مفاوضات جنيف المقبلة: هل حان الوقت لوضع نهاية لمعاناة الشعب اليمني؟ (تقرير خاص)

عدن ـ (ديبريفر) سامي الكاف
2018-08-27 | منذ 6 سنة

بصيص أمل لدى اليمنيين إزاء مفاوضات جنيف لوضع حد لمعاناتهم جراء الحرب

في ظل التحركات الأخيرة التي بذلها المبعوث الخاص لأمين عام الأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث، يحاول كُثر النظر بتفاؤل الى المشاورات المقرر عقدها في جنيف بدءاً من 6 سبتمبر/ أيلول المقبل بين "الحكومة اليمنية" المعترف بها دولياً و"الحوثيين"، لعلها تكون مدخلاً حقيقياً لإنهاء الحرب التي تعصف بالبلاد منذ العام 2015م وبالتالي تضع نهاية لمعاناة الشعب في اليمن، لكن ثمة من ينظر الى الأمر على نحو متشائم، ولا ينتظر أن تسفر هذه المفاوضات عن شيء مهم من شأنه أن ينهي هذه الحرب.

تقول الأمم المتحدة إنّ الأزمة الإنسانية في اليمن، هي "الأسوأ في العالم" في الوقت الراهن، وإن حوالي ثمانية ملايين يمني وصلوا إلى حافة المجاعة، وأدت الحرب إلى مقتل أكثر من 11 ألف شخص.

على أرض الواقع ينشغل الناس في اليمن بأمور أخرى غير الحرب. تعيش الغالبية من السكان في هذا البلد المنكوب من شبه جزيرة العرب في معاناة قاسية ومستمرة و في ظروف أقل ما يمكن وصفها بأنها كارثية في دولة منهارة.

يقول لوكالة "ديبريفر" للأنباء الدبلوماسي عبدالله الحنكي وهو سفير يمني سابق: "بنظرة عامة على مسار عاصفة الحزم وعلى مآلاتها تظهر لنا أنها في مأزق يشتد ضيقه وتداعياته السلبية لحظة بعد لحظة سواء على القائمين بها كما على اولئك الذين شرعوها وبنوا آمالهم عليها من الأطراف الدولية كما على البلد الذي كان ساحة لها. ما جعل الحرب عامة في حال ينطبق عليه ما قالت العرب قديماً (ﻻ قتل الذئب ولا فنيت الغنم)".

بالنسبة إلى ما يتعلق بسير المفاوضات المحتملة، كان مارتن غريفيث أرسل دعاوى رسمية، للأطراف المتحاربة في اليمن، لحضور جولة جديدة من المحادثات في جنيف، مقرر عقدها في السادس من سبتمبر/ أيلول المقبل.

يقول الدبلوماسي اليمني مصطفى النعمان وهو سفير يمني سابق: "الدعوة التي وجهها المبعوث الخاص للأمم المتحدة مارتن غريفيث إلى طرفي الحرب الأهلية للاجتماع في جنيف مطلع سبتمبر القادم، لعقد لقاء هو الأول منذ ما يقارب العامين، ربما مثل كسراً للجمود الذي استمر منذ انتهاء المفاوضات التي استضافها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد قبل أكثر من عامين، وأصاب بالشلل المسار السياسي الذي تدعو له القرارات الصادرة عن مجلس الأمن وكذا الدعوات المتكررة من كافة الأطراف الإقليمية -بما فيها دول التحالف- لجلوس الجميع على طاولة مفاوضات تبحث كافة الإجراءات والالتزامات المطلوبة من الجميع لإنهاء الحرب التي سقط فيها اليمنيون ضحايا الصراع الحالي، كما تسببت بالكثير من الدمار النفسي والقطيعة الاجتماعية الداخلية، وكذا انشغال الإقليم بها والانغماس في تفاصيلها".

لكن الأمر مختلف عند مارتن غريفيث. يقول الرجل: "بعض الناس يقولون إننا في عجلة من أمرنا". ويضيف: "أنا أقر بالذنب في هذه التهمة". وتابع: "لقد عانى شعب اليمن بما يكفي، لقد حان الوقت".

غريفيث: لقد عانى شعب اليمن بما يكفي، لقد حان الوقت

عملياً ستكون تلك المفاوضات هي الأولى منذ عامين، وذلك بعد فشل جولتين سابقتين وينظر لها كُثر على نحو متشائم؛ لا متفائل.

