واصل الريال اليمني تراجعه المخيف وفقدان قيمته أمام الدولار الأمريكي والعملات الأجنبية في سوق الصرف ليسجل أدنى مستوى له على الإطلاق وسط موجة غير مسبوقة من الغلاء والارتفاع الهائل لأسعار السلع الغذائية في الأسواق اليمنية، ما ينذر بكارثة اقتصادية على البلاد.
وقال لوكالة "ديبريفر" للأنباء، صرافون ومتعاملون في مدينة عدن جنوبي اليمن، اليوم الأربعاء، إن الريال اليمني واصل هبوطه المريع ليبلغ 510 ريالا للدولار الواحد للشراء و512 ريالا للبيع بعدما كان 485 ريالاً وهو السعر السائد قبل نحو شهر.
كما ارتفع سعر الريال السعودي وسائر العملات الأجنبية في السوق اليمنية المتداولة ليصل إلى 135 ريالاً، فيما الدرهم الإماراتي 136 ريالاً وذلك من 128 و 129 ريالاً قبل شهر للعملتين على الترتيب.
وأغلقت معظم شركات ومحلات الصرافة في عدن أبوابها أمام عملاءها أمس الثلاثاء، وذلك بسبب التدهور السريع للعملة المحلية مقابل العملات الأخرى، بينما ترفض بقية محلات وشركات الصرافة في عدن وصنعاء تحويل أي مبالغ صغيرة أو كبيرة من العملة اليمنية إلى الدولار، وعلقت عمليات بيع الدولار، وأبقت على نشاط الشراء فقط للعملات الأجنبية خصوصاً الدولار والريال السعودي.
وأعلنت محلات صرافة فيعدن مساء الاثنين الفائت إضراب جزئي عن العمل يبدأ صباح الثلاثاء تنديداً واستنكارا للانهيار غير المسبوق للريال اليمني فضلاً عن عملية المضاربة غير المشروعة التي تمارسها محلات وشركات صرافة.
وأكد مالكوا هذه المحالات أن انهيار العملة المحلية وارتفاع أسعار الصرف بهذا الشكل الجنوني والمخيف، يؤثر سلباً على التجار وحياة المواطنين أيضاً.
وقالت شركة عدن للصرافة وهي من كبريات مؤسسات الصرافة بالمدينة الساحلية، في بيان لها "نظرا للارتفاع المستمر في أسعار الصرف وتدهور الريال اليمني أمام العملات الأجنبية ولما لهذا الارتفاع من تأثير مباشر على أسعار المواد الغذائية وغيرها التي يعاني الكثير من المواطنين من صعوبة الحصول عليها حتى قبل الارتفاع.. فإننا نعلن الإضراب عن العمل في الفترة الصباحية ليوم الثلاثاء 24/7/2018م في كافة فروعنا وذلك كوقفة اجتجاجية ضد ارتفاع أسعار الصرف".
وحذر خبراء اقتصاد محليون في وقت سابق من تجاوز سعر صرف الدولار الواحد حاجز الـ 500 ريال.. مؤكدين أن الارتفاع المخيف ينذر بكارثة اقتصادية وشيكة تهدد الدولة برمتها وحياة المواطنين.
أزمة وقود خانقة
وجاء انهيار العملة المحلية بالتزامن مع أزمة وقود حادة تشهدها مدينة عدن التي تتخذها الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً عاصمة مؤقتة للبلاد، إذ بدأت أزمة الوقود منذ أيام وبلغت ذروتها أمس الثلاثاء واليوم الأربعاء، بعد توقف المصفاة النفطية الرئيسية في المدينة من ضخ إمدادات الوقود إلى خزانات شركة النفط بعدن.
وقال مواطنون"أغلب محطات الوقود الحكومية في عدن أغلقت بينما المحطات التجارية المملوكة للقطاع الخاص أخفت ما توفر لديها وبعضها تبيع بأسعار خيالية قاربت تسعيرة السوق السوداء.
