكانت قطر بمثابة عضو رمزي في التحالف حتى أدت الخلافات بينها وبين الإمارات والسعودية إلى الاستغناء عن مشاركتها فيه.

  بالإضافة إلى تدخلهم العسكري المباشرة, استقدمت الإمارات مرتزقة كولومبيين, في حين جندت السعودية آلاف الجنود السودانيين. كما تزعم الأمم المتحدة أن إريتريا أرسلت قوات إلى اليمن في الوقت الذي تستخدم الإمارات مطار أسمرة لبعض عملياتها العسكرية. دعمت الولايات المتحدة الأمريكية التدخل بهدوء من خلال تقديم دعم استخباراتي وإعادة تزويد طائرات التحالف بالوقود وكذلك تزويد التحالف بالذخيرة والسلاح.

  في البداية, بدا أن الحملة العسكرية الإماراتية-السعودية حققت نجاحا حيث ساعدت قوات الرئيس هادي في استعادة عدن وأجزاء كبيرة من مناطق الجنوب. دعمت السعودية مجموعة من القادة القبليين والعسكرين الموالين لحزب الإصلاح أكبر حزب سني وإسلامي في اليمن, وفرع لتنظيم الإخوان المسلمين, لكن الإمارات ترفض التنظيم "وقد قوضت بالفعل نفوذه في ليبيا ومصر غيرهما" وتدعم الإنفصاليين الجنوبيين والسلفيين الذين لا يثقون بالإصلاح ويرون الحوثيين على أنهم مرتدين.

  تباطأ تقدم القوات المدعومة من السعودية والإمارات ثم توقف بشكل كبير, لكن هذه القوات حاولت التقدم إلى مناطق قريبة من مراكز تمركز الحوثيين. غير أن آمال السعودية بإحراز نصر سريع, مثل معظم آمالها في اليمن, غدت سرابا  بعد ثلاثة أعوام, نفذت خلالها الرياض أكثر من 100 ألف غارة جوية وماتزال تنفق مليارات الدولارات شهريا على الحرب في اليمن. لقد دمرت الغارات الجوية الكثير من البنى التحتية المهترئة بالفعل كما قتلت الآلاف من المدنيين, لكن الحوثيين صامدون.

 في نفس الوقت, لقد انقلبت الكثير من الأطراف المتصارعة على بعضها. غيّر صالح ولائه وعمل مع السعودية في 2017, فقتله الحوثيون قبل أن يؤتي فك ارتباطه معهم أكله. على الأقل تعمل الآن بعض القوى التي كانت تحت قيادته ذات مرة مع الإمارات, لكن القوى التي تقاتل الحوثيين منقسمة.

 في عدن, قاتلت القوات المدعومة من الإمارات قوات موالية للرئيس هادي المدعومة من السعودية من أجل السيطرة على قواعد عسكرية ومؤسسات. ينظر قادة الإمارات إلى هادي على أنه غير كفء, في الوقت الذي يرغب السعوديون إلى العمل مع حزب الإصلاح بعدما سعى الحزب إلى النأي بنفسه عن جماعة الإخوان المسلمين لإرضاء الإمارات. ولأسباب واضحة, تركز السعودية على أمن حدودها أكثر من الإمارات.

 

التدخل اليوم: الإمارات تتولى القيادة

   رغم أن التاريخ يقول إن السعودية هي التي تتدخل في اليمن وأن الكثير يصفون التدخل الحالي على أنه بقيادة السعودية, تلعب الإمارات دورا مهما وربما هي من تقود التحالف اليوم. لقد نشرت أكثر من ألف عنصر من قواتها في اليمن, معظمهم في الجنوب, كما دربت الآلاف من القوات المحلية من بينها قوات تطالب بانفصال الجنوب وتنتظر اليوم الذي تعلن فيه انتهاء هيمنة الشمال. تتولى السعودية قيادة الحملة الجوية وتقدم الكثير من التمويل للتحالف, لكنها لا تضاهي الإمارات من حيث تواجدها على الأرض.

 تعتمد القوات الإماراتية المتواجدة في اليمن على خبرتها التي اكتسبتها من خلال مشاركتها في مكافحة الإرهاب ضمن قوات الناتو في أفغانستان، وليس من المفاجئ أن تكون قد خسرت الإمارات بعض قواتها, قرابة 100 عنصر منها.

  اليوم, تحاول القوات بقيادة الإمارات أن تتقدم ووضع حد للجمود الذي أصاب العملية العسكرية التي تهدف لاستعادة محافظة الحديدة والتي تتضمن أهم ميناء بحري للحوثيين يمر عبره واردات الغذاء وغيرها من الواردات الضرورية للمناطق تحت سيطرتهم. وتزعم السعودية أن الأسحلة الإيرانية تتدفق للحوثيين عبر هذا الميناء.

