Story in English:https://debriefer.net/news-2074.html
ترجمة خاصة لـ"ديبريفر"
بقلم: بيتر ساليسبري
الحرب في اليمن عالقة في مأزق مؤلم منذ ثلاثة أعوام، وفي 13 يونيو، أطلقت الإمارات العربية المتحدة عملية "الانتصار الذهبي"، حملة لكسر الجمود عن طريق استعادة ميناء الحديدة من المتمردين الحوثيين الذين يسيطرون على معظم الساحل الغربي والمرتفعات الشمالية، فالهجوم الناجح على أكبر ميناء في البلاد من شأنه أن يغير مسار الحرب ولكن تكلفة حدوثه ستكون باهظة.
بدأت الحرب الأهلية في اليمن في سبتمبر 2014 عندما سيطر المتمردون الحوثيون على العاصمة، وتصاعد هذا الانقلاب في مارس 2015، عندما تدخل تحالف عسكري بقيادة المملكة العربية السعودية لمواجهة الحوثيين، الذين يُنظر إليهم على أنهم وكيل إيران.
وعلى الرغم من وعود التحالف بتحقيق نصر سريع، إلا أن القتال استمر على نفس الوتيرة، وظلت الجهود الرامية للتوصل إلى تسوية سياسية عقيمة، فقد تم قطع آخر محادثات سلام في عام 2016.
وفي ذات الوقت، تدهور الوضع الإنساني بشكل كبير، فوفقاً للأمم المتحدة، أصبح 8,4 مليون يمني الآن على شفا هاوية الموت جوعا و14 مليون شخصا بحاجة إلى المساعدات الإنسانية.
واليوم، تُجهز كل الأطراف لأكبر معركة مكثفة في هذه الحرب حتى الآن، فبعد أن قضت قوات التحالف المدعومة بشكل رئيسي من قبل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقتها العام الماضي تشق الطريق إلى ساحل البحر الأحمر، زعمت بأنها استولت على مطار الحديدة، الذي يقع على مشارف المدينة من الجهة الجنوبية.
ومن المرجح أن يغير ما سيحدث بعد ذلك مسار الحرب، إذ من الممكن أن تقلب المعركة الشاملة ميزان القوى على الأرض وتؤثر بعمق على أي تسوية سياسية مستقبلية.
ولا شك أن النتيجة ستكون مهمة على نحو خاص بالنسبة لدولة الإمارات، التي ترى في هذه الحملة العسكرية فرصة لها لتكون لها اليد العليا في اليمن. لكن بالنسبة للمدنيين اليمنيين فإن التوقعات قاتمة، فإذا لم تتمكن الأمم المتحدة من التوصل إلى اتفاق بين الحوثيين والتحالف قبل بدء القتال بشكل جدي، فإن اليمنيين المساكين هم من سيدفعون الثمن الأكبر.
مايزال القادم طويل
رغم أن المراقبين غالباً ما يركزون على المملكة العربية السعودية، إلا أن الإمارات هي من تقود حملة الحديدة. خلال حرب اليمن، أبرزت الإمارات نفسها كقوة عسكرية ذات كفاءة مدهشة. في عام 2015، على سبيل المثال، ساعد الإماراتيون الجماعات الإنفصالية في الجنوب على دفع الحوثيين وحلفائهم إلى الخروج من مدينة عدن الساحلية.
لكن على مدى السنوات الثلاث الماضية، أصبح المسؤولون في أبو ظبي يشعرون بالإحباط على نحو متزايد بسبب عدم إحراز أي تقدم على الأرض، ولذلك فهم يعتقدون أن مهاجمة الحديدة هي الطريقة الوحيدة لكسر الجمود وإجبار الحوثيين على إنهاء الحرب وفق شروط التحالف.
دخل الهجوم على الحديدة حيز التنفيذ منذ عدة سنوات، ففي عام 2016، شن الإماراتيون هجوماً بحرياً على الميناء، لكن الولايات المتحدة الأمريكية رفضت المناورة، التي اعتقدت أنها شديدة الخطورة. وبكل عزيمة، قامت الإمارات بتدريب وتجهيز ما يصل إلى 25 ألف جندي يمني للاستيلاء على الميناء براً.
