بدت دعوة وزير دفاع الولايات المتحدة الأمريكية "جيمس ماتيس" لإيقاف الحرب في اليمن محل ترحيب عدد من الدول الكبرى مثل بريطانيا، كما طالب وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بـ"وقف جميع الأعمال القتالية في اليمن وبدء مفاوضات لإنهاء الحرب".
ويواجه اليمن أزمة إنسانية متنامية هي الأسوأ في العالم وفق تقارير صادرة عن الأمم المتحدة، مع استمرار القتال بين حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي، المعترف بها دولياً والمدعومة من تحالف عربي تقوده السعودية، والحوثيين من يسمون أنفسهم "أنصار الله" المدعومين من إيران الذين استولوا على السلطة في اليمن في 21 سبتمبر 2014.
وانهارت محادثات سلام، كانت من المفترض أن تجري تحت رعاية الأمم المتحدة، في سبتمبر/ أيلول الفائت بإشراف المبعوث الخاص للأمين العام للأم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث.
لكن بالنسبة إلى الأطراف المتصارعة في الحرب الدائرة في اليمن المستمرة منذ أواخر مارس 2015، بدت دعوة ماتيس غير مهمة، وراح كل طرف يعتقد كأنها تستهدفه.
كشف ماتيس عن خطة بلاده في ردوده على الصحفيين عقب كلمته في مؤتمر حول الأمن العالمي في مملكة البحرين، أقيم السبت 27 أكتوبر المنصرم، وشارك فيه عدد من المسؤولين والباحثين مثلوا نحو 21 دولة، وأشار إلى أن خطة السلام المقترحة من قبل بلاده والتي يتم الإعداد لها لإنهاء الصراع في اليمن، ترتكز على "تقسيم البلاد إلى مناطق مع حكم ذاتي بعد عملية تدريجية لنزع السلاح".
أوضح ماتيس أن الجزء الأول من صيغة الحل في خطة بلاده هو "ضمان أن تكون الحدود اليمنية السعودية منزوعة السلاح حتى لا يشعر الناس بأن عليهم أن يضعوا قوات مسلحة على طول الحدود، وألا يكون هناك أكثر من الجمارك وشرطة الحدود هناك لتسريع تدفق البضائع والناس يذهبون ويأتون بشكل قانوني". وأضاف: "ثانياً أعتقد أن نزع السلاح وفق جدول تدريجي طويل، سيكون أفضل، ولن نكون بحاجة صواريخ توجه في أي مكان في اليمن بعد الآن، لا أحد سيغزو اليمن".
لكن ذلك بدا غير مهم بالنسبة الى الأطراف المتصارعة في اليمن؛ إذ تم التركيز على الجزء الذي أثار ردود فعل مضادة للخطة التي ظهرت و"كأنها تدعو الى التأزيم وافتعال أسباب جديدة لنشوب حرب طويلة الأمد لا وضع أسس واضحة لحل سياسي عادل"، وفق مراقبين تحدثوا إلى وكالة "ديبريفر" للأنباء.
يقول وزير الدفاع الأمريكي ماتيس: "سيتم العودة إلى الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، لمنح المناطق التقليدية لـ(سكانها الأصليين)، لكي يكون الجميع في مناطقهم، ولا حاجة للسيطرة على أجزاء أخرى من البلاد، ولنترك الدبلوماسيين يعملون على إضفاء لمساتهم السحرية الآن، لكن ذلك يجب أن يبدأ كما أرى على طول هذين الخطين".
وتابع: "إذا تم الشروع في تنفيذ هذه الإجراءات، سيجد الحوثيون أيضاً فرصتهم، ولن يجدون وقتا أفضل من الآن للانخراط مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة مارتن غريفيث من أجل الحصول على ما أعتقد أنها مصلحتهم الأفضل".
ماتيس زعم أن الحوثيين سيوافقون على تحقيق مصلحتهم الأفضل، وهي حسب قوله: "أنهم في منطقتهم، لديهم مستوى ما من الحكم الذاتي أو بعض القدرة على التآزر معاً والاستماع إلى أصواتهم، إنهم لا يحتاجون إلى أي مساعدة من إيران للقيام بذلك".
