بعد مرور ثلاثة أعوام ونصف، لاتزال الحرب في محافظة تعز (جنوبي غرب اليمن) تراوح مكانها بين الكر والفر، وتبادل الهجوم والدفاع بين قوات الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، وجماعة الحوثيين (أنصار الله) التي تحكم سيطرتها على المداخل الرئيسية للمدينة مركز المحافظة ذات الكثافة السكانية الأعلى على مستوى المحافظات اليمنية.
في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات البلاد تصعيداً عسكرياً ضد جماعة الحوثي، يستمر الجمود مسيطراً على جبهات محافظة تعز، باستثناء الغربية منها، وهي منطقة ساحلية مطلة على البحر الأحمر، شهدت -في وقت سابق- تقدم للقوات المدعومة من التحالف العربي، لكن ذلك يبقى تقدماً محدوداً، وسط مؤشرات بتحويل المحافظة إلى جبهة استنزاف للحوثيين، فضلاً عن عوامل عدة حالت دون تحرير ما تبقى من المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
ويثير تجميد "جبهة تعز" الكثير من التساؤلات، حيث أعلن محافظ تعز أمين أحمد محمود، مطلع العام الجاري عبر مقطع فيديو بثته وكالة أنباء الإمارات "وام"، بدء معركة شاملة لتحرير المحافظة، لكن تلك التصريحات تحولت إلى مادة ساخرة، تندر عليها رواد مواقع التواصل الاجتماعي لاحقا.
السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر قال في تصريحات إعلامية أواخر فبراير/شباط من العام الجاري: أن هناك عدة أسباب لتوقف معركة تحرير تعز، أبرزها التعقيدات الجغرافية والعسكرية التي تحيط بتلك الجبهة، إضافة إلى الخلافات الحادة بين القيادات الموالية للتحالف العربي، التي تتقاسم السيطرة على معظم مناطق المدينة.
مطالبات شعبية
في الأشهر القليلة الماضية تزايدت الدعوات السياسية، والعسكرية، والشعبية لمطالبة التحالف العربي والحكومة الشرعية بسرعة استكمال "تحرير" تعز من الحوثيين، حيث دعا تكتل الأحزاب السياسية لدعم الشرعية في تعز في أواخر يونيو/ حزيران الفائت، رئاسة الجمهورية ودول التحالف العربي إلى معالجة معوقات تحرير المحافظة وفك الحصار عنها.
فميا تظاهر الآلاف من أبناء محافظة تعز في 14 يوليو/ تموز الجاري للمطالبة باستكمال تحرير المحافظة، وهي التظاهرة التي اعتبرها البعض موجهة ضد محافظ المحافظة من قبل قيادات حزب تجمع الإصلاح، الذي يفرض سيطرته على بعض مناطق المدينة، الى جانب قوات القيادي السلفي أبو العباس المدعوم من قبل الإمارات العربية المتحدة.
الوضع القتالي القائم
تعود آخر معركة تقدمت فيها القوات التابعة للحكومة "الشرعية" في تعز إلى مطلع العام الجاري، تمكنت خلالها تلك القوات من تحرير عدد من المواقع في المحورين الشرقي والجنوبي للمدينة، بيد أن الوضع الكلي لسير المعارك خلال الأشهر الأخيرة، يشير إلى أن خطط المواجهات وفق استراتيجية الإرهاق والاستنزاف ليس إلا، بهدف إطالة أمد الحرب واستنزاف الطرفين بشرياً ومادياً.
في هذا الشأن يرى ناطق محور تعز العسكري، العقيد عبدالباسط البحر أن تحول تعز إلى جبهة استنزاف للحوثيين "قد يكون ضمن الأهداف العسكرية وفقا للخطة الموضوعة من القيادات العليا، وهو هدف مستقل عن بقية الأهداف الأخرى المتمثلة في استكمال التحرير وكسر الحصار".
معوقات الحسم
تتضارب الرؤى حول أسباب تأخير تحرير "تعز" لكن يرى مراقبون أن أبرز تلك الأسباب تعود إلى "تخوفات لدى دول معينة في التحالف العربي، وتحديداً دولة الإمارات العربية المتحدة التي تسعى لمنع أي دور سياسي أو أمني لحزب الإصلاح اليمني الذي يمثل ذراع "الإخوان المسلمين" في اليمن.
