أعلنت نقابة الصرافين في مدينة عدن جنوبي اليمن، مساء الثلاثاء، عزمها اتخاذ خطوات تصعيدية، لوضع حد للانهيار المتسارع وغير مسبوق للعملة المحلية "الريال اليمني" أمام الدولار الأمريكي والعملات الأجنبية الأخرى ولتأكيد عدم تحملها مسؤولية هذا الانهيار.
ودعت النقابة في بيان أطلعت وكالة "ديبريفر" للأنباء عليه، إلى اجتماع عاجل يشارك فيه جميع الصرافين دون استثناء مع البنك المركزي اليمني والغرفة التجارية والصناعة والتجار والمستوردين من أجل مناقشة الوضع الراهن والخروج برؤية مشتركة يتم الاتفاق عليها لما تقتضيه المصلحة العامة.
وشددت النقابة في بيانها على ضرورة التزام جميع شركات ومحلات الصرافة في عدن بالإغلاق الكامل لمحلات الصرافة ابتداء من يوم الأربعاء 26 سبتمبر وحتى يوم الجمعة المقبلة.
وقالت النقابة: "إن هذا التصعيد يأتي من منطلق مسئوليتنا جميعاً، بلفت النظر ولكي يسمع صوتنا القاصي والداني بأن شركات ومحلات الصرافة ضد انهيار العملة الوطنية وأنها ليست هي المسئولة عن هذا الانهيار، بحيث يخلي الصرافون مسئوليتهم أمام الله ثم الشعب بأنهم ليسوا السبب في ارتفاع الأسعار بل على العكس فإننا نعمل بشتى الطرق لوقف انهيار قيمة الريال اليمني".
وأغلقت معظم محلات وشركات الصرافة في عدن، الثلاثاء، في محاولة منها لوقف انهيار العملة المحلية، وفق بيان صادر عن نقابة الصرافين.
وكانت النقابة أصدرت بيان الاثنين الماضي، دعت فيه صرافي عدن إلى وقف جميع عمليات البيع والشراء، اليوم الثلاثاء، فيما يبدأ الإغلاق الكلي لجميع محلات الصرافة ابتداء من يوم الأربعاء حتى الجمعة، نظراً للانهيار المتسارع وانخفاض القيمة الشرائية للريال.
يأتي هذا التصعيد من قبل محال وشركات الصرافة، بعد هبوط سعر الريال اليمني وتراجعه بشكل مهول أمام الدولار الأمريكي إذ بلغ مستوى غير مسبوق بوصوله مساء الثلاثاء إلى 660 ريالاً للدولار الواحد.
وقال لوكالة "ديبريفر" للأنباء، صرافون ومتعاملون في مدينة عدن جنوبي اليمن، مساء الثلاثاء، إن الريال اليمني واصل هبوطه المريع أمام الدولار الأمريكي والعملات الأجنبية في سوق الصرف ليسجل أدنى مستوى له على الإطلاق وسط موجة جديدة غير مسبوقة من الارتفاع الهائل في أسعار السلع الغذائية والأساسية، ما ينذر بكارثة اقتصادية على البلاد.
وأشاروا إلى ان سعر الصرف سجل في عدن الثلاثاء، 660 ريالا للدولار الواحد للشراء و665 ريالاً للبيع، فيما بلغ سعر الصرف في صنعاء 650 ريالا للدولار الواحد شراء و655 ريالا للبيع، بزيادة 40 ريالا في سوق الصرف قبل أسبوع بعدما كان 485 ريالاً قبل نحو شهر ونصف.
كما ارتفع سعر الريال السعودي في السوق اليمنية ليصل إلى 172 ريالا للشراء، و173 ريالا للبيع في عدن، والدرهم الإماراتي 173 ريالا للشراء و174 ريالا للبيع، فيما بلغ الريال السعودي في سوق الصرف بصنعاء يوم الثلاثاء 170 ريالا للشراء و172 ريالا للبيع.
وكان سعر الريال السعودي قبل أسبوع 150 ريالاً، فيما الدرهم الإماراتي 151 ريالاً وذلك من 128 و129 ريالاً قبل شهر ونصف للعملتين على الترتيب.
