بدا المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث كما وكأنه يمني؛ يدلي بتصريحات صحفية مختصرة خلافاً لتفاصيل محادثاته التي يجريها مع المكونات السياسية في البلاد، يقول شيئاً ويفعل شيئاً آخر؛ مؤكداً أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح.
من المقرر أن تبدأ المفاوضات بين اليمنيين في 6 سبتمبر القادم في جنيف، وستكون تلك المفاوضات هي الأولى منذ عامين، وذلك بعد فشل جولتين سابقتين، وينظر لها كُثر على نحو متشائم؛ لا متفائل.
لكن على أرض الواقع ينشغل الناس في اليمن بأمور أخرى غير الحرب. تعيش الغالبية من السكان في هذا البلد المنكوب من شبه جزيرة العرب، في معاناة قاسية ومستمرة وظروف أقل ما يمكن وصفها بأنها كارثية في دولة منهارة، كما انهارت العملة الوطنية في البلاد على نحو غير مسبوق إذ تجاوز الدولار حاجز الـ600 ريال في تعاملات الصرف أمس السبت.
تقول الأمم المتحدة إنّ الأزمة الإنسانية في اليمن، هي "الأسوأ في العالم" في الوقت الراهن، وإن حوالي ثمانية ملايين يمني وصلوا إلى حافة المجاعة، وأدت الحرب إلى مقتل أكثر من 11 ألف شخص.
وصباح اليوم الأحد انطلق عصيان مدني في عدد من مديريات عدن التي تقع تحت قبضة قوات مسلحة تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً.
تم اغلاق العديد من المحلات التجارية بقوة السلاح عبر مجاميع مسلحة، وتم إحراق إطارات السيارات في عدد من الشوارع كما تم قطع عدد من الطرقات.
في 30 أغسطس المنصرم نشر مكتب المبعوث الخاص الى اليمن على موقعه الالكتروني، أن غريفيث التقى في اجتماع تشاوري اليوم السابق 29 أغسطس، مع رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي وعدد من قيادات المجلس في العاصمة الاردنية عمّان.
أشار الخبر إلى أن اللقاء "استعرض الجهود التي يبذلها المبعوث الخاص في التشاور مع كافة الأطراف السياسية اليمنية كما ناقش الاجتماع الدور الذي يمكن ان يلعبه الجنوبيون في العملية السياسية". مؤكداً أن المبعوث الأممي "أشاد بالدور الايجابي الذي يمكن للمجلس الانتقالي ان يلعبه في ايجاد حلول سياسية متفق عليها".
وأضاف الخبر: "وقد أكد السيد عيدروس دعم المجلس الانتقالي لجهود المبعوث الخاص و جهوزية المجلس للمشاركة بإيجابية في العملية السياسية"، وأن "الاجتماع أكد أهمية استمرار اللقاءات مع المجلس الانتقالي على كافة المستويات".
احتاج مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث 24 ساعة لينشر خبر الاجتماع دون أن يشير إلى تفاصيل ما دار فيه.
واحتاج المجلس الانتقالي الجنوبي، في سياق تعامله مع مكتب المبعوث الأممي تعامل القط والفار، إلى بضع ساعات لينشر عن هذا الاجتماع على موقعه الالكتروني، لكنه هو الآخر كتب عن الاجتماع خلافاً لتفاصيل ما دار فيه، مُركّزاً على أن "(الرئيس) عقد لقاءاً هاماً مع المبعوث الأممي في مكتب الأمم المتحدة بالعاصمة الأردنية عمّان".
أكد المجلس الانتقالي الجنوبي في خبره أنه "لمس تفهماً كاملاً وانفتاحاً جيداً من المبعوث الخاص على القضية الجنوبية، ورغبة شديدة في حلها حلاً عادلاً"، و"مرحّباً بتوجه السيد مارتن غريفيث تجاه إشراك المجلس الانتقالي الجنوبي في أي مشاورات أو حوارات أو مفاوضات تناقش القضية الجنوبية تحت سقف الأمم المتحدة". مؤكداً أن "رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي أبدى موافقته المبدئية غير المشروطة في المشاركة بالمشاورات القادمة من اجل إيجاد صيغة لجولة مفاوضات جديدة".
بعد 48 ساعة من نشره الخبر بصيغته المذكورة سلفاً، سرّب المجلس الانتقالي الجنوبي، أمس السبت، بعض تفاصيل ما دار في لقائه مع مارتن غريفيث، لعدد من عناصره، لنشرها في مواقع التواصل الاجتماعي وفي عدد من وسائل الإعلام التابعة له.
