الحكومة اليمنية ما زالت في الرياض: عدن ساحة لعمليات قتل واغتيالات ينفذها مسلحون مجهولون (تقرير ديبريفر)

عدن (ديبريفر) خاص
2018-09-21 | منذ 5 سنة

محاولة اغتيال أحد قيادات حزب الإصلاح بتفجير سيارته في عدن

أعاد اغتيال مدير مدرسة في أحد أحياء مدينة عدن جنوبي اليمن، عند خروجه من منزله، الوضع الأمني المتدهور الذي تعيشه المدينة منذ بضع سنوات وتتخذها الحكومة المعترف بها دولياً عاصمة مؤقتة للبلاد، إلى واجهة المشهد السياسي من جديد.

قام مسلحون مجهولون في ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء الفائت باغتيال ناشط في حزب التجمع اليمني للإصلاح يدعى علي محمد الدعوسي الذس شارك في القتال ضد قوات جماعة الحوثيين وصالح في الحرب التي اجتاحت المدينة أواخر مارس 2015.

ويقول مصدر في السلطة المحلية بعدن إن مسلحين على متن سيارة قاموا باستدعاء الدعوسي، من منزله في حي التقنية بمدينة إنماء السكنية في مديرية المنصورة، وأطلقوا النار عليه لحظة خروجه منه، ثم لاذوا بالفرار. ويقول مسعفون أنه تم إسعاف الدعوسي، الذي يعمل مديراً لإحدى المدارس إلى المستشفى إلا انه توفي قبل الوصول إليه.

وصباح أمس الخميس نجا القيادي في حزب الإصلاح دبوان غالب من محاولة اغتيال حيث يسكن في المعلا بعدن، عبر وضع عبوة مفخخة زرعها مجهولون أسفل سيارته الشخصية.

تتكرر حوادث القتل والاغتيالات وفرار من يقومون بها، على نحو لافت في المدينة، ويتساءل مواطنون لوكالة "ديبريفر" للأنباء: "إلى متى يمكن لهذا الأمر أن يستمر؟ وهل له نهاية في آخر المطاف؟".

تقول الحكومة الشرعية في اليمن إنها تحاول أن تفعل ما بوسعها فعله نحو المدينة، وعموم اليمن. لكن الحكومة ما زالت في العاصمة السعودية الرياض.

وهذه الحوادث المروعة في هذه المدينة المسالمة تجعلها تبدو كأنها ظاهرة خاصة بها دوناً عن باقي المدن، خصوصاً في ظل انتشار مليشيات مسلحة مدنية ودينية مختلفة التوجهات والاتجاهات تفرض سيطرتها على أجزاء واسعة من المدينة.

تقع عدن على ساحل خليج عدن وبحر العرب جنوبي اليمن، وتبعد عن العاصمة صنعاء بمسافة تصل إلى حوالي 363 كيلو متراً.

يزيد عدد سكان عدن الآن عن مليون نسمة، وكان عدد سكانها وفق احصاء تم في 2004م بلغ 589,419 نسمة، وتعتبر أهم منفذ طبيعي على بحر العرب والمحيط الهندي فضلاً عن تحكمها بالطريق للبحر الأحمر، لكن سكان هذه المدينة صاروا - في سنوات ما بعد الحرب التي حلت بها في مارس 2015م - يعيشون في أوضاع مأساوية كما لم يعهدوها من قبل، وقد نزح إليها كثير من المواطنين من محافظات أخرى بعد أن أطبقت عليها الحرب، والسيء في الأمر أن الحرب مستمرة و لا أحد يعلم متى يمكن لها أن تتوقف.

ومنذ 26 مارس 2015 تعيش البلاد في حرب ضارية بين جماعة الحوثيين (أنصار الله) من جهة، وبين قوات يمنية تابعة للحكومة المعترف بها دولياً مدعومة بقوات التحالف العربي الذي تقوده السعودية والإمارات ويشن ضربات جوية وبرية وبحرية في مختلف جبهات القتال وعلى معاقل الحوثيين، وتمكنت من خلالها استعادة السيطرة على أجزاء كبيرة في البلاد، لكن الحوثيين لا يزالون يسيطرون على العاصمة صنعاء وأغلب المحافظات والمناطق شمالي البلاد.

