تقرير (ديبريفر) - يبدو أن إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، مصممة على عدم مغادرة البيت الأبيض إلا بعد سلسلة من الممارسات والقرارات التي من شأنها إرباك المشهد السياسي الدولي، وطبعاً لليمن نصيب من ذلك الإرباك.
والإثنين، أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، تصنيف جماعة الحوثي في اليمن منظمة إرهابية.
ورغم اعتراف بومبيو، بأن "التصنيف" خطوة ستؤثر على الوضع الإنساني المتدهور في اليمن، لكنه تمسك بالقرار، مشيراً إلى أن هناك خطة لتنفيذ إجراءات لتقليل تأثير التصنيف على بعض النشاط الإنساني والواردات إلى اليمن.
وذكر بومبيو في بيان، إن "الخارجية ستخطر الكونجرس بنية تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية"، لافتاً إلى إنه يهدف إلى وضع عبدالملك الحوثي وعبدالخالق بدر الدين الحوثي وعبدالله يحيى الحكيم على قائمة الإرهابيين الدوليين.
وأثار القرار ردود فعل متباينة ما بين مرحبة، وأخرى منتقدة ومحذرة، وثالثة قلقة من أهمية أو خطورة القرار على الجماعة التي تسيطر على العاصمة صنعاء وأغلب المحافظات شمال وغرب اليمن ذات الكثافة السكانية العالية.
ومن المتوقع أن يدخل القرار حيز التنفيذ في 19 يناير المقبل، أي قبل يوم واحد من أداء بايدن اليمين الدستورية رئيساً للبلاد.
ترحيب حكومي
رحبت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، بالقرار الأمريكي، مشيرة إلى أن القرار ينسجم مع مطالبها لمعاقبة الجماعة التي وصفتها بـ "الإرهابية".
ووصف المستشار الرئاسي اليمني، أحمد عبيد بن دغر، القرار الأمريكي بـ"الدقيق والواقعي للجماعة، وقراءة متقدمة للحالة في اليمن".
ويرى بن دغر أن القرار "يجرد الحوثيين من سلاح المظلمة الكاذبة التي أدعوها، ويضع أصدقاء اليمن أمام الحقيقة الحوثية جرداء كما هي".
مسؤولون حكوميون يمنيون تطابقت تصريحاتهم حول القرار، وقالوا بأنه يتوافق مع مطالب الحكومة اليمنية والشعب اليمني ومنظمات حقوق الإنسان وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ويخدم عملية السلام.
انتقادات دولية
تصدرت الأمم المتحدة والمجلس النرويجي للاجئين، المنتقدين لقرار الخارجية الأمريكية بتصنيف جماعة الحوثيمنظمة إرهابية أجنبية، كون القرار جاء في توقيت سيء للغاية بالنسبة لبلد على حافة الانهيار جراء ضعف المساعدات الإنسانية.
وفي حين سارعت دول كالسعودية والبحرين والإمارات، إلى الترحيب بالقرار الأمريكي، معتبرة إياه انتصاراً لها على إيران الداعمة الرئيسية لجماعة الحوثي، دعا نواب أمريكيون بارزون، مايك بومبيو إلى التراجع سريعاً عن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية، لأن المسألة تتعلق بمصير شعب يتضور جوعاً ويعاني من أزمة إنسانية حادة، معتبرين القرار "حكم بالإعدام على الآلاف اليمنيين".
وعلقت جماعة الحوثي التي تسيطر على العاصمة صنعاء، وأغلب المحافظات شمال وغرب اليمن ذات الكثافة السكانية العالية، على القرار الأمريكي، بتصريحات حملة طابع التهديد أحياناً، وعدم الاكتراث والتقليل من خطورة القرار عليهم أحياناً أخرى.
وقال الناطق الرسمي باسم الجماعة، ورئيس وفدها المفاوض، محمد عبد السلام، الإثنين، إن "الموقف الأمريكي لا جديد فيه على المستوى العملي، إذ قد مارسوا بحق الشعب اليمني أبشع أنواع الجرائم والعقوبات الاقتصادية والإنسانية والتدخل العسكري والدعم الشامل للعدوان علينا".
