انهيار في عدن: الانتقالي الجنوبي يتبنى الاحتجاجات الشعبية ويدعمها وعضو في جمعيته يعلن الحرب في المدينة (تقرير خاص)

عدن ـ (ديبريفر) ـ سامي الكاف
2018-08-07 | منذ 6 سنة

يحاول المواطنون في عدن التعبير عن سخطهم من الأوضاع المعيشية بتنظيم مسيرات احتجاجية

  تسوء الأوضاع في مدينة عدن التي تتخذها الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً عاصمة مؤقتة للبلاد، على نحو تصاعدي لافت للأنظار كما لم تعشه المدينة من قبل.

 خدمياً لا يصل الماء إلى سكان المدينة على نحو منتظم، ويعاني قطاع الكهرباء فيها من مشاكل كبيرة ومعقدة لا حصر لها من بينها فساد متضخم منذ سنوات، وصار في الفترة الأخيرة مصدر دخل لمتربحين من عقد صفقات لا تنتج أية حلول جذرية لهذا القطاع، و ثمة ارتفاع في أسعار المشتقات النفطية، وهو في تصاعد مستمر لا يرحم أحداً.

  تقع عدن على ساحل خليج عدن وبحر العرب جنوبي اليمن، وتبعد عن العاصمة صنعاء بمسافة تصل إلى حوالي 363 كيلو متراً.

 خلال الأيام الفائتة حاول عدد من المواطنين تنظيم مسيرات في عدد من مديريات عدن ابتداءاً من مديرية البريقة احتجاجاً على سوء الأوضاع في المدينة، وقال بعضهم لوكالة "ديبريفر" للأنباء: "انها انتفاضة شعبية تجتاح مدينتهم لا تنتمي إلى أي طرف سياسي في المشهد اليمني"، مُطالبين الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي بـ"التدخل لإيجاد حلول عاجلة لهذه الأوضاع المتردية تحول دون استمرار تدهورها أكثر من ذلك".

  ومساء اليوم الثلاثاء، شهدت مديرية المعلا بمحافظة عدن تظاهرة شعبية احتجاجاً على تردي وتدهور الأوضاع المعيشية في المدنية، وندد المشاركون فيها بالحكومة "الشرعية" مطالبين بإسقاطها فوراً.

 يزيد عدد سكان عدن الآن عن مليون نسمة، وكان عدد سكانها وفق احصاء تم عام 2004، بلغ 589,419 نسمة، وتعتبر أهم منفذ طبيعي على بحر العرب والمحيط الهندي فضلاً عن تحكمها بطريق البحر الأحمر، لكن سكان هذه المدينة صاروا - في سنوات ما بعد الحرب التي حلت بها في مارس 2015م - يعيشون في أوضاع مأساوية كما لم يعهدوها من قبل، وقد نزح إليها كثير من المواطنين من محافظات أخرى بعد أن طالتها الحرب، والسيء في الأمر أن الحرب مستمرة و لا أحد يعلم متى يمكن أن تتوقف.

  لم يرد الرئيس هادي على مطالب المواطنين الذين قاموا بالاحتجاجات حتى الآن، وراح المجلس الانتقالي الجنوبي يعلن عن تبنيه و دعمه لمسيرات المواطنين في المدينة، ودفع بإعلامييه ومناصريه لإطلاق حملة تتبنى موقفه، في ظل تمسك المبعوث الخاص لأمين عام الأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث بالعملية السياسية الهادفة للوصول إلى حل سياسي في اليمن عبر المفاوضات، وعدم اعتبار المجلس الانتقالي الجنوبي هو الممثل الوحيد للقضية الجنوبية.