بداية شهر رمضان الفائت كان الناس في عدن على موعد آخر من حوادث القتل والاغتيالات المُبهمة، حيث قام مجهولون باغتيال إمام أحد المساجد في منطقة "الممدارة" التي تتبع مديرية الشيخ عثمان، وقام أخ بقتل أخيه دون سبب واضح، وفي حادثة قتل أخرى تم العثور على نصف جثة لطفل يبلغ من العمر 12 عاماً في وسط قمامة في حي البساتين التابعة لمديرية المنصورة.

قبل ذلك شهدت المدينة مسلسل اغتيالات طويل طال مدنيين وعسكريين وأئمة مساجد سلفيين وآخرين من حزب الإصلاح، ولكن إلى الآن لا أحد يعرف الأسباب الحقيقية لحدوث هذه الاغتيالات ومن المسؤول عن ذلك، باستثناء تلك الاتهامات التي ما برح يكررها المجلس الانتقالي الجنوبي ومناصروه صوب حزب الإصلاح باعتباره المتهم الوحيد.

وعادة ما يقول قادة المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم إماراتياً، أنهم يفرضون سيطرتهم على عدن وعدد من مناطق جنوب اليمن.

يقول الأمين العام للمجلس الانتقالي الجنوبي أحمد حامد لملس ـ محافظ شبوة السابق المُقال من الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في 27 أبريل 2017- إن المجلس يسيطر على عدن التي تتخذها الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً عاصمة مؤقتة لليمن.

ويؤكد لملس الذي يقضي معظم وقته في أبوظبي مثل باقي قادة المجلس، في تصريح لصحيفة فرنسية أدلى به قبل بضعة أشهر: "أجهزة الأمن الجنوبية، وفي مقدمتها الأحزمة الأمنية، والنخب، تفرض وجودها على الأرض، وتقوم بدور كبير في تثبيت الأمن، ومكافحة الإرهاب"، مشيراً إلى أن "الحكومة فشلت في ملف الخدمات، رغم امتلاكها موارد كافة".

والأسبوع الفائت نفى نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي هاني بن بريك في لقاء على إحدى القنوات التلفزيونية امتلاك المجلس الانتقالي قوات عسكرية.

وقالت وكالة "رويترز" أمس الخميس ان المجلس الانتقالي الجنوبي المُطالب بانفصال الجنوب عن الشمال يتخذ من أبوظبي مقراً له وتدعمه الإمارات.

تخضع عدن أمنياً إلى مدير شرطة عدن اللواء شلال شائع، وهو متحالف مع المجلس الانتقالي الجنوبي وعادة ما يدلي بتصريحات أنه يقوم بعمله كما ينبغي، وانه قام بإلقاء القبض على أكبر وأخطر شبكة إرهابية في العالم.

تخضع عدن أمنياً إلى مدير شرطة عدن اللواء شلال شائع، وهو متحالف مع المجلس الانتقالي الجنوبي

ويردد مقربون من شائع أنه يتمتع بحماية مباشرة من دولة الإمارات العربية المتحدة، تحول دون قيام رئيس الجمهورية اليمنية عبدربه منصور هادي بإقالته من منصبه.

كان شلال شائع أعلن في فيديو، إلقاء القبض على من قال إنهم قتلة محافظ عدن الأسبق جعفر محمد سعد ووعد بأنهم سينالون الجزاء.

لكن شيئاً من هذا لم يتحقق رغم مضي أكثر من عام ونصف عام على تصريحه. بيد أن حوادث القتل والاغتيالات باتت سمة من سمات المدينة منذ عام تحريرها من جماعة الحوثيين في يوليو 2015.