وأضاف مهدداً "إذا لم يحصل مراجعة جادة فسيفرض علينا هذا الموقف أن نتعامل مع الأمريكيين بالمثل في ملفاتكثيرة".
بدوره، قال القيادي البارز في الجماعة وعضو مجلسها السياسي الأعلى، محمد علي الحوثي، في تغريدتين على "تويتر"،إن "أمريكا مصدر الإرهاب وسياسة إدارة ترامب إرهابية وتصرفاتها إرهابية".
واعتبر الحوثي أن "ما تقدم عليه (إدارة ترامب) من سياسات تعبر عن أزمة في التفكير وهو تصرف مدان".
وأكد أن جماعته "تحتفظ بحق الرد أمام أي تصنيف ينطلق من إدارة ترامب أو أي إدارة ولا يهم الشعب اليمني كونها شريكا فعليا في قتله وتجويعه".
قرار لا يستحق التهويل والتهليل
قلل المحلل السياسي ورئيس تحرير صحيفة "الوسط" اليمنية، جمال عامر، من خطورة القرار الأمريكي خاصة في هذا التوقيت الذي باتت فيه إدارة دونالد ترامب وشيكة المغادرة من البيت الأبيض بسجل مثقل من الفضائح بحق الولايات المتحدة أولاً، مما سينعكس على كل القرارات التي أصدرها ترامب وإدارته ومن بينها تصنيف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية أجنبية.
وقال عامر في منشور له على "الفيس بوك":" قرار تصنيف السلطة الأمريكية المنتهية ولايتها لأنصار الله جماعة ارهابية لا يستحق كل هذا التهويل والتهليل لعديد اعتبارها، منها، أولا إن تنفيذ مثل هذه القرار ات يخص أمريكا وحدها وفي الحالة اليمنية فان هذا القرار له علاقة بسلطة ترامب المطلوب للتحقيق في مجلس النواب والمهدد بالعزل".
وتابع عامر:" تفعيل هذه القرارات من عدمها يعد قرارا سياسيا يستخدمه النظام الأمريكي لدواعي الضغوط القصوى ضد دول بعينها كما حصل مع ايران في عهد ترامب وقد تعرض الاقتصاد الامريكي لخسائر فادحة نتيجة لهذه الإجراءات".
ويؤكد عامر، إن مثل "هذا التنصيف غير قادر على اسقاط تمثيل أي كيان سياسي لوطنه أو جماعته أو حزبه، مستشهداً بما حصل مع جماعة طالبان، أو مشاركته في الحكومة كما هو حال حزب الله في لبنان وحماس في فلسطين".
ويرى الصحفي اليمني، أن " هذا القرار أعجز من أن يسقط شرعية أنظمة"، مضيفاً:" والسودان وإيران وسوريا خير مثال".
أما في ماله علاقة بالقرار ضد جماعة الحوثي، فيقول رئيس تحرير صحيفة "الوسط" الأهلية،" أن الأمر لا يعدو أكثر من كونه تحصيل حاصل باعتبار أن حكومة صنعاء غير معترف بها على المستوى الدولي وتدير المناطق التي تسيطر
عليها بسلطة الأمر الواقع وقد ارغمت دولا ومنظمات أممية على التعامل معها، وهو واقع لن يتغير كثيرا بفعل هذا القرار، مثلما لن يؤثر بأي حال من كون الجماعة معادل أساس في أي تسوية سياسية، وهذا لا يرجع إلى سيطرتها العسكرية على الارض فقط وإنما لتمثيلها لجمهور كبير لا يمكن شطبهم بقرار غبي واحمق".
ويضيف جمال عامر:" وصحيح أنه يمكن استغلال القرار في خلق تعقيدات اضافية على عدة مستويات، إلا أن هذا القرار لن يكون أكثر سوءا من الحصار المفروض برا وبحرا وجوا ووضع اليمن تحت البند السابع".
وتوقع عامر أن تدعو الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بما فيهم سلطة أمريكا المنتخبة، قريباً للقوى السياسية اليمنية الانخراط في عملية السلام والتسوية التي تحقق الشراكة في السلطة القادمة.
