أعلن عدد كبير من شركات ومحلات الصرافة في مدينتي صنعاء وعدن اليمنيتين، مساء الاثنين، التوقف عن بيع وشراء الدولار الأمريكي والعملات الأجنبية الأخرى ((ابتداءً من يومي)) الثلاثاء والأربعاء.
يأتي هذا الإجراء بعد هبوط سعر العملة المحلية "الريال اليمني" وتراجعها بشكل مهول أمام الدولار الأمريكي إلى أسعار قياسية غير مسبوقة حيث وصل يوم الاثنين إلى 560 ريالاً للدولار الواحد.
وقالت جمعية الصرافين اليمنيين (صنعاء وعدن) في بيان: "نظراً للارتفاع المستمر في أسعار العملات الأجنبية، وما لذلك من تأثير على أسعار المواد الأساسية، وحرصاً منّا على عدم استمرار الارتفاع، وعدم تحمل مسئولية الارتفاع، فإننا نعلن لكافة منشآت وشركات الصرافة التوقف الكامل عن بيع والشراء العملاء الأجنبية، ليومي الثلاثاء والأربعاء 7و 8 أغسطس".
وقال لوكالة "ديبريفر" للأنباء، صرافون ومتعاملون في مدينة عدن جنوبي اليمن، يوم الاثنين، إن الريال اليمني واصل هبوطه المريع أمام الدولار الأمريكي والعملات الأجنبية في سوق الصرف ليسجل أدنى مستوى له على الإطلاق وسط موجة جديدة غير مسبوقة من الارتفاع الهائل في أسعار السلع الغذائية، ما ينذر بكارثة اقتصادية على البلاد.
وأشاروا إلى ان سعر الصرف سجل في عدن، يوم الاثنين، 555 ريالا للدولار الواحد للشراء و560 ريالا للبيع، فيما بلغ سعر الصرف في صنعاء 550 ريالا للدولار الواحد شراء و555 ريالا للبيع، بزيادة 40 ريالا في سوق الصرف قبل أسبوع حين بلغ 510 ريالا للدولار الواحد للشراء و512 ريالا للبيع بعدما كان 485 ريالاً قبل نحو شهر ونصف.
كما ارتفع سعر الريال السعودي في السوق اليمنية المتداولة ليصل إلى150 ريالا للشراء و152 ريالا للبيع في عدن، والدرهم الإماراتي 151 ريالا للشراء و153 ريالا للبيع، فيما بلغ الريال السعودي في سوق الصرف بصنعاء يوم الاثنين 147 ريالا للشراء و149 ريالا للبيع.
وكان سعر الريال السعودي قبل أسبوع 135 ريالاً، فيما الدرهم الإماراتي 136 ريالاً وذلك من 128 و129 ريالاً قبل شهر ونصف للعملتين على الترتيب.
وأكد مالكو هذه محلات الصرافة في عدن لوكالة "ديبريفر" للأنباء، أن استمرار انهيار العملة المحلية وارتفاع أسعار الصرف بهذا الشكل الجنوني والمخيف، يؤثر سلباً على التجار وحياة المواطنين أيضاً.
بينما قالت مصادر اقتصادية ومصرفية لـ"ديبريفر"، إن قرار وقف البيع والشراء للدولار والريال السعودي، كان قراراً تلقائياً من قبل الصرافين، لوقف التدهور المتسارع, وأن الارتفاع ناتج عن ارتفاع غير مبرر في الطلب على الدولار في السوق.
وأكدت أن الارتفاع القياسي في سعر صرف الدولار، الذي يشهده السوق المصرفي في اليمن حالياً، ارتفاع غير طبيعي، ولن يكون المتضرر منه المواطن اليمني فقط، بل أن شركات ومحلات الصرافة أول المتضررين.
