ضخ البنك المركزي اليمني، اليوم الأربعاء، السوق المحلية بعملة ورقية جديدة فئة 200 ريال، وهي أحدث إصداراته، لمواجهة النقص الحاد في السيولة النقدية للفئات الصغيرة، وسط مخاوف من تهاوي وانهيار العملة الوطنية.
وقال البنك من مقره الرئيس في عدن في بيان، إن هذه الخطوة تأتي استناداً إلى قانون البنك وتعديلاته، وقدم تفاصيل عن الورقة النقدية الجديدة.
إلى ذلك أكد مسئول حكومي في تصريح لوكالة "ديبريفر" للأنباء أن رفد البنك المركزي اليمني للعملة الجديدة جاء لسد النقص الكبير للعملات النقدية ذات الفئات الصغيرة التي تسببت في اختناقات للمتعاملين في السوق، إضافة إلى صرف مرتبات موظفي الجهاز الإداري للدولة مدنيين وعسكريين.
ووصلت إلى ميناء عدن في ٦ أغسطس دفعة جديدة من الأموال المطبوعة في إحدى الشركات الروسية بمبلغ إجمالي 684 مليار ريال، وبدأت الحكومة اليمنية منذ مطلع العام الماضي، بضخ عملات نقدية جديدة طبعت في روسيا ليصل إجمالي ما طبعته الحكومة حتى الآن قرابة تريليون و684 مليار ريال، أي ما يعادل أكثر من ثلاثة مليارات دولار.
وقالت مصادر مصرفية ومتعاملون بشركات الصرافة لوكالة "ديبريفر" للأنباء إن استمرار ضخ الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا مبالغ جديدة من العملة في السوق، دفع سعر الريال في سوق الصرافة لمواصلة الانخفاض غير مسبوق حيث سجل سعر الصرف اليوم الأربعاء، 555 ريالاً مقابل الدولار للشراء و560 ريالا للبيع في عدن وصنعاء.
كما ارتفع سعر الريال السعودي وسائر العملات الأجنبية في السوق اليمنية المتداولة ليصل إلى 149 ريالاً، فيما الدرهم الإماراتي 150 ريالاً وذلك من 128 و 129 ريالاً قبل شهر للعملتين على الترتيب.
وأشار هؤلاء إلى أن استمرار رفد السوق بنقود مطبوعة دون وضع عدة معايير وضوابط تحكمها متعلقة بالغطاء من الذهب والنقد الأجنبي وحجم الإنتاج من السلع والخدمات والناتج المحلي والصادرات يساهم في ارتفاع معدلات التضخم.
وحذروا من أن استمرار انهيار سعر العملة المحلية أمام الدولار سينتج كارثة اقتصادية تلقي بضلالها على الحركة التجارية في البلاد ويمثل عبئاً كبيراً على المواطن اليمني ويفقد الموظف قرابة 80 بالمائة من نسبة دخله الشهري المتوقف أصلا منذ أكثر من عام في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين حيث كان الدولار بسعر 215 ريال عام 2014 لكنه تجاوز الآن حاجز الـ550 ريالاً وما يزال قابل للارتفاع.
وأشاروا إلى أن ارتفاع سعر الدولار أمام الريال اليمني ساهم أيضا في زيادة أسعار المواد الغذائية المرتفعة أصلاً، ما يفاقم الأوضاع المعيشية السيئة أصلاً، ويعمق الأزمة الإنسانية الصعبة غير المسبوقة التي تعاني منها البلاد منذ أكثر من ثلاثة أعوام.
وأعلن البنك المركزي في عدن الخميس الماضي، أنه سيتدخل بشكل مباشر لإنقاذ سعر العملة المحلية وإعادة الاستقرار إليها عبر ضخ العملة الصعبة إلى السوق ودعم الاستيراد للسلع الأساسية وتزويد التجار بالعملة الصعبة بسعر أقل من السوق السوداء، اعتمادا على الوديعة السعودية البالغة ملياري دولار، غير أن هذا الإجراءات لم تثبت فاعليتها على الواقع، في ظل استمرار ارتفاع الدولار أمام الريال اليمني.
ودفعت التطورات في السوق واستمرار تدهور العملة المحلية، الأسعار للارتفاع إلى مستويات قياسية للمواد الغذائية الضرورية التي تعتمد البلاد على الخارج في استيرادها مثل الأرز والسكر والقمح والدقيق ما يزيد من الأعباء على كاهل الأسر اليمنية التي تعيش غالبيتها في ظل أوضاع اقتصادية صعبة.
اقتراح حكومي ورفض حوثي
وأكدت مصادر مطلعة أن جماعة الحوثيين "أنصار الله" التي تسيطر على العاصمة صنعاء ومعظم شمال اليمن، رفضت اتخاذ أي إجراء مساند لجهود الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً من أجل وقف تدهور سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، حيث فرضت الجماعة هذا الأسبوع قيوداً جديدة على تداول العملة من شأنها أن تعمق من حدة الأزمة التي وصل فيها سعر الريال إلى تدني غير مسبوق على الإطلاق.
وقالت مصادر مصرفية وتجار لصحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، اليوم الأربعاء إن جماعة الحوثي أمرت بمنع أي نقل للعملة المحلية من مناطق سيطرتها إلى مناطق سيطرة الحكومة "الشرعية"، وتضمن الأمر عدم السماح بتداول الطبعة النقدية الجديدة التي أصدرها البنك المركزي اليمني من مقره في العاصمة المؤقتة عدن.
