تحسن غير طبيعي للريال اليمني.. والمركزي يحدد "السعر العادل" وسط تحذيرات من ارتدادات عكسية (تقرير ديبريفر)

عدن (ديبريفر) تقرير اقتصادي / ريام محمد مخشف
2018-11-29 | منذ 5 سنة

ما وراء القفزه الهائلة للريال اليمني أمام العملات الأخرى؟

أعلن محافظ البنك المركزي اليمني الدكتور محمد زمام ، مساء اليوم الخميس إن السعر العادل للعملة المحلية "الريال اليمني" مقابل الدولار الواحد هو 450 ريالاً، و 120 ريالاً يمنياً مقابل الريال السعودي الواحد.

وقال زمام في تصريح لوكالة الأنباء (سبأ) بنسختها في عدن والرياض والتابعة للحكومة الشرعية، إن "هذا التحسن جاء نتيجة الإصلاحات النقدية ومنها إدارة الكتلة النقدية بطريقة اقتصادية صحيحة، إضافة لتفعيل أدوات الدين العام المحلي بالإصدار الأول بمبلغ مائة مليار ريال، ووقف الصرف على المكشوف لتغطية عجز موازنة الحكومة، ورفع أسعار الفائدة إلى 28%، تكوين احتياطي من العملات المحلية بمبلغ خمسمائة مليار ريال".

جاءت تقديرات محافظ البنك المركزي اليمني ، لقيمة سعر الريال أمام الدولار، في وقت شهد سوق الصرف منذ مساء أمس الأربعاء وحتى اليوم الخميس، هبوطاً كبيراً غير مسبوق بصورة ليست طبيعية، لسعر الدولار والعملات الأجنبية الأخرى أمام الريال اليمني، ما أثار مخاوف كثير من خبراء اقتصاد من تداعيات الانهيار المتسارع للعملات الأجنبية أمام الريال، وسط استمرار ارتفاع أسعار السلع الغذائية.

وحدد البنك المركزي اليمني، الخميس الماضي، السعر الرسمي للدولار بـ 520 ريالا يمنياً، وذلك لتغطية الاعتمادات البنكية للسلع الأساسية الممولة من الوديعة السعودية. وقالت وثيقة رسمية، صادرة حينها عن محافظ البنك المركزي اليمني محمد زمام، حصلت وكالة "ديبريفر" للأنباء على نسخة منها، إنه نظراً للتحسن الملحوظ في أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الريال اليمني، وانطلاقا من مسئولية البنك المركزي ودوره في إدارة السياسة النقدية، تقرر خفض سعر المصارفة الخاصة بتغطية الاعتمادات المستندية المغطاة من الوديعة السعودية لشراء المواد الأساسية ليصبح سعر الدولار الواحد 520 ريالا بدءاً من  الخميس 22 نوفمبر الجاري.

وأكد محافظ البنك المركزي اليمني، في تصريحه اليوم، انتظام تغطية المواد الأساسية من الوديعة السعودية، واستمرار تدفق المشتقات النفطية من المنحة السعودية إلى أغلب محافظات اليمن.. مشيراً إلى البدء في ترتيبات بنكية مع منظمات الأمم المتحدة لتوريد مساعداتها عبر البنك المركزي وبقية الدول والمنظمات.

وكشف زمام عن اتخاذ البنك جملة من الإجراءات من أجل تفعيل نشاط العملية النقدية وخاصة بعد استلام البنك للوديعة السعودية بمبلغ اثنين مليار دولار، والمنحة السعودية بمبلغ 200 مليون دولار، ومنحة وقود الكهرباء بنحو 60 مليون دولار شهرياً، والتي كان لها الأثر الأكبر في تحسين الاقتصاد، وبالذات وديعة المليارين دولار التي ساهمت في تمكين البنك من تفعيل واستخدام الأدوات النقدية القانونية ومنها التدخل في تمويل بعض السلع الأساسية بحسب نصوص وشروط وثيقة الوديعة.

وأشار إلى أن البنك اتخذ الإجراءات المناسبة لتسهيل استيراد المواد الأساسية بنقص ما بين 5 و 10 درجات من متوسط الأسعار.. مؤكداً أن هذه الأسعار ستكون ثابتة حتى نهاية العام.

