تقرير (ديبريفر) - ساهمت مبادرة السلام التي طرحتها المملكة العربية السعودية موخراً لوقف الحرب في اليمن، في تحريك المياه الراكدة، على وقع تأييد عربي ودولي وأممي كبير لها، في الوقت الذي يترقب الجميع رداً رسمياً من جماعة أنصار الله (الحوثيين)، في أعقاب ردود أولية غير مشجعة من بعض مسؤولي الجماعة المدعومة من إيران.
ووفقاً لمراقبين، حشرت الخطة السعودية الجديدة لحل الأزمة اليمنية، جماعة الحوثي في زاوية ضيقة أمام المجتمع الدولي الذي بات مصمماً أكثر من أي وقت مضى، على وضع حد نهائي لهذه الحرب المشتعلة منذ سنوات، في ظل مخاوف متزايدة من إنزلاق البلد نحو أسوأ كارثة إنسانية على مستوى العالم منذ عدة عقود.
في الوقت الذي يرى آخرون بأن الرياض تسعى من وراء طرح هذه المبادرة إلى تخفيف حدة الضغوط الأمريكية والأوروبية عليها، وإظهار حرصها على إحلال السلام وكشف تصلب المواقف الحوثية إزاء مساعي وقف الحرب التي باتت تشكل هاجساً مؤرقاً لدى الدول الغربية من الناحية الإنسانية.
الدبلوماسي اليمني السابق السفير عبدالله الحنكي علق على المبادرة السعودية بالقول: " ليس من السهولة بمكان اختراع نوع من التفاؤل، هو إلى الوهم أقرب، بحيث يمكن بناءه على هذا الطرح السعودي المراوغ تحت مسمى مبادرة".
وأضاف: " إلا إذا كان الأمر لا يعدو أن يكون جزءا من مسلسل الهدن السعودية المعروفة خلال السنوات الماضية من الحرب ، كنوع من استراحات قصيرة كانت واضحة الغايات تضليلا للرأي العام العالمي ريثما تتلقى شحنات الأسلحة".
واستعرض السفير اليمني السابق في حديثه لوكالة "ديبريفر" جملة من الأسباب التي تؤكد ان المبادرة قد تختلف هذه المرة في طليعتها حاجة السعودية القصوى لملمة الخسائر الفادحة التي منيت بها وليس آخرها ما أعلن عنه منذ بضعة أيام، عن هبوط أرباح أرامكو إلى النصف تقريباً (٤٥٪)، وما خفي مما لم يعلن عنه كان أعظم . مضيفا.. "بكلمة أخرى ، هي خارج السياق العام لآفاق ومنطق الحل لأزمة إقليمية كبرى تعصف بالمنطقة برمتها" .
وتابع: "لا مناص من رؤية ما تنطوي عليه "المبادرة" المضللة ، من هروب من الإستحقاق الأهم المتمثل في الوقف الشامل للحرب وكل أشكال الحصار والوصاية والاستتباع، سيما وهو استحقاق يكاد أن يكون مع نهاية السنة السادسة، حديث إجماع عالمي يضع حداً لأكبر كارثة إنسانية اقضت مضاجع البشرية وافجعت الضمائر الإنسانية".
واستطرد: "السعودية ليست مجرد طرف في الحرب على اليمن، بل هي الطرف المعتدي الذي شنها متوهما أن حالة الضعف الشامل لليمن والتمزق السياسي الذي أعقب الإنقلاب الإصلاحي على ثورة فبراير الشعبية مدعوماً بالمبادرة الخليجية سيئة الصيت، سيعينانه على حسمها سريعاً لصالحه".
وأشار الى أن كل ماحصل، يؤكد أن السعودية ليست مؤهلة بكل ما للكلمة من معان سياسية لتقديم مبادرة، وأن كل ما عليها هو القبول بنتائج تهورها وما ترتب عليه، في إطار مبادرة يتقدم بها المجتمع الدولي، وتكون مرضية قبل كل شئ للطرف المعتدى عليه - اليمن وإنصافه على نحو يضمن الإستقرار السياسي لسائر هذه المنطقة، التي زعزعتها المبادرة الخليجية ووليدتها الحرب.