وأشاروا إلى أن أزمة الوقود أنعشت السوق السوداء لبيع المشتقات النفطية حيث ارتفع سعر الدبة البنزين عبوة 20 لتراً في السوق السوداء إلى مابين 10 و12 ألف ريال في المحطات التجارية التي تحولت للبيع بسعر السوق السوداء بدلاً عن السعر الرسمي المحدد بـ6600 ريال.
وكانت شركة النفط في عدن قررت في منتصف يوليو الجاري تعديل سعر بيع اللتر الواحد من مادة (البنزين) من 315 ريال إلى 330 ريال أي بفارق 15 ريال ليصبح سعر الدبة البنزين سعة 20 لتراً 6600 ريال.
وشاهد مراسل وكالة "ديبريفر" للأنباء في عدن اصطفاف عشرات السيارات والشاحنات في طوابير طويلة يصل طولها إلى اثنين كيلومتر على الأقل عند محطات الوقود من دون التزود بالوقود لانعدامه.
وتشتري شركة النفط بعدن الوقود من شركة "عرب جلف" وهي شركة تجارية استثمارية مملوكة لرجل الأعمال أحمد العيسي، والذي صدر مؤخراً قراراً بتعيينه مستشاراً للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، فيما يتولى أحمد عوض حمران الذي كان موظفاً عادياً بمنصب نائب مدير إدارة تموين المطارات، تصريف المشتقات النفطية للعيسي وتحول إلى رجل أعمال من العيار الثقيل.
سابقة احتكار استيراد الوقود
وتحتكر شركة العيسي عملية استيراد الوقود في عدن وبقية المناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية "الشرعية"، في سابقة هي الأولى من نوعها تحدث في بلد في العالم بأن يتم تسليم أهم مورد اقتصادي ومالي للبلد إلى القطاع الخاص، وذلك بموجب قرار أصدره الرئيس اليمني هادي مطلع مارس الماضي والقاضي بتحرير سوق المشتقات النفطية، وفتح مجال الاستيراد أمام شركات القطاع الخاص، وإخضاع عملية بيع وتوزيع المشتقات للمنافسة بين الشركات.
وجاء قرار تحرير سوق المشتقات النفطية، بعد إحجام حكومة هادي على تغطية فاتورة واردات الوقود بالعملة الصعبة، وتوقف شركتي النفط الحكومية ومصافي عدن، عن استيراد الوقود، وتم تحويلهما إلى مجرد مخازن خاصة بتجار.
وحمل مراقبون وخبراء اقتصاد يمنيون، الرئيس هادي وحكومته مسئولية تردي الأوضاع الخدمية في عدن، خصوصاً استمرار انقطاع الكهرباء وتعطل الحركة في عدن بسبب انعدام الوقود بين حين وآخر ما يزيد من تفاقم الأوضاع الإنساني والمعيشية.
وحذر هؤلاء من خطورة استمرار هذا القرار الرئاسي، على الأمن القومي، وقيمة العملة الوطنية، والأوضاع المعيشية للمواطنين، في ظل غياب دور الدولة وأجهزتها الرقابية الحكومية الفاعلة.
ارتفاع أسعار الغذاء
وانعكست التطورات المتسارعة في السوق واستمرار تدهور العملة المحلية سلباً على الأسعار التي ارتفعت إلى مستويات قياسية لكافة المواد الغذائية والسلع سواء الضرورية أو الكمالية سيما مع اعتماد البلاد شبه الكلي على الاستيراد من الخارج كالأرز والسكر والقمح والدقيق، ما يزيد من الأعباء على كواهل الأسر اليمنية التي أغلبيتها تعيش في ظروف اقتصادية صعبة للغاية.
وقال خبير اقتصادي لوكالة "ديبريفر" للأنباء إن "سعر انهيار العملة المحلية أمام الدولار يعني زيادة في أسعار المواد الغذائية المرتفعة أصلاً مما يفاقم الأوضاع المعيشية للناس رغم أنهم يعيشون في وضع سيئ في الأساس، ويعمق الأزمة الإنسانية الصعبة غير مسبوقة التي تعاني منها البلاد".
