مجلة أمريكية تتحدث عن تورط أمريكا بالحرب في اليمن وعدم تحقيق أهدافها (ترجمة ديبريفر)

مجلة "ذي ناشيونال انترست" الأميركية – ترجمة خاصة لـ"ديبريفر"
2018-09-11 | منذ 5 سنة

دعم واشنطن لحملة السعودية أدى لتدمير البنية التحتية البسيطة للدولة اليمنية وبالتالي تدهور قدرة الدولة على السيطرة على الأراضي ليؤدي إلى توسع تنظيم القاعدة

Click here to read the story in English

نشرت مجلة "ذي ناشيونال انترست" الأميركية، مقالاً للكاتب محمد أيوب، أمس الأول تحدث فيه عن تورط الولايات المتحدة في الحرب الدائرة في اليمن منذ ثلاث سنوات ونصف.

ورأى الكاتب إن واشنطن تورطت في هذه الحرب لسببين رئيسيين، أولهما، بعدما أصبحت اليمن الملاذ الأخير لفرع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وهو الفرع الأكثر نشاطاً للتنظيم والذي كانت الولايات المتحدة تستهدفه لسنوات، أما السبب الثاني، فهو دعم أمريكا لحليفتها السعودية الذي يُحركه عداء واشنطن تجاه إيران، ويستند تحالفها مع السعودية في المقام الأول على تصورهما المشترك بأن النفوذ الإيراني في المنطقة سيزداد إذا ما تُرك دون رادع.

واعتبر الكاتب أن السياسة الأمريكية لم تحقق هدفها بإخراج فرع القاعدة في شبه الجزيرة العربية من اليمن، بل ساعد التنظيم في التوسع، وذلك من خلال دعم حملة السعودية لتدمير البنية التحتية البسيطة للدولة اليمنية وبالتالي تدهور قدرة ما تبقى من الدولة في السيطرة على الأراضي، ما وفر للقاعدة في شبه الجزيرة العربية فرصة لتوسيع وجودها في اليمن، تماماً مثل السياسة الأمريكية التي عملت على تدمير هياكل الدولة العراقية.

وتحدث الكاتب عن أصل الصراع السعودي الإيراني في المنطقة، مؤكداً أن الصراع ليس بين السنة والشيعة، بل صراع "جيوسياسي"، بالإضافة إلى محاور هامة.

وكالة "ديبريفر" للأنباء قامت بترجمة المقال من الإنجليزية إلى العربية، وفي ما يلي نصه:

 

بقلم: محمد أيوب*

الآن وبعد أن انتهى النزاع حول سوريا، أصبح اليمن النقطة المحورية للصراع على السلطة وبسط النفوذ بين المملكة العربية السعودية وإيران، حيث تتنافس القوتان الرئيسيتان على السلطة وبسط النفوذ في الخليج الفارسي والشرق الأوسط الكبير. فبعد أن خسر السعوديون في سوريا، أخذوا يضاعفون جهودهم ليدرؤوا عن أنفسهم ما يمكن اعتباره انتصارا آخراً لإيران في اليمن، البلد المجاور.

وبالتالي من الممكن أن يجري تصعيد الحرب التي شنتها القوات السعودية والإماراتية وحلفاؤهم اليمنيين ضد الحوثيين، الزيديين الشيعة الذين يسيطرون الآن على العاصمة صنعاء ومناطق واسعة من شمال اليمن، وربما يؤدي ذلك إلى مواجهة مباشرة بين المملكة العربية السعودية وإيران، وهذا أمر يبدو معقولا نظرا للتهديدات التي وجهها ولي العهد محمد بن سلمان لشن الحرب على إيران.

يُصور الصراع في اليمن في الصحافة الغربية وفي تصريحات القادة الأميركيين على أنه معركة طائفية بين السنة والشيعة. على سبيل المثال، قال الرئيس أوباما، الذي كان يتحدث عن الصراعات في الشرق الأوسط بشكل عام، إنها "صراعات تعود جذورها إلى آلاف السنين". وصرح كاتب عمود الشؤون الخارجية في صحيفة نيويورك تايمز توماس فريدمان قائلا أن في اليمن "القضية الرئيسية هي قضية صراع القرن السابع على من هو الوريث الشرعي للنبي محمد (الشيعة أم السنة)؟.

