تقرير- عبدالملك الجرموزي (ديبريفر) - أكملت حكومة الشراكة اليمنية، المعترف بها دولياً، ثلاثة أشهر منذ وصولها إلى العاصمة المؤقتة عدن، لكنها لم تفي بجملة الوعود التي أطلقتها، نتيجة اصطدامها ،على ما يبدو، بواقع زاد من تعقيد مهمتها.
تسعون يوما منذ وصلت الحكومة إلى عدن تحت وطأة ضغوط شعبية، ولا يبدو أن عودتها أحدثت فارقاً في المحافظات الشرقية والجنوبية لليمن، التي ما تزال تعاني من سوء الخدمات، والأوضاع المعيشية الخانقة، والفوضى الأمنية والكثير من المشاكل الاقتصادية السياسية.
حزمة الإصلاحات الاقتصادية والخدمية، فضلاً عن إعادة الإعمار وإصلاح البنية التحتية وتطبيع الأوضاع وتفعيل الأجهزة الرقابية، التي تحدث عنها رئيس الحكومة معين عبدالملك، بحماس بالغ فور الإعلان عن تشكيل حكومته الجديدة نهاية ديسمبر الماضي، لم يُنفذ منها أي شيء.
واعتاد المواطنون في أغلب المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية على الخروج في تظاهرات منتظمة طيلة سنوات الحرب الست، احتجاجاً على تدني مستوى الخدمات والانهيار المتسارع للعملة الوطنية، والارتفاع الجنوني للأسعار.
لكن وبالرغم من ذلك، لا تزال الحكومة عاجزة عن تحسين الأوضاع الخدماتية والمعيشية، وبالمقابل لا تزال التظاهرات الاحتجاجية مستمرة.
مخاض عسير
تشكلت حكومة "المناصفة"، حسب توصيف الانتقالي، في 18 ديسمبر الماضي، بعد مخاض عسير، ودون تنفيذ للملف العسكري الذي كانت آلية تسريع اتفاق الرياض التي أعلنت عنها السعودية نهاية يوليو الماضي قد شددت على ضرورة تنفيذه قبل الإعلان عن تشكيل الحكومة.
وحصل الانتقالي على حقائب وفيرة في الحكومة الجديدة، منحته شرعية مماثلة لشرعية الحكومة السابقة، واتاحت له التحرك بحرية تامة، وفق مراقبين.
ولم تقدم الحكومة أي أداء يشفع لها عند أبناء المحافظات التي تسيطر عليها، فالخدمات الرئيسية كالمياه والكهرباء تعاني من مشكلات لا تزال قائمة منذ بداية الحرب عام 2015، وحتى الآن.
وتعيش العاصمة المؤقتة عدن وباقي المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية، منذ سنوات أوضاعاً اقتصادية بالغة السوء، تزايدت حدتها مؤخرا، بفعل الانهيار الجنوني المتسارع في قيمة العملة المحلية، مقابل استقرارها النسبي بمناطق سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين).
يقول مواطنون ممن خرجوا مرات عديدة للتظاهر ضد سوء الأحوال المعيشية والخدمية في عدن، إن الحكومة الجديدة رغم تواجدها في العاصمة المؤقتة منذ أشهر إلا أنها أكتفت بكيل الوعود، دون أثر ملموس، بل على العكس، تواصل تدهور العملة الوطنية إلى مراحل أسوأ مما كان عليه الحال قبل تواجد هذه الحكومة، وأثر ذلك على الأسعار خاصة المواد والسلع الأساسية، فضلاً عن الخدمات التي ازدادت سوءاً.
التحالف خذل الحكومة
وأتهم مراقبون في تصريحات متفرقة لـ"ديبريفر" دول التحالف بقيادة السعودية، بخذلان الحكومة اليمنية.
وقالوا بأنها لم تقدم لها العون بشكل مؤثر لتمكينها من تخفيف معاناة الناس اقتصاديا، كما لم تساعدها في فرملة الانهيار المتسارع والكارثي للعملة الوطنية مقابل النقد الأجنبي.
ويرى المراقبون، إن السعودية ملزمة أخلاقياً بدعم الحكومة، اقتصادياً وأمنياً والعملة اليمنية، كونها عرابة التشكيل الحكومي الأخير، وصاحبة اليد الطولى فيه، وكان يجب عليها أن توفر بيئة آمنة للحكومة من أجل أن تنجز المهام الموكلة إليها دون مشاكل تعيق أدائها وتتسبب بإحباط الشعب اليمني.
الصحفي اليمني، نجيب أحمد، تحدث لـ"ديبريفر" قائلا:" لم يكن منطقياً أن يتم تشكيل الحكومة بضغط من السعودية، دون أن تلتزم الأخيرة بدعم الحكومة الجديدة، اقتصادياً، وسياسياً، وحمايتها أمنياً".