فيما يؤكد سكان ومواطنون في عدن لـ "ديبريفر" أن اضطرابات ومضاربة السوق في أسعار الصرف وارتفاع أسعار الدولار والريال السعودي وغياب الدور الحكومي الرقابي ساهم في جشع التجار الذين استغلوا هذه الظروف وعملوا على رفع الأسعار إلى مستويات قياسية لمعظم المواد الغذائية رغم أن مخزونهم الغذائي من المواد الأساسية في مخازنهم يكفي لستة أشهر أو أكثر وجرى شراءها بالسعر السابق.
ويقول المحلل الاقتصادي اليمني، عصام محمد هزاع لوكالة "ديبريفر" للأنباء: "اختلال سعر الصرف والهبوط الحاد للعملة المحلية مقابل الدولار وأثره المتمثل في الانعكاسات السلبية على الاقتصاد المحلي والحالة المعيشية الصعبة التي يعيشها المواطن في ظل الحرب والاضطرابات السياسية التي تخدم تجار الحروب في المقام الأول، أبقت حال المواطن اليوم باليمن، في وضع لا يحسد عليه، في ظل شحة الموارد وانعدام للسيولة النقدية في البنوك وما يصاحبه من انعدام وتردي للخدمات".
وأضاف هزاع: "هناك الكثير من الناس ممن فقدوا وظائفهم، ومن حالفه الحظ واستمر في عمله لا يجد راتبه نتيجة للفساد المالي والإداري الذي تعيشه البلاد في ظل غياب الرقابة. حتى أولئك الذين حالفهم الحظ وهم بنسبة ضئيلة جداً الذين لا يزالون يستلمون مرتباتهم، ليسوا في حال أفضل من غيرهم نتيجة لاستمرار اختلال سعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار إذ يمثل الأجر الذي يتقاضاه الموظف في ظل هذه الظروف أقل من ربع القيمة الحقيقية لما اعتادوا استلامه، علاوة على الارتفاع المستمر في الأسعار بشكل عام وأسعار المواد الغذائية بشكل خاص".
وأكد هزاع أن قيمة الريال مقابل الدولار اليوم لا تمثل الوضع النهائي للمعاناة التي يعانيها اليمنيون ولكن الأسوأ أن عجلة تدهور العملة والوضع الاقتصادي لا يزال مستمر ولا يلوح في الأفق ما يبشر بنقطة وصول أو اقتراب للنهاية، ما ينذر بوضع أكثر مأساوية مما هو عليه اليوم".
قرارات حكومية تزيد الأوضاع سوءا
بينما يرى الخبير الاقتصادي مساعد القطيبي الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة عدن بأنه ما زال بمقدور البنك المركزي والحكومة اتخاذ الكثير والكثير من القرارات والإجراءات الحكومية والسياسات المالية والنقدية الكفيلة بخلق استقرار كبير في أسعار العملة المحلية أمام العملات الأجنبية.
وأضاف في منشور على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: "ما يؤسفنا ليس فقط موقف البنك المركزي والحكومة العاجز عن اتخاذ التدابير اللازمة للحد من تدهور أسعار العملة المحلية، بل ما يؤسفنا هو اتخاذ الحكومة والبنك المركزي لجملة من القرارات والإجراءات التي زادت من حدة التدهور الذي يطال أسعار صرف العملة المحلية أمام العملات الأجنبية".
وأكد القطيبي: "لو أن هذه الحكومة برئيسها ووزرائها، وقيادة البنك المركزي في دولة أخرى غير اليمن لتم إقالتهم وإحالتهم للتحقيق والمحاكمة منذ زمن".
فيما قال رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي مصطفى نصر: "تجاوز الدولار الواحد حاجز ال ٥٠٠ ريال يمني ينذر بمزيد من التدهور، لا يوجد ما يبرر هذا التراجع سوى شعور كبار المضاربين بالعملة أن إجراءات البنك المركزي الأخيرة لن تحل مشكلة العملة الصعبة وأزمة السيولة".
وأكد نصر ضرورة الشروع بتنفيذ إجراءات عاجلة توقف هذا التلاعب الواضح والذي يأتي استغلالا لضعف الدولة وهشاشة مؤسساتها.
