أراد الرئيس الجديد للحكومة اليمنية "الشرعية" المعترف بها دولياً، إيصال رسالة مفادها أنه مسؤول عملي لا يهتم بالرسميات، ولذلك انطلق في رحلة من الرياض السعودية إلى محافظة المهرة اليمنية شرقي البلاد التي ضربتها عاصفة "لبان" المدارية وحوّلتها إلى منطقة منكوبة، في محاولة من حكومته لمعالجة تداعيات العاصفة.
عمد الدكتور معين عبدالملك الرئيس الجديد للحكومة اليمنية، وهو شاب في بدايات الأربعين من عمره وكان يشغل حقيبة وزارة الأشغال العامة والطرق في حكومة سلفه الدكتور أحمد بن دغر، إلى أن يبدو غير متكلف فور ظهوره في المهرة الأربعاء الفائت، إذ بدا ببدلة سوداء عادية بدون ربطة عنق وإلى جانبه عدد قليل من المسئولين يزورون عدداً من المناطق ويلتقي ببسطاء الناس ليبدو مختلفاً عن سابقيه، على الرغم من أن زيارته الميدانية هذه، وفق مراقبين تحدثوا لوكالة "ديبريفر" للأنباء، "تأخرت كثيراً".
تأثيرات العاصفة المدارية "لبان" التي ضربت المهرة، شرق اليمن، على مدار يومي 18 و 19 أكتوبر الجاري، تراجعت، بعد أن ضربت عدداً من مديريات المهرة وأدت إلى مقتل 12 شخصاً وإصابة 125 وفقدان 25 آخرين وتشريد نحو 3750 أسرة فضلاً عن تضرر مساحات واسعة من الأراضي الزراعية وتدمير المنازل والبنية التحتية.
خلّفت عاصفة "لبان" أضراراً فادحة في البنية التحتية الخدمية في المهرة وفي مساكن المواطنين وممتلكاتهم، فيما حاصرت السيول أعداداً من الأسر، وخصوصاً من أولئك الذين بدت مساكنهم أضعف من أن تصمد أمام هطول الأمطار الغزيرة، وهو ما أدى إلى انهيار بعضها ووصول المياه إلى أجزاء كبيرة من مساكن أخرى، من تلك المبنية بالأحجار والطين، والتي لم تصمد أمام كثافة الأمطار سوى ساعات. وتم قطع العديد من الطرقات وتهدم عدد من الجسور. كما انقطعت خدمات الكهرباء والإنترنت عن المهرة منذ صباح الاثنين، وتعطّلت سُبل التواصل مع من هم خارجها أو التنقل داخلها.
وقال معين عبدالملك في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" إن زيارته برفقة "عدد من الوزراء إلى محافظة المهرة تأتي للوقوف على الآثار التي خلفتها العاصفة المدارية لبان، والعمل من الميدان جنباً إلى جنب مع السلطة المحلية". وأضاف: "لن تكون زيارة بروتوكولية بقدر ما ستكون زيارة عملية من الميدان وتدشين مرحلة التعافي".
يواجه الرئيس الجديد للحكومة الشرعية في اليمن، وينحدر من محافظة تعز جنوب غرب البلاد، تحديات كبيرة وعراقيل جمة خلافاً لملف المهرة المنكوبة، فهو إلى الآن يواصل عمله بنفس الوجوه الوزارية السابقة، في حين كان المتوقع وفق مراقبين تحدثوا لوكالة "ديبريفر" للأنباء "إعلان تشكيل حكومي جديد خلفاً للحكومة السابقة" وهو ما لم يحدث.
وتقول الأمم المتحدة إنّ الأزمة الإنسانية في اليمن، هي الأسوأ في العالم في الوقت الراهن، وإن حوالي ثمانية ملايين يمني وصلوا إلى حافة المجاعة، وأدت الحرب إلى مقتل أكثر من 11 ألف شخص.
