اليمن.. الكهرباء في عدن حلول ترقيعية وفساد متجذر أقوى من الرئيس (تقرير خاص)

عدن (ديبريفر)
2018-07-28 | منذ 5 سنة

الرئيس هادي أثناء حضوره توقيع مذكرة تفاهم لإنشاء محطتي عدن وحضرموت الكهربائيتين

  شكّل تراجع الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي عن تخصيص 500 ميجاوات لعدن خيبة أمل لدى سكان المدينة المتخَذة من قبل الحكومة عاصمة مؤقتة للجمهورية اليمنية.

  ما زال سكان المدينة يعانون من تردي خدمة الكهرباء، والمستمرة منذ سنوات عديدة في منطقة تتسم بارتفاع الحرارة والرطوبة في آن.

  في لقاء جمعه الأربعاء الفائت بعدد انتقائي محدود من الشخصيات السياسية والاجتماعية، ممن قيل أنهم يمثلون أبناء عدن، قال الرئيس هادي انه توصل إلى اتفاق مع شركة أمريكية تعمل في مجال إنتاج الطاقة الكهربائية، بهدف إنشاء محطة لتوليد الطاقة الكهربائية بمقدار 500 ميجا وات، لتغطية العجز الكهربائي في كلٍ من عدن و لحج وأبين.

 وأضاف في تسجيل فيديو: "أبشركم، لقد تواصلت شخصياً مع شركة (جنرال إلكتريك General Electric) الأمريكية، واتفقت معهم على توفير الكهرباء بقدرة 500 ميجا وات، تُغطي عدن وأبين ولحج".

  يعاني قطاع الكهرباء في عدن ولحج وأبين من مشاكل كبيرة ومعقدة لا حصر لها من بينها فساد متضخم منذ سنوات فائتة، وصار في الفترة الأخيرة مصدر دخل لمتربحين من عقد صفقات لا تنتج أية حلول جذرية لهذا القطاع خصوصاً المتصل بعمل المؤسسة العامة للكهرباء بعدن.

  ويقول النقابي والناشط المدني في عدن مهيب شائف لوكالة "ديبريفر" للأنباء إن "وضع الكهرباء في عدن هو الوضع الأسوأ الذي تعيشه المدينة منذ أن دخلتها خدمة الكهرباء، وهو نتيجة حتمية لإهمال قائم منذ عقود، ولعل السبب الرئيسي هو الفساد المتجذر في كل ما هو مرتبط بإنتاج الطاقة الكهربائية، فهي الدجاجة التي تبيض ذهباً بالنسبة لمراكز القوى والنفوذ التي تدير الفساد خصوصاً إذا ما عرفنا أن توليد الكهرباء مرتبط بتوفير وقود بعشرات المليارات سنوياً إضافة إلى مناقصات قطع غيار دائمة ومستهلكة بمليارات يأتي أغلبها مخالفاً للمواصفات".

  من جهته أشار هادي إلى أنه حذر، خلال اجتماعه الثلاثاء الفائت بمسئولي المؤسسة العامة للكهرباء بعدن "من وجود من يتلاعب بخدمة الكهرباء في عدن".

  وأضاف "ضغطنا على إمكانياتنا لتوفير المشتقات النفطية لتشغيل الكهرباء، فخلال شهر يونيو الماضي ونصف الشهر الجاري فقط، خسرنا على وقود الكهرباء مبلغ وقدره 96 مليون دولار أمريكي"، مشيراً إلى أن "حجم إيرادات الكهرباء في عدن لا يتجاوز 2 مليون دولار أمريكي، فقط".

  وبدا أن ثمة اجراءات سوف يتخذها الرئيس هادي لمواجهة ما يمر به قطاع الكهرباء في عدن عطفاً على حديثه مع مسئولي المؤسسة العامة للكهرباء بعدن والأرقام التي أشار إليها.