وأكد مالكو محلات للصرافة في عدن لوكالة "ديبريفر" للأنباء، أن استمرار انهيار العملة المحلية وارتفاع أسعار الصرف بهذا الشكل المخيف، يؤثر سلباً على التجار وحياة المواطنين أيضاً.
بينما قالت مصادر اقتصادية ومصرفية لـ"ديبريفر"، إن قرار نقابة الصرافين بوقف البيع والشراء للدولار والريال السعودي، بصورة مبدئية، ومن ثم التصعيد الأربعاء، بالإضراب الشامل، كان قراراً تلقائياً من قبل الصرافين، لوقف التدهور المتسارع, وأن الارتفاع ناتج عن ارتفاع غير مبرر في الطلب على الدولار في السوق.
وأكدت أن الارتفاع القياسي في سعر صرف الدولار، الذي يشهده السوق المصرفي في اليمن حالياً، ارتفاع غير طبيعي، ولن يكون المتضرر منه المواطن اليمني فقط، بل أن شركات ومحلات الصرافة أول المتضررين.
وحذر خبراء اقتصاد محليون في وقت سابق من تجاوز سعر صرف الدولار الواحد حاجز الـ 500 ريال باعتبار ذلك مؤشر خطير على وضع البلاد الاقتصادي المتدهور والمتداعي أصلاً.. مؤكدين أن الارتفاع المخيف ينذر بكارثة اقتصادية وشيكة تهدد الدولة برمتها وحياة المواطنين.
وسبق ان أغلقت معظم شركات ومحلات الصرافة في عدن وصنعاء خلال الفترة الماضية، أبوابها أمام عملاءها، بسبب التدهور السريع للعملة المحلية، بينما ترفض بقية محلات وشركات الصرافة في عدن وصنعاء تحويل أي مبالغ صغيرة أو كبيرة من الريال اليمني إلى الدولار، وعلقت عمليات بيع الدولار، وأبقت على نشاط الشراء فقط للعملات الأجنبية خصوصاً الدولار والريال السعودي.
فشل حكومي ذريع
وجدد محللون ومراقبون متخصصون في الشؤون الاقتصادية تحذيراتهم من أن استمرار تدهور الوضع الاقتصادي والخدمي والاجتماعي في جميع ارجاء اليمن، ينذر بكارثة اقتصادية واجتماعية وانفجار شعبي كبير لن يقف في طريقه أحد.
وأرجع هؤلاء وملاك محلات الصرافة في عدن أسباب التدهور السريع للريال المفاجئ، إلى الخلافات التي ظهرت على السطح مؤخرا، بين قيادة البنك المركزي اليمني واللجنة الاقتصادية في اليمن المشكلة حديثاً بقرار الرئيس عبدربه منصور هادي، فضلاً عن ضخ كميات كبيرة من العملة المحلية في السوق لتغطية مرتبات القطاعين العسكري والمدني لشهري أغسطس وسبتمبر.
ونقل موقع "عدن تايم" الإخباري عن خبر اقتصادي قوله "إن هذه الخلافات دفعت إلى تعطش التجار وخوفهم من ارتفاع أسعار الصرف مما جعلهم يقبلوا بشكل كبير على شراء العملات الأجنبية من السوق المحلية خصوصا وأنهم توقفوا عن الشراء منذ بدأ اللجنة الاقتصادية بإصدار العديد من القرارات، آملين مصداقية تلك القرارات والتي ستمكنهم من اعتماد قيمة بضائعهم عن طريق البنك المركزي، ولكن كل تلك القرارات تبخرت ولم ترى النور على ارض الواقع".
وأكد الخبير أن السبب الآخر يعود إلى: "ضخ مليارات الريالات من البنك المركزي للسوق خلال اليومين الماضيين نتيجه البدء بصرف مرتبات الجيش والموظفين المدنيين، وجميعها عوامل ساهمت في ارتفاع أسعار الصرف بهذا الشكل في ظل ارتفاع الطلب بشكل كبير وانخفاض العرض في السوق".