وجدد محافظ البنك المركزي دعوته لجميع الجهات المعنية والمسؤولة إلى تكاتف الجهود والعمل بروح الفريق الواحد من أجل مواصلة الجهود الهادفة لمواجهة كافة التحديات الاقتصادية، والمساهمة في تعافي العملة المحلية، وهو الأمر الذي يعد من أبرز القضايا التي تمس مصالح كافة أبناء الشعب اليمني، محذراً من الأخبار غير الصحيحة والمضاربات العكسية.

 

تحسن غير طبيعي للريال اليمني

وارتفعت قيمة الريال اليمني، منذ مساء أمس الأربعاء واستمرت اليوم الخميس بصورة غير مسبوقة أمام الدولار والعملات الأجنبية، بعد أسابيع من الانهيار المخيف وهبوطه لأدنى مستوياته على الإطلاق، ما أثار الهلع والخوف لدى المواطنين جراء هذا الانهيار خشية نتائج وخيمة، خصوصاً في ظل ارتفاع  في أسعار السلع الأساسية لتزداد الأوضاع المعيشية للمواطنين تفاقماً في البلاد التي تشهد صراعاً دموياً منذ أكثر من ثلاث سنوات ونصف أدى إلى "أسوأ أزمة إنسانية في العالم" وفق تأكيدات الأمم المتحدة.

وقال لوكالة "ديبريفر" للأنباء، صرافون ومتعاملون في العاصمة صنعاء ومدينة عدن جنوبي البلاد، إن الريال اليمني واصل ارتفاعه بصورة غير طبيعية  أمام الدولار ليبلغ 350 ريالا للدولار صباح اليوم الخميس، ليعاود للانخفاض مع حلول مساء نفس اليوم ليبلغ 410 ريالا للدولار الواحد للشراء و460 ريالا للبيع بعدما كان 530 ريالا مساء أمس الأول الثلاثاء، وذلك من 485 ريالاً وهو السعر السائد قبل نحو ثلاثة أشهر.

كما انخفض سعر الريال السعودي وسائر العملات الأجنبية في السوق اليمنية المتداولة صباح الخميس، ليصل إلى 80 ريالاً، ليعود للارتفاع من جديد في مساء اليوم الخميس إلى نحو 100 ريالاً، وذلك من 145 ريالا أمس الأول الثلاثاء.

وعملت معظم شركات ومحلات الصرافة في عدن وصنعاء في الصباح على تحويل أي مبالغ صغيرة أو كبيرة من العملة اليمنية إلى الدولار، وعلقت عمليات بيع الدولار والريال السعودي مساء الخميس، وأبقت على نشاط الشراء فقط للعملات الأجنبية خصوصاً الدولار والريال السعودي، بمبالغ محددة، وترفض شراء المبالغ الكبيرة من العملات الأجنبية.

 

تحذيرات من كارثة اقتصادية

ودق التراجع المتسارع للدولار والعملات الأجنبية أمام الريال اليمني، ناقوس الخطر، إذ حذر خبراء اقتصاد واختصاصيين من تبعات هذا الانهيار المتسارع وغير طبيعي للعملات الأجنبية وتعافي الريال اليمني بشكل مفاجئ.

وقال وزير المالية اليمني الأسبق، البروفسور سيف العسلي: "إلى من يهمه الأمر أن كان هناك من يهمه الأمر توقفوا أو أوقفوا هذه اللعبة الخطيرة في التلاعب في أسعار الصرف، واعلموا أن الآثار السلبية لتخفيض سعر الصرف أكثر من الآثار السلبية لارتفاعه، لا بد من استقراره لما لا يقل عن 6 أشهر عند أي سعر ليكون الأمر مقبول، الآن إما ينخفض أو يرتفع وذلك مضر".

وأضاف العسلي في سلسلة تغريدات على صفحته في "تويتر" رصدتها وكالة "ديبريفر" للأنباء: "اعتقد أن اللجنة الاقتصادية أو البنك المركزي أو رئيس حكومة هادي أو هادي أو جميعاً، أوقعوا أنفسهم والشعب اليمني في كمين قاتل أي أنهم لم يكونوا يتوقعون أن تدخلهم المحدود سيكون له تأثير كبير كما حدث فبالغوا في التدخل ولكنهم الآن فوجئوا بتكلفته، فإن توقف عاد للارتفاع وان استمروا نقص".