وحذر خبراء اقتصاد محليون في وقت سابق من تجاوز سعر صرف الدولار الواحد حاجز الـ 500 ريال باعتبار ذلك مؤشر خطير على وضع البلاد الاقتصادي المتدهور والمتداعي أصلا.. مؤكدين أن الارتفاع المخيف ينذر بكارثة اقتصادية وشيكة تهدد الدولة برمتها وحياة المواطنين.
وأغلقت معظم شركات ومحلات الصرافة في عدن وصنعاء يوم 25 يوليو الماضي أبوابها أمام عملاءها، بسبب التدهور السريع للعملة المحلية، بينما ترفض بقية محلات وشركات الصرافة في عدن وصنعاء تحويل أي مبالغ صغيرة أو كبيرة من الريال اليمني إلى الدولار، وعلقت عمليات بيع الدولار، وأبقت على نشاط الشراء فقط للعملات الأجنبية خصوصاً الدولار والريال السعودي.
وأعلنت محلات صرافة في عدن حينها، إضراب جزئي عن العمل لمدة يومين تنديداً واستنكارا للانهيار غير المسبوق للريال اليمني فضلاً عن عملية المضاربة غير المشروعة التي تمارسها محلات وشركات صرافة.
ارتفاع جنوني لأسعار الغذاء
وانعكست التطورات المتسارعة في السوق واستمرار تدهور العملة المحلية سلباً على الأسعار التي ارتفعت إلى مستويات قياسية لكافة المواد الغذائية والسلع سواء الضرورية أو الكمالية سيما مع اعتماد البلاد شبه الكلي على الاستيراد من الخارج كالأرز والسكر والقمح والدقيق، ما يزيد من الأعباء على كواهل الأسر اليمنية التي يعيش أغلبيتها في ظروف اقتصادية صعبة للغاية.
وقال خبير اقتصادي لوكالة "ديبريفر" للأنباء إن "انهيار العملة المحلية أمام الدولار يعني زيادة في أسعار المواد الغذائية المرتفعة أصلاً، ما يفاقم الأوضاع المعيشية للناس رغم أنهم يعيشون في وضع سيئ في الأساس، ويعمق الأزمة الإنسانية الصعبة غير مسبوقة التي تعاني منها البلاد في ضؤ استمرار الحرب الدامية في اليمن لأكثر من ثلاث سنوات ونصف".
ويؤكد سكان ومواطنون في عدن لـ "ديبريفر" أن اضطرابات ومضاربة السوق في أسعار الصرف وارتفاع أسعار الدولار والريال السعودي وغياب الدور الحكومي الرقابي، ساهم في جشع التجار الذين استغلوا هذه الظروف وعملوا على رفع الأسعار إلى مستويات قياسية لمعظم المواد الغذائية رغم أن مخزونهم من المواد الأساسية يكفي لستة أشهر أو أكثر وجرى شراءها بالسعر السابق.
ويرى اختصاصيون وخبراء اقتصاد فشل الحكومة الشرعية وعجزها عـن مواجهة تهاوي الريال، قد بلغ ذروته في مختلف مناحي الحياة المعيشية ما وضع المواطن المغلوب على أمره أمام كارثة حقيقية في الجانب الاقتصادي جراء الانهيار المخيف للريال اليمني أمام العملات الأجنبية وارتفاع الأسعار.
ويستورد اليمن أكثر من 90 بالمائة من احتياجاته الغذائية بما في ذلك معظم احتياجاته من القمح وكل احتياجاته من الأرز، ويحتاج نحو 21 مليونا من سكان اليمن وعددهم 28 مليون نسمة، إلى شكل من أشكال المساعدات الإنسانية ويعاني ما يربو على نصف السكان من سوء التغذية.
اليمن يواجه معركة اقتصادية لا مثيل لها
وأكد محللون ومراقبون متخصصون في الشؤون الاقتصادية أن استمرار تدهور الوضع الاقتصادي والخدمي والاجتماعي في اليمن، سواء جنوبا حيث تستقر الحكومة الشرعية، أو شمالاً الخاضع لسيطرة جماعة الحوثي، ينذر بكارثة اقتصادية واجتماعية وانفجار شعبي كبير لن يقف في طريقه أحد.