تحذيرات من مجاعة
وحذر خبراء اقتصاد ووكالات دولية للإغاثة من استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الريال بصورة متصاعدة يوما بعد آخر في ظل الركود الاقتصادي والحركة التجارية في البلاد، وذلك مؤشر خطير يوحي بأن اليمن قاب قوسين أو أدنى من الانهيار الاقتصادي الشامل على كافة المستويات ويفاقم معاناة الناس المعيشية وينذر بكارثة تهدّد الاقتصاد وتفاقم الأزمات وقد تؤدي إلى إفلاس البلاد في ظل استمرار الاضطرابات الأمنية والسياسية في البلاد.
وحذرت منظمات دولية إنسانية من تدهور الأوضاع الإنسانية والغذائية في اليمن بفعل استمرار الصراع في البلاد منذ زهاء ثلاثة أعوام ونصف.
وأشار هؤلاء إلى أن استمرار رفد السوق بنقود مطبوعة دون وضع عدة معايير وضوابط تحكمها متعلقة بالغطاء من الذهب والنقد الأجنبي وحجم الإنتاج من السلع والخدمات والناتج المحلي والصادرات يساهم في ارتفاع معدلات التضخم.
وقال لـ"ديبريفر" مسئول اقتصادي حكومي طلب عدم ذكر اسمه، إن استمرار انهيار سعر العملة المحلية أمام الدولار يعتبر كارثة اقتصادية ستلقي بضلالها على الحركة التجارية في البلاد ويمثل عبئاً كبيراً على المواطن اليمني ويفقد الموظف اليمني قرابة 80 بالمائة من نسبة دخله الشهري المتوقف أصلا منذ أكثر من عام في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين حيث كان الدولار بسعر 215 ريال عام 2014 لكنه تجاوز الآن حاجز الـ510 ريالاً وما يزال قابل للارتفاع.
وأشار إلى أن ارتفاع سعر الدولار أمام الريال اليمني ساهم أيضا في زيادة أسعار المواد الغذائية المرتفعة أصلاً، ما يفاقم الأوضاع المعيشية للناس السيئة أصلاً، ويعمق الأزمة الإنسانية الصعبة غير المسبوقة التي تعاني منها البلاد منذ أكثر من ثلاثة أعوام.
تسارع تدهور العملة ودور الحكومة
وأكد المسئول الاقتصادي الحكومي أن تسارع تدهور العملة المحلية يضع الحكومة الشرعية أمام مسئولية كبيرة لاتخاذ إجراءات عاجلة ومدروسة وضرورية لوقف هذا التدهور المخيف وتحجيم المضاربة في سوق الصرافة التي جذبت الكثير من الشركات والأفراد اليمنيين للاستفادة من فارق السعر الكبير.
ولفت إلى ضرورة التدخل الحكومي بما يسهم في الحفاظ على اقتصاد البلد والعمل على تحريك عجلة الاقتصاد سيما أنه لم يعد اليمن يستطيع استيراد الغذاء والدواء، ما ينذر بأن المجاعة ستعم اليمن شمالا وجنوبا وستكون أكبر كارثة بالتاريخ البشري في البلاد، حد وصفه.
ويستورد اليمن أكثر من 90 في المائة من احتياجاته الغذائية بما في ذلك معظم احتياجاته من القمح وكل احتياجاته من الأرز. ويحتاج نحو 21 مليونا من سكان اليمن وعددهم 28 مليون نسمة، إلى شكل من أشكال المساعدات الإنسانية ويعاني ما يربو على نصف السكان من سوء التغذية.
فشل البنك المركزي
وقالت مصادر اقتصادية ومصرفية ومتعاملون بشركات الصرافة في عدن لـ "ديبريفر" إن سياسة تعويم العملة المحلية التي انتهجها البنك المركزي اليمني في أغسطس آب الماضي وتحديد سعر الصرف الأجنبي وفقا لآليات العرض والطلب واستمرار ضخ الحكومة الشرعية مبالغ من العملة الجديدة المطبوعة في روسيا إلى السوق دون غطاء من النقد الأجنبي، دفع سعر العملة المحلية في سوق الصرافة للانهيار المتسارع والانخفاض غير المسبوق.
