انتقد وزير الخارجية البريطاني الأسبق، ديفيد ميليباند، موقف المجتمع الدولي تجاه الأزمة الإنسانية في اليمن، التي هي في الأصل أزمة سياسية، واعتبرها تعبيراً عن انقسام كبير في العالم العربي، ناتجه عن استراتيجية خاطئة اتبعتها دول التحالف بقيادة السعودية، وأدت الى تدمير اليمن في ظل غياب مساعي سياسية جادة.
ودعا الوزير البريطاني الأسبق، المانيا التي على وشك أن تتسلم مقاعداً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وترتبط بعلاقات دبلوماسية جيدة مع إيران، إلى أن تلعب دوراً محورياً في أتجاه حلحلة الأزمة وتخفيف المعانا الانسانية.
وقال المسؤول البريطاني السابق، في مقالة نشرتها له صحيفة "دي تسايبت" الألمانية، أمس الأول، تحت عنوان "لا يوجد عذر للتقاعس عن العمل"، وترجمته وكالة "ديبريفر" للأنباء من الألمانية إلى العربية، إن "الأزمة في الإنسانية في اليمن تعتبر الأسوأ على مستوى العالم، ويجب علينا أن نخجل من كون المجتمع الدولي يقف متفرجا وهذه الأزمة مستمرة في التدهور".
وأضاف: "بالنسبة للكثيرين ممن شهدوا المجاعة في إثيوبيا، لم يكونوا يتصورون أن يشهدوا معاناة بهذا القدر من الجحيم في القرن الحادي والعشرين".
وتابع ميليباند الذي يعمل رئيساً للجنة الإنقاذ الدولية المتخصصة في مجال مساعدات ضحايا الحروب ومقرها في نيويورك: "منذ أن ناشدت الولايات المتحدة الأطراف المتحاربة لوقف القتال، أحتدت وتيرة العمليات العسكرية حول مدينة الحديدة غربي اليمن".
وأوضح أن مدينة الحديدة يقطنها 600 الف مواطن ويمر عبرها 80 بالمئة من الامدادات الإنسانية والتجارية، مما يجعل تلك المناشدات مجرد أقوال من شأنها أن تؤدي إلى عمليات عسكرية أخرى.
وأفاد مليليباند الذي عاد لتوه من زيارة قام بها الى اليمن مؤخراً، بأن الاستراتيجية العسكرية الحالية التي تقوم على قرار مجلس الأمن لعام 2015، "الذي تحول إلى ميثاق حرب، وليس خارطة طريق للسلام، تزيد الأمور سوءاً ليس من الناحية الإنسانية فقط، بل وحتى المستوى الإنساني".
واعتبر أن ما لفت أنتباه العالم إلى أسرة آل سعود، وما يجري في اليمن بفعل الحرب المستمرة منذ ما يقارب 4 سنوات، هو مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، والموت البطيء الذي سببه الجوع لأمل حسين الطفلة البالغة من العمر أربع سنوات، حيث ظهرت هزيلة على سرير مستشفى في شمال اليمن في صورة نشرتها صحيفة نيويورك تايمز.
ووصف مليليباند تلك الصورة بـ"صادمة للعالم"، مؤكداً أن ما يقارب من مليوني طفل في اليمن يعانون من سوء التغذية الحاد، 400 الف منهم على وشك الموت جوعاً، وأن 22 مليون شخصاً بحاجة الى المساعدات الإنسانية، ولا يستطيع أكثر من نصف سكان البلد من الحصول على المياه النظيفة، وهذا كان سبباً في حدوث أسواء تفشٍ لوباء الكوليرا في التاريخ، حيث تضرر 1.2 مليون شخصا من ذلك الوباء في اليمن.
ولفت إلى أن الحرب دمرت أكثر من 50 بالمئة من البنية التحتية الصحية في اليمن، بالإضافة الى محطات معالجة المياه والمزارع والمصانع نتيجة للغارات الجوية، ما جعل اقتصاد البلد في حالة انهيار مضطرد، حيث تدهور قيمة العملة المحلية، فضلاً عن أكثر من مليون موظف مدني لم يتسلموا مرتباتهم منذ سنتين.
وبحسب مليليباد فإن الحرب قادت اليمن إلى حافة الهاوية، وقتلت وجرحت 56 الف شخص منهم 50 في نفس اليوم الذي قتل فيه جمال خاشقجي، معتبراً أن "انقلاب" جماعة الحوثيين (انصار الله) أدى إلى قيام التحالف العسكري بقيادة السعودية بشن أكثر من 18 الف غارة جوية، واشتعال معارك عنيفة في مناطق عدة من البلد.
