يعيش أهالي عدن جنوبي اليمن، هذه الأيام في رعب حقيقي كما لم يحدث من قبل، حوادث القتل والاغتيالات تزداد يوما عن آخر في المحافظة التي سمتها حكومة الرئيس هادي عاصمة مؤقتة للجمهورية اليمنية.
مع استمرار هذه الحوادث على نحو لافت تزداد حالات القلق والخوف مما يحدث، ويرى كثيرون أن هذا الأمر ليس وحده السيء في المشهد العام للمدينة بل في استمرار هذه الحوادث خصوصاً مع غياب سلطة دولة تفرض قبضتها الأمنية هناك.
قبل أيام فُجع الناس في المحافظة التي تعد الواجهة المدنية لليمن بشكل عام، بقيام شاب باغتيال الدكتورة نجاة علي مقبل عميد كلية العلوم في جامعة عدن مع ابنها وابنته في شقتهم الواقعة في مدينة انماء غير البعيدة عن معسكر للتحالف العربي الذي يدير المدينة عبر عدد من الضباط الإماراتيين من خلال أدواته في المدينة؛ والمتمثلة بالمجلس الانتقالي الجنوبي وقوات الحزام الأمني، وكلاهما قوات أمنية خارجة عن سيطرة الحكومة اليمنية الشرعية، وتتبع الإمارات التي أشرفت على تأسيسهما ودعمهما وتمويلهما.
كان الحدث مروعاً، وتم تداوله على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، وأفادت معلومات بإحالة المتهم بعد القبض عليه الى الجهات المختصة للتحقيق معه واحالته إلى القضاء.
يقول الدكتور قاسم عبد المحبشي نائب عميد كلية الآداب في جامعة عدن لـ"ديبريفر" إن ما يحدث في عدن "سلسلة جرائم وأعمال قتل واغتيالات ونهب وتفجيرات نوعية ذهب ضحيتها قافلة طويلة من الكفاءات والنخب الاجتماعية، من مختلف المجالات، رجال دين وائمة مساجد ومدراء إدارات وبنوك وضباط أمن وعسكريون وقيادات عمل مدني شابة وطلاب ومواطنون مدنيون عزل".
قبل ذلك كان مدير أمن عدن شلال شائع أعلن في فيديو إلقاء القبض على من قال أنهم قتلة محافظ عدن الأسبق جعفر محمد سعد ووعد بأنهم سينالون الجزاء.. لكن شيئاً من هذا لم يتحقق رغم مضي أكثر من عام على تصريحه.
اللافت في هذا المشهد غير الآمن أن عدداً من وزراء الحكومة اليمنية - كانوا أفادوا في تصريحات سابقة، بأنهم لا يستطيعون ممارسة مهامهم في المدينة- وجهوا أصابع الاتهام الى دولة الإمارات، في حين عبر آخرون عن عدم السماح لهم بالعودة الى عدن لممارسة أعمالهم ووجهوا أصابع اتهامهم الى الدولة ذاتها؛ الإمارات.
وبالأمس كان نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية أحمد الميسري يوجه هو الآخر انتقاداته للإمارات التي لا تسمح له بممارسة مهامه، ومهامه في نهاية المطاف أمنية بطبيعة الحال، فيما لازال رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي غير قادر هو الآخر على العودة إلى عدن.
بداية شهر رمضان كان الناس في عدن على موعد آخر من حوادث القتل والاغتيالات، حيث قام مجهولون باغتيال إمام أحد المساجد في منطقة الممدارة التي تتبع مديرية الشيخ عثمان، وقام أخ بقتل أخيه دون سبب واضح، وفي حادثة قتل أخرى تم العثور على نصف جثة لطفل يبلغ من العمر 12 عاماً في وسط قمامة في حي البساتين التابعة لمديرية المنصورة.
قبل ذلك شهدت المدينة مسلسل اغتيالات طويل طال أئمة مساجد سلفيين وآخرين من حزب الإصلاح، لا أحد يعرف الأسباب الحقيقية لها ومن المسؤول وراء ذلك، باستثناء تلك الاتهامات التي ما برح يكررها المجلس الانتقالي الجنوبي ومناصروه صوب حزب الإصلاح باعتباره المتهم الوحيد.
بدا أمر هذه الحوادث المروعة في هذه المدينة المسالمة كأنها ظاهرة خاصة بها دوناً عن باقي المدن، خصوصاً في ظل انتشار مليشيات مسلحة مدنية ودينية مختلفة التوجهات والاتجاهات.
يقول رئيس تجمع القوى المدنية الجنوبية عضو قيادة مجلس المقاومة الجنوبية بعدن عبدالكريم سالم السعدي لوكالة الأنباء "ديبريفر": إن "ظاهرة انتشار حالات القتل التي تجتاح عدن والمحافظات الجنوبية ارتفعت وتيرتها في الفترة القريبة الماضية لتؤكد حالة الفوضى وغياب الأمن ولتنذر المجتمع بشكل عام بخطر محدق يتهدده إذا لم ينشط هذا المجتمع ويتكاتف ويوقف مسببات مثل هذه الجرائم".
من وجهة نظر السعدي فإن أسباب حوادث القتل والاغتيالات ناتج عن "الصراع بين دولة الإمارات كجزء من التحالف مسؤول عن عدن والجنوب، وبين الشرعية".