مثل هذه التصريحات تدل على عدم إلمام مزعج بالمعلومات حول النزاعات في الشرق الأوسط بشكل عام وفي اليمن بشكل خاص. أصبحت الحرب الأهلية في سوريا متداخلة مع التنافس الإقليمي والدولي بين المملكة العربية السعودية وإيران من جهة، وروسيا والولايات المتحدة من جهة أخرى. لكنها لم تبدأ كصراع بين الشيعة والسنة، وبدلاً من ذلك، فقد بدأت كصراع متعدد الطوائف من أجل الديمقراطية وإنهاء ديكتاتورية الأسد، وفي الأساس لم تكن العداوات الطائفية هي ما يملي التدخلات السعودية والإيرانية في سوريا.

فالرئيس الأسد ورجاله الدينيين، العلويين، ليسوا شيعة، وعند تعريف المذهب العلوي الذي تحيط السرية الشديدة بمعتقداته، غالباً ما يصور على أنه فرع من الإسلام الشيعي. وفي الواقع، يختلف العلويين عن معظم المسلمين كثيرا، بمن فيهم معظم الشيعة، الذين يعتبرونهم كما يعتبرون الدروز، خارجون عن الإسلام. حاول بشار الأسد، مثل والده حافظ الأسد، أن ينفصل بنفسه عنهم ويكون كمسلم فقط لأن ذلك يمنحه شرعية سياسية أكبر كحاكم لبلد ذو أغلبية مسلمة.

ومثلما حدث في سوريا، حيث كان التنافس الجيوسياسي السعودي الإيراني القائم على الدوافع السياسية الواقعية، على حساب الشعب السوري، فإن النضال السعودي الإيراني من أجل التفوق هو عامل رئيسي في الحرب الأهلية اليمنية. وفي حين أن تفاصيل الحالتين ليست متشابهة، إلا أن اليمن، مثل سوريا، يبرهن أن الصراع الدائر ليس صراعاً طائفياً بين السعوديين الذين يدعمون السنة والإيرانيين الذين يدعمون الشيعة.

الحوثيون، الذي قدموا من الشمال هم في الواقع شيعة، لكنهم شيعة زيديين، وهذا فرع حقيقي من المذهب الشيعي ولكنه مختلف جدا عن مذهب الشيعة الإثنى عشريين في إيران وهو أقرب إلى الإسلام السني. تأسست الإمامة الزيدية في اليمن في القرن التاسع، وبسط الأئمة الزيديين حكمهم على مساحات شاسعة من شمال اليمن، ومنذ عام 1918، أقام إمامان قويان، أب وابنه، حكمهما في منطقة شمال اليمن بأكملها تقريباً إلى أن تمت الإطاحة به عام 1962 من قبل مجموعة من الضباط القوميين العرب، بدعم من الرئيس المصري جمال عبدالناصر الذي أعلن قيام الجمهورية العربية اليمنية.

نشبت حرب أهلية بين الجمهورية وإمام اليمن، ومن الجدير بالملاحظة أنه خلال تلك الحرب الأهلية التي استمرت خمس سنوات كانت المملكة الوهابية السنية (المملكة العربية السعودية) هي الداعم الرئيسي ومورد الأسلحة للإمام الشيعي الزيدي في اليمن. كان الدعم السعودي للإمامة والكراهية للجمهورية نتيجة للتنافس بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية، التي دعمت الجمهورية العربية اليمنية. انهارت الإمامة في العام 1967عندما سحبت المملكة العربية السعودية دعمها. تُظهر هذه الحلقة بوضوح أن الدور السعودي في اليمن في الحرب الأهلية السابقة قد تم تحديده من خلال اعتبارات إستراتيجية، وبصورة أساسية خوف آل سعود من أن مصر ناصر كانت تنشر أيديولوجية عربية وجمهورية تهدد حكمها، ولم يكن لها علاقة بالاعتبارات الطائفية لأن معظم الجانب الجمهوري كانوا من السنة مثل السعوديين، بينما كان إمام اليمن شيعياً زيدياً.

وينطبق الشيء نفسه على سياسة المملكة العربية السعودية اليوم في معارضتها للحوثيين الذين يجسدون السياسة الحديثة للإمامة الزيدية التي كانت تدعمها منذ وقت ليس ببعيد. الفرق في الحالتين هو أنه في الستينيات كان التدخل السعودي في الحرب الأهلية اليمنية سراً في حين أن التدخل السعودي الحالي في الحرب والذي كان من بنات أفكار ولي العهد الأمير السعودي محمد بن سلمان، تدخل ظاهر جداً، فالطائرات السعودية والإماراتية المقاتلة تقصف اليمن وتلحق خسائر فادحة بعامة اليمنيين وتقتل المئات وتجرح الآلاف، كما تسببت في إلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية الهزيلة بالفعل في اليمن، وقصفها ذلك أعاد اليمن إلى العصر الحجري.