وفي الأشهر الفائتة غادر المدينة عدد كبير من القيادات التي تنتمي إلى الجماعات الدينية ومنهم من ينتمي إلى حزب الإصلاح. كما غادر المدينة أكاديميون وصحفيون لأن حياتهم في خطر حقيقي.

غادر عدن عدد كبير من القيادات الدينية والأكاديميين والصحفيين لأن حياتهم في خطر حقيقي

وأشار تقرير حديث نشرته لجنة حماية الصحفيين الدولية في واشنطن في 7 سبتمبر الفائت كتبه جوستين شيلاد، إلى "أن الصحفيين يتعرضون إلى هجمات من كافة أطراف الصراع في اليمن"، وأن "حياتهم في خطر".

وقالت لجنة حماية الصحفيين الدولية في واشنطن إنها "وجدت أن الذين يقومون بالتغطية الإخبارية في عدن ومناطق أخرى من الجنوب كانت تعتبر آمنة في وقت ما، باتوا الآن يتعرضون للهجوم والمضايقة من قبل الميليشيات المدعومة من التحالف الإماراتي، مثل الحزام الأمني وقوات النخبة الحضرمية. هذه الجماعات ضغطت على وسائل الإعلام لعدم انتقاد دولة الإمارات العربية المتحدة أو غيرها من الدول الداعمة للحكومة اليمنية، أو نشر تقرير حول القضايا التي تُورط الميليشيات".

وأكدت لجنة حماية الصحفيين الدولية في واشنطن في تقريرها، قائلة: "على الرغم من المخاطر والتهديدات، يستمر الصحفي المستقل سامي الكاف في إعداد التقارير من اليمن الجنوبي، كما يفعل العديد من الصحفيين الآخرين. ولكن في الأثناء التي يتمسك فيها وكلاء دولة الإمارات العربية المتحدة ببسط السيطرة في المنطقة، باتت هجماتهم ضد حرية الصحافة تلقي بظلالها على التقارير المستقلة".

على الرغم من المخاطر والتهديدات، يستمر الصحفي المستقل سامي الكاف في إعداد التقارير من جنوبي اليمن

قبل أشهر كان عدد من وزراء الحكومة اليمنية التي تدير شئونها من الرياض، أفادوا في تصريحات، بأنهم لا يستطيعون ممارسة مهامهم في المدينة، ووجهوا أصابع الاتهام الى دولة الإمارات، في حين عبر آخرون عن عدم السماح لهم بالعودة الى عدن لممارسة أعمالهم ووجهوا أصابع اتهامهم الى الدولة ذاتها؛ الإمارات.

وكان المسؤول الثاني في الحكومة اليمنية الذي تحدث علناً عن كون الإمارات تمنعه من القيام بمهامه كوزير للداخلية، غادر عدن إلى أبوظبي، في 30 مايو الفائت، في زيارة رسمية بناء على دعوة من دولة الإمارات.

وقال وزير الداخلية أحمد الميسري، ويشغل أيضاً منصب نائب رئيس الوزراء، أنه لا يمكنه الذهاب إلى مطار عدن أو إلى ميناء عدن دون إذن مسبق من الإمارات.

كان هدف الزيارة بحث ملف توحيد الأجهزة الأمنية في اليمن، لكن الرجل عاد إلى عدن وبقيت الأجهزة الأمنية غير موحدة وبقي الحال على ما هو عليه دون تغيير.

ويتساءل مواطنون في سياق حديثهم لوكالة "ديبريفر" للأنباء: "لماذا لم يستطع التحالف العربي إلى الآن فرض العاصمة المؤقتة عدن كواجهة أمنية للمناطق المحررة المفترض أنها تقع تحت سيطرة الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً؟".

لكن عدن لا تقع كاملة تحت سيطرة قوات الحكومة الشرعية في اليمن. على الأرض بدلاً من وجود قوة أمنية واحدة تفرض سلطتها على عدن، برزت عدة قوى تنازع الحكومة الشرعية في فرض سلطاتها على المدينة، وتفرض ألوية الحزام الأمني، التي أنشأتها الإمارات وتموّلها، سيطرتها على أجزاء واسعة من عدن ومدن مجاورة لها. وأشارت تقارير لوسائل إعلام محلية وخارجية إلى أن عدن تعاني من انفلات أمني حقيقي على نحو واضح.