ويؤكد خبراء اقتصاد ومصرفيون محليون أن الشروع في تنفيذ هذه السياسة النقدية بدون إستراتيجية واضحة لضبط سعر الصرف وضبط الاقتصاد، فاقم من الأزمة وأدى إلى خسارة الريال قيمته ودفعه إلى الانهيار المستمر في السوق وسط غياب أي دور رقابي للمؤسسات المالية والنقدية للدولة وعجز البنك المركزي على وقف انهيار العملة المحلية والتحكم بالسوق المحلية وما يحويه من عملات أجنبية، في وقت لم تستطع الحكومة والبنك توفير كميات من العملة الأجنبية "الدولار" هو السبب الرئيس في هذا التدهور، كما أن قرار جماعة الحوثيين (أنصار الله) بتحرير سعر المشتقات النفطية، ضاعف جزئياً من الانهيار الحاصل في اقتصاد البلد.
وتوقع هؤلاء الخبراء أن يستمر الارتفاع الهائل والمخيف في سوق الصرف لأسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال، وقد يصل إلى سعر الدولار ألف ريال يمني ، خصوصاً في ظل عجز الحكومة "الشرعية" والبنك المركزي على اتخاذ خطط وإجراءات حازمة وعاجلة بشأن قرار التعويم الذي سبب انهياراً كبيراً في سعر العملة المحلية وسط استمرار وصول كميات كبيرة من العملة المحلية المطبوعة ينذر بتضخم قادم.
وأرجع المحلل الاقتصادي اليمني رضوان الهمداني في تصريح لوكالة "ديبريفر" للأنباء هذا الانهيار المتواصل والمتسارع لأسعار العملة اليمنية إلى عدة أسباب، أهمها بشكل عام شحة التدفقات النقدية الأجنبية إلى اليمن بسبب تعثر صادرات النفط والغاز، والشلل الذي أصاب قطاع السياحة، وتوقف التدفقات الأخرى من ضمنها المساعدات والمنح الخارجية.
وقال "إن الأسوأ من كل ذلك هو لجوء الحكومة إلى أساليب تضخميه لتغطية العجز في الإيرادات، والمتمثلة في طباعة المزيد من النقود الريالات بشكل مفرط وغير طبيعي، ما أدى إلى تآكل قيمة العملة المحلية وسط غياب أية ضوابط أو محاسبة على إنفاقها، فالتقديرات تشير إلى أن الحكومة طبعت قرابة تريليون ريال، أي مايعادل ملياري دولار، وفي كل مرة تريد دفع مرتبات الموظفين، تطبع العملة من جديد، في ظل عدم قدرتها على ضبط الإيرادات، وهو ما أفرز عن فقدان العملة المحلية لأكثر من نصف قيمتها وارتفعت معدلات التضخم بشكل غير مسبوق، وكل ذلك يهدد بمشاكل اقتصادية خطيرة أشد قسوة من الحرب ذاتها".
وأكد الهمداني "ولمواجهة هذه الكارثة يُتطلب من الحكومة، قبل أي عملية إصدار نقدي محلي، أن تضخ كمية كافية من النقد الأجنبي إلى الأسواق لتوفر حاجتها من العملات الصعبة وللحد من المضاربات في السوق السوداء".
الريال يفقد أكثر من 70% من قيمته منذ بدء الحرب
وتراجعت قيمة الريال بشكل دراماتيكي وحاد منذ بداية الحرب في اليمن في مارس آذار 2015 حينما كان الدولار الواحد يعادل 215 ريالا ليصل الآن إلى أكثر من 500 ريالاً، أي أن العملة اليمنية فقدت أكثر من 70 % من قيمتها.
ويستمر انهيار الريال أمام الدولار رغم الوديعة السعودية التي قال البنك المركزي اليمني إنه استلمها مطلع العام 2018، والمقدرة باثنين مليار دولار، والتي كان أحد أسباب إيداعها، الحفاظ على الريال من الانهيار مجدداً.
