Story in English:https://debriefer.net/news-2954.html
سجل الريال اليمني في سوق الصرف، مساء اليوم الخميس، أدنى مستوى في تاريخه على الإطلاق أمام الدولار الأمريكي والعملات الأجنبية، وسط موجة غير مسبوقة من ارتفاع أسعار السلع الغذائية، ما ينذر بكارثة اقتصادية على البلاد.
وقال لوكالة "ديبريفر" للأنباء، مساء اليوم صرافون ومتعاملون في مدينة عدن التي تتخذها الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً عاصمة مؤقتة للبلاد، إن الريال اليمني واصل هبوطه السريع ليبلغ 592 ريالاً للدولار الواحد للشراء و600 ريالاً للبيع بفارق 30 ريالا قبل يومين، بعدما كان 485 ريالاً قبل نحو شهرين، فيما بلغ سعر الصرف مساء اليوم في العاصمة اليمنية صنعاء 587 ريالا مقابل الدولار الواحد.
كما ارتفع سعر الريال السعودي وسائر العملات الأجنبية في السوق اليمنية ليصل إلى 160 ريالاً، فيما بلغ الدرهم الإماراتي 162 ريالاً وذلك من 128 و 129 ريالاً قبل شهرين للعملتين على الترتيب.
يأتي التدهور السريع والمتهاوي لسعر الريال بعد يومين على إعلان الحكومة اليمنية عن تشكيل قوام اللجنة الاقتصادية التي يرأسها الخبير المالي حافظ فاخر معياد الرئيس السابق لبنك التسليف الزراعي (كاك بنك)، وهو أيضاً أحد رجالات الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح.
ويقابل هبوط الريال صمت وعجز حكومي وإجراءات ضعيفة لم تنجح في وقف تهاوي العملة المحلية.
وحذر مراقبون في وقت سابق من تشكيل اللجنة الاقتصادية في ظل انعدام الحلول والإجراءات الجادة أمام الحكومة وإدارة البنك المركزي اليمني، مؤكدين أن الإجراءات الحكومية لا تجدي نفعاً، وليست سوى حلاً ترقيعياً لا أكثر وسط تفاقم الوضع الاقتصادي في أنحاء البلاد وعدم انتظام صرف مرتبات الموظفين والعسكريين في المناطق التي تسيطر عيها الحكومة "الشرعية"، وتوقف صرف مرتبات الموظفين في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين في شمال البلاد لأكثر من عام ونصف العام.
ويؤكد سكان ومواطنون في عدن لـ"ديبريفر" أن اضطرابات ومضاربة السوق في أسعار الصرف وارتفاع أسعار الدولار والريال السعودي وغياب الدور الحكومي الرقابي ساهم في جشع التجار الذين استغلوا هذه الظروف وعملوا على رفع الأسعار إلى مستويات قياسية لمعظم المواد الغذائية بحجة ارتفاع الدولار وهي الشماعة التي يعلق عليها التجار دوماً في رفع الأسعار.
تحديد مبالغ الحوالات
من جهتها، وفي محاولة منها للعمل على إيقاف تدهور سعر العملة المحلية، أصدرت جمعية الصرافين اليمنيين، أمس الأربعاء، تعميماً جديدا بتحديد مبالغ الحوالات وإيقاف تضارب العملات، عطفاً على تعليمات الجهات الرقابية، حيث أكدت الجمعية في تعميمها على عدم البيع لمناطق ارتفاع الأسعار والمضاربة فيها، عدم التداول بالعملات فئات الطبعة الجديدة.
كما حدد تعميم جمعية الصرافين اليمنيين، سقف الحوالات الصادرة والواردة بمناطق ارتفاع الأسعار، وكحد أعلى بـ500 ألف ريال يمني، وألف دولار، أربعه آلاف ريال سعودي أو درهم إماراتي، مع تحديد الغرض وحقيقة نشاط المستفيد من تلك الحوالات، بالإضافة إلى منعها يمنع تنفيذ أيه تغطيات لحسابات صرافي مناطق ارتفاع الأسعار، أو تنفيذ إيداعات نقدية لحساباتهم، وعدم بيع نقد أجنبي لمنشآت الصرافة الفردية، وإيقاف أيه انكشافات لوكلاء شبكات التحويل الموافق لها، وإلغاء أيه نقاط غير مرخص لها.
وحذر خبراء اقتصاد محليون في وقت سابق لوكالة "ديبريفر" للأنباء من تجاوز سعر صرف الدولار الواحد حاجز الـ500 ريال.. مؤكدين أن الارتفاع المخيف ينذر بكارثة اقتصادية وشيكة تهدد الدولة برمتها وحياة المواطنين.