فضلاً عن ذلك؛ تمثل القوات العسكرية السعودية المنتشرة في محافظة المهرة أحد هذه التحديات التي يتعين على رئيس الحكومة اليمنية الجديد مواجهتها، فعدد من القبائل في المحافظة كادت تدخل في مواجهات مسلحة مع القوات العسكرية السعودية بعد أن منعت فريقاً هندسياً سعودياً باشر بعمل اسقاطات أولية لمد أنبوب نفط سعودي على أرض المهرة، وهو ما اعتبرته هذه القبائل تدخلاً في السيادة الوطنية لليمن.
وكان أفراد مهريون صعّدوا من مناهضتهم للوجود السعودي على أرضهم، وساهموا في حشد قبائل في المهرة لمناهضة الوجود العسكري السعودي في أرضهم، مؤكدين أن "المهرة لن تكون لقمة سائغة أمام السعودية وكل من يريد العبث بأمن اليمن". وشاركوا في اعتصامات لمناهضة قيام شركة سعودية بوضع علامات خرسانية على طول 25 كيلومتر من أراضي المهرة الصحراوية، الواقعة بالقرب من منطقة الخراخير السعودية الحديدة، وذلك لمد أنبوب نفطي سعودي إلى قرب ميناء نشطون المهري.
التصعيد ضد ما يسميه مواطنون يمنيون بـ"الاحتلال السعودي" شمل عدداً من المحافظات التي تقع في جنوب اليمن، وخرج مواطنون كُثر ينددون أيضاً بما أسموه "الاحتلال الإماراتي للجنوب اليمني".
ويرى مراقبون تحدثوا لوكالة "ديبريفر" للأنباء أن أهم التحديات التي تواجه رئيس الحكومة اليمنية معين عبدالملك "تكمن في عودته إلى عدن الخاضعة لسيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي المسلح المدعوم إماراتياً الذي قام بمحاولة انقلاب عسكري ضد الحكومة نهاية يناير الفائت".
وعدن التي تتخذها الحكومة الشرعية في اليمن عاصمة مؤقتة للبلاد؛ هي وفق تقرير لمجموعة الأزمات الدولية صدر في أبريل 2018 "مدينة مأخوذة رهينة في لعبة شد حبال متداخلة: هناك أنصار حكومة هادي من جهة، وخصومهم في المجلس الجنوبي المؤقت من جهة أخرى". ويضيف التقرير: "ثمة نزاع بين مصالح وطنية ومحلية متعارضة يسعى فيه الجميع للسيطرة على الموارد لكن ليس هناك قوة تحكم بشكل فعال".
وشن مناصرون للمجلس الانتقالي الجنوبي في الأيام الفائتة حملة ضد رئيس الحكومة الجديد معين عبدالملك فور تعيينه من قبل رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي، بوصفه ينتمي إلى المحافظات الشمالية وليس إلى المحافظات الجنوبية.
وخلال الأيام الفائتة أيد رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي هذه الانتقادات، وأشار الى أنه لا ينتظر أي شيء من رئيس الحكومة الجديد الذي ينتمي إلى المحافظات الشمالية وأن رئيس الحكومة السابق الدكتور أحمد بن دغر الذي ينحدر من حضرموت أكبر محافظات جنوب اليمن، يعد أفضل كونه كان باستطاعته ايجاد حلول ولو كانت بسيطة، في اشارة اعتبرها مراقبون تحدثوا لوكالة "ديبريفر" للأنباء إلى "صدام قريب محتمل بين الانتقالي ورئيس الحكومة الجديد حال عودته إلى عدن".
وأضاف المراقبون: "عودة رئيس الحكومة الجديد لمباشرة مهامه من العاصمة المؤقتة عدن أمر مهم لمواجهة ملفات عديدة ومن بين هذه الملفات الانهيار الاقتصادي الذي تواجهه البلاد وتدهور سعر العملة الوطنية وارتفاع الأسعار إلى جانب الملف الأمني الشائك بسبب تعدد الجهات المسلحة في عدن التي تتخذها الحكومة الشرعية عاصمة مؤقتة للبلاد".