وبحسب خبراء ومحللين اقتصاديين فإن الإدارة الجديدة للبنك المركزي بقيادة وزير المالية السابق، محمد منصور زمام، الذي عُين نهاية مارس الماضي محافظاً للبك المركزي اليمني، فشلت في وضع أي حلول لمعالجة انهيار العملة المحلية، واقتصرت نشاطات المحافظ الجديد على سفريات في الخارج، يقول المركز الإعلامي للبنك إنها لقاءات عمل.
وطالب هؤلاء الخبراء والمحللين بإعادة المحافظ الأسبق للبنك المركزي محمد بن همام، الذي تم الإطاحة به بقرار غير مدروس من الرئيس هادي حينما عين منصر القعيطي خلفا له، وقام بنقل مقر البنك المركزي من صنعاء إلى عدن في سبتمبر عام 2016، خلافا لتحذيرات بن همام من فشل المهمة وانهيار الاقتصاد والعملة.
بن همام الذي عُين محافظا للبنك المركزي اليمني في أبريل 2010، عمل منذ نشوب الأزمة اليمنية عام 2011 واندلاع الحرب الدائرة في اليمن مطلع عام 2015، على تحييد المصرف المركزي والمعاملات المالية عن أطراف الصراع، وعقد لقاءات عاجلة مع مسؤولي المصارف الحكومية والأهلية ووزارة المالية، لمراجعة الوضع المالي وبحث كيفية إنقاذ العملة الوطنية ومنع حدوث انهيار مالي.
ويصف خبراء مصرفيون، بن همام بـ"عقلية اقتصادية ومالية مصرفية فذة"، حيث ساهم بإدارته الجيدة للبنك المركزي في استقرار سعر صرف العملة اليمنية، رغم تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية في البلاد منذ توليه مسؤولية البنك المركزي.
فيما يرى اختصاصيون وخبراء اقتصاد فشل الحكومة الشرعية وعجزها عـن مواجهة تهاوي الريال، قد بلغ ذروته في مختلف مناحي الحياة المعيشية ما وضع المواطن المغلوب على أمره أمام كارثة حقيقية في الجانب الاقتصادي جراء الانهيار المخيف للريال اليمني أمام العملات الأجنبية وارتفاع الأسعار.
ويعاني اليمن من الانقسام بسبب الحرب الأهلية المستمرة منذ زهاء ثلاث سنوات ونصف بين الحكومة المعترف بها دولياً المدعومة من الرياض والمتمركزة في جنوب البلاد، وجماعة الحوثيين المتحالفة مع إيران والتي تسيطر على أغلب أجزاء شمال البلاد بما في ذلك العاصمة صنعاء.
ويواجه البنك المركزي اليمني، الذي يتخذ من مدينة عدن الساحلية بجنوب البلاد مقرا له، صعوبة في دفع أجور موظفي القطاع العام خاصة في شمال البلاد التي يعتمد عليها الكثير من اليمنيين في ظل انخفاض احتياطيات النقد الأجنبي.
وتقود السعودية تحالفا عسكريا ينفذ، منذ 26 مارس 2015، عمليات برية وجوية وبحرية ضد جماعة الحوثيين في اليمن، دعماً لقوات الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي لإعادته إلى الحكم في العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون منذ سبتمبر 2014.
وتسبب الصراع الدائر في اليمن في مقتل نحو 11 ألف مدني، وجرح مئات الآلاف، وتشريد ثلاثة ملايين داخل اليمن وفرار الآلاف خارج البلاد.
وتحذر الأمم المتحدة منذ أكثر من ثلاثة أعوام من أن اليمن أصبح على شفا المجاعة، فيما يؤكد برنامج الأغذية العالمي أن عدد المحتاجين لمساعدات عاجلة ارتفع إلى 22 مليونا العام الماضي 2017، أي أكثر من ثلثي سكان البلاد بالمقارنة مع 17 مليونا عام 2016.