لكن محمد علي الحوثي رئيس ما يسمى "اللجنة الثورية العليا" في صنعاء شكك في خطة ماتيس، وقال في تغريدة على صفحته الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي تويتر: "الأمريكيون هم قادة التحالف، لذا فمطالبتهم بـ(إيقاف العدوان) يجب أن يترجموها هم، مع حلفائهم من هم تحت إمرتهم ويسيرون وفق الأهداف التي يحددونها لهم، نحن نعتبرها مطالبة شكلية".
وفي ما يتعلق بالدافع الذي يقف وراء هذه المطالبة، قال الحوثي إن تلك الخطة تمثل "تنصلاً عن مسؤوليتهم، ومحاولة للتخلي عن تصريحاتهم السابقة بعد معرفة العالم بشناعة جرائم عدوانهم".
بالنسبة إلى محمد عبدالسلام الناطق الرسمي باسم الحوثيين، فقد رحب بدعوة الولايات المتحدة لإيقاف الحرب على مضض وأقرنها بشك وشروط.
يقول محمد عبدالسلام إن الحوثيين "على استعداد، للتفاعل الإيجابي مع أي جهود دولية وأممية تتسم بالجدية والمصداقية والحيادية لوقف الحرب" ولكن، يضيف الرجل: "إذا كانت جادةً (واشنطن) لا بد أن تقترن بخطوات ملموسة برفع الغطاء السياسي عن هذه الحرب العبثية، والوقف الفوري لتقديم الدعم اللوجستي والمعلوماتي لطيران العدوان".
وضع محمد عبدالسلام شروطاً أخرى. قال يتعين "سحب الضباط الأمريكيين" من غرف عمليات التحالف الذي أسماه "العدوان"، و"إيقاف صفقات السلاح التي تسببت في قتل الأطفال والمدنيين، قبل الحديث عن وقف الحرب وإفساح المجال لجميع الأطراف لمعالجة سياسية شاملة"، مشيراً إلى أن المؤشرات الأولية لا توحي بجدية الدعوة الأمريكية، لأن "ما نشهده على الواقع هو النقيض، حيث حلفاء أمريكا مستمرون في عمليات التحشيد مما ينبئ عن مرحلة تصعيد عسكري في الساحل الغربي وباقي الجبهات". وأضاف عبدالسلام إنه وفقاً لتجارب سابقة حول دعوات مماثلة صدرت سابقاً "سرعان ما أعقبها تصعيد ميداني".
و أول من أمس الأربعاء 31 أكتوبر ذكرت "رويترز" أن "التحالف العربي الذي تقوده السعودية حشد آلاف الجنود قرب مدينة الحديدة الساحلية غربي اليمن في تحرك للضغط على المسلحين الحوثيين المتحالفين مع إيران للعودة إلى محادثات سلام ترعاها الأمم المتحدة".
وأبلغت مصادر عسكرية يمنية موالية للتحالف العربي "رويترز" بأن التحالف العربي "نشر نحو 30 ألف جندي جنوبي الحديدة التي يسيطر عليها الحوثيون وبالقرب من مدخلها الشرقي". وقال أحد المصادر: "جرى إرسال آلاف الجنود اليمنيين المدربين على يد التحالف إلى مشارف الحديدة بالإضافة إلى نشر أسلحة حديثة تشمل مركبات مدرعة ودبابات... استعداداً لعملية كبيرة في الأيام المقبلة".
وذكر سكان لـ"رويترز" أن الحوثيين "نشروا أيضا قوات في وسط مدينة الحديدة عند الميناء وفي الأحياء الجنوبية تحسبا لأي هجوم".
وصباح اليوم الجمعة 2 أكتوبر أعلن التحالف العربي عن "استهداف قاعدة الديلمي الجوية ومواقع لإطلاق الصواريخ في صنعاء" بحسب وكالة الأنباء السعودية الرسمية.
ونقلت الوكالة عن المتحدث باسم التحالف، العقيد الركن تركي المالكي، قوله إن العملية أسفرت عن "تدمير مواقع إطلاق وتخزين الصواريخ الباليستية ومحطات التحكم الأرضية للطائرات بدون طيار". وأكد المالكي "استمرار عمل مطار صنعاء الدولي أمام حركة الملاحة الجوية للطائرات الأممية والإغاثية".
ووفقا لقناة "المسيرة"، التابعة للحوثيين، فإن أكثر من 30 غارة استهدفت قاعدة الديلمي والمناطق المحيطة بها في صنعاء.
