تداعيات الحرب في اليمن (2-2): دولة منهارة تتنازعها قوى مسلحة بمشاريع تضليلية لفرض وصايتها على الآخرين (تقرير خاص)

عدن - ديبريفر/ سامي الكاف
2018-05-27 | منذ 6 سنة

من معارك دارت في عدن - أرشيف

 

 لا أحد في اليمن يعرف على وجه الدقة متى يمكن للحرب أن تتوقف وقد دخلت في السنة الرابعة من عمرها، لكن ما زال هناك من يُلوّح بأن نهايتها آتية، ومع ذلك لا يحدد لها موعداً؛ ليس لأنه لا يريد بل لكونه هو الآخر لا يعلم موعداً محدداً لنهايتها.

 

 ومع ذلك ثمة من يراهن على عدم جدوى الذهاب الى تشطير اليمن من جديد. يقول الدبلوماسي عبدالله الحنكي - سفير يمني سابق – لوكالة الأنباء "ديبريفر": "ما كادت الحرب الباردة تنتهي حتى برزت لكل مراقب سياسي حصيف، حقيقة مفادها استحالة بقاء اليمن بصيغة الشطرين، ليس من أجل تطوره وتنميته فقط، بل وللمصالح الدولية المرتبطة بالملاحة كما بموارد النفط والغاز".

  ويوضح الحنكي وجهة نظره بتفصيل: "المؤسف أن حالة الإنهاك الشديدة التي بلغها الجنوب بفعل دورات العنف الدموية التي تملكت سياسته والتي صادفت نهاية الحرب الباردة بانهيار الاتحاد السوفياتي، قد جعلت الجنوب يرمي نفسه في أحضان نظام الشطر الشمالي الذي طالما اختلف معه. وبعيداً عن تفاصيل ونتيجة ما حدث من هروب جنوبي إلى الأمام، فإني أعتقد الآن باستحالة عودة صيغة الشطرين. ولكن أيضاً مع استحالة البقاء باستمرارية ذلك النظام المركزي الفردي المستبد".

 تضمنت مسودة مشروع دستور جمهورية اليمن الاتحادية "مواد تحظر تأسيس الأحزاب والتنظيمات السياسية على أساس عرقي أو طائفي أو مذهبي، كما يحظر عليها المساس بالنظام الجمهوري الديمقراطي أو الحصول على تمويل خارجي أو استغلال الدين في السياسة، ويحظر على أي حزب أو جماعة أو فرد إنشاء أي تشكيلات أو فرق أو تنظيمات عسكرية وأي انتهاك لهذا يعد اعتداء على سلامة الجمهورية وأمنها يعاقب عليه القانون".

 لم تُشر مسودة مشروع دستور جمهورية اليمن الاتحادية إلى مواد تحظر تأسيس الأحزاب والتنظيمات السياسية على أساس ديني.

 تقول المادة (35) من دستور جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي قامت في جنوب اليمن 1967 – 1990: "المواطنون جميعهم متساوون في حقوقهم وواجباتهم بصرف النظر عن جنسهم أو أصلهم أو دينهم أو لغتهم أو درجة تعلمهم أو مركزهم الاجتماعي، وجميع الناس سواسية أمام القانون، و تقوم الدولة بكل ما يمكنها لتحقيق هذه المساواة عن طريق ايجاد فرص سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية متكافئة".

  بالنسبة الى النائب الأسبق لرئيس مجلس إدارة مؤسسة 14أكتوبر الحكومية للصحافة والطباعة والنشر بعدن عبدالفتاح الحكيمي، فإن مشروع الدولة الاتحادية "يتيح فرصة التنافس الإنتاجي الاجتماعي بين أبناء الأقاليم واستثمار قواهم في ما ينفع وليس باعتبارهم مشاريع فتيل حرب كما هو اليوم".

 ويضيف لـ"ديبريفر": "مشروع الحكم الاتحادي بنظام الأقاليم المتعددة هو الأكثر واقعية, إذ يأخذ ليس فقط بمبادئ توزيع السلطة والثروة, ومنع عودة أنظمة الاستبداد, لكنه أيضاً تعبير عميق عن خصوصية مكونات الشعب اليمني الاجتماعية القبلية, والمدنية, كمجتمعات محلية تحتكم الى موروث تاريخي طويل من القيم والمزاج النفسي الخاص الذي يرفض وصاية المستبدين".