يقول غريفيث: "النبأ الجيد أن الحكومة اليمنية راغبة في المشاركة في المحادثات، وقيادة جماعة أنصار الله كذلك"، مستخدماً الاسم الرسمي لجماعة الحوثيين، التي تسيطر على العاصمة صنعاء منذ قيامها بما يصفه خصومها "إنقلاب عسكري" ضد الدولة في 21 سبتمبر 2014م، وحاولت اغتيال الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في قصر الرئاسة في معاشيق بعدن خلال مارس 2015م عبر قصف جوي نفذه الطيران الحربي بعد أن فر هادي هارباً من الاقامة الجبرية التي فرضها عليه الحوثيون في منزله بالعاصمة صنعاء.

تعيش اليمن منذ 26 مارس 2015 في حرب ضارية بين جماعة الحوثيين (أنصار الله)، وقوات يمنية تابعة للحكومة المعترف بها دولياً مدعومة بقوات التحالف العربي الذي تقوده السعودية والإمارات ويشن ضربات جوية وبرية وبحرية في مختلف جبهات القتال وعلى معاقل الحوثيين، تمكنت من خلالها استعادة السيطرة على أجزاء كبيرة في البلاد، لكن الحوثيين لا يزالون يسيطرون على العاصمة صنعاء وأغلب المحافظات والمناطق شمال البلاد.

أما مدينة عدن التي تتخذها الحكومة اليمنية "الشرعية" عاصمة مؤقتة للبلاد؛ فهي وفق تقرير لمجموعة الأزمات الدولية صدر في أبريل الماضي "مدينة مأخوذة رهينة في لعبة شد حبال متداخلة: هناك أنصار حكومة هادي من جهة، وخصومهم في المجلس الجنوبي المؤقت من جهة أخرى". ويضيف التقرير: "ثمة نزاع بين مصالح وطنية ومحلية متعارضة يسعى فيه الجميع للسيطرة على الموارد لكن ليس هناك قوة تحكم بشكل فعال".

عدن مدينة مأخوذة رهينة في لعبة شد حبال متداخلة

لكن ومنذ أن أعلن المبعوث الأممي مارتن غريفيث عن خطته لإطلاق عملية سياسية جديدة، أعربت كل الأطراف عن دعمها لجهوده، لكنها أعربت عن تشاؤمها في الوقت ذاته.

يقول الدبلوماسي اليمني مصطفى النعمان: "من المهم ألا يرتفع منسوب التفاؤل حول ما ستخرج به اجتماعات جنيف، إذ أتصور أن اللقاءات التي سيعقدها المبعوث الخاص وفريقه مع الطرفين لن تتطرق في البداية إلى القضايا السياسية والعسكرية، وستركز على محاولة بناء الثقة بين الجانبين في مسعى لتوسيع نطاق التباحث حول القضايا الإنسانية وإطلاق الأسرى وتخفيف المعاناة القاسية التي يتعرض لها المواطنون الأبرياء المحاصرون بين الطرفين، وهي تستدعي إجراءات تجنيب هؤلاء ويلات الحرب، وسيكون رفع الحصار عن تعز وإعادة فتح الطرقات داخلها أهم خطوة تسهم في تخفيف حدة المعاناة التي ترزح تحتها المدينة منذ بدايات الحرب، وسيكون ذلك مؤشرا على استعداد الحوثيين في الفصل بين العقاب الجماعي والمعارك العسكرية، وهو أمر صارت الميليشيات المحلية جزءا منه بعد عجز السلطة المحلية عن الحصول على الوعود التي تلقتها بالمساندة والدعم".

في مسار الحرب الدائرة في البلاد تتلقى الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً دعماً عسكرياً من جانب التحالف العربي الذي تقوده السعودية والإمارات، لاستعادة شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي من الحوثيين الذين يتلقون دعماً من إيران المنافس الإقليمي للسعودية، ومستمرون في إدارة الأرض الواقعة تحت سيطرتهم بقبضة من الحديد والنار ويروّجون لدولة دينية تتبع ولاية السيد عوضاً عن الحديث عن دولة مدنية ديمقراطية حديثة. وصاروا في الفترة الأخيرة يمتلكون "صواريخ باليستية" يصل مداها الى كل الدول الخليجية بلا استثناء، تقريباً.

تقول كبيرة مراسلي الشؤون الدولية في BBC ليز دوسيت: "من المعروف أن حكومتي الولايات المتحدة وبريطانيا تعربان عن قلقهما، إزاء الخطط العسكرية للتحالف العربي في اليمن، في الغرف المغلقة مع كل من السعودية والإمارات، إلا أنهما تدافعان في العلن عن حلفيهما الثابتين".