رئيس المجلس الأعلى للمقاومة في محافظة تعز، الشيخ حمود المخلافي -الذي يقبع حالياً في تركيا- قال في تصريحات إعلامية أواخر العام الماضي إن "مدينة تعز تعرضت -ولا تزال- للخذلان بهدف كسر إرادتها". مؤكداً أن قوى مختلفة "تعاضدت بهدف تطويع تعز للتنازل عن المشروع الوطني الكبير المتمثل في اليمن الاتحادي"، مبرزاً أن "تعاظم الكيد على تعز بلغ حداً مؤسفاً ومؤلماً"، وأن المحافظة مُنعت من الحصول على القوة والسلاح اللازمين للانتصار، حد تعبيره.
مصادر عسكرية أفادت لوكالة "ديبريفر" للأنباء بأن لقاء الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، في مقر إقامته حالياً بمدينة عدن التي اتخذها عاصمة مؤقتة للبلاد، بقيادات السلطة المحلية، وقادة الألوية العسكرية في المحافظة أواخر يونيو الفائت؛ لم يخرج بقرارات بشأن معركة تحرير تعز، بقدر ما ركز على توجيه الرئيس هادي نصائح للقادة العسكريين بضرورة العمل بروح الفريق الواحد.
وذكرت المصادر التي رفضت الكشف عن هويتها -لأنها غير مخولة بالحديث للإعلام – أن اللقاء انتهى بوقف قرارات قضت بتغيير عدد من قادة الألوية العسكرية على رأسهم قائد محور تعز.
وكشفت المصادر أيضاً، أنه تم الاتفاق على بقاء قائد محور تعز العسكري، اللواء خالد فاضل، المحسوب على حزب الإصلاح، مقابل بقاء المحافظ أمين محمود الموالي لدولة الإمارات.
استراتيجيات متضاربة
يُرجع محللون عسكريون يمنيون إطالة الحرب في تعز واتسامها بالتعقيد الشديد إلى "تحكم التحالف العربي (السعودية والإمارات) فعلياً في إدارة المعارك الدائرة في المحافظة فضلاً عن تضارب استراتيجيات أطراف السلطة الشرعية فيما بينها (تنظيمات سياسية وألوية الجيش والسلطة المحلية)".
كما أن إطالة كل هذه المدة من الحرب والحصار في تعز هدفه إنتاج كيانات سياسية جديدة وتشكيلات عسكرية كـ (جماعة أبو العباس) وإعادة تأهيل قوى سابقة عبر محافظ تعز الجديد الذي سعى منذ توليه المنصب إلى إعادة رموز الرئيس الأسبق علي صالح، برعاية من دولة الامارات العربية المتحدة، حسب اتهامات وجهها نشطاء على مواقع التواصل.
تصفية حسابات
يرى الكاتب الصحفي اليمني، محمد علي محروس، أن هناك عدة أسباب وراء عدم الحسم العسكري في تعز التي وقعت ضحية الحسابات السياسية.
ويوضح، محروس: "أبرز تلك الأسباب تتمثل في عدم جدية التحالف العربي صاحب القرار الأبرز فيما يتعلق بسير المعارك على الأرض، وهذا نابع عن تكهنات غير حقيقية مبنية على تقارير وهمية مليئة بتصفية الحسابات بين أطراف بعينها".
ويضيف في حديثه لوكالة "ديبريفر" للأنباء أن "ضعف إلحاح الحكومة الشرعية وانعدام فاعليتها كان سبباً في عدم تحرير تعز، وإنهاء أكبر مأساة إنسانية في البلاد".
ولفت إلى أن سوء التدبير العسكري وانعدام التناغم المطلوب لاستكمال التحرير بين الألوية العسكرية نقطة مريبة وسبب رئيسي في توقف الحسم، والاكتفاء بمواجهات متقطعة، رغم التنظيم العسكري المشهود لتعز كأول محافظة أنجزت تشكيلاتها العسكرية المنظمة.
ويختم، محروس، حديثه بالقول: "قيادة المحافظة لا يوجد لديها جدية لإتمام التحرير؛ بل ذهبت نحو ترميم البيت الداخلي فيما يتعلق باستعادة المؤسسات، وإعادة تفعيلها، وتحقيق الأمن على مستوى المناطق المحررة".