  ولكن في مساء الجمعة الفائت 20 يوليو 2018م كان سكان عدن مع خبر جديد مختلفاً تماماً عن الأول. تراجعت الـ500 ميجاوات المقررة لعدن الى النصف تقريباً و بدا أن رموز الفساد في قطاع الكهرباء بعدن أقوى من الرئيس بحيث لا يمكن مواجهتهم، وبالتالي استمرارهم في مناصبهم هو المتصدر للمشهد حتى الآن.

  اكتفى الرئيس هادي بالحضور أثناء "التوقيع على مذكرة تفاهم لإنشاء محطة كهرباء عدن الجديدة بقدرة 264 ميجا وكهرباء حضرموت الساحل بقدرة 100 ميجا قابلتين للتوسعة بين شركة بترومسيلة ممثلة عن جانب اليمن عبر مديرها التنفيذي المهندس محمد بن سميط والمدير العام التجاري لأنظمة الطاقة والغاز في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشركة جنرال الكتريك جاجان كاكار عن شركة جنرال الكتريك الامريكية" وفق ما تم نشره في وسائل الإعلام المحلية وفي صفحة الرئيس هادي على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.

  أشار الرئيس هادي خلال مراسيم التوقيع على انشاء المحطة الجديدة بحضور مدير عام مؤسسة الكهرباء بعدن مجيب الشعبي إلى وجود سياسات لا تتبع معالجات استراتيجية، قائلاً: "لقد ظلت الكهرباء معضلة يواجها شعبنا بصورة عامة وأبناء المناطق الساحلية بصورة خاصة وما ترتب عليها من معاناة صحية وانسانية لدى المرضى وكبار السن".

 وأضاف "كانت الحلول الترقيعية عبر الطاقة المشتراة باهظة ومكلفة على موارد الدولة المحدودة وتتكرر معها المعاناة بصورة دائمة، الأمر الذي جعلنا نفكر بحلول استراتيجية لمصلحة اليمن كاملا حيث كانت البداية عبر تحقيق الاكتفاء لكهرباء حضرموت الوادي والصحراء وعبر نفس الشركة جنرال الكتريك وبواسطة شركة بترو مسيلة اليمنية واليوم نوقع مذكرة تفاهم لكهرباء عدن الجديدة بقدرة 264 ميجا وكهرباء حضرموت الساحل بقدرة 100 ميجا".

  وفي حين لم يتخذ أي اجراءات "ضد واضعي الحلول الترقيعية عبر الطاقة المشتراة"، أكد هادي ان مشاريع الكهرباء ستتولى من خلال الشراكة مع جنرال الكتريك لإنشاء محطات مماثلة في تعز والحديدة وصنعاء ومأرب وشبوة والمهرة وباقي محافظات الوطن لتحقيق الاكتفاء وتقليل الإنفاق من خلال التشغيل بواسطة الغاز والوقود الثقيل.

  وكان مدير عام المؤسسة العامة للكهرباء بعدن، مجيب الشعبي، تقدم بتاريخ 22 مايو 2016م باستقالته من منصبه كمدير عام لمؤسسة الكهرباء بعدن إثر قيام مظاهرات انطلقت في شوارع عدن احتجاجاً على تردي خدمة الكهرباء في المدينة وتفشي الفساد في المؤسسة.

  وأسفرت تلك الاحتجاجات عن مقتل أحد المتظاهرين، الا أن الشعبي، وفق معلومات، قال إنه سيعود إلى منصبه بعد أن تهدأ الأوضاع، ما جعل متابعين يؤكدون وقوف قوى نافذة ورائه وتعمل على بقائه في منصبه ومرتبطة بالفساد المتجذر في قطاع الكهرباء في عدن وعموم اليمن في صورة تتماهى مع الفساد الضارب في كل المؤسسات بشكل عام.