تحذيرات من الانهيار
يأتي تسارع انخفاض العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، مع استمرار البنك المركزي اليمني في انتهاج سياسة رفد السوق بالأموال المطبوعة حديثاً، في وقت تصاعدت حدة تحذيرات خبراء اقتصاد واختصاصيين من أن استمرار الحكومة والبنك المركزي في طبع النقود ورفدها للسوق دون معايير وضوابط تحكمها متعلقة بالغطاء من الذهب والنقد الأجنبي وحجم الإنتاج من السلع والخدمات والناتج المحلي والصادرات، يساهم في ارتفاع معدلات التضخم، فضلاً عن التأثير المباشر على تدهور الريال اليمني، في ظل غياب الرقابة والسياسات النقدية الصحيحة، ما يؤدي إلى استمرار انهيار العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية في سوق الصرف.
وحذر هؤلاء من أن استمرار انهيار سعر العملة المحلية أمام الدولار سينتج كارثة اقتصادية تلقي بضلالها على الحركة التجارية في البلاد ما يمثل عبئاً كبيراً على المواطن اليمني ويفقد الموظف قرابة 80 بالمائة من نسبة دخله الشهري المتوقف أصلاً منذ أكثر من عام ونصف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، إذ كان الدولار بـ215 ريال عام 2014 لكنه تجاوز الآن حاجز الـ550 ريالاً وما يزال قابل للارتفاع.
وتوقع هؤلاء الخبراء أن يستمر الارتفاع الهائل والمخيف في سوق الصرف لأسعار العملات الأجنبية أمام الريال، وقد يصل سعر الدولار إلى ألف ريال يمني، خصوصاً في ظل عجز الحكومة "الشرعية" والبنك المركزي على اتخاذ خطط وإجراءات حازمة وعاجلة بشأن قرار التعويم الذي سبب انهياراً كبيراً في سعر العملة المحلية وسط استمرار وصول كميات كبيرة من العملة المحلية المطبوعة حديثاً، ما ينذر بتضخم قادم.
وبدأت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً منذ مطلع العام الماضي، بضخ عملات نقدية جديدة طبعت في روسيا، ووصلت خلال الشهر الجاري فقط قرابة 900 مليار ريال من النقود المطبوعة ذات الفئة الصغيرة، 200 و100 ريال، ليصل إجمالي ما طبعته الحكومة حتى الآن قرابة تريليونين "ألفين مليار ريال"، أي ما يعادل نحو أربعة مليارات دولار.
تسارع تدهور العملة ودور الحكومة
وأكد محللون ومراقبون أن تسارع تدهور العملة المحلية يضع الحكومة "الشرعية" أمام مسئولية كبيرة لاتخاذ إجراءات عاجلة ومدروسة وضرورية لوقف هذا التدهور المخيف وتحجيم المضاربة في سوق الصرافة التي جذبت الكثير من الشركات والأفراد اليمنيين للاستفادة من فارق السعر الكبير.
وأشاروا إلى ضرورة التدخل الحكومي بما يسهم في الحفاظ على اقتصاد البلد والعمل على تحريك عجلة الاقتصاد سيما أنه لم يعد اليمن يستطيع استيراد الغذاء والدواء، ما ينذر بمجاعة ستعم اليمن شمالاً وجنوباً وستكون أكبر كارثة تحل بالبلاد، حد وصفهم.
ويستمر انهيار الريال أمام الدولار رغم الوديعة السعودية التي قال البنك المركزي اليمني إنه تسلمها مطلع العام 2018، والمقدرة باثنين مليار دولار، والتي كان الحفاظ على الريال من الانهيار مجدداً أحد أسباب إيداعها.
وأعلن البنك المركزي في عدن منتصف أغسطس الجاري، أنه سيتدخل بشكل مباشر لإنقاذ سعر العملة المحلية وإعادة الاستقرار إليها عبر ضخ العملة الصعبة إلى السوق ودعم الاستيراد للسلع الأساسية وتزويد التجار بالعملة الصعبة بسعر أقل من السوق السوداء، اعتمادا على الوديعة السعودية البالغة ملياري دولار، غير أن هذا الإجراءات لم تثبت فاعليتها على الواقع، واستمر الريال اليمني في التهاوي أمام الدولار.
ارتفاع أسعار الغذاء
وانعكس استمرار هبوط الريال سلباً على الحالة المعيشية للمواطن الذي أصبح يواجه يومياً تقلبات مخيفة لأسعار المواد الغذائية والاستهلاكية، حيث ارتفعت أسعار السلع إلى مستويات قياسية غير مسبوقة لأكثر من 300 بالمائة، ووصلت أسعار الخضروات إلى 150 في المائة، فيما ارتفعت قيمة تسعيرة الدجاجة إلى قرابة ألفي ريال والكيلو اللحم 5 آلاف ريال، سيما مع اعتماد البلاد شبه الكلي على الاستيراد من الخارج كالأرز والسكر والقمح والدقيق، ما يزيد من الأعباء على كواهل الأسر اليمنية التي أغلبيتها تعيش أصلاً في ظروف اقتصادية صعبة للغاية.