بالنسبة إلى الحكومة اليمنية المعترف به دولياً فقد أبدت في بيان أصدرته أمس الخميس، ترحيبها بدعوة ماتيس لإيقاف الحرب في اليمن؛ لكن وفق المرجعيات المتفق حولها كأساس للحل السياسي.
وأعلنت الحكومة استعدادها الفوري لبحث كل الإجراءات المتصلة ببناء الثقة، وأبرزها "إطلاق سراح جميع المعتقلين والأسرى والمختطفين والمخفيين قسراً، وتعزيز قدرات البنك المركزي اليمني الذي يحظى باعتراف دولي، وإلزام الحوثيين بتحويل إيرادات الدولة في مناطق سيطرتهم إلى البنك المركزي، لتمكينه من إحكام السيطرة على الوضعين المالي والاقتصادي ودفع مرتبات العاملين في الخدمة المدنية".
إجراءات بناء الثقة، وفقاً لبيان الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً تشمل "فتح المطارات وفق خطوات وإجراءات مزمنة تكفل ضمان السلامة، وتمكين الأمم المتحدة من الرقابة على ميناء الحديدة، لضمان عدم خرق بنود القرارات الدولية ذات الصلة، بالإضافة إلى منع وصول الأسلحة والصواريخ الباليستية المهربة من إيران للمليشيات الحوثية".
فضلاً عن ذلك؛ شدد موقف الحكومة اليمنية على مرجعيات الحل السياسي الثلاث المتفق عليها، مشيرة في بيانها إلى "أن مخرجات مؤتمر الحوار الوطني ومسودة الدستور اليمني الجديد، حددت بصورة واضحة شكل الدولة الجديدة التي توافق عليها اليمنيون، وهي الدولة الاتحادية البعيدة عن المركزية، وفق مبادئ العدالة والمواطنة المتساوية والحكم الرشيد".
في ما يتعلق بـ"طرح فكرة الحكم الذاتي"، قالت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً إن "أي حديث عن شكل الدولة اليمنية يجب أن ينسجم مع مخرجات مؤتمر الحوار الوطني". وأضافت: "فهمنا لبعض التصريحات التي صدرت هو في ذلك السياق، وفي الإطار ذاته الذي أقرته المرجعيات المتفق عليها، وليس غير ذلك"، في إشارة إلى أن دعوة ماتيس للحكم الذاتي، تقوم على أساس التقسيم الفيدرالي المقر في مؤتمر الحوار، بتحويل البلاد إلى دولة اتحادية مؤلفة من ستة أقاليم.
لكن المجلس الانتقالي الجنوبي المسلح المدعوم إماراتياً في جنوبي اليمن، فهم دعوة ماتيس باعتبارها تمهّد الطريق له ليحكم جنوب اليمن. وراح رئيسه عيدروس الزبيدي الذي يتعامل على الأرض كأنه رئيس دولة فعلاً، بافتتاح مقر مجلسه الأربعاء 31 أكتوبر في عدن وأخذ الصور التذكارية بالمناسبة، وهو المجلس الذي تأسس بدعم إماراتي رداً على اقالة الزبيدي من منصبه كمحافظ لمحافظة عدن من قبل الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في 27 أبريل 201.
يقول دبلوماسي من جنوب اليمن لوكالة "ديبريفر" للأنباء فضّل عدم الكشف عن هويته لأن ذلك سيعرض حياته للخطر: "تحاول الإمارات فرض المجلس الانتقالي المسلح كسلطة أمر واقع في الجنوب اليمني، وهذا أمر بات واضحاً للجميع مثلما أصبح واضحاً تنامي الصوت الرافض لهذا الأمر ولوجود التحالف العربي في اليمن، وأي استمرار في فرض مثل هذا التوجه الذي تسعى الإمارات لفرضه من شأنه أن يؤسس لحرب جديدة أشد ضراوة من الحرب الراهنة".
بالنسبة إلى المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث، فأكد في 29 أكتوبر لقناة "العربية" على "ضرورة مواصلة العمل من أجل الوصول لحل سياسي في اليمن"، مشيراً إلى "استمرار مساعيه لجمع الأطراف اليمنية لاستئناف المشاورات السياسية في القريب العاجل".