واتهم العسلي تلك الجهات في الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، بتدمير الاقتصاد الوطني، قائلاً: "لعنة الله على الكاذبين وسينالون عقابهم، إن ما تقومون به تدمير للاقتصاد الوطني يرقى إلى درجة الخيانة العظمى، إنكم تعملون على تدمير الأصول المالية، والحقيقة سيفلس عدد كبير من صغار التجار وسيتضرر المغتربين الذين يعتمدون على ذلك للبقاء على قيد الحياة، أن الأمر ليس مزحة ولا لعبة، الأمر خطر".

وواصل العسلي تغريداته الحادة ضد حكومة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي المعترف بها دولياً، بالقول: "إنني على ثقة أن ما يجري للريال اليمني شيء لا علاقة له بالاقتصاد ولا بالسياسة، إنما هو عذاب من الله، هذه اللعبة لن تستمر طويلا وسيعود الريال إلى وضعه الطبيعي أي ما بين 700 وألف ريال، ولكن لا أدري متى ومن أراد أن يصدقني فهو حر، ومن لم يرد أن يصدقني فهو حر أيضاً، هذا رأي علمي والعالم ليس ضامننا".

وأضاف وزير المالية الأسبق: "البنك المركزي يجب أن يراعي مصالح كل الشعب التاجر والمواطن أولاً، وثانيا أن خدماته ضرورية للمواطنين الآخرين ورأس ماله جزء من الرأس المال الوطني أن أي مسؤول لا يكترث بأي مكون من مكونات المجتمع هو فاسد، يجب على محافظ البنك أن يتحمل المسؤولية عن الجميع، فإن كان هذا هو رد المحافظ، فهو كارثة كارثة".

ووجه العسلي نقد حاداً لمحافظ البنك المركزي اليمني حيث قال: "إلى محافظ البنك في عدن، كان لدي انطباع أنك قد درست مبادئ الاقتصاد الكلي والذي من أبجديته أن البنك المركزي يجب أن يوازن بين تكلفة وعائد الاستقرار، لتحقيق معدل نمو اقتصادي، أي أن السيطرة على الأسعار يعني وجود بطالة وزيادة للنمو يعني زيادة في الأسعار، تخفيض الأسعار 75% جنون".

وأكد أنه "من المفترض إن كان محافظ البنك يفهم مبادئ الاقتصاد الكلي فقط، فعليه أن لا يسمح بحدوث ذلك الارتفاع وبالتالي فلماذا لم يستخدم ما يزعم أنه استخدمها لتخفيض الدولار لمنع حدوث الارتفاع، الحقيقة أنه لا قدرة للبنك على التخفيض أو الرفع وما حدث حدث في البداية عفوياً ثم عمل لزيادة ضرره كان عليه أن يصمت".

 

فخ من المضاربين

من جهته وجه المحلل الاقتصادي مصطفى نصر، نصيحة للرأي العام مساء الخميس، قائلاً: " نصيحتي: لا تنخدعوا بالهرولة غير المبررة للدولار في السوق اليوم، فقد يكون فخ من المضاربين لشراء الدولار والسعودي. المنطقي أن يكون السعر قريباً من السعر الرسمي".

وكان المحلل مصطفى نصر، وهو رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي في اليمن، قال في منشور على صفحته بالفيسبوك ، مساء أمس الأربعاء: "من الطبيعي أن يستمر هذا التحسن في سعر الريال اليمني مقابل الدولار والعملات الصعبة طالما وأن البنك المركزي مستمر في تمويل استيراد السلع الأساسية وتغطية احتياجات التجار من الدولار، وسحب الريال من السوق من خلال بيع السندات والصكوك حيث تم بيع شراء مائة مليار ريال خلال الفترة الماضية ويعتزم البنك شراء كمية أخرى من الريال مقابل فائدة مرتفعة".

وأشار أيضاً إلى دور التوقف عن طباعة مزيد من العملة المحلية وطرح كميات كبيرة من النقود المحلية في السوق، وضبط العملة المحلية المسلمة لبعض الجهات الحكومية بالريال اليمني كمرتبات وغيرها، في تحسن العملة المحلية، حيث مثلت أحد أدوات المضاربة بالعملة في السوق، حد تعبيره.

وأكد نصر أن كل تلك العوامل بالإضافة إلى العامل السياسي المتمثل في التوجه الذي يبدو جاداً لدعم الحكومة اليمنية "الشرعية" الحالية من قبل الإمارات والسعودية. لكنه اعتبر أن هذا التحسن يبقى مؤقتاً وغير قابل للديمومة ما لم يتم إيجاد مصادر مستدامة لتمويل احتياجات البلد من العملة الصعبة.

