تقرير (ديبريفر) - تعيش العاصمة اليمنية المؤقتة عدن حالة من الترقب الحذر، إثر الإعلان عن مظاهرة حاشدة من المتوقع أن تقام غدا الجمعة، في ظل مخاوف متصاعدة من إمكانية وقوع أي عمل إرهابي مُدبر قد يستهدف المتظاهرين، وخاصة مع ظهور رسائل غير مطمئنة خلال الأيام الماضية فيما يتعلق بالوضع الأمني في المحافظة.
وبالرغم من أن التظاهرة التي دعت إليها بعض القوى الشعبية والمكونات الجنوبية، إحتجاجاً على الأوضاع الخدمية المتردية، وفق مايقول منظموها، إلا أن مراقبين ينظرون إلى توقيتها الحسّاس من زوايا تحمل أبعاداً سياسية.
إذ ستتزامن المظاهرة المرتقبة مع الذكرى السنوية الـ31 لإعلان قيام الوحدة اليمنية بين شطري البلد في الثاني والعشرين من مايو 1990، وسط تشديد المنظمين لها على حظر رفع أعلام التشطير أثناء الفعالية، ما زاد من مخاوف المجلس الانتقالي الذي تعتقد بعض قياداته بأنها -التظاهرة- جزء من مخطط يستهدف ضرب قاعدته الشعبية.
وعلى إيقاع الترتيبات لتظاهرات الجمعة التي يخشى المجلس الانتقالي المنادي بالإنفصال من تأثيراتها السلبية على شعبيته في الشارع الجنوبي، تسود حالة من الإحتقان والتوتر الشديدين في العلاقة بينه وبين مؤسسة الشرعية.
يأتي هذا كله وسط مخاوف متعاظمة من وقوع عمل إرهابي قد يجعل من التظاهرة هدفاً سهل المنال، وذلك في أعقاب تقارير حكومية عن وجود خلايا تابعة للحوثيين بعدن، ومعلومات غير رسمية عن تواجد لعناصر من القاعدة في مناطق قريبة.
لكن السؤال الأهم : ماذا إن وقع مثل هذا السيناريو المرعب الذي لايتمناه أحد؟.
يقول الباحث والمحلل السياسي وائل صالح، إن حدوث مثل هذا الأمر (لاقدر الله) سيكون له تداعيات وإنعكاسات بالغة الخطورة ليس على مستقبل الشرعية والإنتقالي فحسب، ولكنه سيمثل إنعطافة سيئة في تاريخ البلد بشكل عام، قد تفتح الباب على مصراعيه أمام المزيد من حمامات الدم والصراعات التي لن يكون من السهل إقفالها.
وأشار إلى أن السلطة "الهشة" للمجلس الإنتقالي وكذا الشرعية ستصاب في مقتل، لكن المرجح كذلك أن يسارع كل طرف إلى محاولة إستثمار المسألة في تمرير أجنداته، في إطار السعي لتحقيق مكسب ولو ضئيل على حساب الأطراف الأخرى.
موضحاً، قد يجد الانتقالي مثلا في هذا السيناريو المرعب فرصة لإلقاء مزيد من الاتهامات على الشرعية وحزب الإصلاح بدعم الارهاب وتحميلهم المسؤولية، بينما تتخذ الشرعية من الأمر مبرراً للضغط في إتجاه استكمال تنفيذ الشق الأمني والعسكري من إتفاق الرياض.
وتابع المحلل السياسي حديثه قائلا، حزب الإصلاح كذلك سيعمل على توزيع اتهاماته بين الانتقالي المدعوم إماراتيا، والحوثيين الموالين لإيران، الذين بدورهم وكالعادة سيحصلون على مبرر جديد للمزايدة وتقديم أنفسهم أمام المجتمع الدولي كوكيل لمحاربة داعش والقاعدة.
وكان اللواء الركن إبراهيم حيدان وزير الداخلية بالحكومة الشرعية اليمنية، ذكر في تصريحات صحفية له الأسبوع الماضي، وجود تقارير استخباراتية تتحدث عن خلايا حوثية ارهابية بمدينة عدن.