لكن معلومات خاصة حصلت عليها وكالة "ديبريفر" للأنباء أكدت تعثر هذه المساعي، لكنها في الوقت ذاته أكدت على "جدية غريفيث في سعيه لإفساح المجال لأصوات مستقلة من أجل الاستماع لها في سياق المشاركة في الوصول إلى حل سياسي عادل ينهي الحرب على نحو مستدام يحافظ على وحدة اليمن وسلامة أراضيه".
غريفيث عبّر عن القلق الشديد من خطر المجاعة الذي يتهدد الشعب اليمني؛ مؤكداً أنه بينما يجب التعامل مع الوضع الإنساني الحرج في اليمن بمعزل عن التطورات السياسية، فان "الحل السياسي هو لب الحل المستدام للأزمة الإنسانية في اليمن".
وكان غريفيث أكد في شهر أغسطس الفائت جوهر مهمته كمبعوث أممي إلى اليمن، قائلاً: "مهمتي هي إيجاد مَواطِن للاتفاق بين الأطراف، وهذا ما يفعله الوسيط. أنا لست مفاوضاً. الحل يأتي من اليمنيين وليس مني وليس من أي شخص آخر. الأمم المتحدة هنا، كما أنا، لخدمة الأطراف للتوصل إلى اتفاق. وكما قلت في مجلس الأمن علينا أن نعيش مع أشخاص لا نحبهم. هذا يعني أننا بحاجة إلى التوقف عن إدانتهم. إن بناء السلام في اليمن، يتطلّب احترام بعضنا لبعض واحترام وجهات النظر المختلفة بدلاً من إدانة ومعارضة بعضنا لبعض".
وتابع غريفيث في سياق حديثه لـ"الشرق الأوسط": "من الأهمية بمكان أن يتم الاتفاق على استخدام وسائل الإعلام طريقة لبناء التحالفات بدلاً من إدانة الأعداء، هذا أمر سيئ للغاية. لقد قلت في كثير من المناسبات إن الأمل هو عملية الوسيط، وكذلك حسن النية. أحاول ألا أتكلّم بالسوء عن أي من الأطراف لسبب وجيه: نحتاجهم كلهم ليكونوا جزءا من الحل. يطلب مني البعض أن أدين هذا الطرف أو ذاك، ولكني أرفض دائماً. من أهم مهاراتي أنني أجيد الإصغاء، وبالإصغاء يمكنني إيجاد مَواطِن للاتفاق بدلاً من مجالات للاختلاف".
وأضاف: "نحاول أن نتوصّل إلى أن تتفق حكومة اليمن وأنصار الله (الحوثيين) على القضايا الضرورية لوقف الحرب والاتفاق على حكومة وحدة وطنية بمشاركة الجميع. سيتطلب ذلك اتفاقاً موقعاً من قبل الجميع يتضمن أولاً خلق عملية انتقالية سياسية مع حكومة وحدة وطنية تضم جميع الأطراف وفقاً للقرار 2216، وثانياً سيتطلّب وضع ترتيبات أمنية لانسحاب جميع المجموعات المسلحة من اليمن ونزع سلاحها، بطريقة تضمن امتثالها للوعود التي قطعتها. إن تسلسل الترتيبات الأمنية له أهمية كبيرة للنجاح، وكان هناك كثير من النقاش في الكويت حول كيفية القيام بذلك".
بالنسبة لجنوب اليمن؛ يقول غريفيث: "من الضروري أن يدرك الجنوبيون ما سيحدث في المشاورات، ولاحقاً في المفاوضات لأنها ستؤثر فيهم. إن مسألة مستقبل الجنوب لن يتمّ التفاوض بشأنها في هذه المشاورات. بل ستكون جزءاً من نقاش يمني في المرحلة الانتقالية. لقد شرحنا ذلك للجنوبيين، وقد أوضحنا ذلك لجميع المعنيين وهم يوافقون على ذلك". علاوة على ذلك، يضيف: "بصفتي مبعوث الأمم المتحدة أؤمن بسيادة ووحدة وأمن أي دولة، التي هي قيم الأمم المتحدة، فإننا لا ندعم الانفصال، نحن لا ندعم أي انفصال ما لم يكن نتيجة عملية توافقية داخل تلك الدولة العضو، لذلك نحن بالفعل نأخذ الرأي القائل إن وحدة اليمن مهمة، وهي فعلاً كذلك. إذا انفصل اليمن اليوم فسيكون ذلك كارثياً".