تقرير - عبدالملك الجرموزي (ديبريفر) - يبدوا إن الاتهامات التي وجهها المبعوث الأممي لدى اليمن، مارتن غريفيث، لجماعة أنصار الله (الحوثيين) منتصف الشهر الجاري، بسحبهم للأموال المخصصة لمرتبات الموظفين الحكوميين التي تم تحصيلها من عائدات ميناء الحديدة غربي اليمن، استفزت الجماعة وأثارت غضبها، وجعلها تواصل منذ 10 أيام هجوماً حاداً على غريفيث، وتدلي بتصريحات خطيرة، إن كانت صحيحة، حول نهب وتهريب للنفط اليمني وبيعه بمبالغ " تكفي لدفع مرتبات الموظفين والعسكريين اليمنيين لمدة 12 سنة".
ومنذ سبتمبر 2016، الذي تم خلاله نقل البنك المركزي اليمني من العاصمة صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن، بقرار من الرئيس عبدربه منصور هادي، يعيش مليون و200 ألف موظف يمني ظروف بائسة للغاية، بسبب انقطاع مرتباتهم، لكنهم ظلوا متمسكين بأمل أن تتعامل معهم "حكومتا عدن وصنعاء" بمسؤولية وتتخذ قراراً بإخراج ملف المرتبات من خانة المكايدات السياسية، وعدم توظيفه بانتهازية.
نهاية العام 2017 قررت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا صرف مرتبات الموظفين في المحافظات والمناطق الواقعة تحت سيطرتها، رغم أنها كانت قد أطلقت تعهدت للمجتمع الدولي بصرف المرتبات لجميع المحافظات حتى تلك التي تسيطر عليها جماعة الحوثيين ذات الكثافة السكانية العالية في شمالي البلاد.
منذ نحو عام، عاد ملف "صرف المرتبات" إلى واجهة المفاوضات بين أطراف الصراع في اليمن وبرعاية أممية، وبعد عناء، توصلت تلك الأطراف إلى حلٍ مرضٍ، يضمن صرف المرتبات لكل الموظفين المدنيين والعسكريين دون استثناءات، من إيرادات ميناء محافظة الحديدة، وتم الاتفاق على الآلية، لكن لم يتم تحديد موعداً ثابتاً لصرف.
لمرات عديدة خرجت جماعة الحوثيين بتصريحات تؤكد قدرتها على صرف المرتبات، لكنها اشترطت إدارتها لكامل إيرادات ميناء الحديدة.
منتصف يوليو الجاري، عاد ملف المرتبات إلى واجهة الأحداث، باعثاً الأمل في صدور مليون و200 ألف يمني مع عائلاتهم التي بدلت الحرب أحوال أغلبهم، واضطرت كثيرين منهم إلى النزوح بعد أن تحولت مناطق سكنهم إلى ساحات قتال دامية.
يوم الـ 16 من يوليو الجاري، تخلى المبعوث الأممي مارتن غريفيث عن دبلوماسيته المعهودة، ووجه اتهاماً صريحاً للحوثيين بسحب إيرادات ميناء الحديدة الخاصة بصرف المرتبات، وقد بررت الجماعة ذلك بأنها قامت بصرفها على نصف مرتب أواخر شهر رمضان (مايو)، ولم تكتف بذلك التبرير، فعمدت إلى مهاجمة غريفيث، والتحالف والحكومة المعترف بها دولياً، بصورة، تؤكد أن تصريحات واتهامات غريفيث قد تسببت لها بحرج بالغ.
ومساء السبت الفائت، اتهمت جماعة الحوثيين، قوى التحالف بنهب أكثر من 47 مليون برميل نفطي خلال العامين الأخيرين، مشيرة إلى أنه " لو لم يتم سرقة العائدات النفطية اليمنية لتكمنت من صرف الرواتب لكل الموظفين في البلاد".
وقال وزير النفط في حكومة الانقاذ التابعة لجماعة الحوثيين، أحمد دارس، إن عائدات النفط اليمني المنهوب تذهب إلى البنوك السعودية بينما يعاني الشعب اليمني من أزمة مشتقات نفطية حادة.
ووفقاً لقناة "المسيرة" التابعة للحوثيين، أكد دارس أن "كلفة المشتقات النفطية المنهوبة من قوى التحالف خلال عام 2018، بلغت مليار و250 مليون دولار".
ولوح دارس بخيار "المواجهة بكل قوة لوقف العدوان، وفك الحصار والضغط على قوى التحالف لإيصال المشتقات النفطية إلى اليمن".