أكد التسريب حدوث "مشادات كلامية وانسحاب من قبل قيادة المجلس الانتقالي"، وذلك "على خلفية حديث غريفيث عن أن المفاوضات ستكون بين الحوثيين والشرعية بعد اشتراط كلا من عبدالملك الحوثي وعبدربه هادي شخصياً على عدم مشاركة الانتقالي فيها".
وأشارت التسريبات إلى أن "غريفيث أكد أثناء حديثه أن هناك جولتين للحوار وأن الأولى فقط ستكون لوقف الحرب بين الطرفين، عندها دق (الرئيس) الزبيدي (الطاولة)، وخاطب غريفيث قائلاً: نحن شركاء في الحرب، بل نحن المنتصر الوحيد فيها، ومن يشترطون عدم تمثيل الجنوب لا يمثلون أي ثقل على الأرض. وأضاف الزبيدي: نحن من يقرر الحرب ويصنع السلام، وأي تجاوز للجنوب وقضيته، سيكون الرد على الأرض، ونحن من يسيطر عليها".
مطلع الشهر الفائت كان على مارتن غريفيث أن يعبّر عن شعوره بخيبة أمل مما قال إن أحد أسبابها "استخدام بعض الأشخاص لوسائل الإعلام، لإطلاق تصريحات استقطابية (polarizing)"، وشدد بالقول لصحيفة "الشرق الأوسط": "مهمتي هي إيجاد مَواطِن للاتفاق بين الأطراف، وهذا ما يفعله الوسيط. أنا لست مفاوضاً. الحل يأتي من اليمنيين وليس مني وليس من أي شخص آخر. الأمم المتحدة هنا، كما أنا، لخدمة الأطراف للتوصل إلى اتفاق. وكما قلت في مجلس الأمن علينا أن نعيش مع أشخاص لا نحبهم. هذا يعني أننا بحاجة إلى التوقف عن إدانتهم. إن بناء السلام في اليمن، يتطلّب احترام بعضنا لبعض واحترام وجهات النظر المختلفة بدلاً من إدانة ومعارضة بعضنا لبعض".
وتابع غريفيث في حديثه لـ"الشرق الأوسط": "من الأهمية بمكان أن يتم الاتفاق على استخدام وسائل الإعلام طريقة لبناء التحالفات بدلاً من إدانة الأعداء، هذا أمر سيئ للغاية. لقد قلت في كثير من المناسبات إن الأمل هو عملية الوسيط، وكذلك حسن النية. أحاول ألا أتكلّم بالسوء عن أي من الأطراف لسبب وجيه: نحتاجهم كلهم ليكونوا جزءا من الحل. يطلب مني البعض أن أدين هذا الطرف أو ذاك، ولكني أرفض دائماً. من أهم مهاراتي أنني أجيد الإصغاء، وبالإصغاء يمكنني إيجاد مَواطِن للاتفاق بدلاً من مجالات للاختلاف".
ليس من ضمن اهتمامات مارتن غريفيث في المفاوضات القادمة إشراك أي مكونات سياسية من جنوب اليمن.
وجّه الرجل خطاباً إلى ما أسماها القيادة السياسية المشتركة في صنعاء: "أنصار الله" و"المؤتمر الشعبي العام" للمشاركة في المفاوضات المحتملة. كما فعل الأمر ذاته مع الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً بقيادة الرئيس عبدربه منصور هادي.
يقول غريفيث: "سنبدأ المشاورات بجنيف في 6 سبتمبر. إننا ننطلق من كثير من الدروس الجيدة والسيئة المستقاة من التجارب السابقة في بييل وجنيف والكويت. بالإضافة إلى ذلك، استقيت كثيراً من خلال لقائي وإصغائي إلى عدد من اليمنيين والدبلوماسيين وقادة الرأي في الأشهر الأخيرة. وبشكل أساسي، نحن نحاول أن نتوصّل إلى أن تتفق حكومة اليمن وأنصار الله على القضايا الضرورية لوقف الحرب والاتفاق على حكومة وحدة وطنية بمشاركة الجميع. سيتطلب ذلك اتفاقاً موقعاً من قبل الجميع يتضمن أولاً خلق عملية انتقالية سياسية مع حكومة وحدة وطنية تضم جميع الأطراف وفقاً للقرار 2216، وثانياً سيتطلّب وضع ترتيبات أمنية لانسحاب جميع المجموعات المسلحة من اليمن ونزع سلاحها، بطريقة تضمن امتثالها للوعود التي قطعتها. إن تسلسل الترتيبات الأمنية له أهمية كبيرة للنجاح، وكان هناك كثير من النقاش في الكويت حول كيفية القيام بذلك".
