تجاهل المواطنون في عدن وعدد من محافظات جنوب اليمن الدعوة التي أطلقها المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً أمس الأول الأربعاء، للسيطرة على المرافق السيادية والإيرادية وإدارة جنوبي البلاد.
وتسير الأمور بشكل طبيعي في هذه المحافظات ما عدا حريق شب صباح اليوم الجمعة، في مبنى عسكري في عدن وتحديداً في مديرية التواهي التي تخضع لسيطرة عسكرية من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي، ومسيرة احتجاجية قام بها العشرات في مديرية كريتر عصر أمس الخميس رافعين شعارات ضد الحكومة اليمنية وهددوا بتصعيد ما أسموها "الانتفاضة" و"السيطرة على مرافق الحكومة".
وكان المجلس الانتقالي الجنوبي أصدر بياناً يوم الأربعاء 3 أكتوبر الجاري يؤكد فيه "عدم التزامه بالشرعية اليمنية ويدعو لانتفاضة شعبية للسيطرة على المحافظات الجنوبية وإدارتها".
وأعلن المجلس الانتقالي الجنوبي في بيانه محافظات جنوب اليمن كافة مناطق منكوبة نتيجة لما أسماها بـ"السياسات الكارثية التي تنتهجها ما تسمى بالشرعية وحكومتها"، وأضاف: "كما نعلن أننا في حل عن أي التزام يربطنا بهما". مؤكداً دعمه لـ"انتفاضة شعبية".
ودعا "قوات المقاومة الجنوبية الباسلة إلى الاستنفار والجاهزية استعداداً لمواجهة مثيري العبث والإفساد لحماية شعبنا في انتفاضته المشروعة حتى تحقيق كامل أهدافه المتمثلة في طرد حكومة العبث وتمكين أبناء شعبنا من إدارة محافظاتهم والاستفادة من عائدات ثرواتهم و إيراداتهم وبناء مؤسساتهم المدنية والعسكرية والأمنية".
لكن المواطنين تجاهلوا تلك الدعوة، وقال بعضهم في سياق حديثهم لوكالة "ديبريفر" للأنباء أنها "دعوة تزيد من توتر الأوضاع في البلاد ويريد أصحابها جر الناس إلى حرب جديدة هم في غنى عنها".
وحذر مجلس الوزراء اليمني (الحكومة المعترف بها دولياً)، في اجتماع له عصر نفس اليوم 3 أكتوبر الجاري، عقده في العاصمة السعودية الرياض برئاسة الدكتور أحمد بن دغر رئيس المجلس، رداً على بيان المجلس الانتقالي الجنوبي، "من أي أعمال شغب من شأنها الإضرار بأمن الوطن ووحدته وشرعية الرئيس هادي والمشروع الاتحادي".
وأكد المجلس "على موقفه الداعم والثابت المساند لفخامة الرئيس المنتخب عبدربه منصور هادي ولشرعيته رئيساً للجمهورية اليمنية، ولمشروعه الاتحادي، الحافظ للدولة والمجتمع، والرافض لكل أشكال التمرد الحوثي والانفصالي، وكل الأعمال الإرهابية".
ووجه المجلس دعوته إلى ما يسمى بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" بالاتجاه إلى العمل السياسي، و"التخلي عن أية تشكيلات عسكرية أو أمنية لا تخضع للسلطة الشرعية"، ودعا "كافة الأطراف إلى العودة إلى مسار العمل السياسي، بدلاً من الدعوة إلى إثارة الفوضى التي سيكتوي بنيرانها الجميع، ولن يُستثنى منها أحد".
وحث مجلس الوزراء اليمني "الأحزاب والقوى الوطنية والمنظمات الاجتماعية وجماهير الشعب إلى رفض الأعمال التخريبية والفوضوية والدعوات المناطقية، التي يدعو لها البعض لتقويض الدولة ومساعي تطبيع الحياة، كما شدد على توحيد الصفوف للحفاظ على وحدة اليمن وأمنها واستقرارها".
كما حذر المجلس "من أي أعمال شغب من شأنها الإضرار بأمن الوطن ووحدته، وأمن وسلامة المواطن اليمني"، مجدداً الدعوة لـ"كل الجماهير إلى رفض كل دعوات الفوضى والتمزق والتقسيم، والتمسك بالمرجعيات الثلاث المبادرة الخليجية وآليتيها وقرار مجلس الأمن 2216 ومخرجات الحوار الوطني".