لن يقود إلى ثورة ناجزة
وقال الصحفي اليمني عصام الذيفاني على صفحته في "الفيس بوك"، إن قرار أمريكا إدراج جماعة الحوثي على قائمة الإرهاب سيفاقم الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في المحافظات الشمالية التي هي في الأصل سيئة، وفي أحسن الأحوال سيسكت بعض الأصوات التي تتذرع بمظلومية الحوثيين لدى المجتمع الدولي".
مضيفاً" حتما لن يقود أو يدفع إلى ثورة ناجزة ضد الجماعة في صنعاء".
وينوه الذيفاني إلى أن " تعبئة الشمال ضد الحوثيين لن يمر عبر التجويع والاذلال لكل ماله صلة باليمن واليمنيين بذريعة محاربة إيران، الشمال ذاته له دينميات مختلفة".
ويتابع" من المؤكد انه ليس من بينها القاهر والتهميش، لأنه في الأصل عنيد لن يرضخ عنوة، وسيجد سبيلا ما للخروج من هذا المأزق حتى لو من باب الصبر".
المواطنون يدفعون الثمن
وذهب النائب في البرلمان اليمني، المثير للجدل، والمتواجد في صنعاء، أحمد سيف حاشد، إلى التذكير بتأييد بعض الأحزاب اليمنية لقرارات دولية عقابية طالت اليمن خلال العشر السنوات الماضية.
وقال حاشد على صفحته في فيسبوك:" فرحوا بإدخال اليمن تحت البند السابع وماذا كانت النتيجة؟!، وفرحوا باستدعاء القوات الأجنبية وماذا كانت النتيجة؟!".
وتابع:" لم ينتصروا.. وهزمنا نحن وصار الوطن يتلاشى بالتمزق والموت والكراهية والجوع والمجاعة والفساد الثقيل والذي بات أثقل من الحرب نفسها".
ويؤكد حاشد أن "اعتبار جماعة "الحوثيين" جماعة ارهابية سيقويها، ولن يأتي القرار إلا علينا وعلى معيشتنا نحن المواطنين.. نحن فقط من سيدفع الثمن كما دفعنا ثمن القرارات السابقة".
قنبلة ناسفة
وتؤكد الناشطة السياسية والإعلامية اليمنية، منى صفوان، أن "مستقبل العملية السياسة في اليمن في حال إدراج أمريكا الحوثيين كجماعة ارهابية، سيحدده موقف ورد فعل الأمم المتحدة ووسيطها البريطاني، إما نسف العملية والانصياع الاممي لرغبة إدارة ترامب، أو التحفظ على القرار واعتباره أمريكياً لا يعني الامم المتحدة واستمرار العملية كما هي".
وقالت صفوان على حسابها في "تويتر"، إن "إدارة ترامب تضع قنبلة ناسفة أمام إدارة بايدن بتصنيف جماعة يمنية تدعمها إيران كإرهابية، المقصود هو تلغيم أي مستقبل للحوار الإيراني الأمريكي، ونسف أي اتفاق متوقع".
وتابعت" لذا فإيران سيكون طلبها قبل التفاوض رفع الحوثيين من القائمة، ويمكن أن يحدث هذا فقط إن كانت إدارة بايدن تود التهدئة مع إيران".
وترى صفوان أن "العقوبات الأممية أهم من الأمريكية"، وقالت:" الذاكرة تنسى أن هناك عقوبات أممية على الحوثيين، ونجل صالح منذ 2015، وفي 2018، أوصى فريق الخبراء بإدراج قيادات أخرى كمحمد الحوثي، ولكن هذا لم يضعف الجماعة، ولا قطع التمويل الإيراني، ولم يمنع من التفاوض، وعقدت الشرعية معها اتفاقات وتبادلت القبلات".
خطوات استباقية
في نوفمبر الماضي، ذكرت تقارير أمريكية أن هناك توجه لدى إدارة الرئيس دونالد ترامب لتصنيف جماعة الحوثيين "منظمة إرهابية"، وهو أمر إذا حدث فسيكون له مؤثراً بشكل مأساوي على الأوضاع الإنسانية بالنسبة لشعب
بات وشيكاً من "المجاعة" لكن المساعدات الغذائية لا تزال تقف أمام وصوله إلى المجاعة رغم شحتها.