مشروع اليمن الاتحادي وأقاليمه الستة

 أكدت المادة 391 من مسودة دستور مؤتمر الحوار الوطني في اليمن، على أن تتكون جمهورية الدولة الاتحادية من 6 أقاليم 4 في الشمال واثنين في الجنوب، وهي: إقليم حضرموت ويتكون من ولايات المهرة، حضرموت، شبوة، سقطرى، إقليم سبأ يتكون من ولايات الجوف، مأرب، البيضاء، إقليم عدن يتكون من ولايات عدن، أبين، لحج، الضالع، إقليم الجند يتكون من ولايات تعز، إب، إقليم أزال يتكون من ولايات صعدة، عمران، صنعاء، ذمار، إقليم تهامة يتكون من ولايات الحديدة ريمة، المحويت، حجة.

 ثمة أكثر من صراع بين عدد من المشاريع السياسية تعتمل في المشهد العام الآن. وفق الحكيمي "يمكن تسمية مشروع الدولة الاتحادية بنظام (ارجع لحولك) ولكن بمنظومة أسس قوانين عصرية تحقق أقصى درجات العدالة الممكنة, أما ان تظهر كيانات عصبوية عنصرية سلالية لفرض وصايتها على الآخرين كما هو حال مشروع دويلات الحوثيين في الشمال والمجلس الانتقالي في الجنوب, فهذه مشاريع دمار قادمة".

 الأمر ذاته مختلف تماماً عند من يمثل المجلس الانتقالي الجنوبي. يقول نائب رئيس الدائرة الإعلامية في المجلس الانتقالي الجنوبي منصور صالح لـ"ديبريفر": "من وجهة نظر سياسية وانطلاقاً من واقع المشكلة في الجنوب والتي وصلت إلى قناعة بفشل مشروع الوحدة فإن الحل الأنسب هو عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل ٢٢ مايو 19٩٠م مع توفير اتفاقات ملزمة للطرفين بوجود علاقات استثنائية تستوعب الخصوصية تحفظ المصالح الخاصة للشعبين والتي تكونت في عهد الوحدة".

 لكن ما يقوله منصور صالح يتعارض تماماً مع ما يدعو إليه المكون السياسي الذي ينتمي إليه. يدعو المجلس الانتقالي الجنوبي ليس إلى عودة الأوضاع الى ما كانت عليه قبل ٢٢ مايو 19٩٠؛ بل إلى تأسيس جمهورية الجنوب العربي الفيدرالية، وقد أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي عن ذلك في وقت فائت من العام الماضي، وشطب من شعار الدولة السابقة في جنوب اليمن، الذي اتخذه شعاراً لمكونه السياسي، اسم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية لتتوافق النتيجة مع هوية الجنوب العربي.

 على مستوى الشارع يتحدث كثير من الناس عن كون الأطراف السياسية في شمال اليمن وجنوبه لا تمتلك مشاريع سياسية حقيقية تُعبّر عن تطلعاتهم وتحقق لهم ما يصبون إليه.

 تنتشر لوحات إعلانية ضخمة في عدد كبير من شوارع مدينة عدن على نحو لافت لعيدروس الزبيدي كما لم يفعل أحد من قبل، لا في تاريخ اليمن الجنوبي ولا في تاريخ اليمن الشمالي. و يتولى المجلس الانتقالي الجنوبي نشر هذه اللوحات الإعلانية الضخمة على نحو باذخ.

لافتتات ضخمة لعيدروس الزبيدي في أحد شوارع عدن

 

 ينادون عيدروس الزبيدي بسيادة الرئيس و يتعاملون معه وفق ذلك. وبالقدر ذاته تنتشر لوحات إعلانية ضخمة مماثلة للرئيس عبدربه منصور هادي الذي لم يعد قادراً على العودة إلى المدينة.

 يبدو المشهد للمُقارِن كأن الأمر تنافس بين ملاكمين يستعدان لخوض نزال شرس.

 من مقر إقامته في الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية التي تقود التحالف العربي لاستعادة الشرعية اليمنية والحفاظ على وحدة اليمن وأمنه وسلامة أراضيه، يقول رئيس الجمهورية اليمنية عبدربه منصور هادي في خطاب سياسي بمناسبة العيد الوطني الـ28 لقيام الجمهورية اليمنية 22 مايو 1990: "نعد جماهير شعبنا بتحرير كل أراضي الجمهورية وعدم التفريط بذرة تراب من أرضه الواحدة وعدم القبول بالسلام المشوه الذي يعيد إنتاج الحروب والصراعات مرة أخرى".