يقول أحد المسؤولين في محافظة عدن لوكالة "ديبريفر" للأنباء، أصر على عدم الاشارة إلى اسمه خوفاً على حياته، إن "جميع الأجهزة الأمنية والمليشيات والكتائب في عدن تقوم على أساس مناطقي ولا تخضع إلى سلطة واحدة، وهي تؤسس لحرب دموية جديدة على غرار الحرب التي شهدتها المدينة في نهاية يناير الفائت وحوادث القتل والاغتيالات هي جزء صغير من هذا الذي يحدث"، رافضاً اعطاء المزيد من التوضيح.

على الأرض ما زال السلاح بحوزة الجميع؛ والقوى التي تنازع الحكومة الشرعية سلطاتها في عدن، صارت تمتلك السلاح الثقيل والمتوسط، وكل قوة تحاول النيل من القوى الأخرى.

يسعى المجلس الانتقالي الجنوبي الى فصل جنوب اليمن عن شماله

قبل بضعة أشهر كان تقرير دولي يؤكد حالة "اللا دولة" في اليمن، حيث رفع فريق خبراء من مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة المعني باليمن تقريراً هاماً بتاريخ 26 كانون الثاني/ يناير2018 عن الأوضاع التي تمر بها البلد التي تشهد حرباً ما زالت مستمرة منذ ثلاث سنوات ونصف، ويعاني منها معظم السكان على نحو كارثي.

كتب التقرير خمسة أشخاص من الخبراء، أكدوا فيه أن "الدولة اليمنية لم يعد لها وجود"، وأن "هناك دويلات متحاربة، وليس لدى أي من هذه الكيانات من الدعم السياسي أو القوة العسكرية، ما يمكنه من إعادة توحيد البلد أو تحقيق نصر في ميدان القتال".

وأكد التقرير: "في الجنوب أُضعفت حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، جراء انشقاق عدد من المحافظين وانضمامهم إلى المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي شكل مؤخراً ويدعو إلى إنشاء جنوب يمني مستقل. وهناك تحد أخر تواجهه الحكومة وهو وجود قوات تعمل بالوكالة، تسلحها وتمولها الدول الاعضاء في التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية، وتسعى إلى تحقيق أهداف خاصة بها في الميدان. ومما يزيد ديناميات المعركة تعقيداً وجود جماعات إرهابية، كتنظيم القاعدة في سبه الجزيرة العربية، وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وكلاهما يوجهان ضربات بصورة روتينية ضد أهداف حوثية وحكومية وأهداف تابعة للتحالف الذي تقوده السعودية".

ما من مؤشر دال إلى الآن على توقف حوادث القتل والاغتيالات التي تعصف بعدن ويقوم بها مسلحون مجهولون و يلوذون بالفرار.

بالنسبة إلى الناشط الإصلاحي علي محمد الدعوسي، مدير المدرسة الذي تم اغتياله فور خروجه من منزله في ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء الفائت في عدن، فهو ينتمي إلى منطقة دثينة في مديرية الوضيع بمحافظة أبين مسقط رأس الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، وهذا أمر على الأرجح، وفق مسؤول أمني رفض الكشف عن هويته لوكالة "ديبريفر" للأنباء، لاحتياطات أمنية، "سيتم ربطه بالصراع الذي يحدث في المدينة منذ زمن بعيد ويقوم في كثير من جوانبه على أساس مناطقي يمتد إلى ما قبل توحيد الشطرين الشمالي والجنوبي في 1990".

سيتم ربط اغتيال الناشط في حزب الإصلاح علي الدعوسي بالصراع الذي يحدث في المدينة منذ زمن بعيد

 

 


لمتابعة أخبارنا على تويتر
@DebrieferNet

لمتابعة أخبارنا على قناة "ديبريفر" في التليجرام
https://telegram.me/DebrieferNet