ومنذ أوائل عام 2017، كانت هذه القوات تتقدم بثبات على طول ساحل البحر الأحمر باتجاه الحديدة، وتنتشر معظم تلك القوات الآن على طول ساحل تهامة أو في قاعدة عسكرية في إريتريا المجاورة.
وفيما بعد، تعززت القوات المدعومة من الإمارات بالحرس الجمهوري، وهي قوة النخبة السابقة في اليمن الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح.
تأثيرات مقتل "صالح"
وكان الحرس الجمهوري يحارب حتى 2017 إلى جانب الحوثيين، الذين عقد معهم "صالح" تحالفا غريبا قبل ثلاثة أعوام. لكن في ديسمبر الماضي انهار ذلك التحالف، ما أدى إلى قتال شوارع في صنعاء ومقتل صالح على يد الحوثيين.
وضعت وفاة صالح نهاية لأي مقاومة داخلية في المناطق التي يسيطر عليها الحوثي، لكنها سلبت المتمردين الشرعية السياسية التي اكتسبوها من التعاون مع المؤتمر الشعبي العام بقيادة صالح وهو أكبر حزب برلماني في اليمن.
إذا نجح التحالف في الاستيلاء على الحديدة، فإنه سيحرم الحوثيين من مئات الملايين من الدولارات التي تعود عليهم من الرسوم الجمركية وغيرها من أشكال الإيرادات، التي يستخدمونها من أجل ضمان المجهود الحربي.
كما يعتقد التحالف أن خسارة الحديدة ستقطع الطريق الرئيسي لتهريب الأسلحة، رغم أن عدداً من الباحثين، بما في ذلك فريق خبراء الأمم المتحدة، توصلوا إلى أن هناك القليل من الأدلة على أن الميناء يستخدم لتهريب الأسلحة.
لكن الحوثيون لن يسقطوا دون قتال، بالطبع فقد جعلوا القوات المدعومة من الإمارات على الأرض تعمل بشكل أكثر صعوبة مما كان متوقعاً، إذ لم تصل سوى إلى حافة المدينة. الحوثيون مستعدون لجعل معركة الحديدة طويلة ومكلفة قدر الإمكان، لكن الإمارات العربية المتحدة وقواتها المتحالفة مستعدون أيضا لشن حرب قاسية.
إلقاء نظرة متفحصة
قد تكون هناك أسباب أخرى وراء أهمية الحديدة لدى دولة الإمارات العربية المتحدة. غالباً ما يتم تصوير الحرب الأهلية في اليمن على أنها قضية ذات جانبين، ولكنها في الواقع أكثر تعقيداً. ترى الإمارات العربية المتحدة أن هجوم الحديدة ليس فقط وسيلة لكسر الجمود، بل أيضاً كفرصة لتعزيز الأحزاب التي تريد الإمارات أن تكون لها الصدارة في تسوية سياسية في نهاية المطاف.
منذ بداية الحرب، دعمت الإمارات في المقام الأول الجماعات الانفصالية الجنوبية والسلفية. في غضون ذلك، ألقت المملكة العربية السعودية بثقلها خلف الرئيس المعترف به دولياً عبدربه منصور هادي وكوكبة من القوى القبلية والعسكرية والسياسية المرتبطة بالإصلاح، الحزب الإسلامي السني الرئيسي في اليمن، الذي له علاقات مع جماعة الإخوان المسلمين.
وأعاقت التوترات بين مختلف القوى المدعومة من التحالف، الجهود الحربية خصوصاً في مدينة عدن الجنوبية، حيث هاجمت القوات الانفصالية المدعومة من الإمارات العربية المتحدة، حلفاء هادي في يناير. وفي تعز، اشتبك المقاتلون التابعون للإصلاح بشكل مماثل مع قوات مدعومة من الإمارات العربية المتحدة. هذه المعارك الداخلية منعت قوات التحالف من تشكيل جبهة موحدة ضد الحوثيين.