رغم تردي الأوضاع واحتجاجات المواطنين، يلزم الرئيس هادي الصمت تحت حماية سعودية إماراتية في قصر معاشيق بعدن

 

  هيئة المجلس الانتقالي الجنوبي أكدت في بيان أصدرته أمس الأول: "تأكديها على تضامنها والوقوف مع كل هذه المطالب الشعبية المشروعة ـ التي انطلقت في عدن ـ وحق الشعب في التعبير السلمي عن رفضه وغضبه، وتؤكد الهيئة لشعبنا أن المجلس الانتقالي يقف معهم صفاً واحداً متبنياً وبكل مسئولية كل هذه المطالب وسيدافع عنها في كل المحافل المحلية والإقليمية والدولية ولن يسمح بأي حال من الأحوال وبكل ما يمتلك من مسئولية المساس بالمتظاهرين والتعرض لهم بأي شكل من أشكال القوة".

  لكن هناك من راح يؤكد أن ثمة من يحاول استثمار الاحتجاجات الشعبية في عدن لتحقيق أهدافه السياسية، كاشفاً عن هدف المجلس الانتقالي الجنوبي من دعمه لما تسمى بـ"الانتفاضة الشعبية الجنوبية" التي انطلقت في مديرية البريقة.

  يقول الإعلامي أنيس البارق، من أبناء عدن، أن ما تسمى بحملة الانتفاضة الشعبية الجنوبية التي يتبناها إعلام المجلس الانتقالي الجنوبي "لا علاقة لها بالجنوب إطلاقاً لا من قريب ولا من بعيد".

 وأضاف في منشور على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أن شعار الحملة "مجرد شعار يتم حشر كلمة (الجنوب) فيه من أجل دغدغة مشاعر الجنوبيين وخداعهم لتمرير الهدف المطلوب".

 وأكد البارق أن "الهدف هو إسقاط حكومة بن دغر وتعيين رئيس حكومة يكون موالياً للكفيل، ويوافق على التوقيع على صفقات ميناء عدن وأرخبيل سقطرى وغاز بلحاف ونفط حضرموت". وأضاف: "هذه هي القصة ببساطة".

  في عدن الآن ثمة ارتفاع حاد في نسبة البطالة، وفي عموم اليمن كذلك، يقابله ارتفاع مماثل في أسعار معظم السلع، وحدث انهيار في العملة الوطنية إذ هبط مساء الاثنين سعر الريال اليمني أمام الدولار الأمريكي على نحو مخيف وغير مسبوق حيث وصل أمس الاثنين إلى 560 ريالاً للدولار الواحد، ويبدو الأمر قابلاً للهبوط أكثر من ذلك.

 ومساء اليوم ذاته، الاثنين، أعلن عدد كبير من شركات ومحلات الصرافة في مدينتي صنعاء وعدن اليمنيتين، التوقف عن بيع وشراء الدولار الأمريكي والعملات الأجنبية الأخرى؛ ابتداءاً من اليوم الثلاثاء وغد الأربعاء.

  وقالت جمعية الصرافين اليمنيين (صنعاء وعدن) في بيان: "نظراً للارتفاع المستمر في أسعار العملات الأجنبية، وما لذلك من تأثير على أسعار المواد الأساسية، وحرصاً منّا على عدم استمرار الارتفاع، وعدم تحمل مسئولية الارتفاع، فإننا نعلن لكافة منشآت وشركات الصرافة التوقف الكامل عن بيع والشراء العملاء الأجنبية، ليومي الثلاثاء والأربعاء 7و 8 أغسطس".

   يقول السفير اليمني السابق عبدالله الحنكي لوكالة "ديبريفر" للأنباء: "الحقيقة أن الوضع كارثي بكل المعايير في كل مناحيه بما في ذلك الموقف السلبي المريب للسلطات وملحقاتها الذين يبدو وكأنهم يتعمدون عدم أداء أي من واجباتهم الدستورية  فضلاً عن أن كل المؤشرات الظاهرة تدل على أن وتائر الانهيار في تصاعد مريب دون أن تحرك أي جهة ساكناً نحو معالجات توقف التدهور لذلك صار لزاماً على الشعب ان يطلق حركة احتجاج منظمة وفعالة".