وأضافوا في تصريحات لصحيفة الأيام التي تصدر في عدن، يوم الاثنين، تعليقا على الاحتجاجات الشعبية التي بدأت شرارتها في عدن يومي السبت والأحد، أن "المثل الشعبي يقول أول الغيث قطرة.. وهذه القطرة اليوم هي الاحتجاج والتظاهر ضد الأوضاع التي آلت في المناطق التي تديرها الحكومة الشرعية، ومن عدن العاصمة المؤقتة ستكون شرارة من اللهب وفتيل وقود لا ينطفئ"، حد تعبيرهم.
واعتبر مختصون اقتصاديون استمرار انهيار العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، استمراراً لتفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي إلى الأسوأ ما يؤدي إلى مزيد من الأعباء المرهقة لكاهل المواطن العادي لاسيما في ظل استمرار الحرب.
وأشار هؤلاء إلى أن استمرار تدني العملة المحلية في بلد هو الأفقر في العالم، يظهر أن البلد "مقبلة على معركة اقتصادية لا مثيل لها، ستلقي بظلالها على شرائح وفئات المجتمع بدون استثناء".
ووصفوا الجهود الحكومية الرامية لمواجهة انهيار العملة، بـ"ضعيفة وعاجزة وتفتقر لإجراءات تعالج المشكلة من جذورها".
وقالوا: "الحقيقة أن تعقيدات هذه الأزمة وتبعاتها يرافقها جهود حكومية غير مجدية نتيجة تسيب حكومي واضح وفاضح من خلال إنفاقها المبالغ لأنشطة لها لا تخدم واقع المواطن المعيشي".
وضرب المختصون مثالا على نفقات وتعيينات الحكومة في جهاز السلك الدبلوماسي، فضلا عن مرتبات كبيرة تصرفها لنفسها دون الالتفات إلى معاناة الناس.
ويوم السبت وصف الاتحاد الأوروبي اليمن بأنه "يعيش أسوأ كارثة إنسانية في العالم".
ويعاني اليمن من الانقسام بسبب الحرب الأهلية المستمرة منذ زهاء ثلاث سنوات ونصف بين الحكومة المعترف بها دولياً المدعومة من الرياض والمتمركزة في جنوب البلاد والتي تتخذ من مدينة عدن عاصمة مؤقتة للبلاد ومقرا لها، وجماعة الحوثي المتحالفة مع إيران والتي تسيطر على أغلب أجزاء شمال البلاد بما في ذلك العاصمة صنعاء.
ويواجه البنك المركزي اليمني، الذي يتخذ من مدينة عدن الساحلية بجنوب البلاد مقرا له، صعوبة في دفع أجور موظفي القطاع العام خصوصاً في شمال البلاد.
وتقود السعودية تحالفا عسكريا ينفذ، منذ 26 مارس 2015، عمليات برية وجوية وبحرية ضد جماعة الحوثيين في اليمن، دعماً لقوات الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لإعادته إلى الحكم في العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون منذ سبتمبر 2014.
وتسبب الصراع الدائر في اليمن في مقتل نحو 11 ألف مدني، وجرح مئات الآلاف، وتشريد ثلاثة ملايين داخل البلاد وفرار الآلاف خارجها.
وتحذر الأمم المتحدة منذ أكثر من ثلاثة أعوام من أن اليمن أصبح على شفا المجاعة، فيما يؤكد برنامج الأغذية العالمي أن عدد المحتاجين لمساعدات عاجلة ارتفع إلى 22 مليونا العام الماضي 2017، أي أكثر من ثلثي سكان البلاد بالمقارنة مع 17 مليونا عام 2016.