يرى محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي والقائد الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة، أن جماعة الإخوان المسلمين تعتبر "بوابة للتطرف" وتعتبرها واحدة من أخطر التهديدات الأمنية في المنطقة. ونتيجة لذلك، فإن بن زايد ودائرته غير راضين عن تحالف هادي مع الإصلاح، حيث يرتبط حلفاء الرئيس الرئيسيون في الشمال بالحزب، ونائبه وقائد القوات المسلحة، علي محسن الأحمر، معروف بتعاطفه مع الإسلاميين.
وتمثل القوات المشتركة التي تقاتل في طريقها إلى الحديدة تحت توجيه دولة الإمارات نوع الفصائل التي ترغب الإمارات في رؤيتها بعد الحرب: القوات المحلية مثل مقاومة تهامة، والانفصاليين الجنوبيين، والسلفيين، كلها تتحرك بدوافع دينية ولكن (على ما يبدو) انها غير مهتمة بالعلامة التجارية للإسلام السياسي "الإخوان المسلمين".
إذا استولت دولة الإمارات العربية المتحدة على الحديدة، يمكنها أن تفرض رأيها فيمن ينبغي أن يحكم المدينة. أحد المرشحين المحتملين للقيادة هو طارق صالح، ابن شقيق الرئيس السابق، الذي يقود الحرس الجمهوري، فإذا ما تمت هزيمة الحوثيين، فإن صالح يمكن أن يصبح رمزا لحزب المؤتمر الشعبي العام القومي والعلماني.
إن الظفر بالميناء سيعطي دولة الإمارات العربية المتحدة يد أقوى في المفاوضات السياسية المستقبلية، التي يمكن أن تستخدمها لتقويض الحوثيين والإصلاح. ربما سيقبل السعوديون بذلك، فهم يُثمنون التقدم على الأرض، وعلاقتهم مع الإمارات أكبر من علاقتهم مع حزب الإصلاح، الذي يعتمد بشكل كبير على الرياض للحصول على الدعم.
آلام إنسانية
إضافة إلى تغيير الديناميكيات السياسية للبلاد، فإن المعركة الدائرة حول أكبر ميناء في اليمن ستؤدي إلى تعميق الأزمة الإنسانية. وفقاً للأمم المتحدة، 70 بالمائة من السلع الأساسية مثل القمح والأرز تدخل اليمن عبر الحديدة، ويعيش ملايين الأشخاص الضعفاء في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيين، الذين يعتمدون على الميناء في توفير الغذاء والوقود والإمدادات الإنسانية.
وعد التحالف بتحقيق انتصار سريع وزعم أنه سيعيد تشغيل الميناء بعد وقت قصير من استعادته، وهذا عموماً غير محتمل الحدوث. لقد استغرقت القوات المدعومة من قوات التحالف أسبوعاً لاستعادة المطار، الذي كان عملية بسيطة نسبياً، لا سيما مع الدعم الجوي الإماراتي. لكن الاستيلاء على الميناء سيكون مهمة أكثر صعوبة، خاصة إذا كان التحالف يريد تجنب إلحاق الأضرار بالبنية التحتية بشدة. وإذا استولت القوات المدعومة من الإمارات على الميناء، فليس من الواضح كيف ستتم عملية نقل البضائع، نظراً لأن الحوثيين سيظلون يسيطرون على المدينة والطرق السريعة التي تربط الحديدة بالمراكز السكانية الرئيسية في الشمال.
قال التحالف إنه يريد تجنب المدينة نفسها المعركة ولسبب وجيه. معركة الشوارع بين الحوثيين والقوات المدعومة من الإمارات ستكون مدمرة لـ 60 ألف ساكن في الحديدة. بحسب التحالف، هناك قوات مقاومة جاهزة لمهاجمة الحوثيين داخل المدينة، والتي يعتقد أنها ستحرر نفسها عندما يحين الوقت. لكن لم تظهر أي قوى كهذه نفسها خلال السنوات الثلاث التي سيطر فيها الحوثيون على الحديدة.
