يستعد الجيش السوري النظامي بدعم حليفه القوي روسيا، لشن هجوم عسكري واسع على محافظة إدلب الحدودية مع تركيا شمال غربي البلاد، في وقت أنهت فصائل المعارضة المسلحة اليوم خططها الهجومية والدفاعية لمواجهة قوات الجيش السوري على جبهات ريف حماة وإدلب بانتظار ساعة بداية المعارك.
وقال قائد ميداني يقاتل مع القوات الحكومية أن الجيش السوري بدعم من موسكو أرسل تعزيزات عسكرية كبيرة، السبت، إلى محافظة حماة واللاذقية تتضمن عشرات الآليات العسكرية والجنود وصلت إلى مطار حماة ومدرسة المجنزرات استعداداً للمعركة الحاسمة في إدلب.
وأكد المصدر لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) أن "مجموعات أرتال أخرى من القوات الحكومية توجهت إلى محافظة اللاذقية ومنها إلى جبهة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي حيث وصلت اليوم عشرات الآليات التي تحمل راجمات صواريخ تعرف بـ(جولان) إضافة إلى وصول قوات جمعية السبتان التابعة لرجل الأعمال السوري رامي مخلوف إلى جبهة جسر الشغور".
في المقابل أعلنت الجبهة الوطنية للتحرير المشكلة من فصائل مسلحة من المعارضة السورية في شمال البلاد، السبت، عبر صفحات تابعة لها على مواقع التواصل الاجتماعي أن ضباطها في غرفة العمليات والقادة العسكريين استكملوا ميدانياً وضع الخطط الهجومية والدفاعية لـلحفاظ على المناطق المحررة وحماية الثورة السورية، حسب تعبيرها.
وتبنت الجبهة استهداف غرفة عمليات تابعة للقوات الحكومية على جبهة النيحة بريف إدلب الشرقي عبر صاروخ مضاد للدروع ما أدى لتدميرعربة بي أم بي ورشاش عيار 23 ومقتل ضابط وعدة عناصر منهم، بحسب بيان للجبهة.
وكانت الجبهة الوطنية للتحرير، أعلنت، الجمعة، النفير العام ورفع الجاهزية الكاملة، لمواجهة تهديدات القوات الحكومية والتصدي للخطر المحيط بمحافظة إدلب.
وتضم الجبهة الوطنية أغلب فصائل المعارضة في محافظات إدلب وريف حلب وحماة وتتلقى دعماً من تركيا.
وأكد قائد عسكري في "جيش العزة" في تصريحات صحافية، الجمعة، أن فصائل المعارضة وعلى جميع محاور الجبهات أنهت كل استعداداتها الهندسية من خلال حفر الخنادق ورفع السواتر الترابية للتصدي للقوات الحكومية المدعومة بالطائرات الحربية الروسية.
والأسبوع الماضي، توعد قادة "هيئة تحرير الشام"، النصرة سابقاً، روسيا بالهزيمة في ادلب، وقال شرعي الهيئة، أبو عبدالرحمن الشامي، في تدوينةٍ بقناته على تيليجرام: "إنَّ في الشمال رجالًا للجهاد قد تبايعت على الموت والشهادة في سبيل الله؛ فقد أسرجنا خيولنا، وحملنا أرواحنا على أكفنا، ومضينا غير متهيبين للقائك، والأيام بيننا يا عُباد الصليب".
فيما كشف مصدر مطلع في الشمال لـ"رأي اليوم" عن وصول أسلحة ومعدات عسكرية جديدة إلى "هيئة تحرير الشام"، وآليات اتجهت مباشرة إلى محاور القتال في ريفي حماه وحلب.. مشيراً إلى أنه لا يعرف مصدر السلاح والعتاد الجديد القادم إلى الهيئة، لكنه رجح أن يكون قد دخل عبر الحدود التركية.
وخسرت قوات النظام السوري محافظة إدلب (شمال غرب) منذ صيف العام 2015، إثر سيطرة تحالف فصائل جهادية وإسلامية عليها، لكنه سرعان ما تفكك إثر جولات اقتتال داخلي تطورت إلى صراع على تقاسم النفوذ.
وتسيطر هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) على نحو 60 بالمئة من إدلب الحدودية مع تركيا حالياً، بينما تنتشر فصائل أخرى إسلامية منافسة لها في مناطق أخرى، وتمكنت قوات النظام السوري من استعادة السيطرة على مطار أبو الظهور العسكري وعشرات القرى والبلدات في ريف ادلب الجنوبي الغربي.
تأتي التطورات المتسارعة في إدلب السورية، في وقت تصاعدت نبرة التهديدات بين أمريكا وروسيا، حيث هدد مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي، جون بولتون، بتوجيه ضربات جديدة "ماحقة" ضد الجيش السوري، إذا ما استخدمت دمشق أسلحة كيميائية، حسبما نقلت وكالة "بلومبرغ" الأمريكية عن 4 مصادر.