وأضاف: "البعض يتساءل الي أين سيتوقف سعر الريال، وأقول من الصعب التكهن بذلك لأن ذلك محكوم بالسياسات والقرارات التي تطرقنا لها آنفاً والثمن الذي ستدفعه الحكومة مقابل ذلك الاستقرار، والقضية يحكمها العرض والطلب" .

 

احذروا الهجمة المرتدة

بدوره قال الخبير الاقتصادي الدكتور محمد بن همام، الأستاذ في كلية الاقتصاد والإدارة بجامعة عدن إن "الحكومة تحتفل بما تعتقد بأنه النجاح في إنعاش الريال وإخراجه من حافة الانهيار.. والمواطن يتساءل أين ثمار النجاح فلازال يبحث عن تحسن حقيقي لأسعار السلع فلا يجده إلا في إعلام وخطابات الحكومة ومازال ينتظر، وخوفنا أن يطول انتظاره".

وأضاف في منشور في صفحته بالفيسبوك: "لازلت عند اعتقادي بأن تحسن قيمة الريال اليمني أمام العملات الأخرى يعد تحسن غير حقيقي حتى اللحظة، وفي ضوء مارشح على السطح من مؤشرات مالية واقتصادية، فهذا التحسن الظاهري ناتج عن انكفاء الطلب والمضاربة مؤقتاً والذي كان يدار ممن يمتلكون السيولة العالية من الريال ويتحكمون في إدارته بدرجة أساسية، وأيضا ناتج عن لجم الطلب الحقيقي للتجار بإجراءات قمعية وبوليسية".

وأشار إلى أن "هذه المعالجات لاتخلق استقراراً أو تحسناً حقيقياً، فبعد حين سوف ينشط الطلب من تحت الطاولة بأشكال مختلفة وسوف يعود المضاربون لتجريف السوق وسوف ينادون هل من مزيد".

وأردف: "وهنا وجب الخوف والتحذير من الهجمة المرتدة وخطورتها على قيمة الريال، فالتحسن ليس وليد إضافة إنتاجية أو نتاج سياسات نقدية ومالية مستدامة انعكست في تحسن اقتصادي حقيقي يمكن الارتكاز عليه، وبالتالي مع أول طلب حقيقي سوف ينكشف الريال ويعود إلى سابق عهده من التدهور المتصاعد، فالتحسن الحقيقي لقيمة الريال يجب أن يعكس نفسه على أسعار السلع والخدمات بشكل عام، أيضا يجب أن يصاحبه قدرة واستعداد البنك المركزي على مواجه حاجه المجتمع والتجار للدولار بالسعر الذي يحدده أي تلبية الطلب السوقي، ولا أعتقد أن هذين المؤشرين قد تحققا".

وحذر الدكتور بن همام بشدة من ما أسماه "الهجمة المرتدة لأنها لن تمهلنا كثيراً، إن تحققت فسوف تقضي على ما تبقى من آمال في إحداث تحسن حقيقي للاقتصاد يستند على أدوات حقيقية" حد قوله.

ويعيش اليمن منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات ونصف، صراعاً دموياً على السلطة بين الحكومة المعترف بها دولياً مدعومة بتحالف عربي تقوده السعودية، وقوات جماعة الحوثيين (أنصار الله) المدعومة من إيران.

وينفذ التحالف، منذ 26 مارس 2015، عمليات برية وجوية وبحرية ضد جماعة الحوثيين في اليمن، دعماً لقوات الرئيس هادي لإعادته إلى الحكم في صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون وأغلب المناطق شمالي البلاد منذ سبتمبر 2014.

وأسفر الصراع في اليمن عن مقتل نحو 11 ألف مدني، وجرح مئات الآلاف، وتشريد ثلاثة ملايين شخص داخل البلاد وفرار الآلاف خارجها.

وتصف الأمم المتحدة الأزمة الإنسانية في اليمن بـ"الأسوأ في العالم"، وتؤكد أن أكثر من 22 مليون يمني، أي أكثر من ثلثي السكان، بحاجة إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية والحماية العاجلة، بمن فيهم 8.4 مليون شخص لا يعرفون كيف سيحصلون على وجبتهم المقبلة، ويعاني نحو مليوني طفل من النقص الحاد في التغذية.


لمتابعة أخبارنا على تويتر
@DebrieferNet

لمتابعة أخبارنا على قناة "ديبريفر" في التليجرام
https://telegram.me/DebrieferNet