  ويضيف الحنكي: "أحداث البريقة وبعض الأحياء ربما تأتي في بداية هذا المسار لكن هذا يتطلب تكاتف منظمات المجتمع المدني والنقابات والطلاب والأهالي عموماً عندئذ لن يكون بإمكان أي جهة من جهات صنع الكارثة أن تحرفها عن مسارها الشعبي. أما إن ظلت عفوية فسوف تكون نهباً لتدخلات الأطراف السياسية المختلفة والمسئولة عن هذا التردي الفاحش، خصوصا تلك الجهات التي اعتادت التخفي وراء مطالب الشعب المحقة لأهدافها الخاصة".

وضع كارثي في عدن ينذر بما هو أشد وأخطر

 

ولكن ما الذي يحدث في المدينة حقاً؟

   تقول المحامية وفاء ابنة رئيس اليمن الجنوبي الأسبق عبدالفتاح إسماعيل: "ما يحدث اليوم في عدن لا يسمى ثورة إنما احتجاجات على سوء الأوضاع المعيشية، أما الثورة فهي عمل جماهيري منظم وواسع يحمل فكرة التغيير ببعده الثقافي وهو الأهم - هذا من جانب".

  وتضيف في صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: "من جانب آخر، يرى الطرفان المتصارعان (الشرعية و الانتقالي) كل على حدة، أنه الأجدر بالسيطرة على زمام الأمور، في ممارسات هي في الحقيقة بعيدة كل البعد في التطبيق العملي عن مصالح الناس لفشلها في تقديم رؤية جامعة لأي حراك فكري، يستطيع مستقبلاً أن يشكل حراكاً سياسياً، يفرز بالتالي منظومة تقبل بكل ألوان الطيف".

  تقول وفاء: "وفِي المعركة الأكبر التي أنتجت حرب اليمن، من جانب ثالث، تقف كل الأطراف المتحاربة على نفس خط الخسارة من الأرواح والبنية التحتية والهوية والتراث، فيما عدا الميراث الديني الذي يمسك به كل طرف بعيداً عن بناء الدولة الحديثة التي تقوم على المؤسسات وفصل الدين عن الدولة، حتى بدى أن من بين هذه الأطراف من يحارب بعض التيارات الدينية بأساليب مباشرة، إلا أنه - نظرياً وواقعياً- ما هو إلا تأصل لهذا التزاوج بين كل ما هو سياسي و ديني، وعلى وجه الخصوص عند وجود قوات أجنبية، حيث تصبح هذه الأخيرة هي القوى الأكبر نفوذاً، والمعطل الأساس لأي تحول سياسي مرتجى، سواء برعاية دولية أو انعكاساً لنضوج سياسي محلي".

  لا يزال منصب محافظ عدن شاغراَ حتى الآن منذ استقالة المحافظ السابق عبدالعزيز المفلحي الذي ما زال محتفظاً بمنصبه كمستشار للرئيس هادي ويحضر عدة اجتماعات ضمن مستشارين آخرين دون أن يكون لهم أي دور مؤثر في المشهد العام.

  ومنذ فترة تعاني عدن من وجود انفلات أمني مقلق وتبدو المدينة على نحو واضح خاضعة أمنياً لأكثر من جهة. بدلاً من وجود قوة أمنية واحدة تفرض سلطتها على المدينة، برزت عدة قوى تنازع الحكومة الشرعية في اليمن في فرض سلطاتها على عدن، وفي نهاية يناير الفائت قام المجلس الانتقالي الجنوبي بمحاولة انقلاب عسكري فاشلة للإطاحة بالحكومة الشرعية.

  على الرغم من ذلك؛ ما زال الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، منذ عاد إلى عدن مساء 14 يونيو الفائت، يدير شئون الدولة من قصر الرئاسة في منطقة معاشيق بكريتر وسط حراسة أمنية مشددة تحت إشراف قوة عسكرية سعودية إماراتية مشتركة، وأجزاء كبيرة من عدن تقع تحت قبضة عسكرية تتبع المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يطالب بالانفصال عن شمال البلاد. ومنذاك الوقت عادت حوادث الاغتيالات من جديد لتتصاعد مؤخراً بصورة لافتة للأنظار وتتصدر المشهد السياسي في المدينة واليمن بشكل عام.