  في 29 مايو 2016م قبل محافظ محافظة عدن السابق عيدروس الزبيدي استقالة مدير عام مؤسسة الكهرباء بعدن مجيب الشعبي وأصدر تعيينات جديدة، لا تقع ضمن صلاحياته ومخالفة للقوانين، أطاحت بعدد كبير من المدراء في المؤسسة بتهم فساد، وإحالة ملفاتهم إلى نيابة الأموال العامة، وتعيين مدير عام جديد ومشرف عام على المؤسسة من خارجها، وأعفى المهندس جلال ناشر سيف من مهامه كمستشار للمدير العام للمؤسسة العامة للكهرباء.

  وفي 20 سبتمبر 2016م قام محافظ عدن السابق عيدروس الزبيدي بإعادة تعيين عدد من المدراء في المؤسسة العامة للكهرباء بعدن ممن أقالهم بتهم فساد دون أدنى اعتبار لكونه قام بإحالة ملفاتهم الى النيابة، كما قام بتكليف المهندس جلال ناشر سيف بمهامه كمستشار للمؤسسة العامة للكهرباء؛ وهو نفس الشخص الذي أعفاه من مهامه كمستشار للمدير العام للمؤسسة العامة للكهرباء.

  في 20 أكتوبر 2016م أصدر وزير الكهرباء والطاقة في اليمن المهندس عبدالله الأكوع قراراً قضى بإعادة تعيين مجيب الشعبي مديراً عاماً للمؤسسة العامة للكهرباء بعدن.

  ومع ذلك ما زالت خدمة الكهرباء في عدن كما هي منذ سنوات تعاني من انقطاعات مستمرة إذ يتم تشغيل الكهرباء في المدينة وفق برنامج يتم فيه التقيد بتشغيل الكهرباء صيفاً مدة ثلاث ساعات مقابل ساعتين اطفاء دون النظر إلى ان الطاقة المشتراة كان من المفترض ان تعمل على سد النقص، وكثيرون إلى الآن لا يعرفون أسباب ما يحدث بحيث تستمر المعاناة على هذا النحو دون وضع حل لها؛ على الرغم من انه تم إضافة 50 ميجاوات من خلال شركة الفيصل 2016م، ثم إضافة 60 ميجاوات من شركة اجريكو، و40 ميجاوات من شركة باجرش، و 40 ميجاوات من شركة العليان، و40 ميجاوات من شركة الأهرام، ومع ذلك ظل الوضع على ما هو عليه؛ فعادة ما تخرج عدد من المحطات عن العمل لأسباب مختلفة تزيد فيه فترة انقطاع الكهرباء لساعات طويلة تعكس عدم وجود سياسات فاعلة لوضع معالجات جذرية لقطاع الكهرباء إذ لا تعمل كل المحطات بقدراتها التشغيلية المفترضة ولا توجد آلية جادة من الحكومة لمراقبة ما يحدث واتخاذ ما يلزم من اجراءات رادعة.

  بالنسبة إلى مهيب شائف فقد "وصل الحال بمنظومة الطاقة في عدن إلى فقدان ما يقارب 80 ميجا بسبب العبث والفساد، فمثلاً يصل توليد محطة الملعب إلى 15 ميجا، بينما يجب أن تولد طاقة بمقدار 40 ميجا، وهكذا بالنسبة لمحطة المنصورة ولمحطة شيناز ولمحطتي حجيف، كلها تعمل بأقل من طاقتها ناهيك عن الحلول الترقيعية لصيانة محطة الحسوة وما يحدث حالياً من عملية صيانة ستثمر فشلاً ذريعاً لمحطة متهالكة أساساً".

  يؤكد مهيب شائف ان "كل هذا العبث والفساد ممنهج يتربح منه الكثيرون وينتهي بمجرد انشاء محطة مركزية واحدة كبيرة بقدرة تتجاوز 1000 ميجا تحسباً للتوسع المضطرد للمدينة، هذه الحالة الوحيدة التي ينتهي معها العبث وتقفل أبواب الفساد كاملة بما فيها صفقات شراء الطاقة".

 


لمتابعة أخبارنا على تويتر
@DebrieferNet

لمتابعة أخبارنا على قناة "ديبريفر" في التليجرام
https://telegram.me/DebrieferNet