وطالب المجلس من أسماهم "كافة المخلصين من أبناء اليمن من الأحزاب والقوى الوطنية، بالنضال السلمي العلني لدعم مشروع الدولة الاتحادية، مشروع الشعب اليمني".
وفي مساء اليوم ذاته وصلت اللجنة الاقتصادية إلى عدن قادمة من الرياض وتم ايداع مبلغ 200 مليون دولار قدمتها السعودية، في البنك المركزي اليمني.
وصباح اليوم التالي 4 أكتوبر، قام المجلس الانتقالي الجنوبي عبر عدد من وسائل الإعلام التابعة له وعبر عدد من مناصريه في مواقع التواصل الاجتماعي بنشر خبر لقاء رئيسه عيدروس الزبيدي ونائبه وعدد من قيادات المجلس، في مقر اقامة الزبيدي في أبوظبي، حيث يقضي معظم وقته فيها، مع المبعوث الخاص لأمين عام الأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث، مؤكداً أن "اللقاء خرج بموافقة غريفيث بمشاركة المجلس الانتقالي الجنوبي في المفاوضات القادمة ممثلاً عن جنوب اليمن".
لكن أتضح أن ذلك غير صحيح نهائياً، إذ حصلت وكالة "ديبريفر" للأنباء من مصدر خاص على معلومات تؤكد أن "مارتن غريفيث ملتزم بقرارات مجلس الأمن الدولي بشأن اليمن وأن المفاوضات المحتملة هي بين الحكومة الشرعية وبين الحوثيين، ولا صحة لأي معلومات تروّج لخلاف ذلك".
وكان مارتن غريفيث أعلن مساء الأربعاء 3 أكتوبر، أنه سيقوم بزيارة إلى العاصمة الإماراتية أبو ظبي لمواصلة مساعيه الدبلوماسية بخصوص الصراع في اليمن.
وقال غريفيث في تغريدة نشرها الحساب الرسمي للمبعوث الأممي إلى اليمن على تويتر: "يواصل المبعوث الخاص إلى اليمن مساعيه الدبلوماسية ويتوجّه اليوم إلى أبوظبي حيث يعقد اجتماعات مع قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي وكبار المسؤولين الإماراتيين ويناقش معهم تدابير بناء الثقة واستئناف عملية السلام في اليمن".
ومساء اليوم التالي، أمس الخميس، عقد نائب رئيس الوزراء اليمني وزير الداخلية أحمد الميسري بحضور مستشار رئيس الجمهورية رئيس اللجنة الاقتصادية حافظ معياد، اجتماعاً خاصاً في عدن، في اشارة واضحة إلى أن الأمور حتى الآن تسير بصورة اعتيادية في عدن.
وشدد الاجتماع على "ضرورة ترجمة القرارات التي اتخذتها اللجنة الاقتصادية وتنفيذ إجراءاتها على صعيد الواقع, كونها ستسهم في معالجة الأوضاع الاقتصادية والحد من انهيار سعر العملة الوطنية, والعمل على تجاوز التحديات الاقتصادية والسياسية الراهنة التي تمر بها البلاد حاليا كتبعات حرب الانقلابيين (الحوثيين) العبثية على الدولة وما قاموا به من أعمال نهب لثرواتها ومقدراتها واستحواذهم على اموال البنك المركزي بصنعاء والمقدرة بخمسة مليارات دولار, وتسخيرها لحروبهم ضد اليمنيين".
وسبق الاجتماع في اليوم ذاته، 4 أكتوبر، إصدار وزارة الداخلية اليمنية بيان أكدت فيه "أن أجهزتها الأمنية لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه أي أعمال فوضى وتخريب تطال مؤسسات الدولة ومرافقها وتعطيل مصالحها واقلاق السكينة العامة وتهديد السلم الاجتماعي تحت أي غطاء أو مبرر"، وذلك في رد واضح على بيان المجلس الانتقالي الجنوبي الذي أكد فيه عدم فك ارتباطه بالشرعية وعدم التزامها بها، داعياً لانتفاضة شعبية للسيطرة على المحافظات الجنوبية وإدارتها.
وأكدت وزارة الداخلية في بيانها أنها "تعلن عن موقفها الواضح والصريح بكل وحداتها الأمنية من بيان ما يسمى بالمجلس الانتقالي غير المسؤول والداعي إلى الفتنة والفوضى تحت غطاء شعبي وسلمي وهمي"، مشيرة إلى أن "شعبنا اليمني يعيش في ظروف معيشية استثنائية وغاية في الصعوبة جراء تداعيات الحرب التي فرضها الانقلابيون عليه منذُ ثلاث سنوات على التوالي ويستوجب على الجميع استشعار واستدراك ذلك بمسؤولية وطنية وأخلاقية".
