اليمن.. انهيار اقتصادي ومحاولات حكومية لإيقافه وسط ارتفاع هائل للأسعار وأزمة مشتقات نفطية حادة (تقرير ديبريفر)

صنعاء – عدن (ديبريفر) تقرير اقتصادي
2018-09-17 | منذ 5 سنة

انهيار اقتصادي وأزمات متتابعة في اليمن

يشهد الاقتصاد اليمني منذ بضعة أسابيع، تدهور مستمر ينذر بانهيار اقتصادي كامل وكارثة إنسانية كبرى في البلد الذي يعيش حرب مستمرة منذ ثلاث سنوات ونصف، وتؤكد الأمم المتحدة أنه يعيش حالياً "أسوأ أزمة إنسانية في العالم".

وتحاول الحكومة اليمنية "الشرعية" المعترف بها دولياً، اتخاذ إجراءات وخطوات لوقف تسارع التدهور الاقتصادي، غير أن محاولاتها لم تثمر في ظل فساد كبير في صفوف هذه الحكومة، وفقاً لاتهامات سياسيون واقتصاديون ومحللون ومراقبون.

وتبدو الحكومة "الشرعية" عاجزة عن إيقاف هذا التدهور بعدما اتخذت إجراءات عديدة خلال الأسابيع الماضية، لم تفلح عن وقف انهيار الاقتصاد واستمرار تدهور سعر الحملة المحلية "الريال اليمني" مقابل العملات الأخرى، ما أدى إلى ارتفاع مهول في أسعار المواد الغذائية والأساسية ومختلف السلع، في ظل عدم انتظام صرف مرتبات الموظفين الحكوميين، لاسيما في المناطق الشمالية التي يسيطر عليها الحوثيون والتي لم يستلم فيها الموظفون مرتباتهم منذ زهاء عامين ونصف.

 

محاولات حكومية

وفي مسعى لوقف الانهيار الاقتصادي، أعلنت الحكومة "الشرعية"، اليوم الاثنين، عن اتخاذها عدد من القرارات والإجراءات.

وقالت وكالة الأنباء اليمنية الحكومية "سبأ" بنسختها في العاصمة السعودية الرياض، اليوم الاثنين، إن رئيس مجلس الوزراء الدكتور أحمد عبيد بن دغر، وجه وزارة المالية، والبنك المركزي اليمني، بتخصيص عشرة ملايين دولار لتغطية احتياجات شركة النفط من العملة الصعبة، في خطوة تهدف إلى تخفيف الضغط على السوق في الطلب على الدولار.

وذكرت الوكالة أن التوجيه جاء بناء على نتائج اجتماعات اللجنة الاقتصادية التي أقرت تخصيص عشرة ملايين دولار شهرياً من إيرادات النفط لتوفير العملة الصعبة بسعر السوق لشركة النفط اليمنية لتغطية جزء من احتياجاتها لشراء المشتقات النفطية، على أن يستخدم هذا المبلغ لتوفير حاجة المواطنين من المشتقات النفطية، (ديزل وبترول)، ويورد ما يعادله بسعر السوق بالريال اليمني إلى حساب بديل لصالح إيرادات الدولة.

ونقلت الوكالة عن بن دغر، تأكيده على "الأخذ بعين الاعتبار كل العوامل المؤثرة على سعر الصرف، موجهاً البنك المركزي اليمني بإصدار نشرة يومية لسعر صرف الريال مقابل العملات الأجنبية، وفقاً لآليات العمل المصرفي المتعارف عليها، والتي تضمن أن يكون معبراً عن متوسط السعر الحقيقي للسوق في مختلف مناطق الجمهورية".

وأشارت الوكالة إلى أنه في إطار المعالجات الهادفة لاستقرار سعر الصرف، فإن اللجنة الاقتصادية تدرس في اجتماعاتها برئاسة رئيس الوزراء وحضور وزير المالية ومحافظ البنك المركزي وأعضاء اللجنة الاقتصادية التي يرأسها الخبير المالي حافظ فاخر معياد رئيس سابق لبنك التسليف الزراعي (كاك بنك)، وهو أيضاً أحد رجالات الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح، إجراءات مهمة تتعلق برفع سعر الفائدة وفقاً لظروف السوق المالية، وبما يحقق أعلى عائد على الودائع، وسيعلن عنها البنك المركزي في الساعات القادمة باعتباره جهة الاختصاص.

