تقرير (ديبريفر) - تباينت وجهات نظر اليمنيين حول المبادرة التي أعلنتها السعودية لإنهاء الأزمة اليمنية ووقف إطلاق النار يوم الإثنين الماضي، وعلى الرغم من أن بعض وجهات النظر كانت محملة بالأمل، إلا أن أغلبها كالت للمبادرة انتقادات حادة، مؤكدة إنها مجرد ضجيج إعلامي، فيما ذهب البعض إلى القول بأن الحضور السعودي في اليمن خلال المائة العام الفائتة كان سيئاً.
وكان وزير خارجية السعودية، فيصل بن فرحان، أعلن الإثنين الماضي، عن مبادرة بلاده لحل الأزمة اليمنية، معرباً عن أمله في استجابة الحوثيين "صونا للدماء اليمنية"، مشيراً إلى أن المبادرة ستدخل حيز التنفيذ بمجرد موافقة الحوثيين عليها.
لاحقاً، وبعد ساعات قليلة من إعلان بن فرحان للمبادرة السعودية، قال نائب وزير دفاع المملكة، الأمير خالد بن سلمان، إن بلاده تسعى لتحقيق السلام في اليمن، وقد أعرب هو الآخر عن أمله في سرعة قبول جماعة الحوثي للمبادرة.
مؤكداً التزام المملكة "بتنفيذ المبادرة حال قبول الحوثيين بها تحت اشراف ومراقبة الامم المتحدة".
ولكن، كيف كانت ردود فعل اليمنيين على هذه المبادرة، وكيف استقبلوا خبرها وتعاطوا معه؟.
رصدت وكالة "ديبريفر" وجهات نظر متباينة، امتلأت بها مواقع التواصل الاجتماعي، وخرجت بإجابات مهمة، وتبدو دقيقة لحد كبير.
ضجيج وصفقات رابحة
تقول الإعلامية والمحللة السياسية اليمنية، منى صفوان، أن المبادرة السعودية مجرد ضجيج إعلامي سيأخذ وقته، لكن السعودية تبدو جادة في استثمارها أمام الضغط الأمريكي للوصول لحل سياسي يؤدي في نهاية المطاف الى إيقاف الحرب".
وتضيف صفوان مؤكدة" وإن كان لا حرب إلا بالسعودية، فلا سلام إلا بأنصار الله".
وترى أن اليمنين ليسوا إلا "جزء من الضجيج، وضحية للحرب والسلام، ولن نستثمر شيئاً" ومضت قائلة" وحين يحين الوقت لإيقاف الحرب ستقف بصفقة رابحة، ستقف فجأة بدون مزايدات إعلامية ومؤتمرات صحفية وتحليلات استراتيحية".
ويرى الصحفي مصطفى راجح، إن السعودية قدمت مبادرة لحل مشكلتها هي لا مشكلة اليمن، وأن الرياض قدمتها كاستجابة وتفاعل مع المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن تيموثي ليندركينغ.
ويتابع " وهي من هذا الوجه، خطوة تحاول من خلالها حل مشكلتها مع أمريكا، وفي كل حال منذ بداية الحرب، لا تحدد المأساة اليمنية رد فعل السعودية أو تستدعي قلقها، ناهيك عن كونها أحد صناعها".
وعود ووعيد
وفقا لمبادرة الرياض، سيسمح التحالف بإعادة فتح مطار صنعاء لعدد محدد من الوجهات الإقليمية والدولية المباشرة، وتخفيف حصار ميناء الحديدة على الساحل الغربي، وإيداع إيرادات الضرائب والجمارك من الميناء في حساب مصرفي مشترك بالبنك المركزي.
وتشمل المبادرة أيضاً استئناف المفاوضات السياسية بين الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً وجماعة الحوثي.
وبينما أعلنت الحكومة اليمنية ترحيبها بالمبادرة السعودية، تحفظت جماعة الحوثيين عليها، واعتبرت أن أي مبادرات لا تفصل الجانب الإنساني عن أي مقايضة عسكرية أو سياسية، غير جادة.
وقال الناطق الرسمي باسم الحوثيين وكبير مفاوضي الجماعة، محمد عبدالسلام، إنهم سيواصلون الحديث مع السعودية وعمان والولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق سلام، موضحا أن "السعودية جزء من الحرب، ويجب أن تنهي الحصار الجوي والبحري على اليمن فوراً".
تشكيك في نوايا المبادرة
يشكك الناشط الحقوقي والسياسي، بشير المصباحي، في نوايا المبادرة السعودية، ويؤكد أن "السعودية لا يمكن أن تكون راعية للسلام بعد أن تلطخت أياديها بدماء اليمنيين".
ومن وجهة نظر المصباحي، "السعودية ليست في موقع يسمح لها بفرض شروط السلام، ولا اجتراح المبادرات".
