تزايدت وتيرة المعارك في اليمن بصورة غير مسبوقة خلال الأسابيع القليلة الماضية بين قوات الشرعية التابعة للرئيس هادي المسنودة جوا وبرا بقوات التحالف العربي من جهة، وبين القوات التابعة لجماعة الحوثي (أنصار الله) من جهة أخرى.
ويبدو فإن ملامح المعارك القادمة تؤشر لحل عسكري وشيك في بعض جبهات القتل، مع فشل المساعي الدولية للوصول إلى تسوية ترضي جميع الاطراف، واتجاه طرفي النزاع للدفع والتحشيد صوب جبهات القتال، وعلى وجه التحديد باتجاه الساحل الغربي ومدينة الحديدة غربا، وشمالا صوب صعدة المعقل الرئيس للجماعة.
ومع تسارع حدة المواجهات شمال وغرب اليمن، يتساءل الكثيرون عن الأسرار الخفية للسكون الذي يغلف المواجهات العسكرية على جبهتي ميدي شمال غرب البلاد ونهم، والاخيرة أحد أهم الجبهات القتالية في اليمن في التخوم الجبلية شرق العاصمة صنعاء التي حظيت فيها قوات هادي مسنودة بالتحالف باهتمام كبير، ودعم غـير مماثل لبقية الجبهات منذ الدقائق الأولى لانطلاق شرارتها.
ما جرى في جبهة نهم
في مقال على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" يؤكد الناشط السياسي اليمني أنس الخليدي أن جبهة نهم هي الجبهة الوحيدة التي خُصص لها دعماً لوجستياً، وموازنة مالية كبيرة، نظراً لأهميتها الاستراتيجية، ولما ستلعبه من دور هام في مجريات الحرب ضد قوات الحوثي باتجاه صنعاء ومأرب في آن واحد، بيد أنه فسر أسبابا عديدة -يرى من وجهة نظره- أنها السبب الرئيس في توقف زحف قوات الشرعية صوب العاصمة، خلاصتها ما يلي بحسب الخليدي:
أدى دعم هذه الجبهة إلى نشوب نزاع حاد بين رئاسة الأركان اليمنية، وقيادة اللواء 141 مشاه برئاسة العميد هاشم الأحمر الذي تمرد علناً على توجيهات رئاسة الأركان وعمل مستميتاً بجهوده، ونفوذه في هرم السلطة على إدارة وقيادة هذه الجبهة.
انطلقت جبهة نهم الاستراتيجية في معارك شكلية تبدو واضحة للجميع، في كل صباحٍ يقود أفراد المقاومة الشعبية والجيش الوطني التابع للرئيس هادي هناك معارك استبساليه شرسة تمكنهم من إحرازِ تقدمات عسكرية، والسيطرة على عشرات الكيلومترات باتجاه المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الحوثيين على مشارف العاصمة صنعاء، لكن المواقع المسيطر عليها تترك دون أي تعزيزات عسكرية ليتم استعادتها مساءً بإمكانيات سهلة من قبل الحوثيين، وبين عملية عسكرية وأخرى ينفذهـا أفـراد قوات هادي في نـهـم، يسقط العشرات من الجنود بين قتلى وجرحى دون مبالاة من القيادة العسكرية المكلفة في إدارة الجبهة ممثلة باللواء 141 مشاه.
مدنيون يقودون الجبهة
بعد مرور وقت قصير لا يتجاوز الأسبوع تقريباً، سلمت قيادة جبهة نهم لمجموعة من المدنيين والتربويين -يتبعون فصيلا سياسيا بعينه- تم تنصيبهم بمحسوبية، وترقيتهم بالرتب والمناصب دون أي خلفية عسكرية تؤهلهم لإدارة جبهة مهمة كجبهة "نهم"، فيما ذهبت القيادة العسكرية -مسرعة- لإحكام السيطرة على منفذ الوديعة وإيراداته المتدفقة بكثرة جراء حركة المغتربين والتجار بين اليمن والسعودية، لدرجة رفضها القبول بأوامر وتوجيهات قيادات الدولة التي قضت حرفياً بتسليم المنفذ إلى جهة أخرى مختصة، ومكلفة بقرار رئاسي.