ومطلع مايو الجاري، اتهم عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، الحكومة اليمنية الشرعية بـ"احتضان الإرهاب ونهب الثروات النفطية والغازية في المحافظات الجنوبية"، وتوعد بالمضي في تحقيق هدف انفصال جنوب اليمن عن شماله، وبناء ما أسماه "الدولة الفيدرالية المستقلة كاملة السيادة".
وعكست تلك الاتهامات المباشرة التي ساقها المسؤول والقيادي الأول للمجلس ضد الشرعية حالة الإحتقان الشديد التي تسود العلاقة بين شريكي الحكومة الجديدة التي تشكلت أواخر العام الماضي بموجب اتفاق الرياض المبرم بينهما.
اللعب بأوراق خطرة..
ويتساءل مراقبون حول ما إذا كانت الشرعية قد قررت اللعب مع شريكها (المجلس الانتقالي) بذات الأوراق الضاغطة التي حاول استخدامها سابقا، وتحديدا في مارس الفائت حينما دفع بالمئات من أنصاره لاقتحام قصر معاشيق، خلال تظاهرة غاضبة ضد تردي الأوضاع المعيشية والخدماتية.
ربما أدرك الزبيدي ورفاقه الآن حجم المأزق الذي أوقعوا مجلسهم الإنتقالي فيه، بعدما قرروا العزف على "الوتر الشعبي" للضغط على الحكومة الشرعية، طمعا بتحقيق أهداف تعيسة، في وقت ماتزال السيطرة الفعلية على عدن تحت أيديهم سياسيا وعسكريا وأمنيا، وفق ما أفاد بعض المراقبين.
وكمن يحاول إلقاء الكرة في ملعب خصمه، اتهم المجلس الانتقالي في اجتماع رسمي الثلاثاء، برئاسة عيدروس الزُبيدي ما أسماها بـ"القوى المتنفذة في هرم الرئاسة اليمنية" بممارسة سياسة العقاب الجماعي الممنهجة على سكان المحافظات الجنوبية ومفاقمة الأزمات، ما أدى إلى الانهيار الاقتصادي وتردي الخدمات وتأخر صرف المرتبات.
ووصف المجلس غياب الحكومة التي يشارك فيها بخمس حقائب، عن ممارستها مهامها من مدينة عدن بـ"غير المبرر"، مجددا دعوته لها بضرورة العودة العاجلة للإيفاء بواجباتها والتزاماتها تجاه المواطن الذي يعيش أوضاعاً مأساوية كبيرة في ظل هذا الغياب، وفق ما نقل الموقع الألكتروني للمجلس الإنتقالي.
تلك التصريحات الاستباقية، عكست مخاوف المجلس الإنتقالي المدعوم إماراتيا من المظاهرة، والتي بدت بشكل واضح على الرغم من محاولة بعض قادته تغطيتها بالحديث عن دعم التظاهرة والإنحياز لما يصفونها بـ"خيارات الشعب".
وكان فضل الجعدي القيادي البارز في الانتقالي، قال في تغريدة على حسابه الشخصي بتويتر،الأربعاء، "نحن منحازون للشعب وخياراته ، ولن يحول بيننا وبين ارادة الشعب اي حائل او عقبات".
مضيفاً، "لن نكون الا من الشعب وإلى الشعب، مدافعين عن منجزات ثورته وحاملين قضيته العادلة وأوفياء لتضحياته، ووفق هذه الثوابت سيكون تعاطينا مع الاحداث والأخطار".
وبصرف النظر عما إذا كانت مظاهرة الجمعة المرتقبة "مسيسة" أم لا، يبدو من الواضح حجم المأزق الكبير الذي وجد الانتقالي نفسه محشورا فيه، بإعتباره المتحكم الحقيقي في عدن أمنياً، الأمر الذي يضعه أمام المسؤولية الكاملة عن حماية المتظاهرين، حسبما يرى كثيرون.