وحسب هذه المصادر التي لم يتم الكشف عن هويتها، تم توجيه هذه التهديدات خلال اجتماع بولتون مع سكرتير مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف، في جنيف الخميس الماضي.
ووفقاً للمصادر المذكورة، فإن السلطات الأمريكية تزعم أن لديها معلومات عن احتمال استخدام الجيش السوري لأسلحة كيميائية خلال تحرير الأراضي التي ما زال المسلحون يتحكمون فيها، لذلك فإن "الولايات المتحدة مستعدة للرد بعمليات عسكرية أكثر قوة من قبل"، ضد سوريا.
وقال بولتون للصحفيين عشية محادثاته مع باتروشيف، إن "الولايات المتحدة تراقب خطط النظام السوري لاستئناف عملياته العسكرية الهجومية في محافظة إدلب وسترد بأقوى طريقة ممكنة إذا استخدم النظام السوري الأسلحة الكيميائية".
وتسعى الإدارة الأمريكية ومعها تركيا حليفتها السابقة، بشتى السبل والوسائل لعرقلة الجيش السوري من شن هجوم لتحرير مدينة إدلب ومحافظتها، التي تستولي عليها هيئة تحرير الشام والتي يعتقد بأنها فرعا سوريا لتنظيم القاعدة.
وجددت أنقرة، الجمعة، معارضتها الشديدة لهجوم عسكري وشيك للجيش السوري على محافظة إدلب السورية الحدودية مع تركيا.
وقال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، إن السعي لحل عسكري في إدلب الواقعة تحت سيطرة المعارضة في شمال سوريا سيكون كارثيا.
وذكر أوغلو خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الروسي سيرجي لافروف في موسكو، الجمعة، أن الحل العسكري لن يكون كارثة على منطقة إدلب فحسب، بل كارثة فيما يتعلق بمستقبل سوريا، حد قوله، مؤكداً إن روسيا وتركيا يجب أن تعملا معا لفصل جماعات المعارضة عن "الإرهابيين" في محافظة إدلب.
تحذيرات روسية
من جهته حذر نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف واشنطن وحلفاءها من اتخاذ أي خطوات متهورة جديدة في سوريا، واصفاً لغة واشنطن الأخيرة بلغة التهديدات والإنذارات.
وقال ريابكوف، السبت: "نسمع الإنذارات من واشنطن، بما فيها العلنية، لكنها لا تؤثر على حزمنا لمواصلة السياسة الهادفة إلى القضاء التام على المراكز الإرهابية في سوريا، وعودة هذا البلاد إلى الحياة الطبيعية".
وأشار إلى أن موسكو ستواصل مساعدة دمشق، بما في ذلك ما يخص عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم.
وأضاف: "في الواقع أن الدول الغربية لا تريد المشاركة في هذه العملية، وهذا يدل مرة أخرى على أن لديها أهدافا أخرى تماماً، هي زعزعة الاستقرار في سوريا بأي أساليب كانت، وإيجاد حجج جديدة لطرح مسألة تغيير السلطة في دمشق، ولا يوجد هناك شيء جديد في ذلك، ونحن نستعد لمثل تطور الأحداث هذا، ونكشف هذه الخطط، ولكن التاريخ، بما في ذلك التاريخ الأخير، على ما يبدو لا يعلم الأمريكيين شيئا، لذلك فنشهد حاليا تصعيداً جدياً للوضع".
وتابع: "نحذر الأمريكيين وحلفاءهم من اتخاذ خطوات متهورة جديدة".
وكشفت وزارة الدفاع الروسية، في وقت سابق اليوم السبت، أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها يعدون لضربة جديدة على سوريا تحت مبرر استخدام دمشق للسلاح الكيميائي.
وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، الجنرال إيغور كوناشينكوف، أن الإرهابيين من تنظيم "هيئة تحرير الشام" يستعدون لعمل استفزازي من أجل اتهام النظام السوري باستخدام الكيميائي ضد المدنيين في محافظة إدلب.
واتهم كوناشينكوف، المخابرات البريطانية بالمشاركة في خطة الهجوم الكيميائي على المدنيين في محافظة إدلب السورية، قائلاً: "تنفيذ هذا الاستفزاز الذي تشارك فيه بنشاط المخابرات البريطانية، سيصبح مبرراً جديداً لقيام الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بضربة جوية وصاروخية ضد دوائر الدولة والمنشآت الاقتصادية السورية".
وتدعم موسكو بقوة النظام السوري، وساهم تدخلها العسكري المباشر في الحرب منذ 2015 في تغيير موازين القوى على الأرض لصالح النظام الذي خسر في السنوات الأولى مساحة واسعة من الأراضي.
وتسببت الحرب المستعرة في سوريا منذ أكثر من سبعة أعوام في تشريد ستة ملايين شخص داخل سوريا وفرار 5.5 ملايين آخرين إلى الخارج فضلا عن مقتل مئات الآلاف.