يستعرض غريفيث أحد البنود المهمة في قرار مجلس الأمن رقم 2216، وهو "إجراء حوار سياسي شامل". ثم يقول: "لذلك، كجزء من مشاوراتنا، سنقوم بإشراك المرأة اليمنية، لأننا نعرف مدى أهمية مشاركتها في إيجاد حلول وسطية وإعطاء الأولوية للسلام. نحن نعلم أنّ الواقع قد تغيّر في الجنوب. يحتاج أبناء الجنوب أن يكونوا جزءاً من هذه العملية بطريقة أو بأخرى نعمل على تحديدها معهم، لأنه يجب أن يكونوا جزءاً من مستقبل اليمن ولا يمكن تجاهلهم. و ﺛﺎﻟﺜﺎً، هناك الأﺣﺰاب اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ وأبرزها اﻟﻤﺆﺗﻤﺮ اﻟﺸﻌﺒﻲ اﻟﻌﺎم، اﻟتي ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﺗﻜﻮن أيضاً ﺟﺰءاً ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ. معظم هؤلاء ممثلون في حكومة اليمن أو أنصار الله ولكن ليس كلهم، لذلك نحن بحاجة إلى إيجاد طرق لإشراكهم".
وأمس السبت 1 سبتمبر 2018م أقرّت اللجنة العامة لحزب "المؤتمر الشعبي العام" تفويض قيادة الحزب في صنعاء باختيار أسماء وفد حزب المؤتمر الشعبي العام للمشاركة في مشاورات جنيف.
أقرّت اللجنة العامة للحزب برئاسة صادق أبو رأس المشاركة في مفاوضات جنيف ضمن وفد وطني يمثل "جماعة أنصار الله" و"حزب المؤتمر الشعبي"، ويتكون من 12 عضواً.
لكن المجلس الانتقالي الجنوبي يصر في تعامله مع أنصاره على أن الأمور تسير في مسارها الصحيح، وأنه "من خلال تبادل الأفكار مع المبعوث الخاص مارتن غريفيث ومكتبه، يؤكد المجلس الانتقالي الجنوبي على استعداده التام للاستمرار في الحوار مع كافة القوى الوطنية الجنوبية المؤمنة بقضية الجنوب".
يؤكد غريفيث خلاف ذلك تماماً بقوله: "من الضروري أن يدرك الجنوبيون ما سيحدث في المشاورات، ولاحقاً في المفاوضات لأنها ستؤثر فيهم. إن مسألة مستقبل الجنوب لن يتمّ التفاوض بشأنها في هذه المشاورات. بل ستكون جزءاً من نقاش يمني في المرحلة الانتقالية. لقد شرحنا ذلك للجنوبيين، وقد أوضحنا ذلك لجميع المعنيين وهم يوافقون على ذلك". علاوة على ذلك، يضيف: "بصفتي مبعوث الأمم المتحدة أؤمن بسيادة ووحدة وأمن أي دولة، التي هي قيم الأمم المتحدة، فإننا لا ندعم الانفصال، نحن لا ندعم أي انفصال ما لم يكن نتيجة عملية توافقية داخل تلك الدولة العضو، لذلك نحن بالفعل نأخذ الرأي القائل إن وحدة اليمن مهمة، وهي فعلاً كذلك. إذا انفصل اليمن اليوم فسيكون ذلك كارثياً".
ومع ذلك يشعر مراقبون أن مفاوضات جنيف المحتملة بعد أيام لن تسفر عن شيء مهم لانعدام مؤشرات حقيقية دالة على رغبة الأطراف السياسية في الوصول إلى حل سياسي عادل.
يقول غريفيث: "يجب أن يعرف الناس أن الضمانة الحقيقية الوحيدة لأي اتفاق هي إرادة الأطراف، ولا بد من التأكيد أنّ المجتمع الدولي ليس بالضرورة قوة عسكرية. يمكن لمجلس الأمن تقديم ضمانات، بل يمكن أن يضع عقوبات، ولكن إذا لم ترغب الأطراف في أن تنجح العملية، فلن تنجح. قد يقول كثير من الناس إن عليك فرض الحلول، لكن ما نحاول فعله هو التوصل إلى اتفاق. الاتفاق يعني اتفاقاً طوعياً، غير مفروض فرضاً".
وتعيش اليمن منذ 26 مارس 2015 في حرب ضارية بين جماعة الحوثيين (أنصار الله)، وقوات يمنية تابعة للحكومة المعترف بها دولياً مدعومة بقوات التحالف العربي الذي تقوده السعودية والإمارات ويشن ضربات جوية وبرية وبحرية في مختلف جبهات القتال وعلى معاقل الحوثيين، تمكنت من خلالها استعادة السيطرة على أجزاء كبيرة في البلاد، لكن الحوثيين لا يزالون يسيطرون على العاصمة صنعاء وأغلب المحافظات والمناطق شمال البلاد.