Story in English: https://debriefer.net/news-2550.html
ترجمة خاصة لـ"ديبريفر"
بقلم: جيمس م. دورسي*
أدى السلوك السعودي لحربه المشؤومة في اليمن إلى جانب اتفاق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مع إدارة ترامب وإسرائيل، ونهجه القسري في كثير من الأحيان في العلاقات الدبلوماسية، إلى فتح الباب أمام التعارض مع القيادة الأخلاقية للمملكة للعالم الإسلامي السني، وهي العماد الشرعي لسلطة أسرة آل سعود الحاكمة.
لقد اتسع الشرخ في الشرعية السعودية بسبب الأزمة الإنسانية المتصاعدة في اليمن، التي وصفتها الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة بأنها أسوأ أزمة في العالم منذ الحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى مقتل مدنيين بطريقة مروعة نتيجة للهجمات التي قادها التحالف الذي تقوده السعودية؛ فضلاً عن النجاحات الانتخابية للزعماء الشعبويين في دول مثل ماليزيا وتركيا وباكستان؛ وعجز المملكة عن فرض إرادتها على دول مثل قطر والأردن ولبنان والكويت وعمان.
وكان الهجوم الذي وقع الخميس الماضي على حافلة في قلب معقل المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، وراح ضحيتها ما لا يقل عن 43 شخصًا، بينهم 29 طفلاً عائدين من معسكر صيفي، قد وجه ضربة قوية للسلطة الأخلاقية السعودية، فيما قال التحالف إنه سيحقق في الهجوم الذي أثار غضباً دولياً.
لم يكن هذا الهجوم سوى أحدث الحوادث المتعددة التي نفذتها قوات التحالف على حفلات الزفاف والجنازات والمستشفيات في حرب كانت سيئة للغاية وأظهرت عدم كفاءة الجيش السعودي على الرغم من حقيقة أن القوات المسلحة في المملكة تمتلك سلاحاً كبعض أكثر المناطق تطوراً في العالم، وفقا لمصادر عسكرية.
عكس السيد ترامب قرار سلفه، باراك أوباما ، بوقف بيع الذخائر التي يتم إسقاطها جواً ويتم توجيهها بدقة إلى أن قام بتدريب القوات السعودية على نحو أفضل في عمليات الاستهداف واستخدام الأسلحة، وقال مسؤول في عهد اوباما في ذلك الوقت، إن هناك مشاكل "منهجية ومزمنة" في استهداف السعودية.
وقال راجا كامارول بهرين شاه رجا أحمد، عضو مجلس الشيوخ الأعلى في ماليزيا ورئيس ائتلاف "الحاكمين" الحاكم في ولاية تيرينجانو: "لم يعد بإمكان ماليزيا والدول الإسلامية الأخرى النظر إلى السعوديين كما تعودنا. لم يعد السعوديون يحظون باحترامنا واعتبارنا لهم قادة لنا. لقد تخلى السعوديون عن الفلسطينيين، تماماً مثل المصريين. إن السعوديين اقتربوا أكثر من إسرائيل التي تقمع الفلسطينيين وتقتلهم".
وأضاف بهرين قائلا: "ربما يتعين على ماليزيا تحت قيادة الدكتور مهاتير محمد أن تأخذ زمام المبادرة في الحديث عن المسلمين المضطهدين في العالم. لقد حان الوقت لتحظى ماليزيا مرة أخرى بدور القيادة التي كانت في يوم من الأيام تحظى بالإعجاب والاحترام في جميع أنحاء العالم".
سعت ماليزيا إلى النأي بنفسها عن المملكة العربية السعودية منذ عودة السيد مهاتير إلى السلطة في شهر مايو، والتي أدت تصريحاته الإسلامية السابقة وتصريحاته المعادية لإسرائيل والمناهضة لليهود إلى بروزه في العالم الإسلامي.
سحبت ماليزيا في الأسابيع الأخيرة قواتها من التحالف المكون من 41 دولة لمكافحة الإرهاب العسكري المسلح الذي تدعمه المملكة العربية السعودية، كما أغلقت مركز الملك سلمان للسلام الدولي المدعوم من السعودية في كوالا لمبور، وكان وزير الدفاع الماليزي، محمد سابو، قبل فترة طويلة من توليه منصبه هذا العام، قد انتقد بشدة المملكة العربية السعودية.
وتحسباً للتحقيقات في مزاعم الفساد ضد رئيس الوزراء السابق نجيب رزاق ولائحة اتهامه الأخيرة، قال سيري محمد شكري عبدول رئيس لجنة مكافحة الفساد المُعين حديثا، بعد أسبوع فقط من انتخابات مايو الماضي: "لقد واجهنا صعوبات في التعامل مع الدول العربية مثل قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة".
وفي حديثه لقناة الجزيرة الشهر الماضي، قال السيد مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا: "نشعر بخيبة أمل لأن المملكة العربية السعودية لم تنكر أن المال قد قدم من قبلها"، في إشارة إلى مبلغ 681 مليون دولار من الأموال السعودية التي زُعم أنها قدمت هبه لرئيس الوزراء الماليزي السابق السيد رزاق المسجون حالياً بتهم فساد.