ويقول التحالف إنه يدرس وبكل اجتهاد الأثر الإنساني لحملة الحديدة، وأنه بمجرد أن يسيطر على الميناء، فإن حجم التجارة القادمة سيزداد، وستكون الحالة الإنسانية أفضل، ولن تكون أسوأ. لكن يشير المشككون إلى أوضاع ميناء عدن، الذي كان تحت إشراف التحالف، بصورة ظاهرية، تحت إشراف حكومة هادي منذ منتصف عام 2015: ليس من المؤكد بأي حال من الأحوال أن الحديدة ستكون آمنة ومُدارة بشكل جيد بعد هزيمة الحوثيين.
حل سياسي
عند هذه النقطة، لا شك أن أفضل سيناريو للحالة هو التوصل إلى اتفاق سياسي بين الحوثيين والتحالف لتجنب معركة مدمرة في الميناء حتى أنه ربما يتيح إمكانية إجراء جولة جديدة من محادثات السلام.
يحاول مارتن غريفيث، مبعوث الأمم المتحدة الجديد إلى اليمن، الآن التوسط في صفقة من شأنها أن تجعل الحوثيين يتنازلون عن السيطرة على الميناء إلى الأمم المتحدة.
في 21 يونيو الماضي، قال جريفيث إنه "يشجع" "المشاركة البناءة" للحوثيين. وفي الأسبوع الماضي، أشار عبدالملك الحوثي، زعيم المتمردين، إلى أنه قد يكون مستعداً لتسليم الميناء إلى الأمم المتحدة. رغم أنه تعهد بأن الحديدة ستكون "مقبرة للغزاة" إذا توسعت المعركة. أصرّ التحالف علناً على أن يتخلى الحوثيين عن السيطرة الكاملة على كل من الميناء والمدينة. ولكنه سرا، ربما قد يكون أكثر مرونة. ومع ذلك، يواجه جريفيث صراعا قويا لمنع المعركة. لقد منحته دولة الإمارات العربية المتحدة أسبوعاً تقريباً لإقناع الحوثيين بالموافقة على شروط التحالف.
في 27 يونيو الماضي، التقى غريفيث مع هادي، الذي عاد مؤخراً إلى عدن بعد غياب لمدة عامين. وردد هادي موقف التحالف من أن الاتفاق لن يكون ممكناً إلا إذا وافق الحوثيون على الانسحاب الكامل من المدينة، لكنه أضاف أن هذا سيكون بداية جديدة للمفاوضات.
إذا لم ينجح غريفيث، فهناك إجماع واسع على أن المعركة ستكون طويلة ومرهقة، لكنها ستنتهي على الأرجح بسقوط كل من المدينة والميناء في يد التحالف. من شأن هذا التحول في الأحداث أن يفيد الإمارات، الأمر الذي من المرجح أن يجعلها تنتهز الفرصة؛ حيث يتوقع البعض أنه إذا نجح الإماراتيون في الاستيلاء على الحديدة، فقد يوجهون انتباههم صوب تعز، حيث يستطيعون من هناك طرد الحوثيين وإبعاد توازن القوى عن كليهما، الحوثيين والإصلاح.
عند هذه النقطة، سيكون لدولة الإمارات العربية المتحدة حلفاء في السلطة عبر الجنوب وساحل البحر الأحمر وفي تعز. إذا استطاع الإماراتيون أن يجعلوا الحوثيين طوع أمرهم ومنعوهم من إطلاق المزيد من الصواريخ الباليستية إلى المملكة، كما فعلوا مؤخراً في 25 يونيو، فمن المرجح أن يقبل السعوديون هذا التحول في الأحداث.
لكن ليس من الواضح أن الحوثيين سيخضعون لمطالب التحالف بنزع السلاح والانسحاب والابتعاد. يخشى غريفيث من أن المعركة الطويلة للميناء قد تعيق الجهود الرامية إلى إحياء عملية السلام المحتضرة من خلال النقد الحاد والكثيف للتحالف وقيادة حكومة السعوديين والإماراتيين وهادي من قبل الحوثيين وخلق موقف أكثر شمولية. وفي ظل ذلك، ستزداد معاناة المدنيين اليمنيين سوءاً.