في سياق متصل شدد رئيس الوزراء بن دغر، اليوم الاثنين، على وزارة المالية والبنك المركزي اليمني بسرعة تنفيذ توصيات اللجنة الاقتصادية وذلك باستخدام الفائض من الأرصدة بالعملة الأجنبية للجهات والمؤسسات والصناديق الحكومية والعامة، لمواجهة أسباب انخفاض سعر العملة الوطنية.

ووفقاً لوكالة الأنباء الحكومية، أكد بن دغر خلال ترأسه اجتماعاً للجنة الاقتصادية، على سرعة تنفيذ تلك التوصيات دون أي تأخير.

وأقرت اللجنة في اجتماعها عدد من الإجراءات الملزمة لإغلاق حسابات الجهات والمؤسسات والصناديق الحكومية والعامة في جميع البنوك التجارية وحصرها في البنك المركزي اليمني بعدن فقط وفقا للقانون، وذلك بالإضافة إلى تحديد حجم الأرصدة الخاصة بتلك الجهات بالعملة الأجنبية في الداخل والخارج ومقارنتها بخطة التدفق النقدي لاحتياجاتها من تلك العملات وتحديد الفائض منها في الأجل المتوسط على الأقل.

ونصت الإجراءات، بحسب الوكالة، على أن يقوم البنك المركزي باستخدام تلك الأرصدة الفائضة من العملات الأجنبية في تغطية الطلب على الدولار لأغراض استيراد المشتقات النفطية وبما يخدم تخفيف الضغط على الدولار ومنع تدهور قيمة العملة المحلية في الأجل القصير.

 

أزمة وقود حادة

تأتي توجيهات رئيس الوزراء، بتخصيص عشرة ملايين دولار لتغطية احتياجات شركة النفط من العملة الصعبة، في وقت تشهد مدينة عدن التي أعلنتها الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً عاصمة مؤقتة للبلاد، وكذا مدينة صنعاء العاصمة الرسمية للبلاد والتي يسيطر عليها الحوثيون، أزمة وقود خانقة ومتزايدة منذ أيام.

وتوقفت مصفاة عدن النفطية مؤخراً، من ضخ إمدادات الوقود إلى خزانات شركة النفط بعدن وسط صمت وتجاهل تام من الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي يتواجد حالياً في الولايات المتحدة الأمريكية للعلاج، وحكومته المتواجدة في العاصمة السعودية الرياض، رغم إعلانها عدن عاصمة مؤقتة للبلاد ومقراً لها.

وارتفعت أسعار مادة البنزين يومي الأحد والاثنين، بشكل كبير ولافت في محطات البيع الخاصة في مديريات عدن الثمان، مع استمرار أزمة انعدام الوقود وازدهار السوق السوداء.

وشاهد مراسل وكالة "ديبريفر" للأنباء ازدحام شديد للسيارات أمام المحطات الخاصة للتزود بالبنزين في عدن والتي تبيع بأسعار جديدة، حيث ارتفع سعر اللتر البنزين إلى 400 ريال أي ما يعادل 8000 ريال يمني للدبة (20 لتر) مقارنة بـ 6600 ريال السعر الرسمي المحدد من شركة النفط الحكومية.

ورغم السعر المرتفع إلا أن البنزين غير متوفر سوى في عدد قليل من المحطات، ما تسبب في طوابير طويلة من السيارات أمام المحطات بغية تزودها بالوقود، بينما وصل سعر الدبة البنزين (20 لتر) في السوق السوداء، اليوم الاثنين إلى نحو 15 ألف ريالاً، وسط اتهامات من مواطنين لبعض الجهات والأطراف المسؤولة، بتسهيل وازدهار السوق السوداء من أجل التربح المادي.

وأكد مواطنون وسكان أن ارتفاع أسعار الوقود بهذا الشكل الكبير يفاقم من الأوضاع الاجتماعية والمعيشية للمواطنين الصعبة والمتدهورة أصلاً، خصوصاً وأن ارتفاع أسعار المشتقات النفطية ينعكس مباشرة على السلع الاستهلاكية والخدمات والمواصلات، فضلاً عن أسعار الخضروات والفواكه وغيرها من المواد والسلع الضرورية.

وتشهد مدينة عدن والمحافظات الجنوبية الأخرى بينها حضرموت وشبوة، موجة احتجاجات شعبية غاضبة بين الحين والآخر، تنديداً بفشل الحكومة في إدارة شؤون البلاد واستمرار انهيار الاقتصاد والعملة المحلية.