لكن المصباحي يستدرك قائلاً إن" فتح مطار صنعاء أمام المسافرين وميناء الحديدة، للبضائع التجارية والمحروقات سيمثلان ركيزتان هامتان للتخفيف من آثار الحصار القاتل الذي تفرضه السعودية على الشعب اليمني في الداخل، ونقطة تحول كبيرة على طريق بناء الثقة وإيقاف الحرب وتحقيق السلام".
وذهب الناشط السياسي عبدالحكيم العفيري إلى القول إن" وزير الخارجية السعودية تناسى عمداً في بيان المبادرة، أهم جذور الكارثة، وهو وضع اليمن تحت أحكام الفصل السابع"، كأحد المرجعيات المهمة بجانب ما ذكره في سياق حديثه عن المبادرة ومرجعياتها المدمرة" حسب تعبيره.
واتهم العفيري السعودية بدفع" ثمن قرار وضع اليمن تحت الفصل السابع أموالاً طائلة".
ولا يبدي العفيري أي ثقة بالمبادرة السعودية، ولو بمقدار بسيط، وقد اجتهد في التذكير بالمبادرات الكثيرة التي أطلقتها المملكة، أو رعتها في اليمن طيلة 80 عاماً، ابتداء من المعاهدات التي وقعتها مع الإمام يحيى حميد الدين، ومروراً بعديد معاهدات في عهود يمنية مختلفة، ملكية وجمهورية، وآخرها اتفاق الرياض.
وجهات نظر متباينة
واعتبر انصار جماعة الحوثي، أن السعودية من خلال إطلاقها للمبادرة، تحاول الخروج بماء وجهها من ورطة الحرب في اليمن، خاصة مع تكرار الهجمات التي تنفذها الجماعة داخل العمق السعودي بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة، مستهدفة منشآت حيوية هامة جداً.
فيما انقسمت اراء الموالين للحكومة اليمنية الشرعية، ويقول فريق منهم إن السعودية تتلاعب بالحوثيين، وتريد تعريتهم أمام الرأي العالمي، خاصة الإدارة الأمريكية الجديدة التي تضغط على المملكة من أجل الوصول إلى حل يوقف الحرب في اليمن، فيما يرى آخرون أن السعودية تبحث عن تأمين نفسها من الضربات الحوثية، وتبحث عن تحسين صورتها السيئة إمام إدارة الرئيس بايدن، بالإضافة إلى اعتبارات كثيرة كلها تصب في مصلحة المملكة دون الاكتراث لا بالحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، ولا مصير هذه الحكومة وحتى الشعب اليمني الذي يعاني من ويلات حرب مدمرة ستدخل عامها السابع يوم الجمعة المقبلة.
طُعم سياسي
يبدو أن السعودية ألقت بـ"المبادرة" كطعم سياسي كي تصطاد به الحوثيين، وتظهر عدم جديتهم في التوصل إلى سلام، رغم مد المملكة يدها للجماعة التي لا تثق بها إطلاقاً، لكنها تريد أن تكشفها للمجتمع الدولي، وخاصة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، وأيضاً للشعب اليمني.
وتعرف السعودية جيداً، وقبل إعلانها عن المبادرة، كيف سيكون رد الحوثيين عليها، وفي حال أوقف التحالف عملياته العسكرية على الجماعة، تشكك الرياض في التزام الجماعة الموالية لإيران بوقف إطلاق نار مماثل.
يقول الأمير، عبدالرحمن بن مساعد، في تغريدة على حسابه الرسمي بتويتر، الثلاثاء، "حتى لو أعلنت السعودية وقف إطلاق النار والغارات من جانب واحد سيرسل الحوثيون صواريخ بالستية وطيارات مسيرة للسعودية مستهدفين المدنيين وسيتصدى لذلك كالعادة بعون الله أبطالنا في الدفاع الجوي مما سيعيد الوضع الى ما كان عليه قبل إطلاق المبادرة".
ويرى الأمير بن مساعد، أن "أهم ما في المبادرة أنها ستكشف بوضوح أن الحوثيون ليسوا إلّا ورقة تفاوضية لإيران وهم مرتهنون بالكامل لإيران أيًا كان الوضع على الأراضي اليمنية ولا يعنيهم صالح اليمن ومواطنيه ولا يهمهم أي خسائر أو أضرار تلحق بالشعب اليمني فبالتالي لا شك أنهم سيرفضون المبادرة".
ويؤكد أن "المبادرة كشفت أن قرار الحوثيين مرهون بإيران، مهما كانت الظروف على الساحة اليمنية"، لافتاً إلى أن "الكرة الآن في ملعب الإدارة الأمريكية التي رفعت الجماعة عن قائمة المنظمات الإرهابية".
حقيقة المبادرة
ما ذكره الأمير بن مساعد، يجيب على التساؤلات عن سبب إطلاق السعودية لمبادرة سلام متجاهلة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، وواضعة نفسها رغم ثقلها السياسي في المنطقة بل والعالم، في موقع المتفاوض مع جماعة الحوثي التي تصر الرياض على وصفها بالإرهابية، ضغطت بقوة من أجل تصنيفها في قوائم الإرهاب السوداء.