بصورة تدريجية لا يمكن تسميتها إلا بالمؤامرة المدبرة تم القضاء على أهمية واستراتيجية جبهة "نهم" التي تحولت واقعياً إلى مجرد كمين محكم دُبـر لاستنزاف أفراد قوات ما يسمى "المقاومة الشعبية والجيش الوطني" التابعة للرئيس هادي.
يقود التربوي، والمهندس، والمدني الذين أصبحوا قادةً عسكريين للعديد من الألوية، والسرايا العسكرية في جبهة نهم، هجمات عسكرية شبه يومية ضد مواقع الحوثيين بمئات من الأفراد، لكن النتيجة الحتمية لذلك الفشل، والعودة بخسائر بشرية فادحة.
يتعامل التربوي الذي يقود الألوية العسكرية مع المعركة والهجمات القتالية في الجبهة كما يتعامل مع القاعدة النحوية، فالمسألة تبدو له مسألة "نحوية" ليس بالضرورة أو المهم أن يتعامل معها بخطة عسكرية هندسية، وفي أقل المتطلبات العسكرية دراية كاملة بتضاريس المكان، والتكتيكات القتالية الملائمة، والبقية على هذا النحو.
ميدي والمغامرة بحياة الجنود
ويعرج الخليدي في مقاله على جبهة ميدي التي تعد موقعاً استراتيجيا مهماً في المعركة ضد جماعات الحوثي، كونها أحد أهم الشرايين التي تربط بين معقل جماعة الحوثي (صعدة)، والساحل الغربي الذي يلعب دورا مهما في تعزيز قوات الحوثي بالأسلحة العسكرية اللوجستية، ومنفذًا بحرياً يربط بين الجماعة وبين الخبراء، والمستشارين الإيرانيين، حد وصفه.
وقف التحالف العربي والشرعية اليمنية أمام أهمية ميدي الاستراتيجية المتمثلة في التقدم والسيطرة شرقاً باتجاه مدينة حرض اليمنية التي تقع تحت سيطرة الحوثيين، وهي مدينة يمنية بها منفذ حدودي مع المملكة العربية السعودية توقف العمل فيه مع بدء المعارك، ومن الجهة الجنوبية فإن تحرير ميدي يمثل طريقاً مباشراً نحو تحرير مدينة الحديدة والساحل الغربي أحد أبرز الأوراق التي تشكل هاجسا لقيادة التحالف العربي كتهديد إيراني يستهدف الملاحة الدولية عبر قوات الحوثي هناك.
يرى الخليدي أن السيطرة على ميدي يمثل خطـاً إسنادياً في تأمين أي تحرك عسكري لقوات هادي وقوات التحالف العربي باتجاه صعدة المعقل الأساسي لجماعة الحوثي.
خذلان للقائد القميري
ويؤكد الخليدي أن: اللواء الركن عادل القميري أحد أبرز القـيادة العسكرية اليمنية تمكن من إدارة جبهة ميدي إدارة عسكرية ناجحة منذ بداية انطلاقتها ولعدة أشهر، قاد خلالها معارك قتالية استبسالية، وفي أقل من شهر نجح في السيطرة على مواقع هامة كانت تحت سيطرة جماعة الحوثي محققا تقدما عسكرياً نحو مواقع أخرى.
استمات الحوثيون دفاعاً عن ميدي كونها تمثل أهمية أكبر من صنعاء، وبقية المحافظات اليمنية الواقعة تحت سيطرتهم الأمر الذي دفعهم إلى زراعة الغام أرضية بشكل هستري في مواقع مختلفة، بهدف منع تقدم قوات القميري والجيش الوطني خلال المواجهات العسكرية.
لا يملك اللواء القميري معدات وآليات عسكريـة لوجستية تمكنه من متابعة عملية تحرير منطقة ميدي بالكامل التي أوشك على السيطرة عليها بخبرته العسكرية الهندسية، استعدادا لعملية تحرير شاملة، وشكل إقدام الحوثيون على زرع الغام أرضية عائقًا أساسياً نتج عنه توقف المعارك في صحراء ميدي.
رفض القميري استمرار المعارك في ميدي على الـرغم من توجيهات رئاسية بالاستمرار، معللاً ذلك بعدم السماح لأفراد جيشه بالتقدم خطوة واحدة للأمام مالم يكن هناك آليات عسكرية متخصصة تنزع الألغام التي زرعها الحوثيون، مشيراً إلى أن التقدم بدون نزع الألغام تفريط مباشر في حياة الجنود.