تتسمك الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً بما تسميه المرجعيات الثلاث كأساس لأي حل تفاضي مع الحوثيين. انها ترى أن لا حل يمكن الوصول إليه إلا عبر التمسك بالمرجعيات الثلاث وهي: المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني، وقرار مجلس الأمن الدولي 2216. وهو أمر يرفضه الحوثيون، ويشترطون قبل الخوض في أي حديث له علاقة بهذه المرجعيات، وقف التحالف العربي لضرباته الجوية على اليمن.

يقول خبير غربي في الشأن اليمني عن موقف واشنطن ولندن إزاء مهمة غريفيث: "هناك انطباع قوي بأنهم يؤيدون الرجل، لكن ليس الخطة". ويضيف: "إنهم يقولون: نحن نرغب تماماً في أن يحقق مارتن السلام، لكن إذا كانت خطته تضايق شركاءنا، فلن ندعمها". ويضيف السيد هيلترمان: "الإيرانيون يلعبون دوراً، في جعل الحوثيين يعتقدون أنهم قادرون على الصمود، لكن الحوثيين أثبتوا في السابق أن الإيرانيين لا يملكون نفوذاً كبيراً عليهم".

يؤكد الدبلوماسي اليمني عبدالله الحنكي: "في هذا السياق تبدو جهود المبعوث الدولي الحالي مختلفة عن كل ما سبق. ففي تصريحاته الأخيرة مؤشرات تدل على قرب الدخول الى منعطف ايجابي نحو حل مقبول بذل جهداً ضخماً نحوه فيما لو تجاوبت معه الأطراف اليمنية والاقليمية المتورطة والمأزومة بعد قرابة أربع سنوات الحقت بالبلاد وشعبها كوارث ومآس دموية ومعيشية لا مزيد على درجة انهيارها وكارثيتها".

وعليه، يضيف الحنكي لوكالة "ديبريفر" للأنباء، فإن "ملامح الحل تكمن في استعادة العملية السياسية بطريقة أكثر عمقاً ولكن باستيعاب دقيق للمعطيات الجديدة التي أفرزتها السنوات الأربع من حرب مجنونة في قرارها وخائبة في مسارها. بكلمة أخرى فان المرجعيات الثلاث التي بنيت عليها تصورات الحلول السابقة لم تعد تكفي منطلقاً وحيداً لحلول واقعية. لا بد والحال هذا ان تؤخذ معطيات الأمر الواقع بعين الحسبان أخذاً عقلانياً في أي مفاوضات مزمعة".

لا بد من وجود رغبة حقيقية للوصول إلى حل سياسي في أي مفاوضات محتملة قادمة. يقول الدبلوماسي اليمني مصطفى النعمان: "سيواجه لقاء جنيف - كما حدث في بييل والكويت - وما قد يتم بعده، عقبة، أن الرغبة الحقيقية لدى الأطراف المحلية في التوصل إلى اتفاق صلب ومستدام تحتاج ارتفاعاً كبيراً في مستوى المسؤولية الوطنية والأخلاقية، وتستوجب منهما تقديم تنازلات جادة وكبيرة وهم ليسوا جاهزين حالياً لاتخاذ مواقف تعرض مصالحهم للخسارة".

الفوائد التي تنتجها الحروب الأهلية الطويلة وشبكة المنافع التي تنشأ تجعل مهمة الخروج منها صعبة

ويضيف: "من الطبيعي أن الفوائد التي تنتجها الحروب الأهلية الطويلة وشبكة المنافع الشخصية التي تنشأ وتربط بين عدد من أصحاب المصالح تجعل مهمة الخروج منها صعبة، وإذا ما أضفنا إلى ذلك بروز مليشيات تدور في مدارات خاصة غير مرتبطة بالأطراف الرئيسية وتتخذ مساراتها الخاصة بعيدة عن الإطار العام، فإن كل هذ العوامل تجعل من التفاؤل مسألة عصية على القبول، ويعلم الجميع أنه بدون توافق داخلي يجعل المصلحة الوطنية العامة وارتفاع منسوب المسؤولية الأخلاقية لدى القوى المحلية الكبرى، فإن أي جهد يبذله أي مبعوث لن يصل إلى النتيجة التي يتمناها اليمنيون في الداخل والخارج، وقد تكون إحدى الفرص الكثيرة التي ضاعت لوقف النزيف والدمار".


لمتابعة أخبارنا على تويتر
@DebrieferNet

لمتابعة أخبارنا على قناة "ديبريفر" في التليجرام
https://telegram.me/DebrieferNet