واطلعت "الشرق الأوسط" على وثيقة مسربة في صنعاء، تتضمن الأوامر الحوثية الجديدة الموجهة من جهاز الأمن القومي التابع لها إلى كل النقاط الأمنية وحواجز التفتيش على الطرق المتجهة إلى عدن ومأرب وبقية مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، ونصت على منع الأفراد من نقل أي مبالغ نقدية باتجاه مناطق الشرعية والقيام بمصادرتها واعتقال من يحملها وتسليمه إلى جهاز أمن الحوثي حيث يتم التنكيل به، حد تعبير الصحيفة.
ويرجح مراقبون أن الجماعة الحوثية تحاول من خلال إجراءاتها هذه تعميق أزمة العملة المحلية وسط استمرارها في التهاوي، لجهة مضاربة عناصر الجماعة بها وقيامهم بإرباك السوق المصرفية عبر حملة مكثفة لشراء العملات الصعبة من أجل تكديسها وتهريبها للخارج.
واقترح رئيس الحكومة اليمنية أحمد عبيد بن دغر اتخاذ عدد من الإجراءات التي قال إنها ستضع حداً لاستمرار تهاوي سعر العملة الوطنية وارتفاع الأسعار، وذلك في كلمته التي ألقاها الاثنين في العاصمة السعودية الرياض خلال الاجتماع الخليجي اليمني الداعم لمرجعيات التفاوض مع جماعة الحوثي لإحلال السلام.
وقال رئيس الحكومة الشرعية أحمد عبيد بن دغر، إنه يلزم اتخاذ إجراءين عاجلين لإنقاذ الريال اليمني من الانحدار إلى قاع الكارثة، ووقف تدهوره، خاصة وقد بلغ سعره اليوم 560 ريالا أمام الدولار الواحد، وهو الأمر الذي ينذر - على حد قوله – "بكوارث اجتماعية وسياسية وإنسانية بدت بوادرها واضحة في الشارع اليمني".
وأول إجراء دعا إليه بن دغر هو "أن تتخذ إجراءات عاجلة من كل المعنيين بإدارة المناطق المحررة لضمان التعامل مع البنك المركزي اليمني بدلاً عن الصرافين وسماسرة العملة".
وأضاف بن دغر: "نحن هنا نتكلم عن مئات الملايين من الدولارات الأميركية، وإن إجراء كهذا سيمنع بالتأكيد المضاربة والتعامل غير المشروع بالعملة المحلية، ثم سيمنع تهريب هذه العملات الصعبة من الوصول إلى خزائن الحوثيين".
أما الإجراء الآخر الذي اقترحه رئيس الحكومة اليمنية فهو "الترتيب لتحويل أموال المغتربين اليمنيين عبر البنك المركزي، والبنك الأهلي كما كان معتاداً قبل سنوات، إذ إن استمرار منع المغتربين من التحويل عبر البنك المركزي كان واحداً من أسباب انهيار سعر الصرف" حد قوله.
وأكد رئيس الحكومة اليمنية أن الإجراءين المقترحين بالإضافة إلى ما سبقهما من إجراءات سعودية ممثلة بالوديعة الملياري دولار والمشتقات النفطية لمحطات الكهرباء، كفيلة - بحسب تصوره - بوقف تدهور الريال اليمني، خصوصاً أن هذين الإجراءين المشار إليهما لا يتطلبان أي أعباء مالية جديدة على أي طرف كان.
وبات الوضع المالي أكثر فوضوية منذ قررت حكومة هادي في سبتمبر 2016 نقل مقر البنك المركزي من صنعاء إلى عدن وتعيين محافظ جديد له، فيما رفض الحوثيون هذه الخطوة ما أدى إلى وجود بنكين مركزيين متنافسين يعملان في البلاد.
وزجت حالة الارتباك بالكثير من اليمنيين في براثن العوز بعد أكثر من عام ونصف شهدت عدم صرف الرواتب لأكثر من مليون موظف غالبيتهم يعيش في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين بما فيها صنعاء.
ويعاني اليمن ضائقة مالية غير مسبوقة منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء وتوقف تصدير النفط منذ أكثر من ثلاثة أعوام حيث كانت إيراداته تشكل 70 بالمئة من إيرادات البلاد، فضلا عن توقف الرسوم الجمركية والضريبية وجميع المساعدات الخارجية والاستثمارات الأجنبية وعائدات السياحة وهو ما جعل المالية العامة والقطاع الحكومي للدولة الفقيرة أصلاً على حافة الانهيار.
واليمن منقسم بسبب الحرب الأهلية التي اندلعت في 26 مارس 2015 بين جماعة الحوثي المدعومة من إيران، قوات الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً مدعومة بتحالف عربي تقوده السعودية شن آلاف الضربات الجوية على جماعة الحوثيين في حملة لتمكين رئيس اليمن عبدربه منصور هادي من ممارسة عمله، لكن الحملة لم تنجح في إخراج الجماعة من العاصمة صنعاء.
وقتل 11 ألف شخص مدني على الأقل في الصراع، كما شردت الحرب ثلاثة ملايين يمني إضافة إلى ما يزيد عن الآلاف من الجرحى.