  يقول النقابي والناشط المدني مهيب شائف لوكالة "ديبريفر" للأنباء: "ما حدث في البريقة خروج عفوي لمجموعة من الشباب الذين أرهقهم التدهور الكبير في مناحي الحياة المعيشية والغلاء بسبب تدهور العملة لكن تطور الأمر والاعداد لمظاهرات ومسيرات أو كما وُصفت انتفاضة في ظل الشحن المتعاظم يومياً في عدن بسبب الحكومة الفاشلة العاجزة والمأجورين المرتزقة في المجلس الانتقالي الذين يستغلون كل تحرك لتجبيره في صالح أفكارهم ونشاطهم الضحل أياً كانت انعكاساته لا يهمهم أي شيء ولعل أحداث يناير الأخيرة خير دليل، خرجوا للقتل والسرقة باسم الجنوب ومظالم المواطنين كل ذلك يجعل المواطنين في عدن بين فكي كماشة". ويضيف: "نتمنى ان ينجينا الله من كل هؤلاء".

  بالنسبة للسفير الحنكي فإن "مسئولية هذا التدهور تتحمله كل الأطراف؛ الحكومة ودول التحالف العربي والمجلس الانتقالي، لكن ووفقاً لمؤشرات عدة فإن التحالف العربي هو المسئول الأكبر عن الكارثة المعيشية التي يقاسيها الشعب اليمني عامة وﻻ سيما في ما يسمونه بالمناطق المحررة".

المجلس الانتقالي الجنوبي يسعى لاستغلال الاحتجاجات الشعبية وسط دعوات له بالحسم

دعوات للانتقالي الجنوبي بالحسم

  ويطالب عدد من المنتمين للمجلس الانتقالي الجنوبي بحسم الأوضاع، ويتناقلون في مواقع التواصل الاجتماعي ما يدعو إلى ذلك، ويرددون "أن الشعب الذي فوّض المجلس الانتقالي يطالب اليوم المجلس الانتقالي بقرع طبول الحرب واطلاق الرصاصة الأولى للحرب على حكومة الفساد ورئيس الفساد"، مؤكدين: "لديكم ألوية عسكرية وقوات أمنية وحزام أمني ونخبة ومقاومة ..... إلخ، فهل يفعلها المجلس ويلبي مطالب الشعب؟".

  وكتب أحمد فرج عضو في الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي على صفحته الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك: "أنا مع هذا الرأي، إفعلها يا عيدروس وخلصنا". ويضيف: "الكثير من الاشخاص الذي يسخرون من المجلس وانبطاحه وسكوته وصمته هم أول من سيعترضون ويقولون هذا كلام تحريض والدعوة إلى الحرب والاقتتال الداخلي".

  ويؤكد أحمد فرج: "طيب لو عند الرئيس هادي شوية دم كان استجاب لمطالب الشعب وعمل على إقالة بن دغر وتشكيل حكومة مصغرة تدير الأمور، كل ما يفعله هادي هو تعيين أولاد المسؤولين في السفارات وتعيين المعرعرين والسفهاء وكلاء وزارات وطباعة عملة بدون غطاء، هل يعقل في ظل الحرب أن يتم تعيين العشرات وكلاء لوزارات الرياضة والثقافة والسياحة والإعلام وبعضهم لمجرد انه شتم المجلس الانتقالي او الضالع يتم تعيينه وكيل وزارة أو لمجرد انه مقرب من العيسي وجلال". ويضيف مُخاطباً رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي قائلاً: "افعلها وخلصنا".

 


لمتابعة أخبارنا على تويتر
@DebrieferNet

لمتابعة أخبارنا على قناة "ديبريفر" في التليجرام
https://telegram.me/DebrieferNet