وبدأت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا منذ مطلع العام الماضي، بضخ عملات نقدية جديدة طبعت في روسيا، ووصلت خلال الشهر الماضي فقط قرابة 900 مليار ريال من النقود المطبوعة ذات الفئة الصغيرة، 200 و100 ريال، ليصل إجمالي ما طبعته الحكومة حتى الآن قرابة ثلاثة تريليون (ثلاثة آلاف مليار ريال)، أي ما يعادل أكثر من ستة مليارات دولار.
بينما صب اختصاصيون وخبراء اقتصاد غضبهم على تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية في البلد، على الرئيس هادي والحكومة الشرعية، وغيابهما المستمر عن متابعة ما يجري في البلد من تطورات متسارعة، وفشلهما وعجزهما الذريع عـن مواجهة تهاوي الريال.. مشيرين إلى أن تدهور الأوضاع قد بلغ ذروته في مختلف مناحي الحياة المعيشية ما وضع المواطن المغلوب على أمره أمام كارثة حقيقية في الجانب الاقتصادي جراء الانهيار المخيف للريال اليمني أمام العملات الأجنبية وارتفاع الأسعار.
ووصفوا الجهود الحكومية الرامية لمواجهة انهيار العملة، بـ"ضعيفة وعاجزة وتفتقر لإجراءات تعالج المشكلة من جذورها".
وقالوا: "الحقيقة أن تعقيدات هذه الأزمة وتبعاتها يرافقها جهود حكومية غير مجدية نتيجة تسيب حكومي واضح وفاضح من خلال إنفاقها المبالغ لأنشطة لها لا تخدم واقع المواطن المعيشي".
وضرب المختصون مثالا على نفقات وتعيينات الحكومة في جهاز السلك الدبلوماسي، فضلا عن مرتبات كبيرة تصرفها لنفسها دون الالتفات إلى معاناة الناس.
وكان حافظ فاخر معياد رئيس اللجنة الاقتصادية الحكومية، وجه اتهامات مبطنة، الأحد الماضي، إلى محافظ البنك المركزي اليمني محمد زمام، بعدم تنفيذ توصيات والآراء التي تطرحها اللجنة بشأن إيقاف التدهور الاقتصادي في البلاد وانهيار العملة المحلية "الريال اليمني".
وقال معياد في منشور على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: "يسألني الكثيرين عن سبب ارتفاع الدولار، وهنا أود التوضيح أننا في اللجنة الاقتصادية نقدم رأي ولسنا مخولين قانونا بالتنفيذ، والاخ محافظ البنك المركزي هو المعنى قانوناً بذلك، ونحن جاهزين لمساعدته عند الحاجة ".
وأضاف: "ننصحه (محافظ البنك المركزي اليمني) بخطوتين هما.. الأولى: تسريع خطوات فتح الاعتمادات، لأن الثقة منزوعة تماماً من قبل التجار في الاجراءات. ثانياً: الدخول بحزم ضد المضاربين في العملة ونحن جاهزون لمساعدته إذا طلب منا كيفية السيطرة وإخراج المضاربين من السوق".
واعتبر مراقبون أن تصريح معياد، اتهام واضح لمحافظ البنك المركزي محمد زمام، بالتباطؤ في تنفيذ توصيات واستشارات اللجنة الاقتصادية.
وأكد مراقبون ومتابعون اقتصاديون في وقت سابق لوكالة "ديبريفر" للأنباء، أن الحكومة اليمنية والبنك المركزي إذا كانا جادين في وقف انهيار العملة المحلية وتحسين الأوضاع في المناطق الخاضعة لسيطرتها، فعليهما العمل فوراً على إلغاء قرار تعويم العملة المحلية التي انتهجها البنك المركزي اليمني في أغسطس العام الماضي بدون آليات لضبط سعر الصرف، ما أدى إلى خسارة الريال أكثر من نصف قيمته ودفعه إلى الانهيار المستمر في السوق وسط غياب أي دور رقابي للمؤسسات المالية والنقدية للدولة وعجز البنك على وقف انهيار العملة المحلية والتحكم بالسوق المحلية وما تحويه من عملات أجنبية، في المقابل لم تستطع الحكومة توفير الكميات اللازمة من العملة الأجنبية، سيما الدولار، وهو السبب الرئيس في هذا التدهور.