 

استمرار انهيار الريال

وتأتي الإجراءات الحكومية، في وقت واصل الريال اليمني تراجعه المخيف وفقدان قيمته أمام الدولار الأمريكي والعملات الأجنبية في سوق الصرف، ليسجل في تعاملات اليوم الاثنين في شركات ومحلات صرافة في صنعاء وعدن، أكثر من 610 ريالات للدولار الواحد، وسط موجة استمرار  الغلاء والارتفاع غير المسبوق لأسعار السلع الغذائية بما ينذر بكارثة اقتصادية على البلاد.

وقال لوكالة "ديبريفر" للأنباء، مساء اليوم، صرافون ومتعاملون في مدينة عدن التي تتخذها الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً عاصمة مؤقتة للبلاد، إن سعر شراء الدولار، واصل ارتفاعه بشكل مفاجئ منذ تداولات مساء الأحد، ليصل إلى 620 ريالاً بعدما كان 602 ريال للدولار الواحد قبل 3 أيام.

كما ارتفع سعر الريال السعودي وسائر العملات الأجنبية في السوق اليمنية ليصل إلى 163 ريالاً يمنياً، فيما بلغ الدرهم الإماراتي 164 ريالاً وذلك من 160 و161 قبل يومين، و 128 و 129 ريالاً قبل شهرين للعملتين على الترتيب.

بينما قال مدير إحدى شركات الصرافة في صنعاء لوكالة "ديبريفر" للأنباء، إن الريال واصل هبوطه المريع أمام الدولار أثناء تعاملات مساء اليوم الاثنين، ليصل إلى 610 ريالات لشراء دولار واحد، فيما وصل الريال السعودي إلى 162 ريالاً يمنياً.

وفقد الريال اليمني أكثر من نصف قيمته أمام الدولار منذ بداية الحرب الأهلية عام 2015، والدائرة بين حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي المعترف بها دولياً والمتمركزة في جنوب وشرق البلاد وتدعمها السعودية، من جهة، وقوات جماعة الحوثيين (أنصار الله) المدعومة من إيران والتي تسيطر على أغلب المناطق شمالي البلاد بما فيه العاصمة صنعاء.

ويقابل هبوط الريال صمت وعجز حكومي وإجراءات ضعيفة لم تنجح في وقف تهاوي العملة المحلية.

 

تحذيرات

وحذر مراقبون في وقت سابق، من تشكيل اللجنة الاقتصادية في ظل انعدام الحلول والإجراءات الجادة من الحكومة وإدارة البنك المركزي اليمني، مؤكدين أن الإجراءات الحكومية لا تجدي نفعاً، وليست سوى حلاً ترقيعياً لا أكثر وسط تفاقم الوضع الاقتصادي في أنحاء البلاد وعدم انتظام صرف مرتبات الموظفين والعسكريين في المناطق التي تسيطر عيها الحكومة "الشرعية"، وتوقف صرف مرتبات الموظفين في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين في شمال البلاد منذ زهاء عامين.

وكانت قيادة شركة النفط اليمنية في عدن، قررت مطلع سبتمبر الجاري، تعليق بيع الوقود للمحطات الحكومية إلى حين تدخل الحكومة والبنك المركزي وإيقاف عملية المضاربة بأسعار صرف العملة الصعبة.

وقالت الشركة في بيان وجهته للرأي العام، حينها "من الأهمية بمكان أن يعلم المواطن أن الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار مقابل الريال اليمني يؤثر وبشكل مباشر في عملية قيام الشركة بشراء المشتقات النفطية لاسيما في ظل عدم تدخل الدولة أو تقديمها الدعم اللازم للمشتقات النفطية, او حتى التدخل العاجل للسيطرة على الصرافين، والمساهمة بالتالي في عملية تثبيت سعر صرف الدولار مقابل الريال".

وأكدت شركة النفط ان عدم تدخل الدولة أو قيام البنك المركزي اليمني بفرض رقابه صارمة على الصرافين، أفسح المجال لهم للمضاربة بأسعار الصرف.. لافتةً إلى أن هذا الأمر سينعكس تلقائياً بالسلب على القيمة الشرائية للمشتقات النفطية، ما يؤدي إلى ارتفاع سعر الوقود تباعاً للارتفاع المتصاعد في أسعار الصرف، لأن الشركة تقوم بشراء المشتقات النفطية التي تسوقها لاحقاً في السوق المحلية، بالعملة الصعبة (الدولار).