ومساء أمس الخميس، أعلن مارتن غريفيث عن "خطة دولية عاجلة، ستنفذ خلال أسبوعين، لإنقاذ الاقتصاد في اليمن، ووقف انهيار العملة المحلية الريال"، متجاهلاً ما دعا إليه المجلس الانتقالي الجنوبي في ما يتعلق بـ"السيطرة على المرافق السيادية والإيرادية و إدارة جنوب اليمن".
وأكد غريفيث ان "أفضل سبيل لحل الأزمة الإنسانية في اليمن هو إصلاح الاقتصاد، ومن ثم فإن الحد من هبوط العملة المحلية الريال يأتي على رأس الأولويات الدولية".
غريفيث أشار إلى أن "الأمم المتحدة تناقش خطة طارئة للحد من هبوط الريال واستعادة الثقة في الاقتصاد اليمني". مؤكداً "أن البنك وصندوق النقد الدوليين سيعملان خلال أسبوعين على توحيد البنك المركزي اليمني والمساعدة على مواجهة انهيار أسعار العملة".
وأضاف: "داخل الأمم المتحدة، نتحدث عن الحاجة لمثل هذه الخطة الرئيسية، مجموعة من الإجراءات الفورية التي تتخذ على مدى أسابيع يمكن أن يجتمع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ووكالات الأمم المتحدة، والخليج بالطبع، وحكومة اليمن لمناقشتها".
وعبر المبعوث الأممي عن أمل "الأمم المتحدة في استئناف المشاورات بين الأطراف المتناحرة في اليمن وهما الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، والحوثيين، وذلك بحلول نوفمبر المقبل"، في دليل جديد ينفي عدم صحة الأخبار التي يروّج لها المجلس الانتقالي الجنوبي بصفته الممثل الوحيد لجنوب اليمن، وهو مكوّن يدعو الى انفصال جنوب اليمن عن شماله بقوة السلاح.
غريفيث أشار أيضاً إلى أنه "اقترب من التوصل إلى حل يهدف إلى تفادي المزيد من مفاجآت اللحظة الأخيرة". و أضاف: "ما أريد حدوثه هو أن نتمكن خلال الأسبوعين القادمين على أقصى تقدير من حل تلك المشكلات، حتى نستطيع عندئذ أن نقول: حسناً، نعرف الآن الأساس اللوجستي لدينا، فلنعد إلى الطاولة".
وقال: "أريد أن يبدأ ذلك في نوفمبر، لكن لا أستطيع التنبؤ الآن، نظراً لأنه يجب علينا أن نزيح تلك المشكلات اللوجستية عن الطريق". مشيراً "إلى أن المحادثات ربما تُجرى في أوروبا"، لكنه امتنع عن تحديد المكان.
بالنسبة إلى الأحداث في جنوب اليمن، وبعد مرور نحو 72 ساعة من دعوة المجلس الانتقالي الجنوبي للسيطرة على المرافق السيادية والإيرادية في جنوب اليمن وإدارته، وحتى ساعة كتابة هذا التقرير الخاص، لم تسجل أي حوادث تشير الى قيام مواطنين بالسيطرة على أي مرفق سيادي أو إيرادي في العاصمة المؤقتة عدن.
لكن معلومات خاصة حصلت عليها وكالة "ديبريفر" للأنباء أفادت بقيام مجاميع مسلحة تتبع المجلس الانتقالي الجنوبي منذ إصدار بيانه، بالانتشار بالقرب من مناطق دخول عدن من جهة محافظة أبين التي ينتمي إليها الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، وتم تعزيز بعض النقاط الأمنية في عدد من مديريات المدينة بـ"عدد من الجنود الاضافيين الذين ينتمون إلى ألوية الحزام الأمني المدعومة إماراتياً".
وقال دبلوماسي يمني لوكالة "ديبريفر" للأنباء فضّل عدم الكشف عن هويته لأن ذلك سيعرض حياته للخطر، إن المجلس الانتقالي الجنوبي "كان يراهن على خروج مواطنين في عدن للاستيلاء على عدد من المرافق الحكومية وسيقوم بعدها بحمايتهم ومن ثم يقوم باستكمال سيطرته المسلحة على كل المرافق الحكومية في عدن، لكن ذلك لم يحدث". وأضاف: "الوضع ما زال متوتراً ونأمل أن لا يقودنا ذلك إلى صدام مسلح ونغرق في حرب جديدة".