ماليزيا ليست سوى الدولة الإسلامية السنية الأخيرة التي إما تتحدى السعودية أو على الأقل ترفض التمسك بالسياسة الخارجية للمملكة في ما يتعلق بمنافستها المريرة مع إيران وتأييد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان "الضمني" لدعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القوي لإسرائيل والضغط على الفلسطينيين والمقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية لقطر التي فرضتها السعودية منذ 14 شهراً بالتعاون مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين وقطر ومصر.
ومثل السيد مهاتير في الماضي، برز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على الرغم من استبداده المتطور، كقطب إسلامي شعبي، وتعززت مصداقيته بسبب نزاعاته المتصاعدة مع الولايات المتحدة، وتعاطفه في كثير من الأحيان مع الفلسطينيين ومعارضته لتحركات الرئيس الأمريكي ترامب خصوصاً عند اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل.
لقد أصبحت تركيا أردوغان هذا الأسبوع آخر الأماكن المستهدفة من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض العقوبات التجارية والاقتصادية كوسيلة لتخويف الدول من أجل الخضوع لمطالبه. ضاعف السيد ترامب تعرفات المعادن على تركيا بعد أن فرض العقوبات على وزيرين تركيين لإجبار الرئيس التركي أردوغان على إطلاق سراح القس الأميركي آندرو برونسون.
اعتُقل القس برونسون في تركيا على مدار العامين الماضيين بتهمة التورط في الانقلاب العسكري الفاشل عام 2016 ضد أردوغان والسعي إلى تحويل الأكراد الأتراك إلى الديانة المسيحية.
في السنوات الأخيرة، كان الرئيس أردوغان يعتقد باستمرار أنه يحبط السياسة السعودية في المنطقة من خلال وضع نفسه كزعيم لعالم مسلم يعارض نهج ترامب بين إسرائيل وفلسطين والتحالف العربي الفعلي مع إسرائيل، مع الحفاظ على علاقات وثيقة مع إيران وتحدي العقوبات الأمريكية المفروضة على الجمهورية الإسلامية ودعم قطر، وتوسيع النفوذ التركي في القرن الإفريقي في منافسة مع الإمارات العربية المتحدة، الحليف الإقليمي الأقرب للمملكة العربية السعودية.
صور أردوغان تعهد الأمير محمد بن سلمان بنقل المملكة العربية السعودية إلى شكل غير معروف من "الإسلام المعتدل" على أنه تبني لمفهوم غربي.
قال أردوغان: "لا يمكن أن يكون الإسلام معتدلاً أو ليس معتدلاً. يمكن للإسلام أن يكون شيئاً واحداً فقط. في الآونة الأخيرة حظي مفهوم "الإسلام المعتدل" بالاهتمام، لكن براءة هذا المفهوم نشأت في الغرب، وربما، الشخص الذي يعبر عن هذا المفهوم يعتقد أنه ينتمي إليه. لا، إنه لا ينتمي إليه. إن الغرب يحاول الآن ضخ هذه الفكرة مرة أخرى. ما يريدونه فعلاً هو إضعاف الإسلام .. نحن لا نريد أن يتعلم الناس الدين من الحقائق الأجنبية".
وكان الأمير محمد قد كرر في مارس، وهو يردد صدى الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش على محور الشر، أن تركيا جزء من مثلث شر يضم إيران وجماعات إسلامية، واتهم ولي العهد السعودي تركيا بمحاولة إعادة الخلافة الإسلامية، التي ألغيت قبل قرن من الزمان تقريباً عندما انهارت الإمبراطورية العثمانية.
وبالمثل، بدأ رئيس وزراء باكستان الجديد برسم مساره الخاص بالقول إنه يريد تحسين العلاقات مع إيران والتوسط لإنهاء التنافس السعودي الإيراني على الرغم من حقيقة أن المملكة بعيدة عن أي قرار يجري التفاوض حوله وتدعم جهود الولايات المتحدة لعزل الجمهورية الإسلامية.
وفي انحناءة للمملكة العربية السعودية دعمت الأردن المملكة في خلافها مع كندا مؤخراً بسبب انتقاد سجل الرياض في مجال حقوق الإنسان، كما امتنعت الأردن عن تعيين سفير جديد في إيران، لكن مع إصرارها على دعم لرفض الفلسطيني لجهود السلام الأمريكية.
وعلى نحو مماثل، تراجع رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري عن استقالته التي أعلن عنها بدايةً في الرياض العام الماضي تحت الضغط المزعوم، في حين سعت كل من سلطنة عمان والكويت، المنزعجتان من الحملة السعودية الإماراتية ضد قطر، إلى رسم مسار متوسط يبقيهما خارج خط النار للرياض وأبوظبي.
في الوقت الحالي، من المرجح أن تنجح المملكة العربية السعودية في مواجهة التحديات التي تواجه قيادتها للعالم الإسلامي.
ومع ذلك، وكردة على النقد كما في حالة كندا غير المسلمة، أو الأهم من ذلك، كما في حال الزعماء المسلمين الذين أقصوا الوهابية والسلفية قبل عامين، اللتان تعززان نظرية دور آل سعود، من تعريفهم لأهل السنة والجماعة أو الشعب السني، من غير المرجح أن يذوب الجليد على المدى الطويل.
ـــ
*جيمس م. دورسي هو زميل قديم في كلية راجاراتنام للدراسات الدولية في جامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة ومؤلف مدونة "العالم المضطرب في الشرق الأوسط".