 يؤكد هادي: "إنّ مشروع الدولة الاتحادية يشكل جوهر مشروع اليمن الجديد الضامن لمستقبل آمن ومستقر ومزدهر، ويعيد الاعتبار لكل اليمنيين شمالاً وجنوباً ممن تعرضوا للمصادرة والاقصاء والنهب والتهميش، وقد كنا على وشك الشروع في البدء بذلك الانتقال لتحقيق تطلعات اليمنيين عقب استكمال مسودة دستور الدولة الاتحادية، لولا الانقلاب المشئوم، الذي أدخل البلاد في دوامة العنف والفوضى والحرب والخراب".

الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي - أرشيف

 

 ثمة من يرى خلاف ذلك تماماً. يؤكد منصور صالح أن "الأطراف السياسية لديها مشاريع سياسية حقيقية لكنها متناقضة بصورة كلية ولا يمكنها أن تتفق فالجنوب يرى في عودة دولته مشروعاً والشمال يرى أن الوحدة مصير وقدر ولذلك فكل مشروع يبدو غير مقبول للطرف الآخر. لكن الايام كفيلة بفرض المشروع الأكثر تعبيراً عن إرادة من يحمله".

 تقوم الإمارات العربية المتحدة بدعم وتمويل مكونات عسكرية في اليمن لا تعترف بالشرعية مثل المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يدعو إلى إقامة جمهورية الجنوب العربي الفيدرالية، وقوات "حُرّاس الجمهورية" التي تغير اسمها لاحقاً الى قوات "المقاومة الوطنية"، وقائدها طارق محمد عبدالله صالح الذي قاتل ضد التحالف العربي لنحو ثلاث سنوات فائتة ما زال غير معترف بهذه الشرعية، وتقاتل هذه القوات الحوثيين الآن في جبهة الساحل الغربي.

 طارق صالح قائد قوات "المقاومة الوطنية" المدعومة إماراتياً

 

 في سياق تقرير لقناة بي بي إس الأمريكية قال نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية في الحكومة اليمنية أحمد الميسري إنه لا يستطيع دخول عدن دون إذن من دولة الإمارات العربية المتحدة.

 اتهم الميسري الإمارات العربية المتحدة بالتحكم في إدارة ميناء ومطار عدن: "لا يستطيع أحد الذهاب إليهما دون أخذ الإذن من الإمارات". وأضاف: "أنا كوزير للداخلية، ليس لدي سلطة على السجون، ما هي قيمتي كوزير للداخلية".

 المشهد في عدن أكثر تعقيداً من ذلك. يقول تقرير حديث لمجموعة الأزمات الدولية عن الوضع في عدن كتبته إبريل لونغلي آلي: "اليوم البنادق في كل مكان، تحملها قوات الأمن في سيارات البيك آب حيث تنصب الرشاشات الثقيلة على ظهرها – بعضها يرتدي اللباس الموحد الرسمي، وآخرون يرتدون خليطاً محيراً من الثياب القبلية والعسكرية – وشباب على الدراجات النارية، بعضهم قد يكون جزءاً من قوات الأمن المنقسمة، وبعضهم ليسوا كذلك".

 يبدو الأمر مختلفاً بالنسبة الى الدبلوماسي عبدالله الحنكي وهو يبحث عن مشروع حقيقي يستجيب لآفاق التطور الإنساني، لا عن ردود أفعال حمقاء مقرونة بقُصر النظر.

 يقول الحنكي لـ"ديبريفر": "لا مشروع سليماً ليمن اتحادي يستجيب لآفاق التطور الإنساني، إلا بدولة مدنية فيدرالية ديمقراطية، وهو ما لا أعتقد أن القوى السياسية المختلفة قد بلورتها. ربما لوّح البعض بما يشي بها، ولكن ليس إلا من قبيل إنقاذ ما تبقى من نفوذه السياسي والاقتصادي الذي اكتسبه من مشاركة النظام السابق للثورة الشعبية أما دعاة المشاريع الصغيرة المنطلقة من ردود أفعال حمقاء مقرونة بقُصر النظر الذي يحاول عبثاً إلباسها أسماء الماضي المهترئة، فهي في حكم العدم مع من يحملها".