وقال إن الحرب في اليمن ليست حرباً أهلية بل هي أحد مشاهد الانقسام الكبير للعالم العربي، حيث يقال إن الهجمات الصاروخية للحوثيين على السعودية تعتمد على إمدادات إيرانية.
ورغم الانفاق الهائل من الجانب السعودي على الحرب، الا أن المسؤول البريطاني السابق يؤكد بأن "التكتيك لازال غائب، وبات التحالف الذي تقوده الرياض أكثر انقساماً من أي وقت مضى".
ويعتقد مليليباد أن إيران بعد حرب أربع سنوات في اليمن أصبحت أقوى من ذي قبل، حيث أدى فشل التحالف الذي تقوده الرياض في طرد مقاتلي الحوثيين من بعض المناطق، إلى فوضى وفرت أرضية خصبة للمتطرفين من تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وتنظيم الدولة الإسلامية، ومكنتهم من استغلالها لكسب أتباع جدد.
ويرى أن اهتمام المجتمع الدولي في الوقت الحالي يتركز على الازمة الإنسانية في مدينة الحدية الواقعة على البحر الأحمر، غير أن الحل السياسي الذي يبدو ممكناً حالياً يقتصر على تعهد الحوثيين بوقف هجماتهم على المملكة العربية السعودية، مقابل سلطة لا مركزية للدولة على البلاد كجزء من النظام الدستور الذي سيعاد التفاوض بشأنه.
ويشير الى أن ذلك الحل يتضمن "تبادل الأسرى وتوفير الرعاية الطبية للجرحى. وفوق كل ذلك، تسهيل وصول المعونات الإنسانية والأنشطة الاقتصادية للتخفيف من حالة الأزمة المُلحة، لكن الموضوع الأكثر إلحاحا هو إعادة الاقتصاد إلى مساره".
وفي ذات السياق دعا ميليباند ألمانيا التي ستسلم قريباً مقعداً في مجلس الأمن، إلى أن "تلعب دوراً هاماً في تحويل الكلمات إلى عمل سياسي، وعليها أن تشكل صوتاً قوياً في الغرب للدفع إلى تغيير الاستراتيجية العسكرية الجارية في اليمن".
واعتبر أن قرار مجلس الأمن لعام 2015، تحول إلى ميثاق حرب وليس إلى خارطة طريق للسلام، وهو ما يفرض على المانيا العمل مع بريطانيا وحلفاء أوروبيين آخرين لصياغة قرار جديد يمهد الطريق أمام السلام.
وشدد المسؤول البريطاني السابق، في مقاله الذي ترجمته وكالة "ديبريفر" للأنباء من الألمانية إلى العربية، على أن "هناك حاجة ملحة لقرار يوثق دعوة وزير الخارجية الأمريكي بومبيو لوقف إطلاق النار".
وطالب بالتركيز على تحسين وصول المساعدات الانسانية والتجارية، واستئناف العمل في جميع الموانئ البحرية اليمنية بشكل كامل، وفتح مطار صنعاء أمام حركة المرور الانسانية والتجارية، وتحسين وصول الشركاء في المجال الإنساني وتذليل السبل امام البضائع والواردات التجارية.
وأكد وجود حاجة ماسة إلى دفع مرتبات 1.2 مليون موظف مدني في جميع أنحاء اليمن، بما في ذلك أجور الأطباء والممرضات، وتقديم المساعدة لإنقاذ حياة ملايين المحتاجين.
وقال: "إذا كانت وفاة جمال خاشقجي هي ما ساعد في مسألة اتخاذ إجراءات لتخفيف معاناة الملايين من الناس، فهناك أيضا ضرورة للقيام بعمل سياسي ذو أثر واضح، فلم يعد هناك عذر يدعو للتقاعس عن العمل".
يذكر أن ديفيد ميليباند عمل وزيراً لخارجية بريطانيا في الفترة من العام 2007 إلى العام 2010. ومنذ العام 2013 بات يشغل منصب رئيس لجنة الإنقاذ الدولية ومقرها في نيويورك، وهي مؤسسة تقدم المساعدة للاجئين وضحايا الحرب، لا سيما في مناطق الأزمات. بادر ألبرت أينشتاين لإنشاء هذه المؤسسة ودعمها في العام 1933 لدعم اللاجئين في المقام الأول، وفي بداية الأمر، الفارين من النظام النازي. واليوم، تنشط المؤسسة في أكثر من 40 دولة.