بدا توجيه رئيس مركز العمليات المشتركة في محافظة حضرموت شرق اليمن باعتقال وكيل محافظة المهرة السابق علي سالم الحريزي، مثيراً بما يكفي ليسلط الضوء على أحداث آخذة في التوتر المتصاعد الذي يطغي على المشهد السياسي المحتقن في جنوب اليمن بشكل خاص وفي اليمن بشكل عام.
وجّه رئيس مركز العمليات العسكرية المشتركة في محافظة حضرموت العقيد عمر عبيد البكري أوامر الثلاثاء 25 سبتمبر الجاري بـ"تعقب وضبط علي سالم الحريزي، بدعوى الاعتصام والتظاهر لزعزعة الأمن وتشويه صورة التحالف العربي ويستغل وسائل التواصل الاجتماعي في اثارة الفتن بين القبائل والتحالف العربي مدعياً احتلال المملكة العربية السعودية لمحافظة المهرة لمنع مسح الفريق الأمني التابع للمركز السعودي لإعمار وتنمية اليمن الذي يقوم بمسح طريق الخرخير".
لكن الحريزي ليس وحده من يدعو إلى الاعتصام والتظاهر والتحدث عن احتلال سعودي لمحافظة المهرة الحدودية مع سلطنة عمان أقصى شرقي اليمن، إذ يجاهر مواطنون كُثر في المهرة بذلك، ويدفعون إلى التصعيد ويدعون إلى الاستقلال.
الحريزي كان صعّد من مناهضته للوجود السعودي، وساهم في حشد قبائل المهرة لمناهضة الوجود العسكري السعودي في المهرة، مؤكداً أن "المهرة لن تكون لقمة سائغة أمام السعودية وكل من يريد العبث بأمن اليمن".
وشارك الحريزي في اعتصامات المسيلة التي دشنت الأسبوع الفائت، كما شارك في اعتصام منطقة طوف شحر الصحراوية، لمناهضة قيام شركة سعودية بوضع علامات خرسانية على طول 25 كيلومتر من أراضي المهرة الصحراوية الحدودية والواقعة بالقرب من منطقة الخراخير السعودية، وذلك لمد أنبوب نفطي سعودي إلى القرب من ميناء نشطون المهري على ساحل بحر العرب.
التصعيد ضد ما يسميه مواطنون يمنيون بـ"الاحتلال السعودي" شمل عدداً من المحافظات التي تقع في جنوب اليمن، وخرج مواطنون كُثر ينددون أيضاً بما أسموه "الاحتلال الإماراتي للجنوب اليمني".
وجّهت أجهزة الأمن في حضرموت وشبوة وأبين وعدن بإلقاء القبض على عدد ممن ينتمون الى فصائل في الحراك الجنوبي وعلى ناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي بـحجة "معارضتهم للتحالف العربي والمجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم إماراتياً.
وقال متابعون لوكالة "ديبريفر" للأنباء إن "هذه الاعتقالات ستلقي بظلالها السوداء على المشهد السياسي في جنوب اليمن وتُعجّل من نشوب حرب طاحنة بين الجنوبيين في الفترة المقبلة".
في غضون ذلك بدأت عمليات عسكرية تنفذها قوات الحزام الأمني وقوات النخبة الشبوانية، وهما قوتان مدعومتان من دولة الإمارات العربية المتحدة، ضد تنظيم القاعدة في محافظتي أبين وشبوة والذي قام باستهداف عناصر من القوتين وقتل عدداً منهم وأصاب آخرين.
ويقول مراقبون إن العمليات العسكرية في محافظتي أبين وشبوة قد تكون استباقية بعد توقعات باستعداد تنظيم القاعدة لشن عمليات على نطاق واسع ضد قوات الحزام الأمني في أبين وضد قوات النخبة في شبوة انطلاقاً من تلك المناطق.
تشير معلومات غير رسمية، إلى أن تنظيم القاعدة "نفذ خلال عامين أكثر من 50 عملية، تنوعت بين هجوم بسيارات مفخخة واقتحام لمقرات ونقاط أمنية إضافة إلى وعمليات اغتيال وعبوات ناسفة".
كثافة هذه الهجمات تسلط الضوء مجدداً على الحرب التي تشنها الولايات المتحدة الأمريكية ضد تنظيم القاعدة منذ سنوات فائتة، وضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" الذي ظهر في المشهد أخيراً، وهي حرب تتم بـ"موازاة الحرب التي يقودها التحالف العربي دعماً للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً ضد الحوثيين" ومستمرة لنحو ثلاث سنوات ونصف سنة. والآن ثمة حرب ثالثة تتم إلى جانب ما يحدث.