ونقلت "المسيرة" عن مدير إيرادات النفط بوزارة المالية في الحكومة الإنقاذ بصنعاء، سليم الجعدبي قوله، "عندما نتكلم عن سفينة واحدة من 3 سفن نستطيع أن نقول أن السفينة الواحدة يمكن أن تغطي أكثر من نصف مرتب كافة أبناء الشعب اليمني ناهيك عن 3 سفن".
وأكد الجعدبي أنه تم "نهب أكثر من 120 مليون برميل نفط منذ بداية الحرب بقيمة إجمالية تصل إلى 12 ترليون ريال" مضيفاً" وهذا مبلغ يمكن أن يغطي مرتبات الموظفين في الجمهورية لما يصل إلى 12 عاماً".
وأشار إلى أن تهريب النفط يتم عبر ميناء رضوم ونشيمة في محافظة شبوة شرقي اليمن، وميناء الشحر في محافظة حضرموت شرقي البلاد، منوهاً إلى أن "ما يتم اكتشافه أقل بكثير مما لا يتم الإفصاح عنه".
وفي وقت تشتكي فيه جماعة الحوثيين من احتجاز التحالف لسفن المشتقات النفطية ومنع وصولها إلى ميناء الحديدة غربي البلاد، اتهمها المبعوث الأممي لدى اليمن، مارتن غريفيث، في 16 يوليو الجاري، بسحب الأموال المخصصة لمرتبات الموظفين الحكوميين التي تم تحصيلها من عائدات ميناء الحديدة.
وكانت قد جرت ترتيبات برعاية الأمم المتحدة في العام 2019 لتخصيص عائدات ميناء الحديدة من الجمارك والوقود، وغيرها من السلع ، لسداد رواتب موظفي الخدمة المدنية عبر فتح حساب خاص في البنك المركزي بمحافظة الحديدة.
وقال غريفيث في حوار صحفي نشره موقع أخبار الأمم المتحدة، مساء:" للأسف، توقفت تلك الترتيبات في الوقت الحالي بعد قيام أنصار الله بسحب الأموال التي تم جمعها، بشكل أحادي"، مشيرا إلى أنه "ترتب على تعطيل تلك الترتيبات، توقف دخول سفن الوقود والمشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة".
وفي 20 يوليو الجاري، اتهم القائم بأعمال رئيس اللجنة الاقتصادية العليا التابعة لجماعة الحوثيين، هاشم إسماعيل، المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث بـ"تعمد تقديم صورة مضللة عن مصير إيرادات موانئ الحديدة" غربي البلاد، رغم أنها "صرفت في المرتبات".
وقال إسماعيل إذا "كان لدى الأمم المتحدة جدية فسنستطيع صرف كامل المرتبات خلال أسبوع"، وفقاً لقناة "المسيرة".
وذهب المسؤول الحوثي إلى اتهام غريفيث بالانقلاب على اتفاق السويد وذلك لتبريره منع دخول المشتقات النفطية، وتبنيه لأجندة التحالف بشكل واضح، فضلا عن تجاهله الحديث عن الإيرادات المنهوبة لدى الحكومة المعترف بها دولياً، معتبراً إن "الملف الاقتصادي لا يزال يراوح مكانه ويوظف بما يخدم الأجندة العسكرية للتحالف".
ولفت القائم بأعمال رئيس لجنة الحوثيين الاقتصادية إلى أن الطرف الحكومي لم يستجب لدعوة غريفيث الخاصة ببحث الملف الاقتصادي اليمني، مؤكداً أن 70% من خطة المجلس السياسي التابع للجماعة للتعافي الاقتصادي دخلت حيز التنفيذ.
وقال إسماعيل إن" المبعوث الأممي طلب منا معلومات عن صرف إيرادات موانئ الحديدة وزودناه بها ومع ذلك قدم صورة مضللة"، مضيفاً" هناك إصرار أممي على حرمان الموظفين في مناطق حكومة الإنقاذ حتى من نصف الراتب".
في سياق متصل، قال وزير المالية في حكومة الإنقاذ التابعة للحوثيين، رشيد أبو لحوم، يوم الأحد الفائت،" قدمنا كافة الوثائق للأمم المتحدة أننا صرفنا الرصيد المجمع في مبادرة المرتبات لصرف نصف راتب للموظفين".
وتابع أبو لحوم" الأمم المتحدة والطرف الآخر(الحكومة المعترف بها دولياً) أُحرجوا من قدرتنا على صرف نصف راتب بشكل منتظم بحسب الإمكانات المتوفرة فعمدوا إلى منع السفن من الوصول إلى ميناء الحديدة".
وكان المبعوث الأممي قد أكد نهاية ديسمبر الفائت، أن "بعض الخطوات تحققت، خاصة ما يتصل بعائدات ميناء الحديدة التي يجري العمل على وضع آلية لصرف مرتبات الموظفين من خلالها".