وأوضحت شركة النفط في عدن في ختام بيانها، أن لديها المقدرة والسيولة المالية اللازمة والكافية لشراء المشتقات النفطية، إلا أنها لم تقم بعملية الشراء وإنزال المواد النفطية للسوق المحلية عبر محطات البيع الحكومية التابعة للشركة والمنتشرة في مختلف مديريات عدن.. مبررة ذلك بـ"حتى لا تثقل من كاهل المواطن وتحمله او تكبده أعباء إضافية فوق الأعباء الملقاة على كاهله, وهو ما أدى بالتالي لتعليق العمل بمحطات الشركة الحكومية على الأقل في الوقت الراهن ولحين ثبات أسعار الصرف وتدخل الحكومة والبنك المركزي وإيقاف عملية المضاربة بأسعار صرف العملة الصعبة".

وتشتري شركة النفط، الوقود بمختلف أنواعه، من شركة "عرب جلف"، التي تحتكر عملية استيراد الوقود في عدن وبقية المحافظات والمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً.

وشركة "عرب جلف"، شركة تجارية استثمارية خاصة مملوكة لرجل الأعمال اليمني أحمد العيسي، الذي صدر مؤخراً قراراً بتعيينه مستشاراً للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي.

وكانت مصادر حكومية مطلعة في شركة النفط بعدن، أكدت في تحقيق سابق لوكالة "ديبريفر" للأنباء أن العيسي التاجر المتعهد الوحيد بتوريد النفط إلى عدن، ما يزال يصر على استلام مبالغ شراء الوقود بالعملة الصعبة، مما يجبر شركة النفط على شراء قرابة ثلاثة ملايين دولار شهرياً من شركات الصرافة المحلية بالسعر الآني، بمبلغ يفوق اثنين مليار ريال و100 مليون يمني لتسديد قيمة الوقود للعيسي، وبالتالي يتسبب ذلك في انعدام العملة الصعبة من السوق المحلية وبشكل مستمر، ما يساهم بقوة في انخفاض قيمة "الريال اليمني" أمام الدولار.

 

إلغاء الاحتكار فوراً

وأكد مراقبون ومتابعون اقتصاديون أن الحكومة واللجنة الاقتصادية، إذا كانت جادة في وقف انهيار العملة المحلية، وتحسين الأوضاع في المناطق المحررة، عليها فوراً العمل على إلغاء قرار تحرير المشتقات النفطية الصادر من الرئيس هادي، وعودة نشاط أهم موردين اقتصاديين للبلد وهما شركتي النفط ومصافي عدن الحكوميتين.

وأشاروا في تصريحات لوكالة "ديبريفر" للأنباء، إلى أن قرار هادي بتحرير سوق النفط، عطل إحدى أهم الموارد المالية للدولة، وعمالقة اقتصاد البلاد (شركتي النفط ومصافي عدن الحكوميتين)، فضلاً عن أن القرار لم يطبق منه شيئاً يذكر بسبب سيطرة تاجر واحد على جميع خزانات شركة مصافي عدن، في إشارة إلى رجل الأعمال اليمني أحمد العيسي، المورد الوحيد للمشتقات النفطية إلى عدن والمحافظات المجاورة لها.

وحذروا من خطورة استمرار هذا القرار الرئاسي على الأمن القومي، وقيمة العملة الوطنية، وانعكاسات ذلك على الأوضاع المعيشية للمواطنين، في ظل غياب دور الدولة، وأجهزتها الرقابية الحكومية الفاعلة.

ويُعد احتكار شركة العيسي لاستيراد الوقود في عدن، وبقية المناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية "الشرعية"، سابقة هي الأولى من نوعها على مستوى العالم، إذ سلمت الحكومة أهم مورد اقتصادي ومالي للبلد إلى القطاع الخاص، بموجب قرار أصدره الرئيس هادي مطلع مارس الماضي، والقاضي بتحرير سوق المشتقات النفطية، وفتح مجال الاستيراد أمام شركات القطاع الخاص، وإخضاع عملية بيع وتوزيع المشتقات للمنافسة بين الشركات.

وجاء قرار تحرير سوق المشتقات النفطية، بعد إحجام حكومة هادي عن تغطية فاتورة واردات الوقود بالعملة الصعبة، وتوقف شركتي النفط الحكومية ومصافي عدن، عن استيراد الوقود وتحويلهما إلى مجرد مخازن للتجار.

 

لمتابعة أخبارنا على قناة "ديبريفر" في التليجرام عبر الرابط أدناه:

https://telegram.me/DebrieferNet


لمتابعة أخبارنا على تويتر
@DebrieferNet

لمتابعة أخبارنا على قناة "ديبريفر" في التليجرام
https://telegram.me/DebrieferNet