 "بالمختصر هي مشاريع عبارة عن (تصبيرة) بحسب المنطوق العامي لمقبلات ما قبل الطعام!" يضيف الحنكي.

 الأطراف السياسية في شمال اليمن وجنوبه بالنسبة إلى عبدالفتاح الحكيمي "ليس لديها مشاريع بناء دولة العدالة الاجتماعية, بل مشاريع دويلات الأحزاب والطوائف والمذاهب, والمناطقية, تعمل لمصالح فئوية ضيقة  فقط, فهي تتقاتل الآن قرابة 4 أعوام بسبب رفضها لحقوق مواطنة بعضها البعض البسيطة, وترفع شعارات الحداثة والعدالة الاجتماعية كواجهة تضليلية فقط, وتمارس نقيض ما تقول".

  يؤكد تقرير مجموعة الأزمات الدولية: "منذ العام 2016، اغتال مهاجمون غير معروفين أكثر من عشرين رجل دين و داعية، معظمهم مرتبطون بحزب الإصلاح الإسلامي السني. لقد حُرق مقر الحزب ويشعر أعضاؤه بأنهم مستهدفون من قبل الأجهزة الأمنية المتحالفة مع الإمارات، والتي تشاطر الإمارات عداءها للحزب. القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية موجودان أيضاً وقد هاجما كلاهما أجهزة الأمن في المدينة ومسؤولي الحكومة".

 

  انتقل مسلسل قتل رجال الدين و الدعاة إلى مدينة أخرى غير عدن. تعاني الآن مدينة تعز من حوادث اغتيالات مشابهة يقوم بها مسلحون مجهولون استهدفت رجال دين و دعاة.

 تقول الحكومة اليمنية انها شكّلت لجنة للتحقيق في هذه الحوادث برئاسة نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية وعضوية رئيسي جهازي الأمن السياسي والقومي ومدير دائرة الاستخبارات العسكرية ومديري أمن عدن وتعز.

 لكن كثيرين يعبرون عن قلقهم حيال ما يحدث، ويتساءلون "عن مدى قدرة الحكومة الشرعية على حل هذا الملف الشائك وهي غير قادرة على أداء وظائفها بشكل عام".

 يتحدث تقرير مجموعة الأزمات الدولية عن الوضع في عدن بمزيد من الجرأة: "الحكومة المحلية بالكاد تعمل. آخر محافظ عينه هادي لم يتسلم فعلياً مهام منصبه ولم يبقَ في المدينة أكثر من بضعة أشهر. نائب المحافظ يقوم بمهامه إلى أقصى درجة يستطيعها؛ لكن بالنظر إلى أن المحافظ شخص محوري لإنجاز الأمور محلياً، فإن الحكومة المحلية في عدن مجمدة. المدينة مأخوذة رهينة في لعبة شد حبال متداخلة: هناك أنصار حكومة هادي من جهة، وخصومهم في المجلس الجنوبي المؤقت من جهة أخرى. وثمة نزاع بين مصالح وطنية ومحلية متعارضة يسعى فيه الجميع للسيطرة على الموارد لكن ليس هناك قوة تحكم بشكل فعال".

  الشيء الثابت والأكيد هو أن الحرب ما زالت مستمرة في اليمن، وما زالت تداعياتها المُدمّرة تُلقي بظلالها القاتمة السواد على كل شبر في البلاد، و كأنها بلا وعي يُنجيها مما هي واقعة فيه.

 و تحاصرها الآن مجموعة من المشاريع التي تُمعِن في جعلها بلا وعي أطول فترة ممكنة.

 يقول عبدالفتاح الحكيمي لـ"ديبريفر": "كل الأطراف والأحزاب اليمنية الراهنة كانت إما صاحبة السلطة كلها في فترة من حياتها أو مشاركة بقوة ومتقاسمة لها مع الآخرين، وجميعها قوى لا يُراهن عليها لأنها خدعت الشعب اليمني طوال عقود .. والرهان هنا على تجديد وتصحيح وعي المجتمع الذي اذا لم يستفد من دروس الخداع القديمة ولا من اللدغات المتكررة القاتلة, فلا ينجر وراء مشاريع أطراف وأحزاب التخلف وتأييد وقاحاتها السياسية".

 


لمتابعة أخبارنا على تويتر
@DebrieferNet

لمتابعة أخبارنا على قناة "ديبريفر" في التليجرام
https://telegram.me/DebrieferNet