وأضاف،" كان يجب أن يقدم التحالف بقيادة السعودية ومعها الإمارات، ضمانات حقيقية للحكومة الجديدة، تمكنها من القيام بمهامها ومسؤولياتها في مناخ آمن".
وشدد على أن" نجاح الحكومة سيحسن من صورة التحالف عند اليمنيين خاصة وإن كثيرين منهم أصبحوا يرونه عائقاً أمام حسم القوات الحكومية للمعارك العسكرية في عدد من الجبهات، و مانعاً لأي حلول اقتصادية وادارية وأمنية من شأنها وضع حد للأزمات المالية والاقتصادية المتلاحقة".
وعلى الرغم من إعلان السعودية منتصف الأسبوع الماضي، عن منحة مشتقات نفطية بـ 422 مليون دولار لدعم قطاع الكهرباء في المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية، إلا أن كثيرين يشككون في إتاحة السعودية فرصة للحكومة للاستفادة من تلك المنحة على الوجه الأمثل، وإن حصل فسيحتاج الأمر إلى وقت طويل.
اقتحام معاشيق
ونهار الثلاثاء 16 مارس الماضي، اقتحم محتجون غاضبون قصر معاشيق الرئاسي بعدن الذي تتخذه الحكومة مقراً لها، في حدث فضح عجز الحكومة حتى عن حماية نفسها، وبتواطؤ من شركائها الذين تعمدوا إهانتها، بعدما رفضوا توفير الحماية الها، أو السماح بإدخال ألوية الحماية الرئاسية للقيام بمهمة حماية الحكومة والمباني السيادة في العاصمة المؤقتة للبلاد، وفق ما نصت عليه الآلية التنفيذية لاتفاق الرياض.
وعقب حادثة الاقتحام تلك، قال مصدران حكوميان لـ "ديبريفر"، إن أغلب أعضاء الحكومة لا يشعرون بالأمان في عدن ويريدون العودة إلى العاصمة السعودية الرياض، خاصة بعد تعرض وزير الخدمة المدنية الدكتور عبدالناصر الوالي، لمحاولة اغتيال يوم الـ18 من مارس الماضي، أي بعد اقتحام قصر معاشيق بيومين فقط.
ويعتقد مراقبون، بأن الحكومة الحالية لن تكون قادرة على الاستمرار في مثل هذه الأجواء المربكة، وسط مخاوف متزايدة بأن تكون حكومة معين عبدالملك هذه، آخر حكومة يمنية في إطار "الشرعية".
وبشكل مفاجئ غادر رئيس الحكومة وعدد من أعضائها عدن إلى الرياض مساء 22 مارس الماضي، ما أثار ردود فعل غاضبة بين أوساط اليمنيين عبروا عنها في مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن تسارع الحكومة لاحقاً إلى توضيح سبب مغادرتها عبر بيان رسمي نشرته على موقع مجلس الوزراء اليمني.
وقال البيان إنه من المقرر أن يطلع رئيس الحكومة، الرئيس عبدربه منصور هادي على مستجدات الأوضاع والسياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، خاصة جهود استكمال تنفيذ اتفاق الرياض.
وسيتم أيضاً" بحث الجهود المبذولة من قبل الحكومة لتحسين الخدمات، إضافة للتباحث مع الأشقاء حول أوجه الدعم الاقتصادي للحكومة" بحسب البيان.
مصادر اعلامية تحدثت عن أن تلك المغادرة إلى الرياض، جاءت بناء على دعوة وجهتها المملكة لطرفي اتفاق الرياض، للحضور إلى السعودية بصورة مستعجلة لمناقشة سبل استكمال تنفيذ بقية نقاط اتفاق الرياض الموقع من الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات أواخر العام 2019، والذي يشهد تعثراً في تنفيذ الشق الأمني والعسكري منه.
ومع بقاء رئيس الحكومة والوزراء المرافقين له، في الرياض لنحو 13 يوم، تعززت قناعات سابقة لكثير من المراقبين والمحللين السياسيين، حول مسألة حتمية مغادرة الحكومة لعدن عاجلا أو آجلا، فثمة من يريد لهذه الحكومة الفشل، وقد فشلت خلال شهورها الثلاثة الأولى، ويبدو جلياً أنها لا تملك قرارها، كما أنها لا تمتلك الأدوات والإمكانيات التي ستساعدها على النجاح إن هي أرادت ذلك.
وأمام نتائج الأداء الحكومي "المخيبة للآمال"، تواصل الأزمات الاقتصادية خنق الشعب اليمني الذي يتضور جوعاً وبات 80 بالمئة منه على حافة المجاعة، ويعيش أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وفق تقارير أممية.