تسلم البنك المركزي اليمني، دفعة جديدة من العملة المطبوعة في الخارج، وسط تصاعد التحذيرات من استمرار انخفاض وانهيار العملة الوطنية.
وقالت مصادر مصرفية لوكالة "ديبريفر" للأنباء ان البنك المركزي تسلم اليوم السبت الدفعة الثانية من الأموال النقدية المطبوعة من إحدى الشركات الروسية فئة الـ 200 ريال كانت في ميناء الحاويات بعدن.
وأشارت تلك المصادر إلى ان الأموال حملت بعدد 12 حاوية وهي ما تبقى من الكميات المطبوعة من هذه الفئة في الخارج عقب نحو أسبوعين من تسلم الدفعة الأولى والتي كانت محملة بـ 38 حاوية بمبلغ إجمالي 684 مليار ريال ليصبح مجموع ما تسلمه البنك 50 حاوية خلال شهر أغسطس الجاري فقط .
وذكرت المصادر ان المبلغ الجديد يقدر بنحو 216 مليار ريال، ليصبح إجمالي ما تسلمه البنك المركزي اليمني مقره الرئيس في عدن خلال الشهر الجاري نحو 900 مليار ريال.
وبدأت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا منذ مطلع العام الماضي، بضخ عملات نقدية جديدة طبعت في روسيا ليصل إجمالي ما طبعته الحكومة حتى الآن قرابة تريليونين " ألفين مليار ريال"، أي ما يعادل قرابة أربعة مليار دولار.
وأكدت المصادر وجود كميات مماثلة من الأموال المطبوعة لفئة الـ 100 ريال في ميناء عدن، وسيتم ضخها قريباً إلى البنك المركزي الذي سيتولى بدوره إصدارها وتداولها في السوق خلال مراحل مزمنة.
ورجحت المصادر ان يكون المبلغ الجديد يقدر بنحو 100 مليار ريال.
وضخ البنك المركزي اليمني، الأربعاء، السوق المحلية بعملة ورقية جديدة فئة 200 ريال، وهي أحدث إصداراته، لمواجهة النقص الحاد في السيولة النقدية للفئات الصغيرة.
وقال البنك من مقره الرئيس في عدن في بيان وقتها، إن هذه الخطوة تأتي استناداً إلى قانون البنك وتعديلاته، وقدم تفاصيل عن الورقة النقدية الجديدة.
وأكد مسئول حكومي في تصريح لوكالة "ديبريفر" للأنباء أن عملية ضخ الأموال المطبوعة حديثاً إلى السوق يأتي وفق سياسات اقتصادية ونقدية متعارف عليها، حيث لا يمكن أن يتم ضخ كافة الكميات في وقت واحد، خاصة وأن تلك الأموال طبعت بدون غطاء نقدي من العملات الصعبة، وهو ما سيفقد قدرتها الشرائية وسيزيد من انهيار العملة المحلية المتداعية أصلا.
وأشار إلى أن رفد البنك المركزي اليمني للعملة الجديدة جاء لسد النقص الكبير للعملات النقدية ذات الفئات الصغيرة التي تسببت في اختناقات للمتعاملين في السوق، إضافة إلى تغطية صرف مرتبات موظفي الجهاز الإداري للدولة مدنيين وعسكريين.
تحذيرات من الانهيار
يأتي استمرار البنك المركزي اليمني في انتهاج سياسة رفد السوق بالأموال المطبوعة ، في وقت تصاعدت حدة التحذيرات لخبراء اقتصاد واختصاصيين من استمرار الحكومة والبنك المركزي في طبع النقود ورفدها للسوق دون وضع عدة معايير وضوابط تحكمها متعلقة بالغطاء من الذهب والنقد الأجنبي وحجم الإنتاج من السلع والخدمات والناتج المحلي والصادرات يساهم في ارتفاع معدلات التضخم ، ناهيك عن التأثير المباشر على تدهور الريال اليمني ، فضلاً عن سياسات وإجراءات ما زالت تستخدمها الحكومة وغياب الرقابة والسياسات النقدية الصحيحة ، جميعها عوامل أدت وستؤدي إلى تواصل انهيار العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية في سوق الصرف.
وحذروا هؤلاء من أن استمرار انهيار سعر العملة المحلية أمام الدولار سينتج كارثة اقتصادية تلقي بضلالها على الحركة التجارية في البلاد ويمثل عبئاً كبيراً على المواطن اليمني ويفقد الموظف قرابة 80 بالمائة من نسبة دخله الشهري المتوقف أصلا منذ قرابة العامين في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين حيث كان الدولار بسعر 215 ريال عام 2014 لكنه تجاوز الآن حاجز الـ550 ريالاً وما يزال قابل للارتفاع.
وتوقع هؤلاء الخبراء أن يستمر الارتفاع الجنوني والمخيف في سوق الصرف في البلاد خلال الفترة المقبلة في أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال ربما يصل إلى سعر الدولار ألف ريال يمني، خاصة في ظل عجز الحكومة الشرعية والبنك المركزي على اتخاذ خطط وإجراءات حازمة وعاجلة بشأن قرار التعويم الذي سبب انهيارًا كبيرًا في سعر العملة المحلية وسط استمرار وصول كميات كبيرة من العملة المحلية المطبوعة ينذر بتضخم قادم.
وقالت مصادر مصرفية ومتعاملون بشركات الصرافة لوكالة "ديبريفر" للأنباء إن استمرار ضخ الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا مبالغ جديدة من العملة في السوق، دفع سعر الريال في سوق الصرافة في عدن لمواصلة الانخفاض غير مسبوق حيث سجل سعر الصرف اليوم السبت ارتفاعا ليصل إلى 557 ريالا مقابل الدولار للشراء و563 ريالا للبيع في عدن ، بزيادة ريالين قبل يومين .