يُدير القيادي العسكري المعارك وفق خطط هندسية عسكرية محكمة، يركز فيها على الخـسائر أكثر من المكاسب والانتصارات فالجندي في نظر القائد هو من يصنع النصر، والحفاظ عليه أمراً مهماً بين مهمة وأخرى وعملية وأخرى، وهـكـذا كان اللواء القميري يُـديـر جـبـهـة ميدي بعقلية هندسية عسكرية.
مصدر عسكري -لم يسمه الخليدي في مقاله- قال: إن نائب رئيس الجمهورية اليمنية الفريق علي محسن الأحمر، مارس الـضـغـط باستمرار على القميري للعودة إلى جبهة ميدي، واستكمال قيادة المعارك لكن دون دعم عسكري وآليات، ما جعل القميري يقدم تنازلا عن قيادة المعركة في ميدي بصورة نهائية.
قيادة مدنية لألوية عسكرية
عقب ذلك تلقى التحالف العربي تقريراً مغلوطًا جانب الحقيقة بصورة كاملة حول الأحداث الأخيرة في ميدي وتوقف المعارك هـناك، وتعذر استكمال قيادة المعركة بدا من خلاله أن مـا يحدث من خذلان في ميدي يهدف إلى توقف المعركة ضد الحوثيين، ومع مرور الوقت بدا أن طرفا سياسيا سعى جاهداً للسيطرة على قوات الشرعية في جبهة ميدي، وإدارتها من خلال إجراء تغيير جذري، تمثل في إعادة هيكلة العديد من القادة العسكريين واستبدالهم بقيادة عسكرية شكلية من المدنيين والتربويين كما هو الحال في جبهة نهم.
وخلال أسبوع تمكن الحوثيون من استعادة مواقعهم التي تم السيطرة عليها سابقًا في ميدي، إضافة إلى توغلهم عشرات الكيلومترات، الأمر الذي دفع السعودية للاهتمام بجبهة ميدي وتعزيزها وتمويلها، بينما الحقيقة أن ميدي تعيش واقعاً استنزافيا مالياً وعسكرياً وبشرياً لا يختلف عن واقع جبهة "نهم".
فرَ العديد من الجنود من جبهة ميدي إلى جبهات أخرى داخلية مختلفة، فيما عاد البعض إلى منازلهم بعد النجاة بأعجوبة من موت محقق قادماً من الخلف.
روى أحـد الجنود في ميدي قائلًا: بعد أن نصبح في وسط المعركة يتم إبلاغنا ونحن وسط خطوط النار بأوامر عليا من قيادة الألوية بالانسحاب من المعركة فوراً، وبينما نخطط لتغطية الانسحاب التدريجي يتم تصويبنا من الخلف مباشرة بحجة رفض الأوامر العسكرية والانسحاب من المعركة.
غياب الخلفية والتكتيك العسكري عن المدني والتربوي المراهق الذي أصبح قائداً برتبة رفيعة لسرايا وألويه عسكرية يبدو طبيعيا جدا بالنسبة لهم، وشبيه بالانسحاب في لعبة كرة قـدم دون أي ضرورة لتغطية مسلحة مدروسة.
مثل غياب الرقابة الوظيفية في المؤسسة العسكرية تحديداً خلال الثلاث السنوات الأخيرة الماضية عبثاً وظيفياً أودى بحياة الآلاف من اليمنيين إلى المحرقة خصوصا في جبهة ميدي فـالأمر مطلقاً لا يتعلق بالكفاءة العسكرية أو الخبرة بل بالمحسوبية الحزبية والولاء السياسي، وهناك الكثير من الثبوتيات والأدلة الواضحة.
محاكمة مطلوبة
ويرى الخليدي في ختام مقاله أن ما حدث في جبهتي ميدي ونهم مؤامرة خبيثة، وحرب إبادة بحق الإنسانية، ومن الواجب المهني والإنساني والوطني، السعي وراء محاكمة القيادة المدنية التي ترأست تلك الألوية، والسرايا العسكرية بطريقة غير قانونية وغـيـر شرعية خلفت آلاف الشهداء والجرحى.