يقول غريغوري دي. جونسن، باحث مقيم في معهد الجزيرة العربية بواشنطن، وعمل من عام 2016 إلى عام 2018 في فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن بشأن اليمن، إن ثلاث حروب تشهدها البلاد الآن: حرب ضد القاعدة والدولة الإسلامية، حرب إقليمية، وحرب أهلية.
يوضح غريغوري دي. جونسن: "تدور في اليمن حرب تقودها الولايات المتحدة الأميركية ضد كل من تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وتنظيم الدولة الإسلامية في اليمن. وهناك تدور أحداث الصراع الإقليمي بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ضد إيران. وهناك حرب أهلية مضطربة ومتعددة الجوانب، تضم الحوثيين وما تبقى من الحكومة اليمنية وحركة انفصالية جنوبية وقوات تعمل بالوكالة للإمارات العربية المتحدة ومليشيات متعددة، بعضها من السلفيين وبعضها من السكان المحليين وبعضها أقرب إلى العصابات الإجرامية، والجميع يتنافسون على الاستحواذ على أكبر قدر من مساحة الأراضي".
ويعتقد جونسن أن "اليمن متفككة الآن وربما يستمر ذلك لسنوات قادمة، فلا اتفاق سلام موحد ولا قضية مشتركة يمكن أن يضعا حداً لكل من تلك الحروب الثلاث".
ومع ذلك يركّز العالم في نظرته الى اليمن من زاوية إنسانية أكثر من النظر إليه من زاوية سياسية. فالتداعيات التي تحدثها الحرب/ الحروب المشتعلة في اليمن على الصعيد الإنساني فاقت التوقعات إذ تعيش البلاد أسوأ أزمة إنسانية على الاطلاق في الوقت الراهن، وفقاً لتأكيدات الأمم المتحدة.
يوم الاثنين الفائت 24 سبتمبر نشرت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية تقريراً مطولاً، عن هذه الأوضاع وأحدث التطورات على الصعيد الإنساني وسلطت الضوء على تحذيرات منظمات دولية من أزمة نقص الغذاء.
و قالت "الإندبندنت" إن منظمة "كير" الدولية حذرت من أنه حسب تقديراتها المعتمدة على إحصاءات منظمة الغذاء الدولية فإن مخزون الطعام في اليمن لا يكفي المواطنين لفترة طويلة وأنه قد ينفد في فترة تتراوح بين شهرين او ثلاثة أشهر.
وأكدت "الإندبندنت" أن أكثر من 8 ملايين شخص في اليمن يعيشون على شفا مجاعة كبرى وصفتها الأمم المتحدة بشكل متكرر بأنها أسوأ كارثة إنسانية في العالم منذ الحرب العالمية الثانية.
وأشارت إلى أن ميناء الحديدة يستقبل نحو 70 في المائة من إجمالي الإمدادات الغذائية والطبية التي تصل إلى اليمن من الخارج، وأن هذه النسبة كانت تصل إلى 90 في المائة قبل بدء الحرب.
ويعود آخر إغلاق لميناء الحديدة بالكامل إلى نوفمبر 2017، ما تسبب بتجويع 3.2 ملايين شخص إضافيين، بحسب تقديرات برنامج الأغذية العالمي.
نقص الغذاء والوقود والدواء يعني موت مئات الآلاف من الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية، والذين لا يستطيعون الحصول على الطعام الذي يحتاجونه للبقاء على قيد الحياة.
اقرأ أيضاً:
1. تحليل لمؤسسة أمريكية يقسم حرب اليمن إلى ثلاث حروب متداخلة ويتوقع القادم
2. الأمم المتحدة: 10 آلاف طفل في اليمن لقوا حتفهم بسبب الأزمة الإنسانيةرغم معارضة الولايات المتحدة
توقع تقرير منظمة "أنقذوا الأطفال" الأسبوع الفائت بأن "ارتفاع أسعار الغذاء والوقود بنسبة تصل إلى 45 بالمائة، قد يتسبب بزيادة عدد الأطفال اليمنيين الذين يواجهون المجاعة إلى خمسة ملايين".