وفي 18 مايو الماضي، قالت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً إن جماعة الحوثيين نهبت الإيرادات من رسوم استيراد المشتقات النفطية بالحساب الخاص في البنك المركزي بمدينة الحديدة، التي تصل لأكثر من 35 مليار ريال (58 مليون دولار)، المخصصة لصرف مرتبات موظفي الخدمة المدنية.
وكانت الحكومة المعترف بها دوليا، وافقت في أكتوبر الماضي، على إدخال سفن الوقود إلى المناطق الخاضعة للحوثيين، عبر ميناء الحديدة، شريطة التزام الجماعة بدفع الرسوم الضريبية والجمركية إلى حساب خاص في البنك المركزي اليمني (فرع الحديدة)، وتخصيصها لصرف مرتبات المدنيين.
وفي 29 يونيو الماضي، قال رئيس الحكومة اليمنية، معين عبدالملك، إن غريفيث، غض الطرف عن "نهب الحوثيين" إيرادات محافظة الحديدة.
وكشف مصدر مسؤول في حكومة الإنقاذ التابعة للحوثيين، مساء الأحد، عن تلقي المجلس السياسي الأعلى في صنعاء عرضا من الأمم المتحدة والتحالف العربي، يتضمن إفراج التحالف لسفن النفط المحتجزة مقابل وقف الحوثيين قراراً لرئيسه مهدي المشاط بصرف نصف راتب لكافة موظفي الدولة.
المصدر أكد أن المشاط رفض عرض "سفن النفط مقابل وقف صرف نصف الراتب"، وأشار إلى أن الصرف سيكون من "الرصيد المجمع في حساب مبادرة المرتبات في فرع البنك المركزي بمحافظة الحديدة الذي بلغ ما يقارب 8.5 مليار ريال للمساهمة في صرف نصف الراتب".
ودعا المصدر المسؤول في حكومة الانقاذ، وفقاً لوكالة الأنباء اليمنية "سبأ" بنسختها في صنعاء، الأمم المتحدة لـ"مواكبة عملية الصرف واستلام الموظفين لنصف الراتب لكي لا تتحجج لاحقا وتلجأ لتزييف الحقائق كما فعل مبعوثها مارتن غريفيث مؤخراً في مقابلة نشرها موقع أخبار الأمم المتحدة".
ونوه المصدر إلى أن "حساب مبادرة المرتبات ما يزال مفتوحاً ويتم توريد إيرادات موانئ الحديدة إليه أولاً بأول".
وجدد المصدر "استعداد حكومة الانقاذ لصرف المرتب كاملاً وفقاً لكشوفات 2014م إذا توفرت الجدية لدى الأمم المتحدة والطرف الآخر(الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً)، في تنفيذ التزاماتهم بموجب اتفاق السويد، أو "يقوم الطرف الآخر برفع يده عن إيرادات النفط والغاز والموانئ والمنافذ التي يجري نهبها منذ أكثر من خمس سنوات".
تلك التصريحات لا تبدو منطقية، خاصة وأن الحكومة الشرعية في اليمن تقوم بصرف الرواتب في المحافظات التي تسيطر عليها بشكل منتظم في الغالب، ولن تعتبر صرف الحوثيين لثلاثة مرتبات في العام بواقع نصف راتب كل شهرين إنجازاً تستحق عليه الجماعة الثناء.
واعتبر وزير الإعلام في الحكومة الشرعية معمر الإرياني، اليوم الإثنين، تصريحات الجماعة بشأن المرتبات استخفافاً بعقول اليمنيين، وقال على حسابه في تويتر إن الهدف منها "تضليل الرأي العام والتغطية على نهب الإيرادات العامة وعرقلة جهود الحكومة والأمم المتحدة بصرف الرواتب بشكل منتظم".
في المجمل يبدو ملف مرتبات الموظفين اليمنيين شائكاً ومعقداً أكثر من بقية الملفات الأخرى.. ويقول يمنيين كثيرين لا يزالون ينتظرون صرف مرتباتهم منذ أربع سنوات، أن المتصارعين على السلطة في البلاد لا يكترثون لهم، وليسوا متحمسين لصرف مرتباتهم وتخفيف معاناتهم.
وقبل نحو شهر أطلق ناشطون يمنيون حملة مليونية على مواقع التواصل الاجتماعي للمطالبة بإطلاق "المرتبات".. حظيت الحملة بتفاعل كبير اقتصر على تلك المواقع، لكنها لم تجد صدى من أطراف الصراع التي واصلت تحميل بعضها مسؤولية انقطاع صرف المرتبات الذي سيدخل عامه الرابع بعد شهرين.