وختم بالقول: "آن لهذا العالم الذي تعطلت أخلاقه في تصرفات زعاماته الكبرى، أن يدرك أن اللهث وراء المليارات السعودية المنثورة على أعتاب الشراهة ودناءة الضمائر والاستخفاف بالآخر إلى حد الإحتقار ، لن تقدم للحضارة الإنسانية إلا التسريع والإستزادة من عوامل تفسخها وانحلالها وتالياً زوالها الكامل".
ومن المتوقع أن تتحول الضغوطات الدولية باتجاه جماعة الحوثي بعدما كانت مصوبة في المراحل السابقة بدرجة كبيرة على السعودية التي أصبحت تبحث عن مخرج لها، بأقل الخسائر، من حرب منهكة ومكلفة على أكثر من صعيد بالنسبة لها.
لكن الهدف الأهم الذي تطمح السعودية لتحقيقه الان من خلال طرح مبادرتها الجديدة، هو تجريد جماعة الحوثي من أحدى أهم الأوراق التي تستخدمها في كسب التعاطف الدولي والداخلي :"الورقة الانسانية".
والأكيد أن الحوثيين يدركون تماما خطورة الفخ الذي نصبته السعودية لهم في خطتها التي ركزت على وقف شامل وفوري لاطلاق النار وفتح مطار صنعاء وإن بشكل جزئي، بعدما كان محوراً رئيسيا لجميع النقاشات والإجتماعات بين مسؤولي الجماعة والأطراف الدولية والأممية،باعتبار أن إغلاق المطار تسبب في الكثير من الأزمات الصحية والإنسانية.
إدراك الحوثيين لخطورة هذا الفخ، إنعكس بصورة واضحة في حالة الإرتباك الشديد التي ظهرت على تصريحات مسؤولي الجماعة خلال محاولتهم إيجاد مبررات لتحفظاتهم بشأن المبادرة السعودية.
فبينما يؤكد محمد عبدالسلام المتحدث الرسمي للحوثيين أن المبادرة السعودية لم تأت بجديد، يعتقد محمد البخيتي أنها ستضع البلد تحت الوصاية الدولية، من جانبه يرى عبدالملك العجري عضو الفريق التفاوضي للجماعة أن المبادرة تقدم السعودية كوسيط لا كطرف في الحرب، فيما بدا نصر الدين عامر وكيل وزارة الإعلام مصرا على فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة بشكل كامل كشرط أساسي لنجاح أي خطة للسلام.
وعلى الرغم من التبريرات المتباينة لمسؤولي الجماعة الحوثية، إلا أنها تظل مجرد تحفظات لاترقى لمستوى الرفض المطلق للمبادرة، حيث أن إتخاذ قرار الرفض أو القبول سيكون معلقاً بزعيم الجماعة شخصياً بعد التشاور مع حلفائه الإيرانيين.
ومن المتوقع أن تعرض الجماعة الحوثية ردها الرسمي على الخطة السعودية في غضون ال 48 ساعة القادمة، في كلمة متلفزة لزعيم الجماعة عبدالملك الحوثي بالتزامن مع دخول العام السابع لذكرى الحرب التي شنها التحالف العربي الذي تقوده السعودية عسكريا في اليمن، وفق ما كشف قيادي رفيع.
وذكر محمد علي الحوثي عضو المجلس السياسي الأعلى (مجلس الحكم) في تغريدة جديدة له على موقعه الرسمي بتويتر، أن زعيم الجماعة "سيحدد في خطابه القادم الرد على المبادرة السعودية، وملامح المرحلة وتطورات الأوضاع، ويضع النقاط على الحروف".