واعتبر تقرير المنظمة أن أي إغلاق في الحديدة هو بمثابة مخاطرة بقتل جيل كامل، فيما تفيد منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" بأن أكثر من 11 مليون طفل في اليمن عانوا من الكوليرا والدفتيريا في عام 2017، كما يبذل العاملون في مجال الإغاثة قصارى جهدهم لمنع تفشي الكوليرا (HL6) المتوقع.
لكن الحروب مستمرة في اليمن، وحالة اللا الدولة هي السائدة في المشهد العام. ويقول مراقبون لوكالة "ديبريفر" للأنباء إن "الحرب في اليمن ستستمر طالما صفقات السلاح مستمرة، في موازاة ذلك تبدو جهود المبعوث الأممي مارتن غريفيث بلا تأثير يدفع أطراف الصراع للعودة إلى طاولة المفاوضات".
بالنسبة إلى غريغوري دي. جونسن فإن السيناريو الأكثر احتمالاً - والذي لن يكون سهلاً بحد ذاته - هو أن "تُنهي صفقة برعاية الأمم المتحدة الحرب الإقليمية، ما يؤدي إلى انسحاب القوات السعودية والإماراتية ونهاية الدعم الإيراني للحوثيين بينما يستمر القتال على الأرض. وقد أوضح المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث، أنه يفضل مناقشة المستقبل الداخلي لليمن، بما في ذلك الجنوب، كجزء من الحوار الوطني المستقبلي وليس كجزء من المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة".
لكن المجلس الانتقالي الجنوبي يسيطر على أجزاء واسعة من عدن وعلى عدد من محافظات جنوب اليمن، ويدعوه مناصروه على نحو لافت إلى ما أسموه "استكمال السيطرة على كل أراضي جنوب اليمن".
ويصر المجلس الانتقالي الجنوبي، من مقر اقامته في العاصمة الإماراتية أبوظبي، على أنه الممثل الوحيد للجنوب وأنه "لن يتراجع عن السير في طريق تحقيق الاستقلال واقامة دولة الجنوب العربي المستقلة".
وقام المجلس الانتقالي الجنوبي في نهاية يناير الفائت بمحاولة انقلاب عسكري مسلح للإطاحة بالحكومة الشرعية، ما أدى إلى سقوط نحو 70 قتيلاً وعدد من الجرحى.
تنقسم اليمن عسكرياً إلى سبع مناطق: المنطقة العسكرية الأولى وتقع في وادي حضرموت وأجزاء من المهرة ومقر القيادة في سيئون، والمنطقة العسكرية الثانية وتشمل ساحل حضرموت والمهرة وسقطرى ومقر القيادة في المكلا، والمنطقة العسكرية الثالثة وتشمل شبوة ومأرب ومقر القيادة في مأرب، والمنطقة العسكرية الرابعة وتشمل عدن ولحج وأبين وتعز ومقر القيادة في عدن، والمنطقة العسكرية الخامسة وتقع في الحديدة وحجة ومقر القيادة في الحديدة، والمنطقة العسكرية السادسة وتشمل عمران وصعدة والجوف ومقر القيادة في عمران، والمنطقة العسكرية السابعة وتشمل ذمار والبيضاء وصنعاء وإب ومقر القيادة في ذمار.
"إن أكثر صراعات اليمن الثلاثة استعصاءً هي الحرب الأهلية القبيحة المتصاعدة على نحو مُطّرد. كانت هذه الحرب موجودة قبل أن تتدخل السعودية والإمارات العربية المتحدة في اليمن" يقول جونسن.
ويضيف في تحليل نشرته الاثنين الماضي، مؤسسة "لاوفير" الأميركية لقضايا الأمن القومي: "سوف تستمر الحرب لفترة طويلة حتى بعد مغادرتهم (السعودية والإمارات). للأسف، هذا يعني أن أسوأ ما في القتال في اليمن قد يبقى ماثلاً أمامنا، فمن المرجح أن يتفكك التحالف المحلي المضطرب المناهض للحوثي، والذي تم جمعه في الغالب من قبل التحالف، وذلك عندما تنسحب السعودية والإمارات العربية المتحدة. وسوف يرغب الكثير من الجنوبيين، بغض النظر عن الجدوى الاقتصادية، في الانفصال. والرئيس هادي لديه القليل من الدعم العسكري الذي يمكن أن يعتمد عليه خارج ألوية الحماية الرئاسية الخمسة. ونائب الرئيس علي محسن الأحمر، أحد الموالين السابقين لصالح، كان قد تعرض للهزيمة من قبل الحوثيين مرة واحدة، ودعمه من داخل الجيش غير مستقر في أحسن الأحوال. وما تبقى من الشبكة العسكرية للرئيس السابق علي عبد الله صالح وقوامه 3 آلاف رجل، سيواصلون القتال. كما ستواصل القتال حفنة من قوات الوكالة التي تلقت تدريباً جيداً في الإمارات، ومجموعات سلفية متعددة وعدة ميليشيات محلية مختلفة".