ويستورد اليمن أكثر من 90 بالمائة من احتياجاته الغذائية بما في ذلك معظم احتياجاته من القمح وكل احتياجاته من الأرز، ويحتاج نحو 21 مليوناً من سكان اليمن وعددهم 28 مليون نسمة، إلى شكل من أشكال المساعدات الإنسانية ويعاني ما يربو على نصف السكان من سوء التغذية، وفق إحصاءات الأمم المتحدة.
وأكد محللون ومراقبون متخصصون في الشؤون الاقتصادية إن استمرار تدهور الوضع الاقتصادي والخدمي والاجتماعي في اليمن، سواء جنوباً حيث تستقر الحكومة الشرعية، أو شمالا الخاضع لسيطرة جماعة الحوثي، ينذر بكارثة اقتصادية واجتماعية وانفجار شعبي كبير لن يقف في طريقه أحد.
وأشاروا إلى أن انعكاسات فشل الحكومة الشرعية وعجزها عـن مواجهة تهاوي الريال، قد بلغت ذروتها في مختلف مناحي الحياة المعيشية ما وضع المواطن المغلوب على أمره يقف أمام كارثة حقيقية في الجانبين الاقتصادي والاجتماعي، خصوصاً مع استمرار الحرب.
وأعتبر هؤلاء أن مؤشر تدني العملة المحلية في بلد هو من ضمن الأفقر في العالم، يُظهر أن البلد "مقبلة على معركة اقتصادية لا مثيل لها ستلقي بظلالها على شرائح وفئات المجتمع بدون استثناء"، مؤكدين أن الجهود الحكومية الرامية لمواجهة انهيار العملة ضعيفة وعاجزة وتفتقر لإجراءات تعالج المشكلة من جذورها.
وقالوا: "الحقيقة أن تعقيدات هذه الأزمة وتبعاتها يرافقها جهود حكومية غير مجدية نتيجة تسيب حكومي واضح وفاضح من خلال إنفاقها المبالغ لأنشطة لها لا تخدم واقع المواطن المعيشي".
وضرب المختصون مثالاً على نفقات وتعيينات الحكومة في جهاز السلك الدبلوماسي، فضلا عن مرتبات كبيرة تصرفها لنفسها دون الالتفات إلى معاناة الناس.
وضع فوضوي
وبات الوضع المالي أكثر فوضوية منذ قررت حكومة الرئيس هادي في سبتمبر 2016 نقل مقر البنك المركزي من صنعاء إلى عدن وتعيين محافظ جديد له، فيما رفض الحوثيون هذه الخطوة ما أدى إلى وجود بنكين مركزيين متنافسين يعملان في البلاد.
وزجت حالة الارتباك بالكثير من اليمنيين في براثن العوز بعد أكثر من عام ونصف شهدت عدم صرف الرواتب لأكثر من مليون موظف غالبيتهم يعيش في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين بما فيها العاصمة صنعاء.
ويعاني اليمن ضائقة مالية غير مسبوقة منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء وتوقف تصدير النفط منذ أكثر من ثلاثة أعوام والذي كانت إيراداته تشكل 70 بالمئة من إيرادات البلاد، فضلا عن توقف الرسوم الجمركية والضريبية وجميع المساعدات الخارجية والاستثمارات الأجنبية وعائدات السياحة، وهو ما جعل المالية العامة والقطاع الحكومي للدولة الفقيرة أصلاً على حافة الانهيار.
واليمن منقسم بسبب الحرب الأهلية التي اندلعت في 26 مارس 2015 بين جماعة الحوثي المدعومة من إيران، قوات الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً مدعومة بتحالف عربي تقوده السعودية شن آلاف الضربات الجوية على جماعة الحوثيين في حملة لتمكين رئيس اليمن عبدربه منصور هادي من ممارسة عمله، لكن الحملة لم تنجح في إخراج الجماعة من العاصمة صنعاء وأغلب المناطق الشمالية للبلاد.
وتسبب الصراع الدائر في اليمن منذ زهاء ثلاث سنوات ونصف في مقتل نحو 11 ألف مدني يمني، وجرح مئات الآلاف، وتشريد ثلاثة ملايين داخل اليمن وفرار الآلاف خارج البلاد.
وتؤكد الأمم المتحدة أن الوضع الإنساني في اليمن هو "الأسوأ في العالم"، وأن البلاد أصبحت على شفا المجاعة مع ارتفاع عدد المحتاجين لمساعدات عاجلة إلى 22 مليونا العام الماضي 2017، أي أكثر من ثلثي سكان البلاد بالمقارنة مع 17 مليونا عام 2016.