وأكدت منظمات إغاثة دولية، أن تصنيف الولايات المتحدة المحتمل، لجماعة الحوثي، كمنظمة إرهابية أجنبية، سيمنع وصول مساعدات حيوية إلى البلد الذي يمزقه الصراع وتتزايد المخاوف فيه من المجاعة.
وقالت "رويترز" إن منظمات الإغاثة تخشى من أن عملها قد يدخل في إطار التجريم، خاصة وأن جماعة الحوثيين هم السلطة الفعلية في شمال اليمن، وتضطر منظمات الإغاثة للحصول على تصاريح منهم لتنفيذ برامج مساعدات والعمل مع الوزارات والأنظمة المالية المحلية.
وتصف الأمم المتحدة الأزمة في اليمن بأنها أكبر أزمة إنسانية في العالم، حيث يعتمد نحو 80 بالمئة من سكانه على المساعدات.
كما يخشى موظفو الإغاثة أن يؤثر التصنيف على قدرة اليمنيين على التعامل مع الأنظمة المالية والمصرفية والتحويلات التي تأتي من الخارج، ويعقد إجراءات الاستيراد ويزيد من ارتفاع أسعار السلع.
وفي ذات الشأن، قالت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، الأربعاء الماضي، إن الأمم المتحدة نقلت موظفيها الأمريكيين وبعض العاملين في المنظمات غير الحكومية إلى خارج المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثيين، استباقاً لإعلان الولايات المتحدة تصنيف الجماعة تنظيماً إرهابياً.
وأفاد مسؤولون مطلعون على القرار، بأن أكثر من عشرة أمريكيين يعملون لدى الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة الدولية في اليمن نُقلوا مؤقتاً من مناطق سيطرة الحوثيين في صنعاء.
ونقلت مجلة "فورين بوليسي" في نوفمبر الماضي، عن مصادر دبلوماسية إن إدارة ترامب تخطط لتصنيف جماعة الحوثيين تنظيماً إرهابياً قبل مغادرة منصبه في يناير".
وأضافت المصادر "لقد كانوا يفكرون في ذلك منذ فترة، لكن بومبيو يريد تسريع هذا المسار، الذي يعد جزءا من سياسة الأرض المحروقة التي تتخذها الإدارة الأمريكية منذ فترة".
ورأت المجلة أن هذه الخطوة من شأنها تقويض جهود السلام التي تتوسط فيها الأمم المتحدة بين الجماعة والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً.
وذكرت المصادر أن مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن مارتن غريفيث، كان يضغط خلال شهري أكتوبر ونوفمبر الماضيين، على الولايات المتحدة للتراجع، كما أنه ناشد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش التدخل بغية التأثير على بومبيو.
المدنيون يعاقبون مجدداً
وكأن اليمنيين لا يكفيهم كل البؤس الذي يعيشونه بسبب حرب السنوات الست التي لا تزال مستمرة، ولا يبدو أن
هناك ثمة بصيص أمل لوقفها، كي تأتي إدارة ترامب وتضاعف معاناتهم الإنسانية وفي وقت أصبحوا فيه على حافة المجاعة، ويشتكون من تراجع اقتصادي وانهيار مخيف للعملة الوطنية.
ويدفع المدنيون اليمنيون وأغلبهم أطفال ونساء، ثمن الحرب وفي حين تعجز أطراف الصراع واداوتها والداعمين لها في إنجاز الحرب لصالحها، تتجه تلك الأطراف صوب المدنيين في اليمن ليمطرونهم إما بقذائفهم أو غاراتهم أو بقراراتهم العقابية.
ويتساءل كثير من اليمنيين المناوئين لجماعة الحوثي، هل عجز التحالف السعودي الإماراتي، المدعوم بقوى سياسية وعسكرية يمنية، والذي يحظى بدعم لوجستي وتسليحي أمريكي وبريطاني، من هزيمة الجماعة الموالية والمدعومة من إيران، ليستمر الشعب اليمني في دفع ثمن فشلهم الذريع وغير المنطقي؟!