كما ارتفع سعر الريال السعودي وسائر العملات الأجنبية في السوق اليمنية المتداولة ليصل إلى 149 ريالاً، فيما الدرهم الإماراتي 150 ريالاً وذلك من 128 و 129 ريالاً قبل شهر للعملتين على الترتيب.
وسجلت قيمة الريال تراجعا بشكل دراماتيكي وسريع منذ بداية الحرب في اليمن في مارس 2015 من 215 ريالا للدولار إلى أكثر من 550 ريالا حاليا أي فقدت أكثر من 70 بالمائة من قيمتها .
ويستمر انهيار الريال أمام الدولار رغم الوديعة السعودية التي قال البنك المركزي اليمني إنه استلمها مطلع العام 2018، والمقدرة باثنين مليار دولار، والتي كن أحد أسباب إيداعها الحفاظ على الريال من الانهيار مجدداً.
ارتفاع قياسي للأسعار
وأكد اختصاصيون وخبراء اقتصاد أن ارتفاع سعر الدولار أمام الريال اليمني ساهم أيضا في زيادة أسعار المواد الغذائية المرتفعة أصلاً، ما يفاقم الأوضاع المعيشية السيئة أصلاً، ويعمق الأزمة الإنسانية الصعبة غير المسبوقة التي تعاني منها البلاد منذ أكثر من ثلاثة أعوام ونصف.
وأشاروا إلى ان فشل الحكومة الشرعية وعجزها عـــن مواجهة تهاوي الريال قد بلغ ذروته في مختلف مناحي الحياة المعيشية ما وضع المواطن المغلوب على أمره يقف أمام كارثة حقيقية في الجانب الاقتصادي جراء الانهيار المخيف للريال اليمني أمام العملات الأجنبية وارتفاع الأسعار.
ودفعت التطورات في السوق واستمرار تدهور العملة المحلية، الأسعار للارتفاع إلى مستويات قياسية للمواد الغذائية الضرورية التي تعتمد البلاد على الخارج في استيرادها مثل الأرز والسكر والقمح والدقيق ما يزيد من الأعباء على كاهل الأسر اليمنية التي تعيش غالبيتها في ظل أوضاع اقتصادية صعبة.
ويستورد اليمن أكثر من 90 في المائة من احتياجاته الغذائية بما في ذلك معظم احتياجاته من القمح وكل احتياجاته من الأرز.
ويحتاج نحو 21 مليونا من سكان اليمن وعددهم 28 مليون نسمة إلى شكل من أشكال المساعدات الإنسانية ويعاني ما يربو على نصف السكان من سوء التغذية.
وفقد الريال اليمني أكثر من ثلاث أرباع قيمته مقابل الدولار الأمريكي وتسبب ارتفاع الأسعار في عجز الكثير من اليمنيين عن شراء بعض السلع الأساسية.
وأعلن البنك المركزي في عدن الخميس قبل الماضي، أنه سيتدخل بشكل مباشر لإنقاذ سعر العملة المحلية وإعادة الاستقرار إليها عبر ضخ العملة الصعبة إلى السوق ودعم الاستيراد للسلع الأساسية وتزويد التجار بالعملة الصعبة بسعر أقل من السوق السوداء، اعتمادا على الوديعة السعودية البالغة ملياري دولار، غير أن هذا الإجراءات لم تثبت فاعليتها على الواقع، في ظل استمرار ارتفاع الدولار أمام الريال اليمني.
وبات الوضع المالي أكثر فوضوية منذ قررت حكومة هادي في سبتمبر 2016 نقل مقر البنك المركزي من صنعاء إلى عدن وتعيين محافظ جديد له، فيما رفض الحوثيون هذه الخطوة ما أدى إلى وجود بنكين مركزيين متنافسين يعملان في البلاد.
وزجت حالة الارتباك بالكثير من اليمنيين في براثن العوز بعد أكثر من عام ونصف شهدت عدم صرف الرواتب لأكثر من مليون موظف غالبيتهم يعيش في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين بما فيها صنعاء.
ويعاني اليمن ضائقة مالية غير مسبوقة منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء وتوقف تصدير النفط منذ أكثر من ثلاثة أعوام حيث كانت إيراداته تشكل 70 بالمئة من إيرادات البلاد، فضلا عن توقف الرسوم الجمركية والضريبية وجميع المساعدات الخارجية والاستثمارات الأجنبية وعائدات السياحة وهو ما جعل المالية العامة والقطاع الحكومي للدولة الفقيرة أصلاً على حافة الانهيار.
واليمن منقسم بسبب الحرب الأهلية التي اندلعت في 26 مارس 2015 بين جماعة الحوثي المدعومة من إيران، قوات الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً مدعومة بتحالف عربي تقوده السعودية شن آلاف الضربات الجوية على جماعة الحوثيين في حملة لتمكين رئيس اليمن عبدربه منصور هادي من ممارسة عمله، لكن الحملة لم تنجح في إخراج الجماعة من العاصمة صنعاء.
وتسبب الصراع الدائر في اليمن منذ أكثر من ثلاث سنوات في مقتل نحو 11 ألف مدني يمني، وجرح مئات الآلاف، وتشريد ثلاثة ملايين داخل اليمن وفرار الآلاف خارج البلاد .
وتحذر الأمم المتحدة منذ أكثر من ثلاثة أعوام من أن اليمن أصبح على شفا المجاعة، فيما يؤكد برنامج الأغذية العالمي أن عدد المحتاجين لمساعدات عاجلة ارتفع إلى 22 مليونا العام الماضي 2017، أي أكثر من ثلثي سكان البلاد بالمقارنة مع 17 مليونا عام 2016.