بالنسبة لمعركة السيطرة على الحديدة فالأنباء تشير إلى تأخر حسمها على الرغم من أن التحالف العربي يدفع بقوات كبيرة الى ساحة المعركة، لكن مؤشرات استمرار المعركة تبدو هي الأرجح.
يوضح موقع "أميريكان كونسيرفاتيف" أن "استراتيجية المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة من أجل إلحاق الهزيمة بالحوثيين، تقوم على تجويعهم ودفعهم للخروج من الحديدة، حتى وإن كان الأمر يعني الموت البطيء للمئات، والآلاف، أو حتى الملايين من المدنيين اليمنيين".
ويضيف أن "تركيز قوات التحالف العربي منذ العام 2015، أنصب على استهداف المزارع، والأراضي الزراعية في اليمن، إلى جانب منشآت البنى التحتية الأخرى، وهي استراتيجية تترافق مع نقص الإمدادات الغذائية والإغاثية الواردة إلى البلاد، على نحو دفع بعض اليمنيين إلى أن يقتاتوا على ورق الشجر، لكن خسارة الحديدة سوف تشكل ضربة استراتيجية قوية، بالنسبة للحوثيين".
ونشرت وكالة "أسوشيتد برس" تقريراً مصوراً يظهر مواطنين يأكلون أوراق الشجر بعد أن عجزوا عن الحصول على الغذاء. لكن موقع "أميريكان كونسيرفاتيف" يعتقد أن نجاح التحالف العربي في السيطرة على الحديدة ـ في حال تحقق ـ "لن يسفر عن شيء لناحية وقف القتال، حيث أنه من المرجح أن يشكل بداية فصل جديد، وأكثر فتكاً في حرب اليمن، التي دخلت عامها الرابع".
يوضح الموقع بتفصيل: "حتى في حال تمكنت الميليشيات العسكرية المدعومة من السعودية والإمارات، من السيطرة على ميناء الحديدة، فإن ذلك لن يعوق قدرة الحوثيين على القتال، كونهم يحتفظون بسيطرتهم على المنطقة الجبلية الشمالية الغربية من اليمن، والتي تشكل أرضاً مثالية لخوض حرب عصابات طويلة الأمد".
ويضيف الموقع: "على بعد 40 ميلاً من الحديدة باتجاه الداخل، تمتد الجبال المطلة على المنطقة الساحلية، وتشكل جداراً منيعاً على وجه تقريبي. فهناك عدد قليل من الطرق الواصلة بين تلك المناطق الجبلية والحديدة، وهي تخضع لإشراف سلسلة من النقاط العالية، والتي يمكن الدفاع عنها بسهولة من قبل مقاتلي أنصار الله. فإذا كان أمر الوصول إلى الساحل اليمني المطل على البحر الأحمر، وهي منطقة مسطحة، وسهل إمدادها تسليحياً ولوجستياً، استغرق من الميليشيات المدعومة سعودياً وإماراتياً، عامين كاملين، فكم من الشهور والسنوات سيستغرق الأمر من قبل الجماعات نفسها، وهي كناية عن فصائل متناحرة في ما بينها، من أجل شق طريقها عبر جبال اليمن إلى العاصمة صنعاء؟".
بالنسبة لجونسن، فـ"لم يعد هناك يمن واحد. هناك عدة يمنات وليس هناك فرد واحد أو مجموعة قادرة على إعادة توحيدهم في كُل متماسك".
ويضيف: "اليمن لديها الكثير من المجموعات التي تملك الكثير من البنادق، ولن تكون دولة موحدة مرة أخرى. وفي نهاية المطاف، ستستمر الحرب الأهلية، التي تم استغلالها في النزاع الإقليمي على مدى السنوات الثلاث الماضية، وعندما يحدث ذلك، سيكون القتال الذي سينتج عنها دامياً وطويلاً".