وهذا الصراع وفق السعدي "هو من ينتج ظاهرة انتشار الأسلحة بأيدي من لا يُقدر خطورة هذا السلاح، وهو أيضاً من يحارب عودة مؤسسات الدولة ويرفض عودة الأجهزة الأمنية للقيام بمهامها ويصر على إنتاج مليشيات خاصة تابعة لكل طرف، هذه المليشيات بدورها تتعاظم وتصبح لها أيضاً فروع تخضع لها بعيداً حتى عن من أنشاها، الأمر الذي يؤدي إلى خروجها حتى عن سلطات من أقامها وتبناها"..
"وهذا الصراع أيضاً هو من فتح الحدود أمام مهربي السموم مخدرات وغيرها والتي تعد من أهم الاسباب لارتفاع نسبة الجريمة" يضيف السعدي.
الأمين العام للمجلس الانتقالي الجنوبي أحمد حامد لملس ـ محافظ شبوة السابق المُقال من رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي- كان أكد أن المجلس يسيطر على عدن العاصمة المؤقتة لليمن.
ويقول لملس: "أجهزة الأمن الجنوبية، وفي مقدمتها الأحزمة الأمنية، والنخب، تفرض وجودها على الأرض، وتقوم بدور كبير في تثبيت الأمن، ومكافحة الإرهاب".. مشيراً إلى أن "الحكومة فشلت في ملف الخدمات، رغم امتلاكها موارد كافة".
قبل بضعة أشهر كان تقرير دولي يؤكد حالة "اللا دولة" في اليمن، حيث رفع فريق خبراء من مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة المعني باليمن تقريراً هاماً بتاريخ 26 كانون الثاني/ يناير2018 عن الأوضاع التي تمر بها البلد التي تشهد حرباً ما زالت مستمرة وقد دخلت في سنتها الرابعة و يعاني منها معظم الناس على نحو كارثي.
التقرير الذي كتبه خمسة أشخاص من الخبراء، أكد أن "الدولة اليمنية لم يعد لها وجود"، وأن "هناك دويلات متحاربة، وليس لدى أي من هذه الكيانات من الدعم السياسي أو القوة العسكرية، ما يمكنه من إعادة توحيد البلد أو تحقيق نصر في ميدان القتال".
يقول الدكتور المحبشي: "في عدن عصابات كثيرة وأجهزة متعددة كلها تعمل على إشاعة الجريمة والخراب في عدن، لا أمن سياسي ولا أمن اقتصادي ولا أمن اجتماعي ولا أمن مدني ولا أمن سياحي ولا أمن خدمي، ولا أمن تربوي ولا أمن ثقافي ولا أمن من أي نوع يذكر في عدن اليوم".
لكن ثمة دبلوماسي يمني يرى خلاف ما يراه رئيس تجمع القوى المدنية الجنوبية.
يقول لـ"ديبريفر" الدبلوماسي اليمني عبدالله الحنكي (سفير سابق)، إن "ما يحدث يثبت نفوذ السلفية على الوضع فكل الاغتياﻻت عليها بصمات السلفية ومن يدير الحلف يهيئ لها الظروف بنشر الفلتان الأمني على أوسع نطاق".
ويضيف: "حالة الأمن أسوأ بمئة مرة عما قبل الحرب، بل أنه المقارنة تبدو من قبيل التجني".
ولمواجهة ما يحدث يرى السعدي أن يتحمل المجتمع مسؤولياته "من خلال المطالبة بعودة مؤسسات الدولة ومن خلال الضغط على التحالف والشرعية باستبدال القوات الإماراتية بأي قوات عربية أخرى ليس لها مطامع في الجنوب بحيث تحترم هذه القوات الأرض التي تقف عليها والشعب الذي تتعاطى معه وتعرف حدود المهمة التي جاءت من أجلها وتلتزم بتلك الحدود".
ويتابع: "على المجتمع أن يضغط ويطالب بعودة المؤسسات وإلغاء المليشيات والمجالس وغيرها من الأدوات المستخدمة في تدمير المجتمع أمنياً وأخلاقياً واقتصادياً".
ويؤكد السعدي: "لا مخرج أمامنا إلا بإنهاء نفوذ الإمارات والسماح للدولة بإنشاء مؤسساتها وهذا لن يتعارض مع أهداف قضية الجنوب التي يتخفى خلفها البعض ويبرر سلوكياته بأنها تأتي في إطار خدمة هذه القضية، بل على العكس فالفوضى لن تؤدي لا إلى الاستقرار ولا إلى أنصاف الجنوب وانتصار أهداف قضيته".
يقول الدبلوماسي عبدالله الحنكي: "اذا استمرت الحرب فإنهم يعدون عدن ومحيطها لتكون قندهار المنطقة.. وفي تقديري لن يتوقف هذا الرعب إلا بوقف الحرب مما يتطلب صحوة القوى السياسية جميعها".
الأمر في عدن وفق الدكتور المحبشي "بحاجة إلى المزيد من العقل والحكمة في معالجة الحالة الأمنية وبسط نفوذ وهيبة السلطة الشرعية بالوسائل والطرق السلمية وعدم التسرع والانجرار الى استخدام القوة والمواجهة المسلحة، لا بد من البحث في كل البدائل والأدوات الممكنة لحل هذه المعضلة التي خلفتها الحرب والمقاومة العفوية، إذ أن هناك العديد من الجماعات والأفراد من الذين انخرطوا في معركة مقاومة الغزو الحوثي لعدن بدوافع وأهداف مختلفة امتلكت سلاحاً ولن تتخلى عن سلاحها بدون ضمانات واستحقاقات مرضية!".