والثابت في عدن عدم وضع حد لحوادث قتل واغتيالات طالت رجال دين و دعاة وعسكريين ومدنيين وناشطين وصحفيين، كما طالت محافظها الأسبق جعفر محمد سعد وهو وضع محتقن ويسبب قلقاً لا ينتهي، فبدلاً من وجود قوة أمنية واحدة تفرض سلطتها على عدن وعلى كل المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية "الشرعية"، برزت عدة قوى تنازع الحكومة الشرعية في اليمن في فرض سلطاتها على المدينة وباقي المناطق، وصارت هذه القوى تمتلك السلاح الثقيل والمتوسط، وتفرض سيطرتها على أجزاء واسعة من عدن، وعلى عدة محافظات.
ما زاد من صعوبة الملف الأمني الذي سيتعين على رئيس الحكومة الجديد معين عبدالملك مواجهته، قيام موقع أمريكي بنشر تقرير يكشف تورط الإمارات في عمليات الاغتيالات التي شهدتها عدن خلال الأعوام الفائتة وأثار اهتماماً جماهيرياً واسعاً على مستوى الساحة اليمنية ولفت إليه أنظار الكثير من المنظمات الحقوقية خارج اليمن.
في يوم 16 من شهر أكتوبر الجاري نشر موقع "بازفيد" الأمريكي، تقريراً عن فرقة اغتيالات أمريكية استأجرتها الإمارات لتنفيذ اغتيالات في أنحاء مختلفة في جنوب اليمن، وأثار العديد من علامات الاستفهام، وأدى إلى تزايد حالة السخط في أوساط ناشطين ومثقفين وإعلاميين وحقوقيين يمنيين، قابله صمت حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي، التي لم تصدر حتى اللحظة أي موقف حيال التقرير.
ويرى مراقبون أن الإمارات بدأت مؤخراً بضرب "الشرعية" اليمنية ودفعها نحو الإعاقة السياسية، وهو ما جعل هذه الأخيرة تبدو عاجزة وتبحث خجولة عن مخرج هنا وهناك، حتى أن الرئيس هادي غادر إلى الولايات المتحدة الأمريكية مؤخراً، بعد ضغوط سعودية تهدف إلى السيطرة على المهرة، وضغوط إماراتية من أجل الاستحواذ على محافظة شبوة إلى جانب سيطرتها على عدن وحضرموت، وهو ما دفع الرئيس هادي إلى التخلي عن رئيس حكومته الدكتور أحمد بن دغر الذي كان أبرز من وقف ضد هذه الضغوط التي تم ممارستها من قبل أدوات التحالف العربي في عدن، بعد تهديدات باقتحام المؤسسات الإيرادية واستكمال السيطرة على الأرض وفق ما دعا إليه المجلس الانتقالي الجنوبي المسلح.
وكان فريق الخبراء من مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة المعني باليمن رفع تقريراً هاماً عن الأوضاع التي تمر بها البلد التي تشهد حرباً مستمرة لنحو ثلاث سنوات و يعاني منها معظم الناس على نحو كارثي.
وأكد التقرير الذي كتبه خمسة أشخاص من الخبراء، في رسالة مؤرخة 26 كانون الثاني/يناير2018 موجهة إلى رئيس مجلس الأمن من فريق الخبراء المعني باليمن والمكلف بموجب قرار مجلس الأمن 2342 (2017)، أن الدولة اليمنية لم يعد لها وجود، وأن "هناك دويلات متحاربة، وليس لدى أي من هذه الكيانات من الدعم السياسي أو القوة العسكرية، ما يمكنها من إعادة توحيد البلد أو تحقيق نصر في ميدان القتال".
وقال التقرير: "في الجنوب أُضعفت حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي، جراء انشقاق عدد من المحافظين وانضمامهم إلى المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي شكل مؤخراً ويدعو إلى إنشاء جنوب يمني مستقل. وهناك تحد آخر تواجهه الحكومة، وهو وجود قوات تعمل بالوكالة، تسلحها وتمولها الدول الاعضاء في التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية، وتسعى إلى تحقيق أهداف خاصة بها في الميدان. ومما يزيد ديناميات المعركة تعقيدا وجود جماعات إرهابية، كتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وكلاهما يوجهان ضربات بصورة روتينية ضد أهداف حوثية وحكومية وأهداف تابعة للتحالف الذي تقوده السعودية".