وحررت الحكومة سعر صرف الريال العام الماضي وأصدرت توجيهات للبنوك باستخدام سعر الريال الذي تحدده السوق بدلا من تثبيت سعر محدد. بينما حدد البنك المركزي اليمني في وقت سابق خلال سبتمبر الجاري، السعر الرسمي للدولار الواحد عند 490 ريالاً فقط والريال السعودي 130 ريالاً يمنياً.
ويشهد الاقتصاد اليمني منذ بضعة أسابيع، تدهور مستمر ينذر بانهيار اقتصادي كامل وكارثة إنسانية كبرى في البلد الذي يعيش حرب مستمرة منذ ثلاث سنوات ونصف، وتؤكد الأمم المتحدة أنه يعيش حالياً "أسوأ أزمة إنسانية في العالم".
كما تشهد مدينة عدن التي أعلنتها الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً عاصمة مؤقتة للبلاد، وكذا مدينة صنعاء العاصمة الرسمية للبلاد والتي يسيطر عليها الحوثيون، أزمة وقود خانقة ومتزايدة منذ أيام.
وتحاول الحكومة اليمنية "الشرعية" المعترف بها دولياً اتخاذ إجراءات وخطوات لوقف تسارع التدهور الاقتصادي، اعتماداً على الوديعة السعودية لدى البنك المركزي اليمني البالغة ملياري دولار والتي كان الحفاظ على الريال من الانهيار مجدداً أحد أسباب إيداعها ، غير أن محاولاتها وإجراءاتها لم تثبت فاعليتها على الواقع العملي.
وضع فوضوي
وبات الوضع المالي أكثر فوضوية منذ قررت حكومة الرئيس هادي في سبتمبر 2016 نقل مقر البنك المركزي من صنعاء إلى عدن وتعيين محافظ جديد له، فيما رفض الحوثيون هذه الخطوة ما أدى إلى وجود بنكين مركزيين متنافسين يعملان في البلاد.
وزجت حالة الارتباك بالكثير من اليمنيين في براثن العوز بعد نحو عامين شهدت عدم صرف الرواتب لأكثر من مليون موظف غالبيتهم يعيش في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين بما فيها العاصمة صنعاء.
ويعاني اليمن ضائقة مالية غير مسبوقة منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء وتوقف تصدير النفط منذ أكثر من ثلاثة أعوام حيث كانت إيراداته تشكل 70 بالمائة من إيرادات البلاد، فضلا عن توقف الرسوم الجمركية والضريبية وجميع المساعدات الخارجية والاستثمارات الأجنبية وعائدات السياحة وهو ما جعل المالية العامة والقطاع الحكومي للدولة الفقيرة أصلاً على حافة الانهيار.
واليمن منقسم بسبب الحرب الأهلية التي اندلعت في 26 مارس 2015 بين جماعة الحوثي (أنصار الله) المدعومة من إيران، وقوات الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً مدعومة بتحالف عربي تقوده السعودية شن آلاف الضربات الجوية على جماعة الحوثيين في حملة لتمكين الرئيس هادي وحكومته من ممارسة عمله في العاصمة صنعاء، لكن الحملة لم تنجح في إخراج الجماعة من صنعاء.
وتسبب الصراع الدائر في اليمن منذ أكثر من ثلاث سنوات في مقتل أكثر 10 ألف شخص وجرح مئات الآلاف وتشريد ثلاثة ملايين داخل اليمن وفرار الآلاف خارج البلاد .
وتحذر الأمم المتحدة منذ أكثر من ثلاثة أعوام من أن اليمن أصبح على شفا المجاعة، فيما يؤكد برنامج الأغذية العالمي أن عدد المحتاجين لمساعدات عاجلة ارتفع إلى 22 مليونا العام الماضي 2017، أي أكثر من ثلثي سكان البلاد بالمقارنة مع 17 مليونا عام 2016.