ومع ذلك، فإن الهجمات السعودية وحلفائها لم تحد من تأثير السيطرة الحوثية على شمال اليمن، بما في ذلك عاصمتها. إن ما نجحت الاستراتيجية السعودية في فعله هو دفع الحوثيين إلى امتلاك السلاح الإيراني، الأمر الذي جعل من دعم طهران لهم نبوءة تحقق ذاتها. لقد وفرت السياسة السعودية لإيران فرصة مرسلة من الله للاستفادة من الهجمات العسكرية القاسية للرياض وإيجاد موطئ قدم استراتيجي لها في اليمن، فرداً على الهجمات السعودية على الحوثيين، قام الإيرانيون بتزويدهم بالأسلحة، بما في ذلك الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، وتصل إليهم في كثير من الأحيان عبر وكليهم حزب الله اللبناني، وهذا ما مكن الحوثيين من إطلاق الصواريخ بصورة دورية على أهداف استراتيجية داخل الأراضي السعودية.

لقد تورطت الولايات المتحدة في النزاع لسببين رئيسيين. أولاً، أصبحت اليمن الملاذ الأخير لفرع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، الأكثر نشاطاً والذي كانت الولايات المتحدة تستهدفه لسنوات. ثانياً، الدعم الأمريكي لحليفتها السعودية يُحركه عداء واشنطن تجاه إيران. ويستند تحالفها مع المملكة العربية السعودية في المقام الأول على تصورهم المشترك بأن النفوذ الإيراني في المنطقة سيزداد إذا ما تُرك دون رادع، كما أن شراء السعودية الأسلحة الأميركية المتطورة التي تساعد في بقاء صناعة الأسلحة الأمريكية في القمة هي دافع أيضا للدعم الأميركي للسعودية.

 لقد أدى الدعم الأمريكي للمغامرات السعودية في اليمن إلى زيادة الأزمة الإنسانية في البلاد، حيث تغاضت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون عن التجاوزات السعودية، ما حفز الرياض على مواصلة حملتها القاسية.

لم تحقق السياسة الأمريكية هدفها بإخراج فرع القاعدة في شبه الجزيرة العربية من اليمن. وفي الواقع، من خلال دعم حملة المملكة العربية السعودية لتدمير البنية التحتية البسيطة للدولة اليمنية وبالتالي تدهور قدرة الدولة المتبقية على السيطرة على الأراضي، فقد توفر للقاعدة في شبه الجزيرة العربية فرصة لتوسيع وجودها في اليمن تماماً مثل السياسة الأمريكية التي عملت على تدمير هياكل الدولة العراقية. حيث ساعدت القاعدة أولاً ومن ثم داعش على غرس مخالبهما في ذلك البلد. ودائما ما توفر الدول الفاشلة أرضية خصبة مثالية للإرهابيين.

إن دعم واشنطن للسياسة العدوانية لمحمد بن سلمان تجاه اليمن سوف يؤدي إلى نتائج عكسية من حيث تحقيق الأهداف الأمريكية في اليمن والمنطقة، ومن المُرجح أن يوفر ذلك لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب وربما منظمات جهادية أخرى ذات المساحة الإقليمية لبناء وتوسيع قواعدها. علاوة على ذلك، سيعود ذلك على المدى البعيد إلى صالح إيران وحلفائها عندما تضطر المملكة العربية السعودية إلى إنهاء تدخلها في اليمن كنتيجة للإرهاق الشديد إذا لم يكن هناك شيء آخر.

إن طبوغرافيا اليمن، خاصة في الشمال الذي هو معقل الحوثيين، تشبه إلى حد كبير مثيلتها في أفغانستان، ما يجعل من الصعب للغاية إنهاء التدخلات الأجنبية بنجاح. لقد حان الوقت لإعادة تقييم واشنطن لاستراتيجيتها تجاه اليمن وفك ارتباطها بالصراع السعودي الإيراني الذي يمكن أن يجرها إلى مستنقع آخر.

ـــــ

* محمد أيوب، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة ميشيغان الأميركية وزميل بارز في مركز السياسة العالمية. ومن بين الكتب التي ألفها كتاب "الوجوه المتعددة للإسلام السياسي" وآخر إصدارته "الشرق الأوسط سينفجر" و "تقييم الحرب على الإرهاب".


لمتابعة أخبارنا على تويتر
@DebrieferNet

لمتابعة أخبارنا على قناة "ديبريفر" في التليجرام
https://telegram.me/DebrieferNet