 لقد حشدت الإمارات قرابة 25 ألف مقاتل يمني مدعومين بغطاء جوي وعربات مدرعة لقتال الآلاف من الحوثيين معظمهم مجندون جدد. وتتضمن القوات المدعومة من الإمارات قوات كانت ذات مرة تقاتل الإمارات حين كانت موالية لصالح، هي الآن تحت قيادة ابن أخيه والذي يعتقد أن أبوظبي والرياض هما من يهيمنان على المشهد.

 علاوة على ذلك, فإن القوات الإماراتية أكثر تدريبا من 2015. لكن القتال في المناطق الحضرية يصب في صالح المدافعين وربما دربت إيران وحزب الله الحوثيين على الاستفادة من طبيعة هذه التضاريس، أضف إلى ذلك أن الحديدة ليست المنفذ الوحيد للحوثيين كون التهريب تقليد يمني وبكل فخر، فضلاً عن امتلاكهم صواريخ باليستية إيرانية تزعج السعودية.

 

ما التالي؟

   يبدو أن النصر العسكري الحاسم للتحالف غير مؤكد, بالرغم أن القوات المدعومة من الإمارات متفوقة بشكل كبير من حيث العتاد والأرقام والمال ما يجعل السيطرة على الحديدة شيئاً ممكنا، لكن الحوثيين سيواصلون التمسك بالمناطق التي هي في قلب سيطرتهم والتي تعيش فيها غالبية السكان اليمنيين، حتى لو خسروا صنعاء وغيرها من المناطق المهمة, لقد أثبتوا أنهم بإمكانهم وسيواصلون شن حرب عصابات لا هوادة فيها. ولتحقيق غايتهم, مايزالون يمتلكون عشرات الآلاف من المقاتلين. حتى لو وضعنا الحوثيين جانبا, لا يبدو الحل العسكري الذي سيرضي التحالف المتباين للسعودية والإمارات واضحا.

  وحتى لو تجاهلنا الأزمة في اليمن, لقد فشل التدخل السعودي-الإماراتي في اليمن وفق شروطه الخاصة، أنهم غارقون في مستنقع اليمن. هادي ليس في السطلة, حلفاؤهم يقاتلون بعضهم, القاعدة أصبحت أقوى واليمن أقل استقرارا من ذي قبل، والأهم من ذلك من وجهة نظر السعودية والإمارات, أن إيران أصبحت أقوى. لكن بالرغم من أن الحوثيين بالكاد يكونون دمى إيرانية, إلا أنهم يتعاونون مع إيران من باب الضرورة, وهو ما نتج عنه تزايد نفوذ إيران. لدى طهران الآن حليف يستطيع تهديد السعودية والملاحة في البحر الأحمر.

  لقد فاقمت الحرب الأهلية معدلات الفقر المدقع في اليمن حتى أصبحت اليمن أقرب, أو بالأصح, على شفا المجاعة. لقد قتل 10آلاف شخص في الحرب, نصفهم مدنيون، وبجانب العدد غير المعروف لعدد القتلى من القوات والذي قد يكون مرتفعا؛ تنتشر الأمراض والمجاعة. أكثر من 50 ألف طفل ماتوا من الجوع عام 2017, ومئات الآلاف من الأطفال يعانون من سوء التغذية الحاد، ونزح أكثر من ثلاثة مليون شخص.

 وبحسب الأمم المتحدة, فإن 75% من سكان اليمن بحاجة إلى دعم إغاثي, بينهم قرابة 11مليون بحاجة ملحة للدعم وعلى بعد خطوة من المجاعة، وشهدت البلاد أكبر انتشار لوباء الكوليرا العام الماضي. في أجزاء من اليمن, تقدم الإمارات والسعودية دعما إنسانيا, لكنه غير كاف لمنع الكارثة التي تهدد البلد بأكلمه, ولقد تعثرت جهود الأمم المتحدة لاستئناف المفاوضات حتى غدت اليمن تعاني من أكبر.

  استفادت القاعدة في شبه الجزيرة العربية من الفوضى، وبشكل متأخر بعض الشيء, نفذت الإمارات والسعودية غارات جوية ضد قواعد القاعدة وحاولت القوى التي تدخلت في اليمن تشكيل حلف قبلي عسكري لمواجهتها. لقد نجحت بالفعل في طرد الجماعة من عدن ومناطق حيوية عدة بما فيها مدينة المكلا، لكن القاعدة استمرت في العمل مع القبائل مستفيدة من غضب المحليين من الأجانب والسطلة المركزية.

  تفتقد السعودية والإمارات وحلفائهما إلى القوات للسيطرة على أكبر قدر ممكن من اليمن ليضمنوا أن القاعدة لا تتمتع بملاذات آمنة أو لن تعود للأراضي التي طردت منها.

 تبدو السعودية والإمارات غير كفؤتين لكنهما وحشيتين, وهو تجانس قاتل. إن إنهاء تدخلاتهما سياعدهما وسيساعد اليمن ليصبحوا بأحسن حال.

 


لمتابعة أخبارنا على تويتر
@DebrieferNet

لمتابعة أخبارنا على قناة "ديبريفر" في التليجرام
https://telegram.me/DebrieferNet